تمهيد
مساء يوم الخامس والعشرون من آذار /مارس 2023 الساعة الرابعة والنصف تم نشر قرار إيقاف صادرات نفط إقليم كوردستان خلال منفذ جيهان، مر عام على ذلك القرار وخسائره مستمرة على الحكومة الإتحادية وعلى إقليم كوردستان حكومة وشعباً وعلى الشركات المحلية والدولية. خلال هذا العام خسر هذا القطاع اكثر من 11 مليار دولار في حال ما اذا كان قد تم بيع النفط بسعر إقليم كوردستان و 13 مليار دولار بسعر بغداد للنفط في 2023.
كان من المتوقع في البداية ان تُحل المشاكل وان يبدأ تصدير النفط مجدداً، لكن النتائج كانت على عكس ذلك، ل لكونها ليست فنية او اقتصادية بقدرها سياسية، ضلت عالقة ونتائجها مضرة للجميع.
مر عام على المسألة وبدلاً من ان يتقارب الأطراف يبتعدون اكثر. مثل آخر تصريح لوزارة النفط العراقية حول عدم علمهم بإنتاج إقليم كوردستان للنفط، وذلك بعد توتر العلاقات بين اربيل وبغداد. قبل 6 اشهر من الآن كان يرسل إقليم كوردستان 80 الف برميل مصفى من النفط يومياً للمركز لكن بسبب عدم الإلتزام بالإتفاقات تم وقفه.
المسؤولون العراقيون يتحدثون دوماً حول ايجاد حلول والسير حول إعادة تصدير نفط إقليم كوردستان، لكن رابطة صناعة النفط في اقليم كوردستان (ابيكور) في بيان لها في 23 آذار 2024 اكدت انهم لم يستلموا اية إقتراحات حول إعادة تصدير نفط إقليم كوردستان.
لماذا رغبت بغداد بخسارة 11-13 مليار دولار ؟
كسب دعوى للتحكيم رفعها أمام هيئة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية في باريس ضد أنقرة بشأن تصدير النفط الخام من إقليم كوردستان والذي كان من المنتظر على اثر ذلك ان تُعوض الحكومة العراقية من قبل تركيا بمبلغ 1.4 مليار دولار وان تسلم حكومة إقليم كوردستان بنيتها التحتية في الصناعة النفطية الى بغداد، مر 11 شهراً على القرار وخسرت الحكومة العراقية 11-13 مليار دولار.
في العراق كنا نسمع في الماضي اخباراً حول قدوم شركات مثل بي بي، شيل، اكسون موبيل وتوتال آرامكو، لكن الآن نسمع عن إنسحاب الشركات وبيع اسمهم في العراق، لكن لماذا؟
كانت عائدات بغداد النفطية 97 مليار دولار العام الماضي، بالرغم من ان وزارة المالية تقول بأنها كانت 93.4 مليار دولار! مهما كانت، كان بإستطاعة بغداد ان توصلها الى اكثر من 108 او 104.4 مليار دولار، لكنها لم تفعل، لماذا؟
بعد عقدين وبعد تحضير مشروع قانوني للنفط والغاز والمضي نحو ثلاثة اضعاف المدة المتواعدة من قبل حكومة السوداني لإخراج قانون الفط والغاز، لكن لم يتم إرسال موسودة القانون ليس ذلك فحسب بل لم تكتمل ايضا في وزارة النفط، اماذا؟
لو كان هناك جواب مختصر بخصوص الخسائر بمليارات الدولارات ورحيل الشركات والإختلافات في إيرادات النفط ووجود مسودة لمشروع قانون النفط والغاز، سيظهر بالطبع طريقة التفكير السائدة في العراق والتي تحركها القوة، وليست النظرة التي هدفها إعمار البلاد وكشف ثروات البلد للجميع، لأنه في كلتا الحالتين إذا كانت قد باعت الحكومة العراقية النفط وتم التعامل بالإيرادات من قبل إقليم كوردستان او تركت كوردستان تبيع نفطها تحت إشراف حكومة بغداد لما كان الذي يحدث بين اربيل وبغداد الآن قد حدث ولم تكن ثروات البلد تعرضت لهكذا خسائر.
