تحليل

الإنتخابات المبكرة ..الغلبة للحقيقيين

05-02-2021


 

RRC | 

علي البيدر|

منذ تأسيس دولتهم في عشرينيات القرن المنصرم, لم يعرف العراقيون الديمقراطية او يتذوقوا طعمها بشكل حقيقي رغم انها احدى بديهيات الحكم والتداول السلمي للسلطة في معظم بلدان العالم سيما المتحضر منها . فُرضت الديمقراطية على العراقين مع دخول القوات الاجنبية الى البلاد ربيع العام 2003 ولم يذهبوا اليها او يطلبوها مثل ما تفعل بقية الشعوب , لذلك لم يحسنوا استغلالها على الوجه الامثل لأسباب مختلفة, في مقدمتها قصر مدة تجربتهم مع هذا الاسلوب وتدخل اطراف خارجية في ارادة اختياراتهم , لتنتج لنا هذه الوسيلة منظومة سياسية اقل ما توصف بأنها مشوهة او غير ناضجة . عمدت التيارات السياسية في العراق على استخدام شتى الوسائل والطرق الملتوية غير الشرعية  لتحقيق مآربها ومنها التزوير وتقديم الرشا وفرض اساليب ترغيبية وترهيبية يطول ذكرها . بعد خمس  دورات نيابية وسبع حكومات يرى الشارع العراقي انها لم تحقق طموحاته في الحصول على حياة كريمة تتلاءم مع حجم التضحيات التي قدمها الشعب على طول المراحل الماضية . تشرين الثورة مسمى جديد لم يكن في حسبان اكثر المتشائمين من  وجود خطوات اصلاحية بإمكانها قلب موازين وخطط الاحزاب والتيارات السياسية الساعية لتثبيت جذورها عميقاً والتشبث بالسلطة لمدة اطول. اليوم يجد المتتبع للمشهد السياسي العراقي ان انخفاض شعبية معظم احزاب السلطة وسط تزايد المطالبة بأبعاد جزء كبير منها عن المشهد مع ارتفاع درجة الوعي المجتمعي الذي لم تنفع معه جميع المحاولات الهادفة لتأجيج السعار الطائفي واستثمارها سياسياً , كل هذا سوف يؤدي الى تراجع تمثيلها السياسي في الانتخابات المقبلة ( المبكرة) التي يسير خط  بيانها  الإصلاحي نحو الاعلى بدءً من إقرار قانون لا يسمح للكتل الكبيرة ابتلاع خصومها وابعاد الاحزاب الناشئة والفتية عن المشهد كما حصل في جميع الانتخابات السابقة , وصولا الى توجه كبير لكي يكون التصويت عبر البطاقة البايومترية المحدثة وهذا ما سيمنع عمليات التزوير او حتى التصويت بألانابة التي تصب في مصلحة الفاسدين , وليس انتهاء برغبة شعبية عارمة بأشراف دولي على الانتخابات لضمان درجة اكبر من الشفافية . هذه الخطوات ان حصلت فعلياً فأنها سوف تبعد كثيرين عن المشهد فيما تزيد نسبة تمثيل اخرين كونهم يمتلكون ادوات النجاح والمنافسة في جميع الظروف والمناخات ومنها الجمهور الحقيقي الذي يمثل حجر الزاوية  في العملية الانتخابية . هناك الكثير من التيارات السياسية التي تمتلك حظوظاً كبيرة للمنافسة وحجز مساحة اوسع في البرلمان الذي ستنجبه الانتخابات المبكرة .من بين (231) حزباً سياسياً مسجلاً بشكل رسمي لدى مفوضية الانتخابات حتى الآن تحاول التيارات السياسية المنبثقة من ثورة تشرين تنظيم صفوفها ومزاحمة الجميع وسط ازدياد شعبيتها مع مرور الوقت وهذا ما يجعلها تقلق الخصوم الذين يعملون على تضييق الطريق امامها ولاسيما انها لا تمتلك الكثير من الخبرة والامكانية, لكنها تعول على حالة الوعي المجتمعي الذي قد يجعلها احدى ادوات مرحلة الاصلاح المقبلة .حتى الان لم يعرف الرقم الحقيقي للأحزاب الفعلية التي ولدت من رحم ساحات الاحتجاج الشعبي لأسباب كثيرة يأتي في مقدمتها انه من المرجح ان تكون بعض الاحزاب الكبيرة قد استغلت اسم تشرين واستقطبت بعض الناشطين في التظاهرات من اجل تشكيل احزاب رديفة لها تنتحل اسم المحتجين شكليًأ لتحقيق مصالحها وتنفيذ اجنداتها باسماء مستعارة تتلاءم مع الواقع الجديد للساحة السياسية في البلاد,او ان بعض الاسماء التشرينية لم تعلن عن نفسها بعد , لكن هناك اسماء طرحت نفسها ممثلة للتظاهرات بعضها مسجل لدى مفوضية الانتخابات بشكل رسمي فيما يبقى الاخر قيد التأسيس ابرزها :

