تحليل

ارقام موازنة 2023 وحقائق النفقات والإيرادات من تقارير وزارة المالية

18-03-2024


تمهيد

اعلنت وزارة المالية العراقية قبل ايام الحسابات النهائية لمجموع إيرادات ونفقات السنة الماضية في حين كان من المتوقع زيادة الإيرادات عن النفقات بسبب تأخر إقرار الموازنة السنوية، لكن نفقات الشهر الأخير من السنة كانت سبباً في وجود نقص بمبلغ 6.7 تريليون دينار، وذلك اقل بعشر مرات من الذي تم ذكره في الموازنة، بحسب التقرير مجموع النفقات هو 142 تريليون دينار لكن مجموع الإيرادات الفطية وغير النفطية كانت 135 تريليون دينار. 

هناك تعليقات كثيرة على الارقام الواردة في التقارير، وخاصة التقارير المالية في العراق، لأن هناك دخل واحد ورقمين، قاعدة واحدة وثلاثة ارقام، ذلك بالإضافة الى الأخطاء في ارقام التقارير. فمثلا في قانون الموازنة لثلاثة اعوام هناك خطأ في جمع الأرقام بمبلغ 1.3 تريليون دينار، النفقات التشغيلية ونفقات الإستثمار لمحافظة الأنبار قدرت بمبلغ 466 مليار دينار،  لكن المبلغ المسجل كمجموع هو 436 مليار دينار، وقد تم الآن صرف 850 مليار دينار لها بحسب التقرير النهائي لوزارة المالية.

وبالإضافة إلى الوقوف عند  الفروق والأخطاء في الأرقام، ينبغي الانتباه إلى زيادة النفقات في الشهر الواحد، وخاصة في نهاية العام،فبحسب التقارير إجمالي النفقات حتى نوفمبر كان 109 تريليون دينار، لكن في 31 ديسمبر 2023 يصل إلى 142.4 تريليون دينار. أي أنه تم إنفاق 32 تريليون دينار في شهر واحد،اي ثلاثة اضعاف الأشهر الأولى وضعف الشهر الذي سبقه. 

في العام الماضي تم تثبيت الموازنة بعد مرور نصف السنة، لكن هل ارقام الإيرادات والنفقات مثل ما هو مذكور في الموازنة؟ لماذا تصل النفقات في نهاية العام الى ثلاثة اضعاف الأشهر التي سبقتها؟ نفقات اي مؤسسة مثل الميزانية، ما هي المؤسسة التي تكون نفقاتها مثل الميزانية، وما هي المؤسسة التي تكون أقل منها بمرتين أو أكثر منها بمرتين؟ ماذا عن الفرق بين الإيرادات النفطية وغير النفطية في الموازنة والحساب الختامي؟

الفرق بين الموازنة النيابية وإيرادات ونفقات وزارة المالية العراقية

في منتصف العام الماضي ثبت  البرلمان العراقي موازنة 3 اعوام لكن القانون يحتاج الى تعديل لهذه السنة ومر شهرين ولم يتم إرساله من قبل مجلس الوزراء الى مجلس النواب.

بحسب تقارير وزارة المالية العراقية وتقرير الموازنة السنوية، الأرقام التي تكتب في قانون الموازنة هي ليست سوى للنشر في الجريدة الرسمية العراقية، لأن الأرقام المخصصة للوزارات والمؤسسات ان كانت النفقات التشغيلية او الإستثمارية نادراً ما تتطابق مع ارقام وزارة المالية مثل النفقات والإيرادات للسنة الماضية.

ومن حيث الإيرادات، وبحسب موازنة 2023، كان ينبغي أن تبلغ إيرادات العراق الإجمالية 134.5 تريليون دينار، منها 117.2 تريليون دينار إيرادات نفطية و17.3 تريليون دينار إيرادات غير النفطية، وبلغ إجمالي إيرادات العراق النفطية وغير النفطية في تلك السنة 135.6 تريليون دينار، منها 125.8 تريليون دينار إيرادات نفطية و9.7 تريليون دينار إيرادات غير نفطية، ما يعني أن الفارق بين ما أصدره البرلمان كقانون موازنة وما حصلت عليه وزارة المالية فعلياً كإيرادات هو 1.1 تريليون دينار وذلك بسبب إرتفاع سعر النفط وإلا الفرق هو 7.6 تريليون دينار للإيرادات النفطية.