بحسب الحسابات الختامية لوزارة المالية السنة الماضية، لم يتم صرف دينار واحد لإقليم كوردستان حيث كان من المفترض صرف 16 تريليون دينار مثل ما هو مذكور في الموازنة. وفي الأيام الماضية قرر مجلس الوزراء العراقي ان يتم سد ديون كوردستان من موازنة 2023 و 2024، وذلك يعني تفاقم المشاكل اكثر بدلاً من حلها.
إنسحاب الشركات الغربية الكبيرة مستمر منذ حوالي عام، مهما كان وراء ذلك فإنه برهان لحقيقتين حول العراق: الأولى هي عدم توفر البيئة المناسبة للشركات العالمية العاملة في قطاع النفط والغاز في العراق وذلك وبالرغم من التسهيلات المقدمة لهم، الثانية هي آلية تفكير العراقيين وبالأخص البرلمانيين والمسؤولين العراقيين حول القوة العاملة للشركات العالمية في العراق.
خسائر الإنتاج والإيرادات من مبيعات النفط الداخلية في إقليم كوردستان
بحسب بيانات التقارير السنوية للشركات النفطية العاملة في القطاع النفطي في إقليم كوردستان، انخفضت نسبة الإنتاج الى النصف في السنة الماضية وسعر البيع الى اقل من نصف السعر العالمي للنفط وكانت الواردات ثلث المفترض.
نحن نتحدث عن مليارات الدولارات والأرقام تظهر الخسائر الكبيرة التي حلت بإقتصاد العراق ومواطني كوردستان وعمل الشركات العالمية.
إذا كان كل طرف رضي بأقل من ما كان ينتظره كانت ستكون الخسائر اقل مثل ما هو موضح في الرسم البياني ادناه. لماذا العراق رافض لعودة 11-13 مليار دولار الى اقليم ضمن حكومته الفيدرالية! إنخفاذ مبلغ 11-13 مليار دولار من مجموع ايرادات العراق يعادل اكثر من ضعفين مجموع ميزانية العام لبعض الدول مثل سوريا وافغانستان. إذا لماذا الشركات العالمية راضين بالبيع المباشر ب30 و 40 دولار بدلا من 75 و 85 دولار؟
الرسم البياني 1: إختلاف إيرادات كوردستان النفطية قبل إيقاف التصدير وحين التصدير (2022-2023).
المصدر: حكومة إقليم كوردستان، البيانات المفتوحة وتقارير ديلويت
ملاحظة 1: بيانات الربع الثاني من عام 2023 مصدرها تقرير وزارة المالية في حكومة إقليم كوردستان ليرلمان العراق ووزارة المالية العراقية.
ملاحظة2: بيانات الربع الثالث والرابع هي من بيع النفط الخام داخليا من قبل الشركات بمبلغ 35 دولار.
ملاحظة3: صافي الأرباح للربع الثاني والثالث والرابع اساسها الربع الأول، بالرغم من ان شركات النفط الآن تبيع النفط داخليا وتستلم مستحقاتها مقدماً، لكن لا يوجد اي تقرير رسمي لديلويت حول عائداتالنفط وصافي ارباح حكومة إقليم كوردستان للربع الثاني والثالث والرابع وهنا قد تم تخمينها مثل الربع الأول من عام 2023 بين الشركات وحكومة إقليم كوردستان.
