تحليل

علاقة الكورد مع النجف الأشرف

23-12-2019


 

 

RRC | شیخ محمد الكرباسی |

بسم الله الرحمن الرحيم

يسر مركز النجف الأشرف للتأليف والتوثيق والنشر ان يقدم هذا
البحث الى مؤتمر (حوار اربيل – نجف)

لا يخفى اهمية هذا العنوان الذي أنعقد المؤتمر لأجله ولكن ايضا لا يخفى انه موضوع شائك تحفه عوامل كثيرة من الطرفين عوامل اقتصادية وعوامل سياسية وعوامل اجتماعية وتدخلات خارجية وداخلية لايمكن في هذه العجالة تحليلها. وسوف نركز على بعض الوثائق التي بحوزتنا وفي مركزنا (مركز النجف الاشرف للتأليف والتوثيق والنشر) ونقوم بتحليلها كما هو المعتاد من منهجية هذا المركز ومن مشروعه في كتابة التأريخ.
وقبل الدخول في صلب هذه الوثائق لابد من تقديم مقدمة مختصرة يتضح من خلالها بعض الأمور.
ان هذه الأرض المحددة بحدود قد ضمت مختلف القوميات والمذاهب ولكن هناك روابط بينها من عادات وتقاليد واقتصاد واجتماع وغيرها قد جمعت المجتمع هذا وصهرته وجعلته مجتمع واحد.
ومن هذه القوميات القومية الكوردية والقومية العربية، فقد اجتمعوا على هذه الأرض اعني العراق وكانت بينهم روابط كثيرة وأهم هذه الروابط هو الاسلام الحنيف فالمذهب الشافعي الذي انتحله الكورد كان السبب الاقوى لتعزيز هذه الروابط وقد اجتمعوا بالأخوة الاسلامية وجاهدوا على مختلف الاصعدة الجهادية على المستوى الساسي الاسلامي او العلمي، فقد ظهرت منهم قيادات اسلامية ومؤلفات علمية قيمة ليس الان في صدد تعدادها.
فهذا الوضع اقتضى ان يكون هناك تعايش مستقر بينهم واستمر هذا الحال الى ان جاء الاستعمار وحاول شق عصى الاسلام واضعافه والتمييز بين الاخوة بالقوميات وزرع الفتن بينهم.

الكورد والمملكة العراقية
فأنشأت المملكة العراقية وقامت الدولة الفتية وتدخلت يد الاستعمار القوية فزرعوا الفتنة بين الدولة ورعاياها فتأزمت الأمور بين ابناء الوطن وحكامه وبين المطالبات الخارجية بضم الموصل وبين المركز الذي لا يريد ان يفرط بهذا المكون العزيز.
وفي الحقيقة إن الطموحات الكوردية كانت قد انتعشت قبل قيام الدولة العراقية عام 1920 عندما وقعت معاهدة (سيفر) بين الحلفاء التي جاء في موادها (62 و63 و64) الذي نصت على حق الكورد في إنشاء دولة كوردية في منطقة كوردستان تركيا تتمتع بالحكم الذاتي أولا ثم الاستقلال ولكن اعتراض الاتراك على هذه المعاهدة ورفضهم لها وطمع بريطانيا ان تجعل العراق كله تحت انتدابها حال دون ذلك، وبقيت هذه المعاهدة حبر على ورق.
عند وصول الملك فيصل الى العراق في الثالث والعشرين من شهر حزيران 1921م وبوشر باتخاذ الإجراءات الضرورية لبيعته اصطدم بالقضية الكوردية التي كانت تتمسك بحق تقرير المصير مثل باقي شعوب العالم، وقد قررت الحكومة العراقية ان مناطق الكورد لها الحرية التامة للاشتراك بالانتخابات وعدمه ولا يعتبر في المستقبل حجة عليهم وتود الحكومة اشتراك المناطق الكوردية وترغب في عدم انفصالها.
هذا ما قررته الحكومة مختصرا وهذا النص تحول الى نص للتعامل الكوردي العربي وعند اجراء التصويت فبعض المدن لم تصوت وقاطعت التصويت وبعضها صوت لصالح الملك وبعضها صوت ضده.
وقد اشتركت الوفود الكوردية في حفل تتويج الملك كما عن مذكرات المسس بل.
كان تعامل الملك فيصل مع الكورد تعامل جيد لانه يريد ان يكسبهم لو جرى استفتاء في حق تقرير المصير وعد ذهابهم الى تركيا واول من اقترح الحكم الذاتي للكورد .
وتشير الوثائق المحفوظة في المركز، انه في عام 1924م حصلت مبايعة من كورد خانقين الى الحكومة فقد جاء في البرقية (اباهي تقديم التهاني الصميمة للشعب لتوديع أهم وظائف الوطن لعهدة فخامتكم) أربيل متصرف احمد.
وكذا ابرق كورد خانقين ببرقية مبايعة للملك، وتبعهم أهل كركوك. أنظر (1،2،3).
واستمرت هذه العلاقة الجيدة وقد بادر الكورد بمبادرة من خلالها نشعر ان كل الحواجز قد اجتيزت ففي عام 1937م قررت بريطانيا التقسيم لفلسطين وقد هب العراق من جنوبه الى شماله بالاعتراض على هذا القرار.
ان القضية الفلسطينية قضية ذات عناوين متعددة، عناوين اسلامية وعناوين قومية وعناوين اقليمية وعناوين مذهبية، ولكن عندما نقرا البرقيات التي صدرت من كورد العراق ومن المناطق المختلفة لهم السليمانية، اربيل، كركوك و خانقين، نرى ان هذه العناوين متمثلة كلها واليك بعض الاشارات للبرقيات المرسلة المنشورة في هذا الكتاب. برقية من أشراف وعشائر كركوك الى الملك غازي الأول ملك العراق تأييدا للحكومة العراقية على موقفها اتجاه قرار التقسيم فقد جاءت فيها هذه العبارة “نرجو ان تصر حكومة الجلالة بكل الطرق الممكنة حتى الحصول على الوحدة العربية القومية التي ينتظرها العرب خاصة وللإسلام عامة”. فتشير هذه الوثيقة الى الهدف الاصلي بين العرب و الكورد الا وهو تحقيق الوحدة الاسلامية بين مختلف القوميات.
وقد ابرق سادة السليمانية محتجين على قرار التقسيم والطلب من الحكومة القيام باللازم . أنظر وثيقة رقم (4).
وابرق مدرسي الكورد من كركوك ببرقية تساند الملك في قراراته ضد التقسيم. أنظر وثيقة رقم (5).
وقد شارك علماء السليمانية الكورد هذا الاحتجاج ببرقيتهم الموجه الى الحكومة العرقية التي عبروا عنها بولية الأمر. أنظر وثيقة رقم (6).
وتبعتها برقية من حلبجة. أنظر وثيقة رقم (7).
وابرق نواب السليمانية ببرقية تأييد للحكومة لموقفها الرافض للتقسيم حيث ذكروا (احتجاجنا على مشروع تجزئة فلسطين العربية). أنظر وثيقة رقم (8،9).
وقد ابرق رؤساء العشائر ومن ضمنهم رؤساء عشائر البرزنجي والطالباني فقد جاء في برقيتهم (لقد ساءت القلوب وارتبكت الافكار لخبر تقسيم فلسطين الشقيقة …). أنظر وثيقة رقم (10،11،12).
والكثير من هذه البرقيات التي تركز على الوطنية و نبذ الفوارق العربية والكوردية والاهتمام بهذه القضية وتأييد الحكومة لكل ما تتخذه من إجراءات.
أنظر وثائق رقم (13 – 28).
نستنتج من هذه ان الامور بين الكورد والحكومة، كانت أمور عادية وقد دخلوا في مناصب الدولة وفي البرلمان وكان تمثيلهم تمثيل حقيقي واستلموا وزارات وقد ساند الكورد الحكومة العراقية بقراراتها باتجاه هذا الموضوع فالعلاقة كانت طبيعية.
وكل هذا الذي استعرضناه لا ننكر استعمال القوى العسكرية والطائرات البريطانية في ضرب الثوار الكورد في هذه الفترة ولكن الكلام في الجو العام للعلاقة في تلك الفترة.هذا مجمل القول في علاقة الكورد مع المملكة العراقية.
ولا يخفى ان اهتمام الحوزة النجفية بالقضية العراقية والمشاكل الداخلية للجنوب وعدم تجذر الحركات السياسية والكبت الذي مارسته الحكومة الملكية على رجال الدين الذين كان لهم تدخل بالأطر العامة للسياسة والقضايا العراقية كل هذا منع ان يكون لهم موقف مع كورد العراق على المستوى السياسي والا على المستوى الاجتماعي والثقافي كان لهم مواقف عديدة من وكلاء وعلماء وكتابات وتعايش الى غير ذلك.

