تحليل

اشتباكات قامشلو

22-04-2021


 

RRC | 

شفان إبراهيم|

مُجدداً شهدت مدينة قامشلو في 20-21/4/ 2020 أحداثاً مؤسفة بين قوات الاسايس، وقوات الدفاع الوطني، في منطقة/نقطة تعتبر العصب الرئيس للتشبيك اليومي بين أهالي المدينة من جهة، ومن جهة ثانية قاطني حيّ طيّ، المتاخمة لمسرح الحدث. والقرى العربية الموالية للحكومة السورية، مع عموم مدينة قامشلو ومركزها. خاصة وأن الاشتباكات حصلت في تلك النقطة التي تعتبر التماس المباشر والفاصل بين نقاط سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، والأجنحة العسكرية المختلفة الموالية أو التابعة للقوات الأمنية والعسكرية للحكومة السورية، ولا يفصل بينهما سوى قرابة/500/متر فحسب. والديناميكات الناظمة لطبيعة العلاقة أو التجاور بين نقاط السيطرة والقوة تتعرض لخروقات دائمة منذ تقاسم النفوذ الغير معلن بين الإدارة الذاتية والحكومة السورية. وإن كانت الهُدُنات تشكل الحركية الدائمة لما بعد كل اشتباك أو نزاع عسكري، يُستعمل فيه الأسلحة المتوسطة والخفيفة. لكن فقدان ديمومة الهدّنة تظل هي المسيطرة على المشهد الأمني والعسكري في المنطقة.

وعلى الرغم من التوافق الروسي مع قسد، وشراكة الأخيرة مع التحالف الدولي ضد داعش، لكن أياً من الفاعلين الرئيسيين في الحدث السوري، لم يُبديا أيَّ رغبة في إنهاء قوات الدفاع الوطني، مع عدّم إصدار أيّ موقف أمريكي واضح ضد تواجد قوات الحكومة السورية في المنطقة. وعلى الرغم من تكرار سيناريوهات الاشتباك وتبادل إطلاق النار في نقاط محددة دوماً، تشكل بمثابة الحد الفاصل بين الطرفين في المدينة، مثالاً على ذلك الحواجز المنتشرة في المحلق الجنوبي، منطقة حلكو، دوار الوحدة، فإن موانع داخلية وخارجية تحيل دون سيطرة قسد على ذلك الحيّ. ويبقى الغائب الأساسي دوماً هو السلم الأهلي وكيفية إبعاد المدنيين وقواعد التواصل الآمن بين الأهالي من كافة المكونات، ما جعل هذه النقاط وغيرها، تمثل الخاصرة الرخوة بين الطرفين.

موانع داخلية أمام تغيير قواعد السيطرة

وفي العودة إلى قضية تكرار الاشتباكات بين الحين والأخر في تلك المنطقة تحديداً “دوار الوحدة باتجاه حيّ طي”. تُشكل عصّب الحيّاة للحيّ والمنطقة الريفية في جنوب المدينة. فهي خط مواصلات وتنقلات جميع أبناء القرى العربية المؤيدة للحكومة السورية، بما فيها عملية التجارة، حيث تعتمد الأسر العربية في جزء من مداخيلها الاقتصادية على عملية بيع اللبن والحليب والبيض،وبعض اللحوميات. كما تشكل خط أمداد المواد الغذائية والمشتقات النفطية إلى داخل ذلك الحيّ، ونقطة خروج ودخول موظفي الحكومة السورية من مدنيين، عسكريين، مسئولين. وبالمقابل فإنها بوابة ذهاب وإياب موظفي الإدارة الذاتية من قوات عسكرية وموظفي مؤسساتها، ممن يقطنون ذلك الحي. بمعنى أن أيَّ خللاً في تركيبة موازين القوة سيعود وبالاً على المتسبب به؛ لطالما لا توجد اتفاقية ولا إرادة دولية. فذلك الحيّ، يُعتبر إحدى المربعات الأمنية للحكومة السورية، والغالبية العظمة من قاطنيه يُدينون بالولاء للحكومة السورية وقواتها. هذا عدا من إمكانية انتشار السلاح الخفيف وربما المتوسط لدى معظم سكانها، ووجود أحياء وأعداد من الأسر الكُرد ضمن تلك المنطقة. ويقع الحيّ في نهايته على تماس مباشر مع الفوج العسكري الذي يشكل التهديد والتحدّي الأبرز لقوات قسد في أيّ تفكير خارج التأطير الدولي. كما إن الحيّ على تماس ونقطة وصول إلى المدخل الجنوبي للمدينة، ويعتبر المدخل الرئيسي والرسمي حتّى الآن، عدّا إنه مدخل إلى مطار القامشلي الدولي، وتُعتبر المنطقة العمرانية الواقعة بين ذلك المدخل المعروف بــ”دوار زوري” والمطار، من المناطق المحمية بشكل مشدد من قبل القوات السورية والروسية.. وبالمقابل فإن مدينة القامشلي شهدت ولأكثر من مرة مشاكل وتفجيرات من قبل “أشخاص” يقطنون ذلك الحي، ويتمكنون من التسلل إلى داخل المدينة.

