تحليل

الخيط الرفيع بين الانتخابات والصراع في إقليم كوردستان وتركيا

11-04-2024


تمهيد

بالرغم من ان الإنتخابات هي جزء من العملية الديمقراطية لكن هنا في الشرق الأوسط يمكنها ان تمهد الطريق للتشنجات وحتى رفع إحتمالية الصدام. فمثلاً هناك خيط رفيع بين إحتمالية الصدام ونتائج الإنتخابات في توركيا مع التوترات والوضع الإنتخابي المستعصي في تركيا. ليس من المبالغة إذا قلت بأن نتائج إنتخابات تركيا في 31 آذار بالرغم من انه كان سبباً لفقد فرصة اخرى لأن تكون المسألة الكوردية موضوعا متداولا في تركيا في القرن 21 بل بالعكس زادت من إحتمالية التشنجات. والأزمة القائمة الآن في إقليم كوردستان بسبب الإنتخابات، متعلقة بمعضلة جديدة في الحياة السياسية الكوردية وستبقى متوترة إذا لم يتم حلها، على الأقل على المدى القصير، بسبب الديناميكيات السياسية في المنطقة.

الوجه الآخر لإنتخابات تركيا والشأن الكوردي

في هذه الإنتخابات الأحزاب القومية التركية مثل مهبة، ايي بارتي وبارتي زفر شاهدوا تراجعا ملحوظا والذي كان بإمكانه ان يكون فرصة ذهبية للشأن الكوردي، لكن من الظاهر ان على الأقل يأجل ذلك على المدى القصير. يرى آكبارتي ان دم بارتي بحسب إنتخابات 2023 في بعض المناطق مثل اسطنبول، إزمير، ميرسين، آديامان، شجعوا اكثر من نصف مصوتيهم الى التصويت لجهبة. فمثلا في إنتخابات 2023، كانت عدد اصواته في اسطنبول ٨١٧٥٤٧ صوتا، ولكن هذه المرة حصل مرشحه على ١٨٣٨٠٥ صوت فقط والظاهر ان باقي الأصوات ذهبت إلى جهبة. ولذلك، يبدو أن الحزب يعتبر سبباً لفوز جهبة في بعض هذه الأماكن، رغم أنه ليس السبب الوحيد.

النقطة الأخرى هي ان نتائج تلك الإنتخابات جعلت جهبة قطبا سياسيا قويا في تركيا والذي فاز على آكبارتي بنسبة 3%، لذلك اي تغير في الشأن الكوردي سيحتاج موافقته ايضا، والذي من الظاهر ان على المدى القصير توافقهم يبدو مستحيلا مع الكورد.

السبب الآخر هو ان دمبارتي وبالرغم من فوزه بالمركز الأول إلا ان عدد اصواته قد قل. وعدد اصوات آكبارتي قل بين المصوتين الكورد مما جعل احزاب اخري مثل حزب رفا الجديد وهدى بار ان ترتفع عدد اصواتهم بين المصوتين الكورد، لذلك اي نوع من الحديث في الشأن الكوردي يحتاج الى نقاش الأطراف الأخرى ايضًا.

نسبة المشاركة في الإنتخابات بين الكورد نزلت الى 72% ذلك في حين ان في السنة الماضية كانت 82%. فمثلا في دياربكر كانت تسبة المشاركة 82.18% في علم 2023 ولكن في إنتخابات هذه السنة كانت 67.3% في 2019 حصل هدبة  في دياربكر على 474645 صوت والذي كان يشكا نسبة 62.18% من الأصوات، في عام 2023 حصل يسبة على 564336 صوت وفي إنتخابات هذه السنة حصل دم بارتي على 441375 صوت والذي شكل نسبة 62.58% من الأصوات. ذلك بالرغم من انه كان هنام اكثر من 110 الف مصوت جديد. وكان الأمر ذاته بالنسبة للمدن الكوردية الأخرى ايضا. انخفاض اصوات دو بارتي وآكبارتي جعل الأطراف الآخرين اكثر قوة.