الكورد والجمهورية العراقية
(عبد الكريم قاسم)
في 14 تموز 1958، قاد اللواء عبد الكريم قاسم انقلاب أطاح بالنظام الملكي في العراق. وكان الانقلاب ذا توجهات اشتراكية.
راى الزعماء الجدد، أن القضية الكوردية جزء من الحركة الوطنية في العراق، إذ شاركت العناصر الكوردية المثقفة في التخطيط للانقلاب. لذلك، فإنه لدي تعيين مجلس السيادة الثلاثي، على أثر الانقلاب، كان أحد أركانه العقيد خالد النقشبندي، ممثلا الكورد، كما مثل الكورد وزير واحد من أصل عشرة وزراء ، ضمتهم الوزارة الأولى للانقلاب، إضافة إلى تعيين ضابط كوردي عضوا في المحكمة العسكرية العليا الخاصة.
ونص الدستور المؤقت، في المادة الثالثة، أن العرب والكورد شركاء في هذا الوطن، ويقر هذا الدستور حقوقهم القومية، ضمن الوحدة العراقية. وهي سابقة، تعد الأولى في تاريخ الكورد، الذين احتلوا مناصب عليا في الدولة.
في الحقيقة عندما تغيير الحكم الملكي كل الشعب العراقي شيعة وسنة و كورد وعرب والاقليات استبشرت خيرا ولذا انهالت البرقيات بالتهنئة لعبد الكريم قاسم حتى من النجف الأشرف ولو أن في بعضها بعض التحفظات والحذر، وتقريبا الوعي السياسي للمجتمع حصل بتلك الفترة .
وقد اشرنا الى ان عبد الكريم قاسم حاول ان يستميل الكورد بأي نية كانت فأدخلهم بالحكم وأرجع الملا مصطفى البارزاني.
وعاد الملا مصطفى البارزاني إلى العراق، حيث استقبلته الحكومة العراقية وأعضاء الحزب الشيوعي العراقي، استقبال الفاتحين، في نفس سنة الانقلاب. فأعطي مسكنا في أحد القصور الملكية، التي كان يسكنها نوري السعيد والأمير عبدالإله، وخصصت لهم رواتب شهرية عالية، وميزات أخرى.
وكذا ردا للجميل في آذار 1959، عندما اندلعت محاولة انقلابية في الموصل بقيادة الضابط عبد الوهاب الشواف، فزع الكورد لمناصرة حكومة عبد الكريم قاسم، واستطاعوا تحييد دور العشائر العربية المناصرة للشواف كقبيلة شمر، والتي انتهى شيخها صريعا على يد مجموعة من المقاتلين الكورد، و قد أجمع المؤرخون على أن سرعة تحرك الكورد، الناجمة عن التنسيق، والاتصال السريع، بين عبد الكريم قاسم والملا مصطفى البارزاني، هو السبب في إخماد هذه المحاولة.
وأمر عبدالكريم قاسم مجلس الأعمار، بأن يبني مدينة سكنية كاملة للكورد العائدين من الاتحاد السوفيتي في ناحية بارزان، ويصرف لهم الرواتب والمعاشات الشهرية.
وبعد هذه الأحداث توطدت علاقات الملا مصطفى البارزاني الزعيم عبد الكريم قاسم،مما شجع الزعيم الكوردي على تقديم طلب رسمي، لترخيص الحزب الديموقراطي الكوردستاني (پارتي ديمقراطي كوردستان)، في 9 كانون الثاني 1960. وقد أقرت وزارة الداخلية الطلب، وأعلن الحزب في 9 شباط 1960.
و قد جاء في المادة الرابعة: أن الحزب يناضل من أجل صيانة الجمهورية العراقية، وتوسيع اتجاهها الديموقراطي وتعميقه.
كما نص البرنامج على توطيد علاقات الأخوة والصداقة مع الحزب الشيوعي العراقي، والحزب الوطني الديموقراطي، والمنظمات الديموقراطية في العراق. ويناضل الحزب من أجل حصول الشعب الكوردي على حق التمثيل والتوظيف، في جميع مرافق الدولة، بما يتلاءم مع تعداد الكورد في العراق.
كما اعلن الحزب تأييده لدعوة الجادرجي لتأليف الجبهة الوطنية الموحدة في 13 شباط 1960، كما ذكرت هذا جريدة (الثبات) الصادرة في هذا التأريخ. فدخل الكورد في المعترك السياسي للدولة العراقية واليك نص ما ذكرته جريدة الثبات.
” السوال: اطلعتم ولا شك على التصريحات التي ادلى بها سيادة الاستاذ كامل الجادرجي لجريدتنا والتي طالب فيا بتكوين الجبهة الوطنية الموحدة فما هو رأيكم في هذه الدعوة الوطنية الصادقة وما هي نقاط الالتقاء بين الاطراف الوطنية وهل يمكن عقد اجتماع هذه الاطراف تمهيدا لإنشاء الجبهة الوطنية الموحدة المرتقبة ؟.
اجابة المجاهد الوطني الملا مصطفى البارزاني: اثبت التأريخ ان الجبهة الوطنية ضرورة لا يستغنى عنها كل شعب محب للحرية والديمقراطية والسلام في مرحلة التحرر الوطني فهي ضمانة الانتصارات الوطنية ودعم هذه الانتصارات ومن مستلزمات صيانة مكاسب الشعوب المتحررة حديثا من السيطرة الاستعمارية والرجعية، كما هي القاعدة الشعبية التي تستند عليها الحكومات المستقلة من هذه البلدان لانجاز جميع مهمات الثورة الوطنية التحررية وتحقيق اهدافها كاملة.
وقد اكدت تجارب العراق ونضال حركته الوطنية الديمقراطية وهذه الحقائق حتى غدت اهمية وضرورة الجبهة الوطنية واضحتين للعيان.
وقد نادى زعيم البلاد الاوحد عبد الكريم قاسم وكذلك حزبنا الديمقراطي الكوردستاني على الدوام الى وحدة الصفوف وسد المنافذ بوجه المستعمرين والطامعين. لذا فاني ارحب بدعوة الاستاذ كامل الجادرجي بهذا الصدد، واعتقد انها متجاوبة تماما مع مصالح صيانة جمهوريتنا الخالدة وارساء الحكم الجمهوري المتحرر على قواعد ديمقراطية سليمة، ورد كيد المستعمرين والمتامرين الى نحورهم.
ومن رأينا ان تحديد وتنظيم علاقات الاحزاب بعضها ببعض من جهة وبحكومتنا الوطنية وقيادة عبدالكريم قاسم من الجهة الثانية هي من الواجبات الاساسية الملحة التي تجابهنا في عهدنا الجمهوري الزاهر وخاصة بعد اجازة الاحزاب الوطنية.
اما النقاط الاساسية التي تلتقي عندها الاطراف الوطنية فيجب ان تكون في نظري صيانة الجمهورية الديمقراطية الخالدة بزعامة بطلها ابن الشعب البار عبدالكريم قاسم وتوسيع وتعميق نهجها الديمقراطي المتحرر وبناء حياة اقتصادية مزدهرة ، وتصنيع البلاد، وتنفيذ قانون الاصلاح الزراعي، ورسم سياسة تجارية ومالية علمية واقعية صحيحة، وتنفيذ المشاريع العمرانية والصناعية والزراعية والثقافية التي اعلنها الزعيم في المؤتمر الذي عقده في مستشفى السلام قبل خروجه بقليل، ورفع مستوى الشعب وخاصة الكادحين من عمال وفلاحين وسائر الفئات الشغلية وصغار الموظفين والمستخدمين، ومواصلة السير على سياسة وطنية خارجية معادية للاستعمار والحرب وقائمة على اسس الحياد الايجابي ومبادئ باندونك والتعايش السلمي وميثاق الامم المتحدة والتضامن مع جميع الشعوب المناضلة في سبيل التحرر والديمقراطية.
ولا ريب ان جميع الاتصالات والاجتماعات بين الاطراف المعنية ستكون مثمرة ومفيدة اذا ما توفرت النية الحسنة والرغبة الصادقة في التعاون الوطني واذا ما استبعدت الاغراض الحزبية الضيقة ومحاولة فرض وصاية جماعة على غيرها من القوى الوطنية، واذا ما سادتها روح الشعور بالمسؤولية وخير السبل هو في نظرنا دعوة زعيم البلاد الاوحد رمز الاخوة الكوردية ورمز وحدة الشعب والجيش الى تبني ميثاق وطني يجمع حوله الاحزاب والقوى الوطنية الديمقراطية كافة لتكوين جبهة وطنية موحدة بقيادته الجريئة”. أنظر وثيقة رقم (36 ،37).
نشاهد من هذه الكلمة ان التركز والاهتمام على بناء بلد وعابر للقوميات ولم يذكر ابدا أي شرط ومطلب.
في غضون هذه الاحداث لم يكن للنجف الأشرف دور يذكر في الوثائق الموجودة عندنا وقد رأيت بعظهم يذكر في مذكراته عندما قدم الملا مصطفى البارزاني من منفاه أمرت المرجعية في النجف الأشرف وكلائها في البصرة على تحشيد الناس لاستقباله. ولكن لا اظن ذلك لعدم وجود المستند ولان التحشيد كان من الحزب الشيوعي لان الملا مصطفى كان في الاتحاد السوفيتي.
بعد هذه العلاقات الوطيدة بين عبد الكريم والكورد أشبه ما تكون شهور عسل تحولت وانقلبت الى منازعات بعد ان كانت في الماضي هذه النزاعات تأخذ بشكل عشائري خدمي تحولت في هذه الفترة الى تنازع سياسي كل طرف له احزاب واتباع.
فقد اندلعت ثورة للكورد عام 1961 بسبب ضغوط الزعيم الملا مصطفى البارزاني لتطبيق المادة الثالثة من الدستور بحذافيرها، وتحقيق الإصلاحات الاجتماعية، في كوردستان العراق، وبدأت جريدة الحزب (خه بات)، الناطقة بلسان الحزب الديمقراطي الكوردستاني، تهاجم الحكم العراقي، وتطالب بإلغاء الأحكام العرفية، والأوضاع الاستثنائية، وبالإفراج عن المعتقلين.
وبدأ عبدالكريم قاسم بالاعتقاد ان الاحزاب الكوردية يشكل عقبة في طريق حكمه الفردي، فبدأ يطارد قادته، ويعتقلهم، وأغلقت صحيفته (خه بات)، في مارس 1961، بتهمة نشرها مقالا، ناقشت فيه المادتين الثانية والثالثة من الدستور المؤقت.
وبعد هذه الاحداث أعلن البارزاني منطقة كوردستان، دولة كوردية مستقلة.
فتوجه الجيش العراقي لضرب التجمع الكوردي المسلح في المنطقة الشمالية، الذي يقاوم سياسة الحكومة، وحاول البارزاني تخفيف حدة التوتر، والحيلولة دون وصولها إلى تصادم مسلح، إذ قدم الحزب الديمقراطي الكوردستاني مذكرة إلى عبدالكريم قاسم عرض فيها الإهمال الذي تعانيه المنطقة الكوردية. وقدم مطالب الحزب، والكورد، من الحكومة، في 13 نقطة، ليس الان محل لذكره.
لم اشاهد دور للنجف الأشرف في القضية الكوردية في هذه المرحلة والظاهر ان النجف الاشرف في هذه المرحلة لها صراع آخر مع الشيوعية وكثير من الاحزاب، وان الوساطة التي تبناها الاتحاد السوفيتي بين حزب ملا مصطفى البارزاني و الحزب الشيوعي يجعل النجف الاشرف تتأنى في موقفها، وبسبب التدخلات الخارجية في هذه القضية وعدم تبلور حزب سياسي شيعي يكون له رأي في الاحداث السياسية كل هذه العوامل وبحسب الظاهر جعل النجف تنأى بنفسها عن هذا الخلاف.
ان التقارب الذي حصل بين عبد الكريم قاسم والملا مصطفى البارزاني، واصدار قوانين مخالفة للشريعة من قبل عبدالكريم قاسم، والمواجهة التي تبناها السيد الامام الحكيم مع السلطة القاسمية والعوامل السابقة هي التي ادت الى غض النظر عن الهجوم الذي شنه عبدالكريم قاسم، ولم يسجل أي موقف من قبل النجف الاشرف ضد هذا الهجوم.
ولا يخفى ان المقصود بالنأي عن النفس هو عدم التدخل بالقرارات السياسية أو الأمور السياسية وإلا على المستوى الثقافي والاجتماعي فهي مشاركة وبقوة بالصحف والمجلات فقد استعرضت القضية الكوردية في الصحف النجفية كثيرا وكتبت مقالات في ذلك.

