تحليل

صراع الحشد الداخلي يضعف فصائل ويقوي اخرى

25-12-2020


 

RRC | 

علي البيدر|

وراء كل قوة ضعف , هكذا يرى الجميع, حتى اكثر المتفائلين كان يؤمن ان القوة التي بدت عليها الكثير من الفصائل المسلحة في البلاد خلال معارك تحرير المدن من سيطرة تنظيم داعش سوف تتلاشى بعد الانتهاء من عمليات التحرير وطرد عناصر التنظيم من تلك المدن , كون الدافع الاساسي لتشكيل بعض من الفصائل او ظهورها علنا قد انتهى وبذلك لا مبرر لوجودها او تحركها على الارض بحرية تامة في هذه المرحلة التي يتعارض مع توحيد القرار الامني وبسط هيبة الدولة وفرض القانون اضافة الى ارباكها للمشهد الامني الذي تحدده القوات النظامية المرتبطة بالقائد العام للقوات المسلحة , ناهيك عن رغبة مجتمعية في المناطق التي شهدت صراع من البلاد بتفرد القوات النظامية الاتحادية بالأشراف على الجانب الامني وتسيير شؤونه مخافة من سلوكيات غير منضبطة تمارسها عناصر عدد من تلك الفصائل التي تسبب بعضها بخروقات امنية وانسانية في تلك المناطق , وهنا يجب ان لا ننسى وجود رغبة سياسية  لأكثر من طرف وحكومية بأبعاد تلك الفصائل عن المشهد الامني مقرونة بتوجه اقليمي ودولي لأضعاف امكانياتها المالية والعسكرية كي لا تقدم  على السيطرة المطلقة للموقف في اكثر من منطقة في البلاد.

مرحلة التقنين

كان قانون هيأة الحشد الشعبي رقم (40) الذي اقره مجلس النواب العراقي في 26-11-2016  وصادق عليه رئيس الجمهورية في 14-12 – 2016  احدى وسائل التكبيل لهذه المؤسسة بعد ان تم ربطها بالقائد العام للقوات المسلحة برغم منحها الشرعية في ذلك . المادة الاولى ثانيا ( 1) من القانون نصت على ان “يكون الحشد الشعبي تشكيلا عسكريا مستقلا  وجزءا من القوات المسلحة العراقية ويرتبط بالقائد العام للقوات المسلحة”, كما اشارت الفقرة الرابعة من نفس المادة الى “يكون اعادة انتشار وتوزيع القوات في المحافظات من صلاحيات القائد العام للقوات المسلحة حصرا”. هاتان الفقرتان منحتا رئيس مجلس الوزراء بصفته القائد العام للقوات المسلحة الصلاحية القانونية للتدخل بشؤون الهيأة والعمل على اصدار قرارات واجبة التنفيذ تعنى بكافة تفاصيلها، الامر الذي اثار امتعاض عدد من الفصائل التي كانت تأتمر بأمرة جهات سياسية ودينية بعضها من خارج البلاد.

القضم من الاطراف

يبدو ان هذه السياسة هي الانجع لمواجهة بعض الفصائل المتمردة على قانون الحشد او تعليمات القائد العام للقوات المسلحة , كون مجابهتها دفعة واحدة على مستوى الجمع او حتى منفردة سوف يكلف الدولة المزيد من الخسائر ويدخل البلاد في صراعات معقدة قد تنتهي بأعلان حرب اهلية . السلوكيات غير المنضبطة للكثير من الفصائل التي ارتكبت خلال  مرحلة محاربة تنظيم ( داعش) او بعد هذه المرحلة سببت احراجا كبيرا للحكومات الثلاث ( العبادي * عبد المهدي* الكاظمي) ومنها القتال خارج الحدود العراقية لأسباب مذهبية بما يخالف المادة 8 من الدستور, فضلاً عن تدخلها في الجانب السياسي وهذا ما حظره الدستور بمادته التاسعة وقانون الهيأة النافذ, كما انها تحاول فرض ارادتها فيما يتعلق بوجود القوات الاميركية في البلاد .

