تحليل

حول التفاهم الكوردي-الكوردي

23-06-2020


 

RRC | حسين عمر  |

بعد أكثر من ثلاثة أشهر من الحوارات بين المجلس الوطني الكوردي في سوريا (ENKS) وحزب الاتحاد الديمقراطي، بداية، ومن ثمّ ضمن حلفائه في إطار أحزاب الوحدة الوطنية الكوردية (PYNK) – ائتلاف يضمّ خمسة وعشرين حزباً، أكبرها الاتحاد الديمقراطي-، انطلقت بشكلٍ سرّي، برعاية السفير وليام روباك، نائب المبعوث الأمريكي الخاصّ للتحالف الدولي، ومظلوم عبدي، القائد العامّ لقوات سورية الديمقراطية (HSD)، ثمّ ظهرت للعلن، أصدر الطرفان المتحاوران بياناً مشتركاً إلى الإعلام والرأي العام، في 16 حزيران/يونيو 2020، أعلنا فيه توصّلهما “إلى رؤية سياسية مشتركة ملزمة والوصول إلى تفاهمات أولية واعتبار اتفاقية دهوك عام 2014 حول الحكم والشراكة في الإدارة والحماية والدفاع أساساً لمواصلة الحوار والمفاوضات الجارية بين الوفدين بهدف الوصول إلى التوقيع على اتفاقية شاملة في المستقبل القريب”.

ما أهمية هذا البيان؟

تكمن أهمية هذا البيان، أوّلاً، في تعبيره عن أوّل منجز حقيقي للمفاوضات، وتجاوزها بذلك مرحلة الشكّ والتشكيك في إمكانية مواصلتها من عدمها؛ وإظهاره، ثانياً، بأنّ الأطراف المتحاورة، عدا عن توصّلها إلى رؤية سياسية مشتركة بشأن الموقف من حلّ المسألة السورية، والطرح الكوردي لهذا الحلّ، والموقف من النظام والمعارضة، قد اتّفقت على أساس المفاوضات حول المسألتين الرئيسيتين المتعلقتين بالجانبين العسكري والإداري، حينما أقرّا بأن تكون اتفاقية دهوك أساساً لمواصلة المفاوضات حولهما.

وممّا لا شكّ فيه، ما كان لحزب الاتحاد الديمقراطي وحلفائه أن يقبلوا باعتماد هذه الإتفاقية أساساً لمواصلة المفاوضات، لو لم تقرّر مرجعيتها صاحبة القرار القبول بعودة قوات (بيشمركة روج)، التي يعتبرها المجلس جناحه العسكري، وجعل الإدارة القائمة إدارة مشتركة.

جولة جديدة وشيكة للمفاوضات

حالما تمّ الإعلان عن البيان المشترك، غادر وليام روباك، ممثّل بلاده في رعاية المفاوضات، المنطقة. وحسب المعلومات المتوفّرة، فإنّ مهامه في المنطقة قد انتهت – ما لم تمدّد له من قبل الخارجية لمواصلة الإشراف على المفاوضات- وأنّ الخارجية الأمريكية قد كلّفت نائبته زهرة بيللي بالإشراف على الجولة المقبلة من المفاوضات التي يُتوقّع لها أن تبدأ خلال هذا الأسبوع، إذ أنّ الطرفين جاهزان لبدئها، وقد ناقش كلّ منهما، داخلياً، رؤيته وتصوّره لها. في الشأن العسكري، ثمّة اعتقادٌ بأنّ هذا الملفّ يُناقشُ في مسارٍ موازٍ للتوصّل إلى صيغة للدمج بين القوات بما يوفّر جسمٍ موحّد وقيادة موحّدة لها بما لا يتيح المجال لوجود قوّتين منفصلتين.

أمّا بشأن الإدارة، فيميل المجلس الوطني الكوردي إلى مناقشة إدارة مشتركة للمناطق الكوردية كأولوية، ومن ثمّ البحث في كيفية التعامل مع الإدارة بشكلها الأوسع في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية. لكن الأمر يتوقّف، في نهاية المطاف، على موقف أمريكا ورؤيتها للمنطقة، لكونها راعية المفاوضات، وحامية المنطقة.