عبد السلام عارف
في 8 فبراير 1963، نجح انقلاب الجبهة القومية في العراق، المكونة من التحالف القومي، والبعثيين القوميين، برئاسة المشير عبدالسلام عارف الذي استولى على الحكم، وقبض على أقطاب الحكم السابقين، وشكل لهم محكمة عسكرية وتربع عبدالسلام عارف على رئاسة الجمهورية، ممثلاً تيار التحالف القومي، وتولى أحمد حسن البكر رئاسة الوزارة، من تيار البعثيين القوميين.
فمن الجانب البعثي، انطلق ما يسمى الحرس القومي، وهو ميليشيا عسكرية بعثية، دموية، تمارس عملها في الشارع العراقي، ونفذت إعدامات بالجملة، شملت الشيوعيين وأنصار عبدالكريم قاسم، وكل من يشتبه في عدم ترحيبه بالنظام الجديد، فضلا عن مصادرة ممتلكاتهم.
في الوقت عينه، كانت الجبهة القومية ترصد تلك الإجراءات، وهي غير راضية عما يحدث. ووجهت ضربتها، في 18 تشرين الثاني 1963، للقبض على البعثيين والمتعاطفين معهم. ووضع أحمد حسن البكر في معتقل عسكري، وانفرد عبدالسلام عارف بالسلطة، بعد تسعة أشهر من الانقلاب.
وشكلت حكومة جديدة، في 20 تشرين الثاني 1963، ضمت ضباط من البعثين المعتدلين، والناصريين، والمستقلين.
وقد شهد عام 1963 بداية جديدة لتطور المسألة الكوردية، إذ ظهرت معسكرات تدريب البشمركة الكورد، سواء في إيران أو في كوردستان العراق. وتدفق الخبراء لتولي مسؤولية التدريب، وتدفقت أسلحة جديدة، لم يكن يعرفها الكورد من قبل، مثل المدافع المضادة للطائرات.
في الوقت عينه، بدأت أحداث الصراع الكوردي الحكومي في العراق تتصدر الإعلام الغربي وقد سارت الأمور في العراق في اتجاه قومي بشكل عام وتبلورت بأمور: اهمها الوحدة بين مصر وسورية والعراق، بمبادرة من العراق نفسه1963.
إصدار الحكومة دستور مؤقت جديدة، في 29 نيسان 1964، جاء فيه أن الشعب العراقي جزء من الأمة العربية، هدفه الوحدة العربية الشاملة.
وبهذه الخطوات كانت هناك هدنة مشروطة بأمور بعثها الملا مصطفى البارزاني الى حكومة بغداد وهي حسب ما ذكر في مذكرات البارزاني.