عبر سياسية القضم من الاطراف استطاعت المؤسسات الامنية الحكومية اضعاف قوة ونفوذ بعض الفصائل وتخويف الاخرى بأقل الخسائر بعد إعلامها بسوء تصرفات تلك الشخصيات والتي اصبحت عبءً على الحشد وتسببت في تشويه صورته امام الراي العام.  وبرغم ان الحشد الشعبي مرتبط ارتباطا مباشرا بالقائد العام للقوات المسلحة الا ان بعض فصائله ترفض تطبيق التوجيهات الصادرة من قبله بضمنها ثلاثة اوامر ديوانية تتعلق بحركة تلك الفصائل ووجودها في بعض المناطق وهذا ما يؤكد ان القانون الذي اقر بثلاثة مواد فقط فيما لم تتجاوز عدد كلماته الـ (250) كلمة استخدمته بعض الفصائل لمنحها الشرعية فقط دون الاكتراث لما يقره القائد العام للقوات المسلحة .

البدء بالحلقة الاضعف

تمتلك الكثير من الفصائل المسلحة اجنحة سياسية او انها اذرع لجهات سياسية فاعلة في صناعة القرار في البلاد , وفرت تلك الجهات السياسية لأجنحتها العسكرية ( الفصائل المسلحة) الحماية من الملاحقة او اية محاولة لأضعاف دورها اذا ما ارادت اية جهة الاقدام على ذلك . هي اليوم تضع احدى قدميها في السياسة والاخرى ضمن اطار الفصائل المسلحة كي تثبت جذورها اذا ما مالت الكفة في اي من الاتجاهات . سرايا الخراساني احدى الفصائل المسلحة التي لا تمتلك غطاء سياسي الان تحتمي به قادر على الضغط والمشاركة في صناعة القرار لذلك اصبحت الحلقة الاضعف في المعادلة الامنية سيما بعد تراجع الدعم الايراني عنها بعد مقتل قائدها العقائدي ومؤسسها الجنرال في الحرس الثوري الايراني (حميد تقوي) بداية العام 2015 بعد ان اعاد تشكيلها ضمن الاسم الجديد , كما ان محاولة الجانب الايراني التبرؤ منها بعد ملاحظات اميركية على سلوكياتها سيما مشاركتها في محاولة اقتحام السفارة الاميركية  ببغداد في الــ 31 كانون الاول من العام الماضي , اضافة الى مشاركتها في قمع تظاهرات تشرين , الامر الذي ادى الى جعلها في دائرة الاتهام واضعافها بشكل كبير مما دفع هيأة الحشد الى انها تكليف حامد الجزائري القيادي في السرايا من مهام امر اللواء 18 في الحشد , حيث كانت هذه الخطوة الاولى في مسيرة البدء بالانقضاض على هذا الفصيل الذي فقد كل اشكال الدعم .

بداية النهاية

تعد عملية رحيل الشخصيتان الاكثر تأثيرا في مؤسسة الحشد الشعبي ( المهندس وسليماني) الخطوة الاولى في مسيرة فقدان التوازن التي شهدتها الهيأة وهذا ما احدث ارباكا في سلوكها وعلى مستوى التنظيم ايضا, فغياب ضابطيّ الايقاع دفع كثيرين الى التدخل في شؤون الهيأة الامر الذي مثل نقطة تحول في مسيرة الحشد وجعل بعض الفصائل تقوى واخرى تضعف او تقترب من الانهيار كما حصل مع فصيل الخراساني, فمن يمتلك جناح سياسي يحمي وجوده تمكن من الصمود بوجه التغيرات التي طرأت على الهيأة والتكيف معها , فيما تنازل الخط البياني لعدد من الفصائل التي لا تمتلك جهات سياسية تدعم وجودها وهو ما دفع بعض الفصائل المرتبطة بالمرجعية الى الانعزال عن الحشد حفاظا على مكانتها او محاولتها الابتعاد عن التجاذبات السياسية التي اصبحت واضحة داخل المؤسسة.

