تحليل

الراهن الجديد للحوار الكردي –الكردي في سوريا

23-06-2021


 

RRC | 

شفان إبراهيم|

مقدمة

رغم الإعلان أكثر من ذي مرةٍ عن النية لاستئناف الحوار الكردي –الكردي في سوريا، الذي توقف منذ نهايات أغسطس 2020، والتي يعيدها البعض لاختلاف بنية وتركيبة الطرفين سياسياً وفكرياً. إلا أن المزّاج الشعبي الكردي العام، وربما الرسمي أيضاَ، ينحيان صوب إرجاع تلكأ ثم توقف الحوارات إلى أولويات الإدارة الأمريكية الجديدة التي لم تبدأ عملها الفعلي بعد في سوريا والمنطقة الكُردية، وعموم الشرق الأوسط.؛ وكونها الراعي الرسمي لمبادرة توحيد الخطاب الكردي، الذي أنطلق منذ أبريل/نيسان الماضي.

التحديات التقليدية للحوار

سبق وأعلن الطرفين الاتفاق حول رؤية سياسية موحد، وتشكيل مرجعية كردية مناصفة بينهما. لكن الخلافات لا تزال هي – هي تتكرر منذ بداية الحوارات التي احتضنتها كردستان في اتفاقيتي هولير 1+2 ودهوك1+ملحقها برعاية مباشرة من الرئيس مسعود البارزاني، ومجمل الخلافات القديمة والجديدة تدور بشكل خاص حول قرار السلم والحرب وشكل التواجد العسكري لكِلا الطرفين والتجنيد الإجباري، وآلية الحكم وطبيعة المشروع السياسي للمنطقة. إضافة إلى العقد الاجتماعي، والمناهج المدرسية ومعتقلي المجلس الكري لدى الإدارة الذاتية، وشكل وهيكلية الإدارة الذاتية. وتشكل روسيا عامل تهديد وتقويض على مستقبل الإدارة الذاتية؛ لاشتراطها الدخول في تفاهمات جدّية مع الحكومة السورية، بما فيها رفع العلم السوري حتى حدود معبر سيمالكا، وحلّ قوات سوريا الديمقراطية وجهاز الأسايش /الأمن العام/ وانضمامهم إلى الجيش السوري ووزارة الداخلية، وفقاً للمحددات التي سبق لدمشق وأن اشترطتها للمضي في الحوارات، كل ذلك لا يشكل خطراً بالمقياس ذاته، أمام مخاطر إحياء اتفاقيات تركيا –أمريكا، تركيا روسيا عقب عملية نبع السلام.

 

جغرافية الحوار

تشترك الأحزاب بحجم كمي ونوعي أقل من سلطة الإتحاد الديمقراطي في إدارة ما تبقى من شمال شرق سوريا، بالمقابل يحصر المجلس الكُردي وجوده في الشريط الحدودي المعروف باسم “المناطق الكُردية”. وتختلف آليات ومقاربات كِلا الطرفين الكرديين حيال الموقف من باقي المكونات، حيث يتوجب على المجلس الكردي فتح المزيد من قنوات الحوار والتواصل مع المكون العربي تحديداً خارج مناطق تواجده التقليدية، والسعي نحو كسب نوعي وكمي للعرب في مناطق نشاطه السياسي. خاصة وأن مجلس سوريا الديمقراطية سعى منذ أعوام، لتشكيل مجالس عشائرية عربية، وضمهم إلى مختلف التشكيلات العسكرية والأمنية والسياسية وهياكل الحكم المحلية. وهو ما يُضيف أهمية أخرى للحوار الكردي الداخلي لجهة تأثيره على تداعيات وطبيعة وتركيبة الحياة بنواحيها المختلفة في المنطقة، عدا عن تمهيدها للمرحلة الثانية/لاحقة من الحوارات بين الكُرد والعرب والمسيحيين حول مصير المنطقة. لذا فأن إحدى محددات نجاح الحوار ومستقبله ومخرجاته سيرتبط بمناطق انتشار قوات سوريا الديمقراطية والهيكلية الجديدة لها، إن تمت؛ فلا منطق في تواجد قوة عسكرية مشتركة في منطقة محددة، وانتشار فصائل منها في مناطق أخرى باسم أخر، ما يعني أن أحد الطرفين سيُمنى بخسائر فادحة، أو ربما تشكيل هيكل حكم جديد خاص بتلك المناطق.

تحديات على شاكلة ضواغط جديدة للحوار الكردي

الضاغط المحلي الأول يتجلى تحديداً عبر رؤية القواعد الاجتماعية الكُردية في مآلات هذا الحوار، والذي يحصره المكون الكردي بكيفية تأثير وانعكاس نجاح الحوار على حيوات ومصير ومستقبل حياتهم، وعودة أبنائهم المغتربين واستقرارهم دون سوقهم للتجنيد، خاصة من أتخذ من كردستان العراق وتركيا مستقراً له. كما ينشد المجتمع المحلي الآمن بأنواعه من غذائي، مائي، تربوي تعليمي، اقتصادي، أكثر من قضية توافق الأحزاب فيما بينها.