مطاليب الثورة المقدمة الى الوفد في 5 آذار 1963:
1 – الإعـتراف فـوراً بالحكم الذاتي لكوردستـان مع إعطاء صـورة من الإعتـراف ودستـور الجمـهورية العـراقيـة الى هيئة الامم المتحدة، وإذاعته من إذاعة بغداد ونشره بالجريدة الرسمية والصحف المحلية.
2 -الحدود الجغرافية: شمالاً تركيا، وشرقاً إيران، وغرباً سورية، وجنوباً سلسلة جبال حمرين .
3 -تكون اللغــة الكوردية اللغـة الـرسـمـيـة، كـمــا وأن الدراسـة تجـري باللـغـة الكوردية. أمـا في المـناطق التي يسكن فيها مواطنون غير كورد فتكون الدراسة بلغاتها الخاصة الى جانب تدريس اللغة الكوردية.
4 -الحكم الذاتي: أ- يكون الحكم برلمانيا ديمقراطيا على أن يتشكل من نائب لرئيس الجمهورية، ومن مجلس وزراء ومجلس وطني في كوردستان، مع إبقاء وزارات الخارجية والدفاع والمالية مركزية مع تعيين وزراء دولة لهذه الوزارات في الحكومة الذاتية. ب- يشـترك فـي الوزارة المركزية لـلجمـهـورية العراقـيـة عـدد مناسب بنسـبة عـدد سكان كوردسـتان، وكـذلك ينتخب للمجلس الوطني العراقي عدد من النواب بنسبة سكان كوردستان.
5 -الجيش: أ- تحدد نسبة معـينة من الجيش تتناسب مع نفوس كوردستان. ويكون قوام الوحـدات من أبناء كوردستان من ضباط وضباط صف وجنود. ب- يتـألف الجيش من جـميع الصنوف: القـوة الجوية، المشاة، الدروع، المخابرة، الهنـدسة، المدفعية مضادة للطائرات. جـ- إحداث مؤسسات عسكرية تشابه ما يوجد في الجمهورية العراقية.
6 – الميـزانيـة العـامـة: وتتـألف من واردات الضـرائب والكـمارك و المكس والرسـوم إلخ… وبنسـبـة عـادلة من عائدات النفط لا تقل عن ثلثي الواردات في كوردستان.
7 -الإحـتـفـاظ بقوات فـصـائل الأنصـار الوطنيـة في كوردسـتـان لحين الإنتـهـاء من إكـمال مـلاكـات الجـيش. وتخصيص رواتب وإطعام ولباس لها.
8 -تشكيل الحكومة الذاتية المتوقعة من هذه المطالب. واما جانب الحكومة فأصدرت هذا البيان :”بيان المجلس الوطني لقيادة الثورة في تحقيق أهداف المواطنين الكورد:عـاش العـرب والكورد إخـواناً تربـطهم تربة وعـقيـدة ومـصلحـة، ولم يعكر صـفـو هذه الأخـوة إلاّ الإسـتعـمـار والعملاء. وجـاءت ثورة 14 تموز لتحـرير الشـعب، وكان مما أكـدته الأخـوة العربـية الكوردية كـمـا نص الدستـور المؤقت. ولكن الإنحـراف والإرهاب في عهـد الطاغيـة عبـدالكريم قاسم شـمل الكورد كـما شـمل العرب وأحلَّ الفـتنة محلّ الألفـة، والريبة مـحلّ الثقـة، وجلب الويلات على البلاد. وقـامت ثورة الرابع عشـر من رمضـان المبارك لتزيل الإنحراف وتؤكد مباديء الحرية والعدالة، وترى من تعـاون العرب والكورد والقوميات الأخرى أساساً لوحـدة العراق. ولـَمّـا كان من أهمّ أهداف هذه الثـورة ايضاً إقـامة جـهاز عـصري يأخـذ بأحسن الأسـاليب في الإدارة والحكم، ولـمّا كـان أسلوب اللامركزية أسلوباً تحـققت فائدته بالتطبـيق في مختلف أنحـاء العالم……) فنرى ان الحكومة العارفية تحاول ان تهدأ الثورة وتحاول استرضاء الكورد.
وفعلا في اليوم التالي، أمر الملا مصطفى البارزاني بإيقاف النيران على جميع الجهات، في كوردستان. كما وصل جلال الطالباني إلى بغداد، في 19 شباط 1963، ممثلا شخصي للزعيم الكوردي لإجراء مفاوضات الصلح التي كانت تهدف إلى أن تعلن حكومة بغداد اعترافها الصريح بحق الكورد في الحكم الذاتي.
وبقيت المفاوضات والوفود من كلا الجانبين ولكن كانت هناك نقاط محل خلاف ليس هنا محل لذكرها.
واشتعل القتال بهجوم القوات الحكومية على كوردستان عام 1963م .
هذا مايتعلق بالطرفين، اما موقف الحوزة النجفية في ذلك الوقت فقد تمثلت بموقفين موقف كانت له التأيدات الظاهرية لانه يرى ان حقوق الشيعة والمحافظة على التشيع والدولة العراقية لا يمكن الا بمداراة ظاهرية لهذه الحكومة، وموقف لا يتدخل سلبا ولا ايجابا، وموقف كان يتخوف من هذه الحكومة لأنه يرى انها صاحبة اطروحة فكرية تريد ان تسيطر على الناس فهي اسوء من سابقتها. هكذا قرائتي لمواقف الحوزة في ذلك الوقت.
اندلع القتال بعد ان كان متفرقا بين الهدنة والاخرى في عام 1965م اندلع قتال كبير على مختلف الجبهات وكانت مساعدة شاه ايران للقوات الكوردية واضحة حسب ما ذكر في مذكرات البارزاني حيث قال: (حاول الشـاه جاهداً التـقرب من البارزاني فـبعث أولاً أربعـة مدافع هاون عـيار 81 ملم مع خمسمائة بندقية من طراز برنو. وأشفـعها في شهر تموز بأربعة مدافع هاون أخرى من عين العيـار وأربعة هاونات أخـرى من عيـار 120 ملم مع عتاد كـثيـر لبندقيـات البرنو والبندقيات الإنگليـزية معاً. وطرأ على موقف الپيشـمرگه العسكري تحسن كبـير بفضل هذا).
في خضم هذه الاحداث والمواقف كان لحوزة النجف الأشرف دور مهم في التدخل وبشكل مباشر في هذا الحدث وكما اشرنا انه في زمان الحكم العارفي كان العلماء على اتجاهات ثلاثة الاول المعارض لهذا الحكم بالكامل ويراه انه خطر يهدد الكيان الاسلامي ولا يعترف بشرعيته اصلا وتمثل هذا الاتجاه بسماحة الامام السيد محسن الحكيم.
وكان موقفه بالنسبة لهذه القضية موقف معارض وله تدخلات كبيرة ولابنه اجتماعات وخطوط مع موفد الكورد.
ونحن في هذا المضمار نعرض الوثائق والمراسلات التي جرت بين الطرفين وقد تم الحصول على الوثيقة التي بعث بها الملا مصطفى البارزاني للسيد الامام الحكيم (قدس سره) طالبا منه الوقوف ضد قرار الحكومة بالقتال، والمؤرخة 5/3/1965.
فقد جاء ما نصها:

