تحليل

حشد العتبات .. خطوة جادة للتشبث بالوطن

09-12-2020


 

RRC | 

علي البيدر|

 

الحشد .. التأسيس والنشأة

ظاهريا تبدو فكرة الحشد الشعبي في العراق قد جاءت بعد اصدار فتوى الجهاد الكفائي من قبل المرجع الديني الاعلى السيد ( علي السيسيتاني) في 13 حزيران 2014 بعد سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) على اجزاء واسعة من البلاد وراح يقلق امن العاصمة بغداد, فيما هدد بأقتحام مدن الشيعة الدينية التي تضم مزارات دينية ومدارس تعنى بالفقه الشيعي . الجميع استشعر بخطر التنظيم وجدية تنفيذ لتهديداته وسط ذعر المواطنين الذين باتوا لا يثقون بقدرة اجهزة الامن على حمايتهم بعد مشاهدتهم لها منهزمة امام حراب المسلحين التقليديين . الفتوى التي اطلقها المرجع الديني الهبت حماس المواطنين الشيعة على وجه التحديد وجعلتهم يشعرون بوجود مظلة امنة تحميهم من الخطر متمثلة بالمرجعية . بعد هذه الفتوى التي اكدت من خلالها المرجعية ضرورة خروج المواطنين القادرين على حمل السلاح ( التطوع ضمن صفوف القوات الامنية ) لتحقيق غرض الجهاد الكفائي والذي يقضي بضرورة تطبيق جزء من المجتمع للفتوى لحين الاكتفاء من العدد المطلوب للحاجة التي دعت اليها الفتوى .

التحايل على الفتوى

كما اشرنا سابقا الى كلمة “ظاهريا” والتي اردنا من خلالها التوضيح للقارئ بأن فكرة الحشد كانت قائمة قبل اعلان الفتوى عبر وجود اكثر من فصيل مسلح يمارس نشاطه على الارض العراقية او خارجها, ابرز تلك الفصائل هي ( جيش المهدي . بدر . عصائب اهل الحق. جيش المختار. لواء ابو الفضل العباس ) والعديد من الفصائل المسلحة التي استثمرت الفتوى لصالحها كي تعلن عن نفسها وتنظم الى التشكيل الجيد (الحشد الشعبي) مؤمنة بغطاء شرعي يتيح لها التحرك على الارض بسهولة , فيما تحظى بدعم عقائدي اضافة الى حصولها عى تمويل مالي من خزينة الدولة . بعد الفتوى نظمت تلك الفصائل صفوفها وانضوت تحت راية الحشد . في قضية استثمار فتوى الجهاد الكفائي لم يقتصر الامر على الفصائل المسلحة الموجودة قبل حزيران 2014 , وانما جرى استخدامها من قبل جميع الاطراف السياسية والدينية الشيعية مع تطعيمها ببعض الاجنحة من بقية المكونات كي تضفي عليها صبغة الوطنية الصورية .

شرعية الحشد

تشير المادة التاسعة (ب) من الدستور العراقي الى حظر تكوين ميليشيات عسكرية خارج اطار القوات المسلحة وهذا ما يمنع تشكيل اي قوة قتالية ولأي سبب كان خارج هذا الاطار . وهنا فأن الحشد الشعبي فاقد للشرعية الدستورية والقانونية حتى بعد اقرار قانونه كون المادة الـــ13 ثانيا اكدت انه لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع الدستور الذي حظر تشكيل المليشيات على اختلاف تسمياتها وهذا ما يؤكد عدم دستورية الهيئة المستحدثة باسم (الحشد الشعبي ) ويجب الغائها سيما بعد انتفاء الحاجة اليها امنيا .

حشد العتبات

تسمية جاءت متأخرة لتكشف النقاب عن ردات فعل مستهجنة لما قامت به الوية وفصائل مسلحة بألاعلان عن انشقاقها عن منظومة الحشد الشعبي بشكل غير رسمي بعد ان رأت تلك الاطراف ان الجهود التي قدمتها في عمليات التحرير ستذهب ادراج الرياح , او انها ستختلط بالأخفاقات والانتهاكات التي احدثتها العديد من الفصائل المسلحة قبل واثناء وبعد عمليات التحرير , لذلك وجدت تلك الفصائل الاربعة ( فرقة الإمام علي، لواء علي الأكبر، فرقة العبّاس القتاليّة، لواء أنصار المرجعيّة) نفسها غريبة وسط عاصفة من الولاءات السياسية والدينية لجهات تقبع خارج حدود العراق . ان السلوك القتالي والانساني اثناء عمليات التحرير لحشد العتبات لم يؤشر اي انتهاك صارخ لحقوق الانسنان , او انه لم يتم توثيق انتهاكات ضدها بشكل فظيع اسوة ببقية الفصائل وهذا ما يجعلها الاقرب الى العراقيين سيما المناطق التي شهدت عمليات مسلحة راح ضحيتها الالاف من المواطنين بين قتيل ومعتقل ومغيب . ان ابرز ما يمز حشد العتبات هو بقائه ضمن حدود الوطن مطيعا للقرارات الصادرة من المراجع العيليا امنيا ودينيا وهذا ماجعلهم خارج دائرة الاتهام بالولاء الحزبي او العقائدي لمرجعيات اجنبية خصوصا الايرانية منها ودفعهم لتنفيذ  المهام المنوطة بهم على اكمل وجه دون البحث عن مغانم مادية او سياسية مثلما فعل الاخرون .