محظورات دولية أمام التمدد العسكري

بالرغم سيولة المشهد المركب على طرفي السيطرات الأمنية بين الطرفين، فإن اللوحة السورية العامة هي التي تتحكم بطبيعة المُتحكم بهذا الحيّ. فمنذ قرابة السّنة، لم تشهد المناطق السورية الثلاث، شمال شرق، وشمال غرب، والعمق/الداخل السوري، أيّ تغيراً في نقاط السيطرة والتوزع والانتشار الأمني والعسكري. وتدور الأحاديث مع احتمالية ترسيخ ذلك التوزيع إلى حدود جغرافية مترابطة مع بعضها البعض، وفق آلية سياسية معينة ومتفق عليها، تحفظ للمكونات حقوقها، وتقيهم من المواجهات المباشرة. ويكون لكّل طرف/جغرافية ووضع إداري وسياسي خاص؛ نتيجة حالة اللاتوافق واللاوحدة بين مكونات تلك الأطراف ضد بعضها البعض، واقتصار التواصل على الجانب الاقتصادي والتبادل التجاري فحسب. التوزع الجغرافي، يلزمه وقف إطلاق نار، وعدّم حصول إيّ اشتباكات من شأنها تغير نقاط السيطرة، أو تُلزم بعض الفواعل المحليين للتدخل العسكري، ما يؤثر على نقاط التمركز المحلية، ضمن أيّ منطقة، واحتمالية تمدد الاشتباكات إلى نقاط غير محسوبة. لذا فإن أيّ محاولة للسيطرة على حيّ طيّ قبل ضوء أخضر أمريكي-روسي ستتحمل قسد أكلافاً باهظة هي في غنى عنه، وليست بحاجة إلى بوابة جديدة من المشاكل والتوترات والتشنجات الاجتماعية. وبالمقابل فإن لا قوة ولاطاقة للدفاع الوطني من السيطرة على مدينة كالقامشلي تحتوي على أثنيات وقوميات وطوائف متعددة ومتنوعة.

السلم الأهلي هو المتضرر

لا مجال للحديث عن صراع عربي –كردي جراء هذه الاشتباكات، لانخراط الآلاف من أبناء المكون العربي ضم قوات قسد والاسايش وغيرها، والروابط العشائرية بين الكرد والعرب على طول حدود المنطقة. وللعلم، فإن قسد لم تبدي أيّ رغبة أو حديث حول السيطرة على ذلك الحيّ، لمعرفتها بحجم الكلفة البشرية والسياسية لهذه العملية، ولا يبدوا في الأفق أيّ نية لها حول ذلك، وكل الأحاديث التي تدور حول هذا الشأن، من الممكن أن تكون جهات إعلامية تسعى لزعزعة الاستقرار الشعبي.

في العموم فإن المتضرر الأكبر من أي عملية عسكرية هو السلم الأهلي، والخطوط الحمر التي حفظتها القواعد الاجتماعية في تعاملها مع الآخرين. وهو ما يتطلب تدخلاً دائماً من لجان السلم الأهلي، لأن القضية لا تتعلق بفائض القوة العسكري، إنما في المرحلة التي تلي عملية السيطرة، وكيفية انعكاسها على مجمل الحياة الاجتماعية والتواصل المجتمعي، عدّا عن تأثير ذلك على مناطق نفوذ الحكومة السورية والتي لن تدخر جهداً أو وقتاً للرد بكل الطرق. فمنذ عشرات السنين، والسلم الأهلي راسخ بين الأهالي، على الرغم مما كانت المدينة تشهده من توترات، وتعدي على أملاك الكورد كما في انتفاضة 2004. لكن الحلقة الأقوى في كل مسلسل الحدث السوري، إن المنطقة لم تتحول إلى صراع قومي أو طائفي. وهو ما يتوجب الحفاظ عليه بديمومة مستمرة، إلى حين إيجاد حل للمقتلة السورية.

Share this Post

تحليل