البيت الوطني

يتزعم هذا التنظيم الناشط في الاحتجاجات الشعبية (حسين الغرابي) الذي اعلن عنه من مدينة الناصرية ويضم في صفوفه ناشطين شاركوا في الاحتجاجات بساحة الحبوبي إلى جانب كفاءات سياسية وثقافية واجتماعية لم يسبق لها الارتباط بالنظام السياسي الحالي وهذا ابرز ما يمز البيت الوطني بحسب مؤسسيه .

حركة امتداد

اعلن عن هذا التكتل السياسي الجديد من مدينة السماوة جنوبي البلاد ويتزعمه (علاء الركابي) احد ناشطيّ ساحة التظاهرات في مدينة الناصرية, التنظيم يضم شخصيات وناشطين في الاحتجاجات من محافظات ذي قار والمثنى وبابل والديوانية, يسعى هذا التيار للحصول على الأغلبية البرلمانية وبخلاف ذلك فإنه سيتجه نحو المعارضة في البرلمان المقبل وفق برنامجه السياسي المعلن .

حركة 25 اكتوبر

بغداد العاصمة كانت المكان الذي اعلن فيه عن تشكيل التنظيم السياسي الذي يتزعمه الناشط ( طلال الحريري ) الذي طرح مشاريع سياسية سيشرع بتنفيذها توصف بانها جريئة, يأتي في مقدمتها مواجهة ايران ونفوذها في العراق بشكل حقيقي , اضافة  الى موقفه من التطبيع مع إسرائيل الذي يؤكد فيه ضرورة إقامة سلام كامل على مستوى اجتماعي وعدم الاكتفاء فقط بعلاقات سياسية  دبلوماسية وهو ما اثار حفيظة البعض الذين يرون ذلك من المحرمات . تضم حركة 25 اكتوبر ناشطين مدنين شاركوا في ساحات التظاهرات يعلنون انهم حركة علمانية تهدف إلى فصل الدين عن الدولة .