التأثير الامني والسياسي

نجحت ايران وبشكل عميق في اختراق مؤسسة الحشد الشعبي وكسب ود قادتها وولائهم مما جعل حشد العتبات يرى نفسه شبه معزول عن المشهد دون الاكتراث لحجم التضحيات التي قدمتها فصائله والتي تمثل اكثر من 40% من عناصر الحشد الرسمية . ابرز نقاط الخلاف تمثلت باختيار عبد العزيز المحمداوي بـ”أبو فدك” بديلاً عن أبو مهدي المهندس، سبق أن أعلنت فصائل العتبات رفضها لاختياره بديلاً عن المهندس لكنها لم تجد اي استجابة لها الرفض مما عمق الهوة بينها وبين الفصائل الولائية التي ترتبط بايران . كما ان القرار الامني داخل مؤسسة الحشد محصور بتلك الفصائل المرتبطة بايران والتي لا تكترث لأي موقف تبديه فصائل العتبات سيما بما يتعلق بالوجود الاميركي في العراق دبلوماسيا وعسكريا , او التدخل بالشؤون السياسية بضغوط ايرانية وهذا ما يوضح  الدور الاكبرلأذرع ايران داخل الهيئة . وفي حالة اعلان حشد العتبات الانسحاب من هيئة الحشد او انضمامه بشكل رسمي الى المؤسسات الامنية خارج اطار الهيئة او حل نفسه وهو ما يتوقع حدوثه مستقبلا لواحدة من تلك الحالات , فأن بقية الفصائل ستجد نفسها بلا غطاء ديني مذهبي تحتمي  به, الامر الذي سيجعلها تختلق الازمات لتأخير هكذا قرارات لا تصب لصالحها سيما ان حصلت قبل الانتخابات التي تستعد لها فصائل الحشد الولائية . ان الصفة المعنوية والمادية التي تتمتع بها فصائل العتبات كبيرة جدا سيما على المستوى العددي وهذا ما يجعلها تحدث خلل كبير في بنية الهئية بشكل عام في حال انشقاقها عن الحشد بصيغته الحالية  وتضعف دورها الامني والسياسي في البلاد وتزيد من حدة الضغط الدولي والاقليمي على تلك الفصائل التي تؤشر ضدها الكثير من علامات الاستفهام . ان اي خطوة ستتخذها فصائل العتبات نحو تحقيق السيادة الوطنية ستجعلها الاقرب للتعامل مع مؤسسات الدولة الرسمية وستزيد من كمية الدعم المالي والسياسي لها وهذا ما يجعل بقية الفصائل خارج حسابات الحكومة , الامر الذي سيجعلها اكثرضعفا مع زيادة السخط المجتمعي على سلوكياتها في مناطق الصراع ( العربية السنية) وفي مناطق البلاد الاخرى بعد مشاركة عدد من تلك الفصائل في قمع التظاهرات بطريقة وحشية ومساندتها لأحزاب السلطية الفاسدة, فيما لم تتدخل فصائل المرجعية بأي سلوكات مشبوهة .

احراج الجميع

ترى فصائل العتبات ان الوقت قد حان للأندماج جديا داخل المؤسسات الامنية بعد ان انتفت الحاجة اليها كجهات محررة تساند القوات الامنية في استعادة المدن من هيمنة تنظيم داعش وهي ملزمة بتطبيق فتوى المرجعية نصا ومضمونا . حيث تمثل فصائل العتبات الاربعة جوهر الفتوى التي اطلقها المرجع الديني السيستاني بعد ان نصت على التطوع ضمن صفوف القوات الامنية والالتزام بقرارات القائد العام للقوات المسلحة . ومن هنا نؤكد ان حشد العتبات هو التمثيل الوحيد للفتوى التي تنص على الجهاد الكفائي وما دون ذلك تعد بقية الفصائل خارجة عن اطار الفتوى وعن ارادة القائد العام للقوات المسلحة محاولة مصادرة القرار السياسي والامني اضافة الى عبثها بهيبة الدولة وجعلها اداة لخدمة المصالح الايرانية على حساب خراب العراق ,وهنا مكمن الخطر المتمثل بأستقرار الدولة الذي  بات اسيرا بيد جماعات تتكلم باسم الحشد الشعبي والمرجعية وتمارس سلوك خارج اطار الممصلحة الوطنية , بالتالي ان حشد العتبات بات التمثيل الفعلي لفتوى المرجعية وما دونه هو لا يرتبط بمرجعية السيد السيستاني ولا يرتبط بفتوى الجهاد الكفائي ويجب ان تتعامل معه الدولة معاملة بقية الجهات الغير قانونية . وبذلك تحرج فصائل العتبات جميع الاطراف الساعية لاستمرار الفوضى من اجل تعظيم امكانياتها وتجبرها على الاقتراب منها ولو بصورة شكلية في المرحلة الحالية .

الخلاصة :

بناء على ما ذكر , توجب على القائد العام للقوات المسلحة استثمار المستجدات التي طرأت على المشهد العام للحشد وتجييرها لصالح هيبة الدولة والاعلان عن تاييده لأي موقف تتبناه فصائل العتبات يصب في مصلحة البلاد مع العمل على اقناع فصائل اخرى بالانضمام الى هذا التكشيل الذي سيكون النواة الجديدة  لأضعاف الفصائل الولائية وتقوية تلك التي تسعى للتواجد ضمن البيئة الوطنية , وهذا ما سيشكل زخما جديدا للدولة من اجل تحجيم دور بقية الفصائل وعزلها مجتمعيا قبل الشروع بعملية ضبط ايقاعها وتطبيق القانون بحقها, وفي حال رفضت الانصياع لأية اوامر عليا فيجب التعامل معها وفق القانون الذي يجب ان يطبق على الجميع بعد ان رأت تلك الفصائل نفسها اعلى واكبر منه .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Share this Post

تحليل