من ناحية الإنفاق كان من المفترض ان ينفق العراق 198 تريليون دينار، لكن في تلك السنة انفق 142 تريليون دينار وفي شهر كانون الأول عام 2023 اصبحت 32 تريليون دينار! كما كان من المفترض أن تقترض الموازنة 64 تريليون دينار لسد العجز، لكن الآن هناك عجز قدره 6.7 تريليون دينار، وهو ما لم يكن ليحدث لو لم تكن النفقات في كانون الأول/ديسمبر بذلك الشكل.

بالتمعن في النفقات قليلاً نرى إرتفاعات وإنخفاضات غريبة للغاية في النفقات المؤسسية مثل ارقام ميزانية عام 2023 والأرقام المذكورة في التقرير النهائي لحسابات وزارة المالية العراقية، مجلس النواب مثلاً خصص له مبلغ 418 مليار  في  الموازنة  لكن تم صرف 582 مليار دينار، منها 581 مليار دينار تشغيلية ومن بين التشغيلية 474 مليار دينار لرواتب النواب والموظفين في المؤسسة. في المقابل خصص في الموازنة مبلغ 94 مليار دينار لرئاسة الجمهورية لكن تم صرف مبلغ 71 مليار دينار فقط منها 43 مليار دينار للرواتب.

وخلافا لجميع الوزارات والمحافظات، فإن الفارق بين الميزانية المخصصة والأموال المصروفة على وزارة النفط في العراق، وبحسب موازنة 2023، بلغ إجمالي إنفاق وزارة النفط (الاستهلاك والاستثمار) 23.2 تريليون دينار، النفقات التشغيلية كانت 7.4 تريليون دينار و الإستثمارات 15.8 تريليون دينار لكن بعد أن تم إنفاق 10 تريليونات دينار على الاستثمار في شهر ديسمبر، فإن إجمالي الإنفاق لم يصل بعد إلى 12.9 تريليون دينار!

وبحسب الأرقام الواردة في موازنة 2023، كان ينبغي تخصيص 16.4 تريليون دينار لإقليم كوردستان، لكن في التقرير النهائي لوزارة المالية العراقية لعام 2023، لم يتم صرف"دينار واحد" كنفقات لإقليم كوردستان.

عواقب الإنفاق السريع لعشرات تريليونات الدنانير

بحسب تقارير وزارة المالية كان مجموع الإنفاق 109 تريليون دينار لغاية شهر 11، منها 97 تريليون نفقات تشغيلية و  12.3 تريليون إستثمارية، لكن خلال ال31 يوم التي تليها وفي تقرير نهاية السنة اصبح إجمالي الإنفاق 142 تريليون دينار منها 118 تشغيلية و 24 تريليون إستثمارية، حيث تضاعفت النفقات الإستثمارية ليس لوزارة الزراعة ومصادر المياه او وزارة التجارة او التربية، بل لوزارة النفط.

صحيح أن توقيع الاتفاقيات والمشاريع يتم الإعلان عنها يومياً وحتى خلال ساعات في هذا البلد، لكن سرعة توقيع اتفاقيات المشاريع ووضع حجر الأساس واللقاءات والزيارات ومذكرات التفاهم لا تعني النهضة  بل حتى يأخذ تنفيذها وقتاً طويلاً للغاية  وبعد سنوات عديدة، لا تعد الشركة المنفذة غير راغبة في البقاء في الاتفاقية فحسب، بل تنسحب أيضًا من المشروع، وآخر الأمثلة على ذلك انسحاب شركة شيل الهولندية من بناء مدينة البصرة البتروكيماوية المعروفة بمشروع نبراس والتي تم التوقيع عليها في 2015.