من المستفيد ؟

ظاهريا  تبدو عمليات اغلاق مكاتب ومقرات حركة الخراساني وحملة الاعتقال التي طالت قياداتها ستعود بالفائدة على الجانب الامني تمهيدا لأنهاء الفوضى الحاصلة في الشارع العراقي بعد حالات التمرد التي اقدمت عليها تلك الفصائل , اعتقال قياديّ وعناصر من فصيل واحد لن ينهي الفوضى الحاصلة بالتأكيد , هكذا عملية لن تتوقف حتى تنهي وجود كافة الفصائل المسلحة التي خرجت عن طوع الجميع , بعد اتفاق عراقي ايراني بهذا الخصوص للحفاظ على وحدة القرار في هيأة الحشد نتيجة بروز حالة من الانشطار والتمرد داخل عدد من الفصائل سيما الولائية منها حيث كانت سرايا الخراساني اول ضحايا هذه الخطوة التي لن تشمل اي من الفصائل المنضبطة ومنها حشد العتبات الذي تحصن بالقائد العام للقوات المسلحة. حملة كهذه حظيت بمباركة ودعم عدد من الزعامات الدينية والسياسية والتي ترى ابعاد جماعات مسلحة عن المشهد سوف يقلل من حجم المنافسة السياسية والامنية مع زيادة مساحة نفوذها على الارض بعد دمج عناصر تلك الجماعات المنحلة بفصائل اخرى . المستفيد الاكبر من هكذا حملات ستطال عدد من الفصائل الصغيرة والمتوسطة هي تلك الفصائل التي تمتلك اجنحة سياسية تدعم وجودها وهذا ما يجعل بقية الفصائل تحتمي بها مخافة من مصير مماثل الامر الذي يتيح للجهات الراعية لها وفي مقدمتها طهران خيارات التعامل مع اعداد اقل وهذا ما يسهم في تنفيذ تعليماتها بالطريقة المطلوبة وبأقل الامكانيات حيث ستستفيد طهران اكثر من هكذا خطوة اضافة الى تبييض صورة الحكومة امام الرأي العام والتي ستعلن الانتصار في نهاية المطاف كي تبدو في موقع المسيطر على مقاليد الامور في البلاد .

الخلاصة

تحاول هيأة الحشد عبر مديرية امنها التي يترأسها القيادي في حزب الله ( حسين فالح) المكنى بأبي زينب اللامي الابقاء على حالة من الثبات والتوازن وارسال رسائل مباشرة لأية جهة بما في ذلك القائد العام للقوات المسلحة لمنعها من التدخل في شؤونها ومعالجة كافة الاخفاقات التي تحدث داخل الهيأة من خلالها ” فقط” وهذا ما يجعل مديرية الامن في الحشد المسيطر الاول والاخير على كافة عمليات ضبط ايقاع الفصائل المسلحة وايقاف سلوكياتها السلبية او عناصرها كما ترى المديرية التي  تمتلك قوات خاصة بها  وخبرات كبيرة في المجال الاستخباري سخرتها لتحصين الهيئة من اية تدخلات خارجية وجعلتها بعيدة عن المساءلة المباشرة التي يمكن من خلالها منح جهات  حكومية رقابية  صلاحية المشاركة  في تقويم سلوك الفصائل وعناصرها او حتى الاشارة الى تلك السلوكيات . كل ذلك يجري من خلال هذه المديرية حصرا . عملية اعتقال الجزائري وعلي الياسري وعددا من عناصر سرايا الخراساني  اخر عمليات مديرية الامن في الهيأة والتي ارادت من خلال ذلك ضرب اكثر من عصفور بحجارة واحدة, وهي قطع الطريق امام جميع الراغبين في التدخل بشؤون هيأة الحشد وابراز قوة وامكانية المديرية على معاقبة جميع المخالفين للتعليمات , كما انها سعت من خلال ذلك الى تنظيف الهيأة من كافة العناصر المسيئة او غير المرغوب فيها , اخر تلك الرسائل كانت عمليات الاعتقال هذه والتي جاءت  تنفيذا لإرادة طهران التي لا ترغب ببقاء عدد من العناصر والفصائل مرتبطين باسمها مخافة من ردات فعل اقليمية ودولية بعد ان احترقت  ورقتهم امام الجميع وصار وجودهم يشكل عبءً على الهيئة التي تريد الحصول على مكاسب جديدة في المشهد العراقي بعد الخسائر الثقيلة التي تكبدتها على مستوى مقاتليها او حتى زعاماتها.

Share this Post

تحليل