بسم الله الرحمن الرحيم
سماحه حجة الاسلام السيد محسن الحكيم أدامه الله ذخراً للمسلمين
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته و أرجو لسماحتكم أن تكونوا بخير على الدوام. قال سبحانه وتعالى في محكم كتابه المجيد (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) صدق الله العظيم.
لا شك ان سماحتكم على علم تام بأن القتال بين المسلمين في العراق قد فرض علينا أيام قاسم وأيام البعثيين الظالمين رغم محاولاتنا المتكرره في العمل المتواصل من أجل وقف إراقة الدماء بين المسلمين وقد أتفقنا مع الحكومة القائمة على إيقاف إطلاق النار و انطلاقا من هذا الأساس آملين ان تضع الحكومة حداً لهذا الاقتتال عن طريق إقرار الحقوق العادلة للمسلمين كافه والمساواة فيما بينهم بصرف النظر عن قومياتهم ومذاهبهم لأن المؤمنين أخوة لا فضل لأحد منهم على آخر إلا بالتقوى والعمل الصالح. غير أن الحاكمين في العراق يصرون على السير في طريق التفريق والتميز بين المسلمين وفرض هذا المنهج غير العادل عليهم بالقهر والقوة وقد اعدوا لهذا الفرض أسلحة الخراب الدمار بما فيها الغازات السامة للفتك بأبناء الوطن تنفيذا لهذه الخطة المنافية للدين والعقل.
انني والمسلمين كافة في كوردستان نتطلع إلى أن تشملونا ببركتكم وتصدروا قراركم الحكيم بالوقف ضد الظلم والظالمين بغية إيقافهم عند حدهم وتجنب المسلمين الاقتتال وسفك الدماء.
ولا يسعني في الختام إلا الابتهال إلى الله سبحانه وتعالى أن يهدينا سواء السبيل أنه سميع مجيب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ودمتم ملاذاً وسندا للمسلمين في كافة امصارهم.
رانيه في 5/3/965‬‬‬
المخلص
مصطفى بارزاني