نقطة أخرى مهمة وهي تراكم النفقات نهاية العام وتخلف نظام الإنفاق الإستهلاكي والإستثماري في العراق وآليات ربط النظام المالي ببعضه وعدم وجود نظام اقتصادي رقمي شامل والتعامل بالنقد، وحتى لا يتم إرجاع الأموال، يتم الانتهاء من العمل الذي لم يتم إنجازه خلال ثلاثة أشهر والتوقيع الذي تأخر والموافقة التي لم تتم إعادتها في ثلاثة أيام، تكتمل الاجتماعات، وتعطى الموافقات، وتكون التوقيعات والأختام سريعة ولتلك السرعة بالتأكيد احتياجات عدة واولها مالية.

ومن ناحية أخرى، فإن هذا التسريع وإنفاق تريليونات الدنانير في أيام قليلة سيكون له أثر كبير على المشاريع، لأن السرعة في  التخطيط  والمناقصة والتصميم لن تكون نتائجها جيدة بالتأكيد، ولذلك فإن المشاريع في العراق لا تكتمل وتتأخر وتحتاج إلى الصيانة فور افتتاحها، وبحسب وزارة التخطيط العراقية (2022)، فإن هناك 1452 “مشروعا متوقفا ولم يكتمل في العراق، بتكلفة 24 تريليون دينار.

                                                                                                                                                                   النهاية

الفارق في نفقات المؤسسات أكثر وأقل مما هو موجود في الموازنة مثل موازنة عام  2023 والذي اعدته وزارة المالية العراقية يبلغ تريليونات ومليارات الدنانير وهذا بالتأكيد يعيدنا إلى مسألة ما إذا كان العراق يعمل على ميزانية سنوية؟ اذا كان قد يتم العمل بها بالفعل إذاً لماذا لا يتم تقليص المبلغ خلال تثبيت ميزانية السنة التي بعدها، ام انه انه مجرد نقاش برلماني وحبر على ورق! وفي كل عام، إذا كان الأمر مجرد تقديرياً، كما يقال، فلماذا هذه الضجة في البرلمان ؟

علاوة على ذلك، ما هي خطط مجلس النواب واللجنة المالية لمعالجة التناقض بين التقرير المالي والموازنة التي وضعها والتي تتكرر سنويا؟ فهل مجلس النواب على دراية بالمبغ الخصص للمشاريع الاستثمارية وكم صرف لها؟ كم خصص للرواتب وكم صرف منها؟ كم خصص للوزارات والمؤسسات وكم صرف منها؟

منذ أكثر من عقدين من الزمن، ما يعتبر عائدات نفطية للعراق في الموازنة، وما نراه نهاية العام ليس قريباً بل مختلفاً 180 درجة،لماذا لا تتم إعادة النظر في الآلية، ليست هناك مئات الإيرادات المختلفة، بل فقط إنتاج وتصدير النفط واسترداد الأموال.

قد لا تكون هناك مشكلة الآن، لأن ما تم وضعه ليس واضحا، مهما كان خاطئا، لأن أسعار النفط مرتفعة، ولكن يوم تنخفض أسعار النفط إلى أقل من 50 دولارا، فستكون الضريبة على أسعار النفط وعدد البراميل المصدرة يعتبر خطئأ.

اذا حسبنا ذلك كنسب ايضاً بحسب الموازنة كان من المفترض ان تكون عائدات العراق لعام 2023 87.1% منها نفطية و 12.9 غير النفطية، لكن بحسب تقرسر وزارة المالية شكلت الإيرادات النفطية حتى 31 من كانون الأول/ديسمبر 93% والإيرادات غير النفطية 7%.

المصادر

mof.gov.iq. (n.d.). وزارة المالية, جمهورية العراق. [online] Available at: https://mof.gov.iq/Pages/MainMof.aspx [Accessed 25 Feb. 2024].

‌ moj.gov.iq. (n.d.). وزارة العدل - جمهورية العراق. [online] Available at: https://moj.gov.iq/view.7273/ [Accessed 25 Feb. 2024].

Share this Post

تحليل