بالرغم من ان آكبارتي خلال 18 إنتخابات مضت، للمرة الأولى خلال هذا العام ترك الفوز لمنافسه (جهبة)، لكن على الأقل لحين 4  سنوات قادمة سيكون التحكم بيده دون إجراء إنتخابات والظاهر انه بهذه النتائج الحالية هو ليس مجبر على إجراء تغيرات كبيرة في هذا المجال. الظاهر ان وضع وصي لبلديات دم بارتي من قبل الحكومة ليس بالأمر السهل مثل المرة الماضية وذلك بعد مظاهرات وان، لكن على الأغلب ستبقى مسألة الحرب ضد حزب العمال الكوردستاني قائما مثل ما اشار اليه رئيس جمهورية تركيا خلال خطابه بعد الإنتخابات. ما عدا ذلك هنالك الآن تفاهم بين العراق وتركيا وذلك سيلعب دوراً كبيراً كدافع لإبقاء الحرب ضد حزب العمال الكوردستاني مسألة قائمة في تركيا.     

لغز الانتخابات في إقليم كوردستان

اصبحت الإنتخابات في إقليم كوردستان عقدة يصعب حلها. أعطى مؤشر الديمقراطية لعام 2023 للديمقراطية في العراق درجة 2.5 من أصل 10. وهذا يعني أن الميل نحو الاستبداد يفوق الرغبة في الديمقراطية. لذلك تحليل موقف الأطراف حول مسألة الإنتخابات، يصبح اكثر اهمية في سياق توازنات القوى. ورفض الصدر حينها المشاركة في انتخابات 2021 بسبب مخاوف من اختلال موازين القوى حتى تلقى كلمة من قيادات الأحزاب.  كما تضمن جدول أعمال رئيس الوزراء إجراء انتخابات مبكرة، لكن لا توجد اخبار حول ذلك حتى الآن. وهنا أيضاً، وعلى الرغم من الجهود التي بذلها رئيس حكومة إقليم كوردستان، إلا أن المشاكل الداخلية للاتحاد الوطني الكوردستاني

كانت سبباً رئيسياً في تأخير الإنتخابات. ويبدو أن الحزب الديمقراطي الكوردستاني ما زال يعتقد أن الانتخابات ستكون الخطوة الأخيرة في استكمال مشروع الهيمنة الإيرانية ومساعيه لإستبدال رئيس وزراء حكومة إقليم كوردستان، بعد قرارات المحكمة الإتحادية بشأن النفط والرواتب والإنتخابات والتي بإمكانها ان تغير الخارطة السياسية.   

على الأغلب بقاء مسألة الإنتخابات بشكل معلق هو في مصلحة بعض الأطراف السياسية التي لديها النية في تحجيم السلطة في كوردستان، وهذا من أجل إبقاء مسألة شرعية الحكومة حية وتأخرت المحكمة الإتحادية في البت في شكوى الإتحاد الوطني الكوردستاني بعد حل برلمان إقليم كوردستان، وعندما فعلت ذلك، حكمت بطريقة غير مرضية للحزب الديمقراطي الكوردستاني.

لكن المشكلة تعمقت عندما بدء لوي الذراع بين بغداد وأربيل حول مسألة عدم دفع رواتب موظفي حكومة إقليم كوردستان، الأمر الذي قد يشكل عاملاً مهماً في توجه الناخبين في الإنتخابات المقبلة،وصل الأمر إلى نقطة حاسمة، مما خلق نقطة تحول في سياسة الحزب الديمقراطي الكوردستاني، حيث وضع ورقة المقاطعة وحتى إمكانية الانسحاب من العملية السياسية في بغداد على الطاولة.

لقد كان توقيت قرار حزب الديمقراطي الكوردستاني مثيراً للاهتمام من حيث السياسة الداخلية والخارجية، ويذكرنا المشهد السياسي الحالي في كوردستان بنوع من توازن القوى في التسعينيات، حيث انقسمت السياسة الكوردية إلى قطبين في المنطقة مع اقتصاد ضعيف وصراعات داخلية.