أنظر وثيقة رقم (31، 32).
وقد أجاب السيد الأمام الحكيم على هذه الوثيقة بما نصه

بسم الله الرحمن الرحيم وله الحمد
جناب المكرم الملا مصطفى البارزاني المحترم دام توفيقه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد فقد تسلمت كتابكم ولابد انكم قد عرفتم أنا راجعنا الحكومة الحاضرة حول ما ذكرتم في كتابكم فطلبنا وزير الزراعة السيد عبد الحسن زلزلة وحضر معه وزير الداخلية و نصحنا الحكومة بما من شأنه المحافظة على الدماء البريئة من أن تراق وعلى الأعراض والأموال المحترمة من أن تهتك أو تنهب فاجابت إلى ذلك كله وتعهدت لنا بالمحافظة على جميع ذلك حسب الإمكان وأنا الآن انصح لكم كما نصحت لهم فتجب عليكم المحافظة على هذه الأمور كلها واذا كان ولابد من المطالبة بشئ فيجب ان تكون بأمور مشروعة و معقولة وبشكل سلمي يحفظ هؤلاء المسلمين الذين هم الآن في مناطقكم من كل قلق أو خطر والله سبحانه وتعالى ولي التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل والسلام عليكم وعلى المسلمين قبلكم ورحمة الله وبركاته

محسن الطبطبائي الحكيم 4/حج/1384هـ
المصادف 6/4/1965م

أنظر وثيقة رقم (33).

وقد أكد على ابعاد الناس من الاقتتال وان تكون المطالبة بشكل سلمي للحقوق.
واجاب الملا مصطفى البارزاني على رسالة السيد الامام الحكيم بما نصه:

سماحة العلامة ايه الله السيد محسن الحكيم المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تلقيت ببالغ الغبطة والسرور رسالة سماحتكم الأخوية الكريمة المؤرخة في 4 ذي الحجة ونبأ مساعيكم الخيرة من أجل إخماد الفتنة – التي يصر حكام العراق الظالمون على إشعال نيرانها – واستدعائكم لعدد من المسؤولين في الحكومة وبيان وجهة نظر سماحتكم لهم، كما تلقيت نصائحكم وارشاداتكم في رسالتكم الكريمة بمنتهى التقبيل والاذعان وسنعمل انشاء الله بكل ما أوتينا من قوة من أجل منع الاقتتال بين المسلمين على الرغم مما يحد من إندفاعنا وحماسنا في هذا المجال ،ذلك هو الدمار الذي يصبه هؤلاء الحكام الطغاة على سكان كوردستان المسلمين الأبرياء يومياً بالمدافع والطائرات واسلحة الفتك والابادة الأخرى ولم يسلم من ظلمهم وعدوانهم حتى بيوت الله، فقد ضربت طائرتهم مسجد مدينة قلعة دزة بتسعة اطلاقات يوم 10/5/65 كما ضربت مساجد كلاله وهه لشو وغيرها بالصواريخ وقنابل النابألم.
اننا نتطلع ان يتدخل سماحتكم في الموضوع بشكل اقوى وأكثر فعالية لان النصح والارشاد لا يفيد مع هؤلاء الحكام الغادرين الذين جبلوا على العدوان والتفرقة والتميز بين المسلمين. لقد كان أسفي شديدا حينما علمت نبا مرضكم من دار الإذاعة ولا يسعني في مثل هذه الظروف إلا أن اضرع الى الله العلي القدير أن يحفظكم من كل مكروه ويجعلكم ذخراً علياً للأمة الإسلامية الكريمة وتقبلوا أجل احتراماتي.
المخلص
مصطفى بارزاني
24/5/965
أنظر وثيقة رقم (34).

