تحليل

الكورد في سوريا وتحدّيات قديمة/جديدة

28-07-2020


 

RRC | حسين عمر  |

 

الانتخابات النيابية:

لم تكن الانتخابات البرلمانية السورية، في أيّ دورة من دوراتها، تكتسي أهمية حقيقية. فمنذ انقلاب البعث في 8 مارس/أذار 1963، الذي حلّ البرلمان واستعاض عنه بمجلس قيادة الثورة، ومن ثمّ انقلاب الأسد الذي أعاد البرلمان باسم مجلس الشعب في عام 1971، وتعيين أعضائه من دون انتخابات، ومن ثمّ إعادة العملية الانتخابية في عام 1973، أفرغت السلطة التنفيذية مجلس الشعب من مضمونه وحوّلته إلى أداة وظيفية مهمّتها قوننة وشرعنة توجيهات وقرارات السلطة التنفيذية التي تمركزت بالمطلق في قبضة الأسد. لكن الانتخابات الأخيرة، التي أُجريت في التاسع عشر من شهر يوليو/تموز الجاري، أعطت مؤشّرين لهما دلالات تستحقّ الوقوف عندها. فمن جهة، تبيّن اشتداد الصراع داخل طبقة أثرياء الحرب المحيطة بمركز السلطة، التي لجأت إلى اصطفاء بعض رموزها للمجلس، وإقصاء أخرى منه. ففي حلب، على سبيل المثال، تمّ إقصاء أحد أبرز الرموز الاقتصادية والصناعية في الدائرة الاقتصادية الداعمة للسلطة، وهو فارس الشهابي، رئيس غرفة صناعة حلب، كبرى المدن الصناعية والتجارية السورية، والذي لم يخفِ نقمته الشديدة لإخراجه من المجلس، وجاهر بالتهجّم على نتائج الانتخابات، حينما اعتبر هزيمته فيها نتيجة لتحالف «الفاسدين وأمراء الحرب ودواعش الداخل». بالمقابل، تم الإبقاء على حسام قاطرجي، رجل الأعمال المتّهم بإدارة ملفّ تهريب النفط من مختلف المناطق السورية، بما في ذلك المتاجرة مع داعش في هذا الملفّ إبان فترة سيطرتها على المناطق النفطية في شرق سوريا، والمشمول بالعقوبات الأمريكية.

خلال السنوات الأخيرة من الحرب السورية، وبعد نفاذ أرصدة البنك المركزي من العملات الصعبة، اعتمدت الحكومة السورية على تقاسم رموز اقتصاد الظل والأنشطة الاقتصادية غير المشروعة في مواردهم الهائلة في سبيل استمرارها في دفع فواتير الحرب ورواتب الموظفين في الدولة، بالإضافة إلى تمويل هذه الرموز للمليشيات التي أصبحت جيشاً موازياً للجيش النظامي. ويبدو أنّ في مرحلة ما بعد تطبيق قانون قيصر للعقوبات، سوف يزداد اعتماد الحكومة السورية على النشاط الاقتصادي غير المشروع للالتفاف على عواقب قانون القيصر، وهي ستوفّر الحصانة الداخلية لرموز هذا النشاط.

المؤشر الآخر الذي ظهر في الانتخابات الأخيرة هو إقصاء السلطة للشخصيات الكوردية التي لطالما جاهرت بولائها لها، وفي هذا دلالة على عقلية السلطة اتجاه الكورد، والتي لم تتغيّر في منهجها الانكاري والإقصائي، بل وتوحي باحتمال ضلوع السلطة في صفقات إقليمية قد تستهدف المناطق الكوردية.

مساومات جديدة

ثمّة معلومات تتحدّث عن استمرار مساعي تركيا لانتزاع تنازلات من روسيا بشأن المناطق الخاضعة لسلطة الإدارة الذاتية التي تتواجد فيها روسيا عسكرياً. من جهتها، تُجري روسيا لقاءات مع قوات سوريا الديمقراطية وتحاول استثمار هذه الأطماع التركية واستخدامها كورقة ضغط على قوات سوريا الديمقراطية لكي تخلي بعض المناطق ليس من قواتها العسكرية والأمنية بل ومن إداراتها المدنية أيضاً، وإعادتها إلى الحكومة السورية بالكامل، دون أن تقدّم أيّ مقابل لقوات سوريا الديمقراطية تحت طائلة تهديدها بتركيا. والضغط يتركّز بشكلٍ أساسي على منطقة عين عيسى التابعة للرقّة والتي تشكّل عقدة الوصل بين منطقة كوباني وبقية مناطق الإدارة الذاتية. وفي حال أثمرت هذه الضغوط، سواءً بتسليم عين عيسى إلى الحكومة السورية أو إطلاق يد تركيا فيها، سوف تتمّ محاصرة منطقة كوباني، وفتح الباب أمام التمدّد في باقي مناطق محافظة الرقة التي لا تملك أمريكا وجوداً عسكرياً فيها.

الجولة الثانية من الحوارات الكردية

يعتقد معظم الكورد أنّ الاسراع في إنجاز خطوات وحدة الصفّ الكوردي سوف يخفّف من حدّة المخاطر والتهديدات المحدقة بمناطق الإدارة الذاتية، أو أقلّها المناطق الكوردية منها. لم تبدأ المرحلة الثانية، والأهمّ من الحوارات الكوردية البينية بالسرعة التي وعد بها الطرفان الكورديان المعنيان بهذا الحوار. يوم الاثنين الماضي (20 يوليو/تموز)، اجتمع الطرفان الراعيان للمفاوضات، وزارة الخارجية الأمريكية، ممثّلة بمبعوثتها زهرا بيللي، التي حلّت محلّ وليام روباك، الذي انتهت مهمّته في المنطقة (ما لم تعمد الخارجية إلى التمديد له)، وقوات سوريا الديمقراطية، ممثّلة بقائدها العام مظلوم عبدي، مع المجلس الوطني الكوردي لبحث ترتيبات بدء المرحلة الثانية من الحوار مع أحزاب الوحدة الوطنية. هذا يعني أنّ هذه المرحلة قد بدأت بشكلٍ غير مباشر، تمهيداً للحوارات المباشرة التي يُتوقّع لها أن تبدأ أولى جلساتها في أعقاب عيد الأضحى.

التحدّي الأكبر أمام هذه الحوارات هو جعل الإدارة القائمة في المناطق الكوردية إدارة وطنية كوردية سورية موحّدة سياسياً وعسكرياً وإدارياً واقتصادياً. ليس من السهل النجاح في هذا التحدّي، لأنّه في مرحلة المعارك مع الفصائل الإسلامية المتطرّفة من المعارضة السورية ولاحقاً مع داعش، لعب قادة ومقاتلون من كورد غير سوريين دوراً كبيراً من الصعب إنهائه في فترة ما بعد المعارك. أمريكا تشترط إخراج  هؤلاء من غرب كوردستان، لكنّ ممارسة ضغطٍ حقيقي لتنفيذ هذا الاشتراط دونه الكثير من الصعوبات والمحاذير، ربّما أخطرها إمكانية تغيير خارطة التحالفات والخيارات.

Share this Post

تحليل