يستشهد جنكيز تشاندار بقصة لقاء مام جلال وهوشيار زيباري مع بعض موظفي وزارة الخارجية الأمريكية في كافتيريا في واشنطن باعتبارها الصعوبات التي كانت تواجه محاولات الطالباني لبناء علاقات مع الولايات المتحدة، لكن ظهور زعيم الإتحاد الوطني الكوردستاني في موسكو وتصريحاته في بغداد بأن الهجمات الأمريكية في العراق يمكن أن تؤدي إلى عدم الإستقرار يبدو أنها إحدى العلامات على تغير المناخ السياسي في كوردستان. ولم يتغير هذا الأمر بشكل كامل بعد، لكن في حال انسحاب الولايات المتحدة فمن المرجح أن يعيدنا ذلك إلى استقطاب التسعينيات. لكن الفارق هذه المرة عن التسعينيات هو أن تركيا التي كانت تلعب دوراً في توازن القوى في إقليم كوردستان لم تعد موجودة، والولايات المتحدة التي لا تزال تلعب دور المظلة الأمنية للأكراد، هي الآن تحت ضغط الانسحاب.

دوافع قرار الحزب الديمقراطي الكوردستاني

هناك مقولة شائعة مفادها أن الأكراد ليس لديهم أصدقاء سوى الجبال. وهذا يعكس عزلة استراتيجية للأكراد لم تأتي بالصدفة، وتعتمد على عشرات الأحداث الجيوسياسية القديمة والجديدة. على الأرجح أن الحزب الديمقراطي الكوردستاني يشعر في هذه المرحلة بمخاطر عزلة استراتيجية أخرى ويريد منعها طالما تسمح له الفرصة. ومع اقترابنا من نهاية الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، تتجه سياسة أنقرة أكثر نحو الحفاظ على التوازن مع طهران وبغداد. إن الاقتصاد التركي في حالة يرثى لها، كما أن علاقتها مع حلفائها الغربيين في حلف شمال الأطلسي (الناتو) لم تعد قوية كما كانت من قبل.  ولهذا السبب فهو يتطلع إلى عدم تدمير علاقته معهم، وهذا امر ممتاز بالنسبة لإيران التي تعتبر الحكومة العراقية الحالية ايضا قريبة منها. في هذه الأثناء، طرحت الحكومة العراقية المتعافية مؤخراً قضيتين مهمتين على طاولة المفاوضات مع أنقرة؛ الأمن والاقتصاد، ومن الواضح أنه لا توجد فرصة للنجاح دون الضوء الأخضر الإيراني.  وتحرص بغداد على مشاركة تركيا في مشروع طريق التنمية الذي تبلغ تكلفته 17 مليار دولار، والذي من المتوقع بحسب بعض المصادر غير الرسمية أن تبلغ نسبته مشاركة تركيا نحو40%.وتزايدت وتيرة خطاب أنقرة حول إنهاء قضية حزب العمال الكوردستاني هذا الصيف بعد عدة زيارات ثنائية، بما في ذلك زيارة رئيس الحشد الشعبي فالح فياض. ففي زمن صدام، ساعد العراق تركيا في قتال حزب العمال الكوردستاني نحو عشرين مرة، لذا فمن المرجح أن تعمل مقترحات بغداد الحالية على إحياء نفس الذكريات في أذهان رجال الدولة الأتراك.

ورغم أنه من الصعب على تركيا أن تتخلى عن علاقاتها مع أربيل بسهولة، فإن السؤال هو ما إذا كانت أنقرة ستتجه في علاقاتها نحو بغداد في نهاية المطاف؟ وعلى الرغم من العلاقات الجيدة بين أنقرة وإقليم كردستان، إلا أن تركيا التزمت الصمت إزاء الهجوم الصاروخي الباليستي الإيراني على أربيل. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان الرئيس التركي سيزور أربيل خلال زيارته للعراق؟  هذه أمثلة على كيف أن احتياجات أنقرة الأمنية والاقتصادية ستقودها في النهاية إلى مراعاة مصالح طهران وبغداد في علاقاتها مع أربيل. وبطبيعة الحال، سيتعين علينا أن ننتظر ونرى إلى أين ستتجه العلاقات التركية الأمريكية، لأن هذا العامل يمكن أن يغير الوضع.