ويشكل الوضع الميداني في عين عيسى الداخلة ضمن أطماع التوسع التركي وفصائل المعارضة السورية، خطراً وجودياً على مصير ومستقبل الإدارة الذاتية. فهي العاصمة الإدارية لشمال وشرق سوريا، وعقدة مواصلات تصل بين كوباني والرقة وحلب وغيرها، وشهدت العديد من التهديدات من الجانب التركي، وابتزاز موسكو ودمشق لها، كبحت جماحها التواجد الأمريكي، استدراكاً لعدّم تواجد الجيشين السوري والروسي في وسط “عين عيسى”. وهي المطاليب ذاتها التي اشترطت دمشق وموسكو لتهدئة الاضطرابات في منبج، كالسماح لهم بوجود مربع أمني في وسط البلدة، وحرية التنقل وغيرها. كما شكلت التظاهرات والاضطرابات الغير ضخمة ضاغطً جديداً وأخذ مركزاً غير ثانوي من ضمن مُحركات الحوار الكردي، خاصة من طرف الإدارة الذاتية التي تتعرض لسيل من الضغوطات والتحديات والتهديدات في وجودها. تحديداً وأن التعبير عن معارضة سيطرة الإدارة الذاتية جاء عبر قيام أطراف مدنية شعبية، أدعت إن لا محرك سياسي يقف خلفها، عبرت على شكل تجمعات واجتماعات وحشد عشائري، ارتسمت في سياق القطيعة مع الــ”النظام القائم” وإظهار حجم الثقافة المجتمعية التقليدية القائمة على الإيثار والتعاضد بين أبناء الانتماء الواحد ضد الأخر كسلطة ونظام سياسي. قبل أن تُعلن الإدارة الذاتية توقيف العمل بالتجنيد الإلزامي، وسبق أن أوقفت القرار رقم/119/ القاضي رفع المحروقات بعد التشنجات الاجتماعية في الشدادي، الــ/47/، والحكسة وقامشلو وغيرها. بالمجمل فإن الحركات المعارضة لسياسات الإدارة الذاتية بادت تُشاهِد ضمن إطار العمل الميداني، وسبق أن شهدت ديرالزور سلسلة اضطرابات، لجأت الإدارة الذاتية لتلبية أغلب مطاليبهم من تغيير المناهج المدرسية، إلى تغيير في النظام الإداري وتشكيل هيئات وإدارات جديدة. من الممكن أن الإدارة الذاتية تلقفت الرسالة جيداً، لا دعم أمريكي، سياسياً واقتصادياً ودبلوماسياً لطالما بقيت متفردة بناصية القرار.

ضعف مركب في الشرعية

اشتغلت الإدارة الذاتية على تقوية شوكتها على حساب كلً من المجتمعات المحلية التي تحكمها وعلاقاتها مع دول الجوار، ما أثر بشكل مباشر على الضعف الشديد في شرعيتها، وعجزها عن ضبط عمليات العنف بأشكالها المختلفة، وخاصة في كل مرحلة يتعرض فيها الحوار الكردي إلى شيء من “العصلجة –الانسداد” السياسي بين الطرفين، وهي التي اعتقدت إن حكمها توطدَّ، وتواجدها ضمن قوات التحالف ضد الإرهاب سيمنحها أفضلية وأسبقية العمل كما تشاء تجاه القواعد الاجتماعية والأطراف السياسية المناوئة لها.

في حين يدخل المجلس الكردي حلبة الحوار، غير مستثمراً لأوراق الضغط الميداني، وبشكل أدق عدّم نجاحه في إثبات قوته خلال أنشطته في شهر آذار الماضي.* وعدّم تمكنه من تشكيل قوة ضاغطة ميدانية على خصمه السياسي والإداري في مجمل القضايا. ويشكل تحول الكُرد في سوريا من أكثرية في مناطقه التاريخية إلى أقلية، وتفكيك الخزان البشري، والكتلة الجغرافية المتصلة خاصة بين محافظة الحكسة وكوباني بسبب التواجد التركي في سري كانيه وتل أبيض، والكوارث البشرية التي تقدم عليها فصائل المعارضة السورية في عفرين، أكثر العراقيل والمؤرقات في وجه أهداف ورؤى المجلس الكردي.

الخلاصة: يبتلع كِلا الطرفين “الموس –السكين” على الحدين، كما يقول المثل الدارج. فالمجلس الكردي يرغب أن ينشط بشكل فعال أكثر داخلياً، وأن يؤمن لنفسه موقعاً داخلياً محصناً، يساعده في أيَّ مواجهة ضمن الائتلاف أو غيرها، ويمنحه ورقة العمل الميداني، ويدرك أن لا مجال لذلك دون توافق. وتسعى الإدارة الذاتية ومسد وقسد نحو تأمين تمثيل سياسي ضمن المحافل الدولية، ولجان المعارضة السورية من دستورية وتفاوض، وهي المدركة أن لا وجود لها خارج منصة كردية مشتركة.

* -عشرات المناسبات القومية والوطنية الخاصة بكرد سوريا، وعموم كردستان، إنما يصادف ذكراها شهر آذار من كل عام

Share this Post

تحليل