شمولية المفاوضات من عدمها

أرادت أمريكا وقوات سوريا الديمقراطية إشراك جميع الأطراف الكوردية في المفاوضات، لكنّ المجلس الوطني الكوردي رفض المثالثة في المفاوضات، واشترط ثنائيتها، ولذلك تقف ثلاثة أحزاب كوردية خارج هذه المفاوضات، الأمر الذي يجعلها غير شاملة لكلّ المعادل السياسي الكوردي. ولكنّ مواقع هذه الأحزاب الثلاثة مختلفة؛ فقد سبق وأن قدّم حزب يكيتي الكوردستاني الحرّ طلب انضمامه إلى المجلس الوطني الكوردي، وهو يتحرّك في فضائه السياسي. في حين أنّ حزب الوحدة الديمقراطي عضوٌ في مجلس سوريا الديمقراطية، المظلّة السياسية الرسمية لقوات سوريا الديمقراطية، وللإدارة الذاتية التي يتمثّل فيها حزب الوحدة برئيس الهيئة الاقتصادية، وإن لم يُعلن الحزب انضمامه الرسمي إليها. أمّا الحزب الديمقراطي التقدّمي، فقد حرص، بعد خروجه من المجلس، على ألّا تكون له أيّ صلة بالإدارة الذاتية والتشكيلات المعنية بها. وبالتالي، فإنّ انضمام هذه الأحزاب إلى المفاوضات مرهونٌ بحسم موقفها وعلاقتها بالطرفين المتحاورين.

الخطر الأمريكي

قد يكون تعبير (الخطر الأمريكي) على غرب كوردستان وشمال شرق سوريا مثيراً. لكنّ سلوك الإدارة الأمريكية في المرحلة المنصرمة، وخاصّة قرار ترامب بسحب القوات الأمريكية وإعطاء الضوء الأخضر لتركيا باجتياح منطقتي (سري كانيه) و(كري سبي)، وما كشف عنه، مؤخّراً، جون بولتون، المستشار السابق للأمن القومي الأمريكي، في كتابه، بشأن ممالأة الإدارة الأمريكية لتركيا ورفض ترامب الإصغاء إلى تحذيراته وتحذيرات حليفه الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن نوايا أردوغان في سحق الأكراد، يجعل هذا الخطر حقيقياً لا موهوماً. خاصّة وأنّ الرئيس الأمريكي مقبل على انتخابات الخريف الرئاسية، وإذا ما ارتأى أنّ قراراً بسحب القوات الأمريكية من المنطقة قد يحسّن موقفه الحرج داخلياً.

قانون قيصر

   في السابع عشر من الشهر الجاري، دخل قانون قيصر لفرض العقوبات على سوريا حيّذ التنفيذ. وفي إطار تنفيذه، طلبت أمريكا، حسب بعض التسريبات، من قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية الامتناع عن إرسال النفط إلى الحكومة السورية. وإذا ما صحّت هذه التسريبات، فهذا يعني أنّ العلاقات الاقتصادية بين الحكومة والإدارة الذاتية سوف تتقلّص، وهذا سوف يؤثّر بالتأكيد على مجمل العلاقات بين المناطق الخاضعة للحكومة السورية وتلك الخاضعة للإدارة الذاتية. بمعنى أنّ آفاق أيّ حوار ثنائي بين الحكومة السورية والإدارة الذاتية تتضاءل، وأنّ الحلّ بين الطرفين سيتوجّه إلى المسار السوري العامّ. وقد يشكّل هذا عاملاً إضافياً يساعد على تسريع التقارب بين الإدارة الذاتية والمجلس الوطني الكوردي.

 

إنّ جملة التحرّكات الأمريكية على المسار السوري، من مساعي التوفيق بين الأطراف الكوردية؛ وفي مرحلة لاحقة، التوفيق بين الكورد وشركائهم في المنطقة، وكذلك تكثيف التواصل مع المعارضة السورية ومحاولة منع انشطار هيئتها التفاوضية – الاجتماع الأخير للهيئة تمّ اقراره في لقاءٍ جمع جيمس جيفر وبحضور الوزير السعودي ثامر السبهان في دولة أوربية مع قيادات الهيئة التي، رغم ذلك، لم تنجح بعد في تجاوز انقسامها الأخير- وكذلك بدء سريان تطبيق قانون قيصر، كلّ تحرّكات أمريكا هذه تأتي في إطار ترتيب وتقوية أوراقها في الملفّ السوري لكي تُرغم النظام السوري وتُقنِع حليفته الرئيسية، روسيا، بحلٍّ سياسيٍّ للأزمة السورية يُرضي أمريكا وحلفائها.     

 

Share this Post

تحليل