فشل الضغوط الأميركية وصمت روسيا على تصدير نفط إقليم كردستان
الايام التي عقبت قرار وقف الصادرات النفطية السرية وفي الأشهر الماضية كانو المسؤولين الامريكيين يضغطون ويحاورون بإستمرار مع العراقيين لإعادة تصدير نفط إقليم كوردستان، وبالرغم من ان كان شرط لقاء السوداني وبايدن هو إعادة تصدير نفط كوردستان، ومن المقرر ان يصل السوداني الى واشنطن في 15 من نيسان 2024 وليس من الواضح متى سيبدأ تصدير النفط مجدداً.
ايضا سبب عدم تأثير الضغوطات الامريكية والبرلمان البريطاني والاوساط الأخرى ومجموعة الشركات فيالكونغرس الأمريكي تعود الى الحقيقة الجارية في العراق الان وهي ان لا فائدة من الضغط على الحكومة لأن المسألة ليست بأيديهم وفي حال الضغط على الأطراف السياسية يدعون بأن لا سلطة لهم على الأمر.
من جهة أخرى، تمتلك روسيا استثمارات مختلفة في العراق وإقليم كوردستان، والتي وصلت بحسب البيانات العام الماضي إلى 10 مليارات دولار، معظمها في قطاع الطاقة في عموم العراق، نحو أكثر من 2 مليار دولار في إقليم كوردستان،لكن القاسم المشترك بين الجانبين هو الطاقة، وخاصة النفط.
وشركات الطاقة الروسية مثل روسنفت، ولوك أويل، وجازبروم، وجازبروم نفت هي شركات مملوكة للدولة، بما في ذلك تلك العاملة في العراق وإقليم كوردستان.
في الأشهر التي سبقت قرار تعليق تصدير النفط من إقليم كوردستان وبعد قرار المحكمة الاتحادية بإلغاء قانون النفط والغاز لإقليم كوردستان،حذرت وزارة النفط العراقية الشركات العاملة في إقليم كردستان العراق من أنها ستضعها على القائمة السوداء إذا لم تلتزم بالقرار إلا أن الشركات الروسية العاملة في كل من إقليم كوردستان ووسط وجنوب العراق لم تتأثر بالقرار واستمرت في العمل في إقليم كوردستان.
والآن بعد مرور عام على القرار السياسي بتعليق صادرات النفط من إقليم كوردستان، لماذا صمتوا منذ البداية حتى الآن، في حين أن شركة روسنفت تمتلك 60% من خط أنابيب تصدير نفط إقليم كوردستان إلى ميناء جيهان وتنتج شركة غازبروم النفط والغاز من حقلي سرقلة وحسيرة،إنهم صامتون لأنهم لا يريدون خلق صداع عديم الفائدة لأنفسهم وللثمانية مليارات دولار التي استثمروها في وسط وجنوب العراق، لأنه حتى لو وجدت الصادرات أو استؤنفت، فلن يتمكنوا من الحصول على الأموال كما اعتادوا بسبب العقوبات الأمريكية على روسيا.
الختام
وتبين أن تصريحات تركيا الأولية حول المشاكل الفنية لخط الأنابيب، وتصريحات المسؤولين العراقيين بتعويضهم بـ 1.4 مليار دولار، وبيان حكومة إقليم كردستان حول الاتفاق على تكاليف الإنتاج، وتصريحات مستمرة للمسؤولين العراقيين حول جهودهم لتصدير النفط لا نتيجة لها، لأن المسألة سياسية وفرض إرادة وليست تقنية او إقتصادية.
إن الشركات العالمية الصغيرة والكبيرة العاملة في قطاع الطاقة، وخاصة النفط والغاز، مترابطة وتكمل بعضها البعض، فمثلا إذا استثمرت شركة ما في هذا القطاع، فإن شركة أخرى توفر التنقيب والمعدات وشركة أخرى تنتج وتنقل وتتولى وتدير الإنتاج ولذلك فإن طريقة التعامل هذه مع لم تكن سببا في إنسحاب الشركات فحسب، بل لا تجرؤ أيضاً على الاقتراب من هذا القطاع لا عن بعيد ولا عن قريب.