نلاحظ من هذه الوثائق انه توجد مراسلات بين الامام الحكيم والملا مصطفى للتوسط في حل الازمة وايقاف الاقتتال بين الطرفين وكان السيد الحكيم بواسطة الوزير الشيعي زلزلة يحاول ايصال صوته للحكومة وهناك تحليلات كثيرة يمكن ان نستفيدها من هذه الوثائق لكن الوقت لايسع واحب ان اذكر أمرين متعلق بهذه الاتصالات .
الاول: قد ذكر السيد مهدي الحكيم في مقابلة له في الجمهورية الاسلامية الايرانية موقف تحليلي للسيد الحكيم لابأس بذكره فقد جاء ما نصه :
( الامام الحكيم وموقفه من القضية الكوردية
بالنسبة لموضوع الكورد السيد كان يرى ان القضية لا يمكن حلها بشكل عسكري، لان ذلك يعقد المشكلة أكثر بسبب الدماء التي تراق، مضافا الى هذا ان الاشخاص القادرين على القتال والمقاومة غالبا ما ينجون من الموت عندما تحتدم العمليات العسكرية وخاصة العشوائية، علما ان الحرب كانت حرب عصابات وليست حرب نظامية اذا فالذين يزاولون القتال من الكورد غالبا ما ينجون من شرور واثار العمليات العسكرية اما الذين يصابون فهم الاطفال والعجائز والشيوخ والناس الذين لا علاقة لهم بالموضوع ولهذا كان يرفض الحل العسكري.
(وهذا النص موافق مع جواب الامام الحكيم للملا مصطفى البارزاني حيث ذكر له نفس هذه الاسباب في رسالته)
واضافة الى ذلك فهو لم يكن يرى شرعية الحكومة المركزية لذلك فانه يرى ان القتال يديره طغاة ظلمة.
ومن جهة اخرى كانت الاحتفالات التي تقام في النجف وكربلاء تحت اشراف السيد ورعايته لا تخلو المواد المطروحة فيها من قضية الكورد وبيان مظلوميتهم، وبيان أن الوضع الذي يلاقونه من الحكومات هو وضع غير شرعي، وبالإضافة الى ذلك كنا ندعو الكورد للحضور في هذه الاحتفالات. وكانت هناك علاقات جيدة الى حد ما مع (الملا مصطفى) وكان هو يرسل الى (السيد) احيانا هدايا رمزية (والسيد) كذلك كان يرسل له بعض الهدايا الرمزية كالقرآن وغيره.
وكان موفدو الملا مصطفى البارزاني يقابلون السيد بشكل مباشر و احيانا كان الاتصال يتم بشكل غير مباشر عن طريق اللقاء بي، أو السيد مرتض العسكري و السيد هادي الحكيم و السيد محمد بحر العلوم و السيد محمد باقر الحكيم، وكان الحوار يدور بيننا حول ما إذا حصل تغير في العراق ، فكيف يكون العمل وما الى ذلك !
کنا في تحركنا نركز على البارزانيين لاننا كنا نفترض انهم اسلم فئة في الكورد.
واتذكر ان الملا مصطفى البارزاني بعث الى المرحوم السيد بخبر يعلمه فيه بأن لدى الحكومة اتجاه للقيام بحرق القرى الكوردية وابادة السكان، وكان يستغيث بالسيد، وقد تجاوب (السيد )فارسل الى وزير الداخلية وكان (تركمانيا) ونصحه بأن هذا العمل قبیح جدا وغير مقبول واظهر احتجاجه على ذلك.
فقال الوزير: سیدنا ماذا نفعل مع هؤلاء وهم يقلقون البلاد فقال المرحوم السيد عليكم ان تحلوا القضية بشكل سلمي ولا يجوز التعامل معهم بهذا الشكل).
فهل المقصود بفتوى السيد الامام الحكيم هي هذه العبارة ام توجد فتوى مخصوصة قد صدرت مثل فتوى الشيوعية لا أعلم.
الثاني : قد ذكر السيد الرفاعي في اماليه السبب الرئيسي في انسحاب الكورد من الاتفاقية مع عارف وذكر ان هذا السبب قد ذكره الملا مصطفى البارزاني في رسالته الى السيد الامام الحكيم (قدس سره) ولكن لم أعثر عليها ولا أعلم هل توجد رسالة غير موجودة في الارشيف ؟
قال ما نصه : ( البارزاني والتوجه العروبي
أيام عبد السلام عارف (1963 – 1966) ظهر للكورد موقف من الحكومة القومية ببغداد، ووصلت رسالة من الملا مصطفى البارزاني إلى السيد محسن الحكيم، وقد اطلعت على نصها، وقصة ذلك أنه في العام 1964 استأجرت بيتا على شاطئ الفرات بالكوفة، قريبا من بيت السيد محسن الحكيم، وكان من عادته انه يتمشي يوميا، عند الفجر، من قصر الملك هناك حتى مستشفى الكوفة، والمسافة نحو ميل ونصف، وذلك منذ الخمسينيات بل منذ أخذ يبرز مرجعا، وكنت أنا أيضا أمشي في هذا الولع للرياضة. يمشي الحكيم لوحده حاسر الرأس بلا عمامه يعتمر العرقجينة) فقط، وهي غطاء يوضع عادة تحت العمامة، ويلبس الصاية ( القفطان).
كنا نلتقي في عرض الطريق وأسايره، ثم يصل بيته فاقبل يده، وأنصرف إلى بيتي، وبعد أن غير اتجاهه في المشي فأخذت انا الاتجاه نفسه عمدا كي أتشرف بملاقاته، وفي يوم من الأيام وانا أهم بالانصراف قال لي: أتحب أن تشرب الشاي معي؟ قلت: سیدنا هل هناك من لا يحب شرب الشاي مع السيد محسن؛ فدخلنا وجلسنا تحت سوباط (عريشة) العنب في مدخل البيت ومد يده إلى جيب صايته وأخرج ورقة، وقال لي: اقرأ، فأخذت وإذا به عبارة عن خطاب أو رسالة من الملا مصطفى البارزاني (ت 1979) موجهة إلى السيد محسن الحكيم، يشكو فيها توجه عبد السلام عارف القومي، فمن جملة ما قرأت: أنه كان يخاطب الحكيم بأن الحكومة العراقية أعلنت عن أنها قومية عربية، أما نحن فلسنا عربا، إنما نحن كورد. ففي أيام العثمانيين كانت هناك حكومة إسلامية ونحن مسلمون لا خلاف لنا، ولكن الآن أعلنت القومية العربية، ولما أعلنت حركت لدينا العرق القومي. فإذا قالوا هم: نحن إسلام ودولة مسلمة فلا خلاف لنا معهم، لكن إذا قالوا: نحن عرب؟ فنحن نقول: نحن کورد.
بعدها قال لي السيد محسن الحكيم: ما رأيك؟ فقلت: كان الرجل، وأعني مصطفى البارزاني، منطقيا.
وكان رأي السيد محسن الحكيم عدم محاربة الكورد، ولم يصدر فتوى في هذا الشأن، مثلما أشيع.
وقد وردت برقيات ومراسلات بين السيد الحكيم والملا مصطفى قد الحقناها في هذا الكتاب.
أنظر وثائق رقم (35 – 41).
ولم تترك النجف الأشرف هذه العلاقة الحميمة بينها وبين الكورد وسعت الى تقويتها واستمرت في الدفاع عن هذا الشعب المظلوم وعن ارجاع حقوقه .