بالإضافة الى تيارات تشرين علينا ان لا نغفل عن دور لاعبين مهمين في العملية السياسية العراقية الحالية لما يتمتعان بمقومات النجاح الكبيرة , هما التيار الصدري والحزب الديمقراطي الكوردستاني . لن نبحر بعيدا في تأريخ هذين التياريّن الذان يمتلكان الكثير من المؤهلات للظفر بمساحة اكبر من تلك التي حصلا عليها في المراحل السابقة . التيار الصدري الذي يمتلك  (54) مقعداً نيابياً في البرلمان الحالي, فيما اعلن عن سعيه للحصول على رئاسة البرلمان بعد تمكنه الاستحواذ على (100) مقعد نيابي او ازيد من ذلك وهذا ما يجعله يرمي بكافة اوراقه على الطاولة لتحقيق امنيته التي تتطلب الكثير من الجهود والامكانيات , قد تتحقق رغبات التيار الصدري عبر حزب الاستقامة الوطني الجناح السياسي للكيان الشيعي الذي يمتلك قاعدة جماهيرية واسعة رغم انها ثابثة كما توصف , الا انها حقيقية ومنظمة الى حد كبير ممكن ان تنفذ توجيهات التيار بحذافيرها من منطلقات مذهبية وعقائدية تدفع المقلدين والمحبين للزعيم الديني (مقتدى الصدر) الى بذل قصارى جهودهم وتسخيرها وفق قناعة الفاعلين السياسيين في التيار الذي قد يحصل على اعلى مقاعد البرلمان المقبل اذا ما احسن تنظيم صفوفه واستغل ما يملك من جماهير لصالح برنامجه السياسي . الحزب الديمقراطي الكوردستاني , رغم غياب هذا الكيان السياسي عن المنافسة الفاعلة في المرحلة الحالية , الا انه استطاع من خوض غمار الانتخابات النيابية السابقة بمفرده وهذا ما لم يحصل في طول البلاد وعرضها  كون جميع الاحزاب الكبيرة انخرطت ضمن ائتلافات انتخابية من اجل ان تتواجد داخل المشهد السياسي من جديد, تمكن الحزب من الحصول على (25) مقعداً نيابياً وهذا ما اهله ليكون اكبر كتلة حزبية في البرلمان الحالي. التنظيم الذي يمتلكه الديمقراطي الكوردستاني او كما يعرف بــ (البارتي)  فريد من نوعه قياساً ببقية الاحزاب والتيارات السياسية . فعلى مدار سبعة عقود من النضال السياسي والعسكري ( المؤسساتي) استطاع الحزب من ان يكون منظومة سياسية متكاملة تتسع مساحتها التي تجاوزت حدود اقليم كوردستان لتنافس بشكل جدي في بيئات اخرى ومن منطلقات القوة لا الضعف . اليوم ومع الظروف التي يعيشها البلاد على المستوى السياسي والشعبي وبعد النجاحات التي حققها الحزب لجمهوره على المستويات السياسية والخدمية , قد يتمكن من زيادة اعداد ممثليه في البرلمان المقبل بأكثر من نصف ما يمتلك من المقاعد النيابية الآن  ليكون اللاعب الثاني في المعادلة السياسية الجديدة سيما انه يمتلك جمهور حقيقي ومنظم ايضاً ومستعد للتضحية من اجل مسيرة الحزب واهدافه الغير (نخبوية) النابعة من ارادة الجمهور المؤمن برسالة (البارتي) التي لم تسمح للحظ او الصدفة بلعب اداور معينة حتى لو كانت هامشية في تطبيق ما تطمح اليه جماهيره وانصاره .