ومن المثير للإهتمام أنه بعد تزايد الحديث عن زيارة الرئيس التركي إلى العراق، نُشر أيضًا خبر زيارة أردوغان إلى الولايات المتحدة، والتي من المتوقع أن يكون العراق أحد مواضيع النقاش. والنقطة الأخرى هي أنه على الرغم من أن الولايات المتحدة لم توافق بعد على الإنسحاب من العراق، إلا أنها تستعد لإستقبال السوداني الذي طالب مراراً وتكراراً بإنسحاب القوات الأمريكية من العراق. وقد يشير ذلك إلى أن الولايات المتحدة وافقت على الانسحاب في عهد السوداني. ولذلك، فإن قرار الحزب الديمقراطي الكوردستاني ربما لا يتعلق فقط بالانتخابات. انما اتخذ الحزب الديمقراطي  الكوردستاني هذا القرار في وقت ترغب فيه كل من حكومة السوداني والإطار التنسيقي والولايات المتحدة في إظهار وضع مستقر وخالي من المشاكل في العراق قبل اجتماع السوداني مع بايدن. ويأتي القرار أيضًا قبل زيارة الرئيس التركي إلى العراق، حيث تحتاج كل من بغداد وأنقرة إلى شيء من الاستقرار. بالإضافة إلى ذلك، في حين أنه من المرجح أن تتصاعد الحرب في غزة، فإن تمهيد الطريق لمزيد من التوترات بين أربيل وبغداد قد لا يكون مفيداً للعديد من الأطراف.

والنقطة الأخرى هي أنه بالنسبة للعديد من البلدان، يُنظر إلى الوجود الكوردي في بغداد على أنه عامل توازن يمكن أن يعطله الإنسحاب الافتراضي للحزب الديمقراطي الكوردستاني. ومن غير المرجح أن تتراجع بغداد رسمياً عن قرارات المحكمة، كما يقترح الحزب الديمقراطي الكوردستاني، لكنها قد تخضع لبعض مطالب الحزب الديمقراطي الكوردستاني بشأن الرواتب والإجراءات الانتخابية. وإذا لم يحدث ذلك، فهناك احتمال لمزيد من التوترات.

الختام

وكانت الدعوات التي أطلقتها ليلى زانا وأحمد ترك وحتى صلاح الدين دميرتاش وخطاب أردوغان في ديار بكر قبل الانتخابات قد أثارت الآمال بأنه حتى لو شنت تركيا عملية عسكرية واسعة النطاق ضد حزب العمال الكردستاني في الأشهر المقبلة، فإن جولة أخرى من المفاوضات المباشرة وغير المباشرة كان من الممكن أن يبدأ. لكن نتائج الانتخابات البلديات ربما قلبت ذلك الأمر. عوامل مثل التقارب بين دم بارتي وجهبة ضد آكبارتي وغياب الانتخابات ستقلل من فرص الحوار السياسي لعدة سنوات قادمة. وعلى الصعيد الخارجي، قد يمهد تفاهم أنقرة-بغداد الطريق لجولة أخرى من الاشتباكات مع حزب العمال الكوردستاني. 

وفي إقليم كوردستان، يدرك الجميع أنه لا يمكن إجراء الانتخابات بدون الحزب الديمقراطي الكوردستاني، كما لا يمكن إجراء الانتخابات بدون الاتحاد الوطني الكوردستاني، إضافة إلى ذلك فإن غياب الحزب الديمقراطي الكوردستاني عن الانتخابات قد يمهد لسلسلة من التغييرات التي قد تؤثر على أمن مسار طريق التنمية والعراق. ولذلك، فإن القضايا الانتخابية في تركيا وإقليم كوردستان أكثر تعقيداً بكثير مما يمكن تحليله من خلال عمليات التصويت وحدها.

Share this Post

تحليل