موقف السيد الشهيد الصدر اتجاه القضية الكوردية

قد شهد العراق بدايات مرجعية الإمام السيد الصدر تجدد القتال في کوردستان العراق في آذار1974وكان للإمام السيد الصدر رؤيته الإسلامية للمشكلة وطريقة حلها وقد طرحها في محاضراته عام 1969 بعنوان “المحنة” وقد تطرق الإمام الصدر في محاضراته تلك الى موضوع الكورد والذي يقول فيه :(مثلا هناك محنة يعيشها العراق منذ سنين وسنين، محنة صراع مسلح بين أخوين مسلمين في الشمال، بين بعض الكورد وبعض العرب ، هذه المحنة يعيشها العراق. قد يكون شعور بعض الناس إزاء هذه المحنة أن هذه المحنة كلفته ولده، كلفته أخاه ، كلفته صديقه، لأنه أخذ أخوه أو أخذ صديقه إلى المعركة فقتل، قد يعيش هذه المحنة على هذا المستوى ويشعر بها بهذه الدرجة ، وهذا هو الشعور الشخصي المحدود بالمحنة، وموقفه إزاء هذا الشعور أن يهرب أخاه، أن يهرب أباه، أن يتهرب من واجبات القانون حتى لا ينخرط في مأساة من هذا القبيل ولا ایری له واجبا من وراء ذلك. وأخرى يتعمق هذا الشعور أكثر فأكثر فيكون شعوره إزاء المحنة شعورا إقليميا على أساس أن أبناء البلد الواحد يتصارعون ويتنازعون فيما بينهم، وهذا الشعور والانفعال الإقليمي تجاه المشكلة يؤدي إلى اتخاذ موقف أوسع من الموقف الأول إلى موقف يفكر فيه بأنه كيف يعيد الصفاء والسلام إلى أبناء البلد الواحد. وقد يكون شعوره أعمق من هذا وذاك ، قد يشعر بإزاء المحنة أن هذه المحنة هي نتاج عدم تطبيق شريعة الله الذي أدى إلى تعميق التناقض بين الأخ وأخيه حتى ولدت مشكلة بين هذا وذاك وتصارع الكوردي والعربي. حينئذ هذا الشعور سوف يولد موقفا يختلف عن الشعور السابق الإقليمي أو الشعور الأسبق الشخصي، سوف يجعله هذا الشعور يحمل هم الشريعة ويصل إلى السبب الحقيقي لهذا التوتر.
وقد صرح لشباب يستفتونه حول هذه المسألة لكي ينقلونها إلى غيرهم ففي نهاية عام 1974 زار مجموعة من الشباب من خريجي الجامعات والمعاهد وكان عددهم 20 شخصا في مكتبه (البراني) وكانوا من الجنود الاحتياط وقد نقلوا إلى شمال العراق. فجاءوا يأخذون الموقف الشرعي، فسأله الشهيد كاظم جودة: نسبنا إلى شمال العراق فهل يجوز قتال الكورد؟
الشهيد الصدر: لا يجوز لأنهم مسلمين…
کاظم عودة : قد يجبرونا على القتال ويزجونا في الخطوط الإمامية؟
الشهيد الصدر: إذا اضطررتم فوجهوا أسلحتكم إلى الأعلى وأطلقوا النار في الهواء ، لأنه لا يجوز قتلهم.
وكان الشهيد الصدر يجيب على هذه الأسئلة وأمام الحاضرين من أجل تثبيت
المفاهيم والمواقف الحقة).
وقد اشتهرت أيضا فتواه بتحريم (النكتة) والهزل والتجريح على الأخوة الكورد إدراكا منه أنها وظفت للإساءة إلى سمعتهم وبالتالي شق الصف والنيل من كرامتهم.
واستمر الموقف الى ان استلم الراية الامام السيستاني فقد أصدر بيانات وتوجيهات الى الاخوة الكورد كثيرة ليس في وسعنا حصرها ونذكر نموذج لها.

أسئلة مجلة دير شبيجل الألمانية
بسمه تعالى
9 ـ الكورد يطالبون بنظام فيدرالي مبني علي أسس قومية و جغرافية ، فما ترون في ذلك؟
فولكهارد فيندفور – مراسل العالم العربي لمجلة دير شبيجل
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب التاسع:
إن أصل الفدرالية ونوعها المناسب للعراق مما يجب أن يقرره الشعب العراقي عبر ممثليه المنتخبين لمجلس كتابة الدستور، فعلى الجميع التريث وعدم البّت في الأمر إلى ذلك الحين. ومن المؤكد أن ممثلي الشعب الكوردي العزيز في مجلس كتابة الدستور سيتوصلون مع سائر إخوانهم العراقيين إلى صيغة مثلى تحفظ وحدة العراق كما تحفظ حقوق جميع أعراقه وقومياته.

مكتب سماحة
آية الله العظمى السيد السيستاني (دام ظله)
النجف الاشرف
24 ذي الحجة 1424

هذ ما استطعنا ان نكتبه في هذه العجالة لحدث له أهمية كبرى في القضية العراقية.

الملحق الوثائقي PDF

 

مواضيع ذات صلة

Share this Post

تحليل