تأجيل الانتخابات

تسعى الكثير من التيارات السياسية في البلاد ولا سيما المتواجدة داخل البرلمان او الحكومة الحالية الى خلق العديد من الازمات من اجل تأجيل الانتخابات المبكرة التي دعا اليها رئيس الحكومة , كونها غير مستعدة للمشاركة فيها وهي تواجه رفضاً شعبيا كبيراً بسبب اخفاقها في تحقيق ابسط مقومات العيش للعراقين وهذا ما ادخل الحكومة وخصوصاً رئيسها في تحدِ كبير امام الشعب ومؤيدي اقامة انتخابات مبكرة قبل نهاية الدورة الحالية . الموقف الاخير لمفوضية الانتخابات والذي طلبت من الحكومة فيه تقديم موعد الانتخابات الى شهر تشرين الاول بدل حزيران من العام الحالي لأسباب فنية كما ذكرت, قد يكون الاخير في ملف تأجيلها كون الوضعين السياسي والمجتمعي في البلاد لا يسمحان بأية عملية تأجيل ثانية , وان اي محاولة لذلك ستؤدي الى تزحيف اجراء الانتخابات المبكرة ثانية سيوصلها الى العام المقبل 2022 وهذا ما يفقدها صفة (المبكرة) ويجعل منها انتخابات طبيعية كون عمر الدورة النيابية الحالية يكون شارف على الانتهاء وهذا ما يزيد حالة النقمة الشعبية على المنظومة السياسية ويجعل الاطراف الدولية تفقد الثقة بنوايا الحكومة والمنظومة السياسية بشكل عام ورغبتها بألاصلاح او تسليم السلطة للشعب العراقي . العقبة الابرز التي تقف امام اجراء الانتخابات المبكرة اليوم بعد نفاد جميع حجج التيارات السياسية التي لا ترغب بأجراءها  هي ( المحكمة الاتحادية العليا) التي اصبحت معطلة بسبب اختلال نصابها لأحالة بعض اعضائها الى التقاعد ووفاة اخرين, وهي الجهة الدستورية الملزمة بالمصادقة على نتائج الانتخابات ليكون من حق الفائزين بعد المصادقة ممارسة مهامهم كأعضاء في السلطة التشريعية وبدون ذلك تعتبر تلك النتائج فاقدة للشرعية الدستورية , حيث  تعمل بعض الاحزاب السياسية على تأخير إقرار قانونها وتطيل مدة مناقشة فقراته في البرلمان من اجل كسب الوقت لاعادة ترتيب وضعها الداخلي والاستعداد جيداً للأنتخابات , لكن الوقت المتبقي لاجراء الانتخابات كافِ بشكل كبير لأقرارقانون المحكمة وبذلك لا مفر من اجراء الانتخابات بصيغتها المبكرة كون اي محاولة للتأجيل مرة اخرى سيؤكد ان المنظومة السياسية تقف بشكل واضح امام طموح وارادة العراقيين في تحقيق التغيير الاصلاحي المنشود ورغبتها في احتكار السلطة وهذا ما قد يجعلها تمثل احدى اوجه احتكار السلطة وعدم الامتثال لما يرغب اليه الشعب وبعض من الطبقة السياسية الحالية الساعية للإصلاح الحقيقي وفي مقدمتها الاحزاب التي تمتلك مساندة شعبية .

الخُلاصة

وفقاً لكل ما ذكر وفي حال جرت انتخابات مبكرة في اي توقيت تستطيع فيه الحكومة تنفيذها خلال العام الحالي فأن الاحزاب السياسية المتواجدة في الساحة اليوم تكون قد فقدت الكثير من جمهورها الذي سيبحث عن بدائل اخرى او يعزف عن المشاركة بألانتخابات بسبب وصوله الى درجة القنوط واستشعاره بحجم الاخفاق الذي تسببت به سلوكات معظم الطبقة السياسية الحاكمة التي كانت تجمع اصواتها انتخابيا عبر وسائل غير مشروعة مستغلة حالة شبه الفوضى التي مرت بها البلاد في المراحل السابقة . المرحلة الجديدة التي يستعد لها الجميع ستحقق التقدم الكبير للتيارات السياسية التي تمتلك جماهير حقيقية ومنظمة وهذا ما نجده في جماهير احتاجات تشرين التي تحتاج الى مزيد من التنظيم كي تتمكن من المنافسة , إضافة الى التيار الصدري والحزب الديمقراطي الكوردستاني الذين سيكونان في مقدمة الكتل السياسية المتواجدة في البرلمان بأعداد تقتربت من الظفر بألاغلبية النيابية المطلقة  وهذا ما يجعل من تشكيل الحكومة الجديدة اسهل من ذي قبل مع اصطفاف البعض في خانة المعارضة الحقيقية الامر الذي يسهم في تقويم تنفيذ البرنامج الحكومي والتشريعي في اولى خطوات الاصلاح التي ينتظرها العراقيون منذ ممارستهم للتجربة الديمقراطية في عراق ما بعد 2003 ..

 

Share this Post

تحليل