الخلاصة
واجه العراق وإقليم كوردستان أزمة كبيرة على الصعيدين الخارجي والداخلي، تمثلت في أزمة نقص المياه. يقف العراق وإقليم كوردستان حالياً أمام خطر تصحر شديد غير مسبوق في التاريخ، خاصة وأن المياه المتجددة السنوية للفرد الواحد تبلغ حالياً حوالي 600 متر مكعب، وستنخفض إلى أقل من النصف في العقد المقبل.
من ناحية التجفيف الخارجي، تبرز تركيا كأحد أهم الأسباب، حيث أنشأت منذ 1980 وحتى الآن 16 مشروعاً وسداً كبيراً على نهري دجلة والفرات في إطار مشروع (غاب (GAP. إذ يستطيع سد أتاتورك، وهو أحد أكبر أربعة سدود في العالم، تخزين 7.48 مليار متر مكعب من المياه وإنتاج 2520 ميغاوات من الكهرباء. أدت هذه المشاريع إلى انخفاض تدفق المياه إلى العراق وإقليم كوردستان بنسبة 40%، حيث تسيطر تركيا على 88% من مياه الفرات و56% من مياه دجلة الواردة إلى العراق.
إيران، بصفتها جارة أخرى، أنشأت أكثر من 20 سداً ومشروعاً على الأنهار المشتركة: ألوند وسيروان والزاب الصغير، والتي تتمتع بقدرة تخزينية تبلغ 1.87 مليار متر مكعب من مياه نهر سيروان وحده، وجففت إيران بعض الأنهار مثل كنغير وكنجان جم بالكامل، وأعلنت صراحة منذ 2011 أنها ستقطع جميع الأنهار التي تتدفق من إيران إلى العراق بسبب نقص المياه لديها.
من ناحية المشاكل الداخلية، يحتل العراق المرتبة الخامسة عالمياً في استهلاك المياه، حيث يستهلك كل فرد سنوياً 1410 متر مكعب من المياه. يستهلك القطاع الزراعي 73% من إجمالي المياه المستخدمة، والذي وصل في 2022 إلى 17.31 مليار متر مكعب، لكن لا تزال أساليب الري التقليدية مستخدمة، ويتم استيراد منتجات زراعية بقيمة خمسة مليارات دولار سنوياً. في الوقت نفسه، هناك مشكلة كبيرة في معالجة المياه المستعملة، حيث تتم معالجة 1.09 مليار متر مكعب فقط من أصل 11.25 مليار متر مكعب من المياه المستعملة.
زيادة عدد السكان مقابل انخفاض المياه المتجددة، تعد من أهم المشاكل المستمرة في العراق. يبلغ تعداد سكان العراق وإقليم كوردستان حالياً 46.1 مليون نسمة، ولكل فرد 695 متر مكعب من المياه المتجددة سنوياً. لكن في 2030، عندما يصل عدد السكان إلى 52 مليون نسمة، ستنخفض المياه المتجددة إلى 543 متر مكعب للفرد، وفي 2035 عندما يصبح عدد السكان 57 مليون نسمة، ستصل المياه المتجددة إلى 391 متر مكعب للفرد، وهو نصف المعدل الحالي. هذا بينما يتطلب المعيار العالمي الأدنى 1000 متر مكعب لكل فرد.
يظهر تأثير هذه الأزمة على القطاعات الأخرى في العراق، فعلى سبيل المثال في قطاع النفط والغاز، يتطلب إنتاج كل برميل من النفط (1.5 إلى 3) براميل من المياه، بحيث يستخدم سنوياً 141 مليون متر مكعب من المياه لإنتاج النفط. في إقليم كوردستان، هناك 12 شركة لإنتاج الحديد تنتج سنوياً 4.7 مليون طن من الحديد، وتحتاج إلى 2.8 مليار متر مكعب من المياه.
وفقاً لمعهد الموارد العالمية، يقع العراق ضمن 25 دولة في العالم لديها أعلى مستوى من الضغط الأساس المائي، بـ4.14 نقطة من أصل خمس نقاط. أكثر المحافظات خطراً هي القادسية والنجف والمثنى وكركوك، بينما في إقليم كوردستان تواجه السليمانية ودهوك أعلى المخاطر. أدى نقص المياه هذا إلى النزوح الداخلي، حيث نزح في 2021 عشرون ألف شخص، وفي 2023 وصل عدد هؤلاء إلى 130 ألف شخص، وفي 2024 أصبح 696 ألف شخص، ما يعني أن معدل زيادة النزوح بسبب تغير المناخ ونقص المياه في عدة محافظات عراقية وخلال ثلاث سنوات كان 33.8%..
تشير التوقعات أن الضغط الأساس المائي سيرتفع في جميع المحافظات بحلول 2030، خاصة في محافظات الجنوب مثل النجف والقادسية وكربلاء. سيصل الضغط على السكان إلى أعلى مستوى وهو خمس نقاط، ثم على الصناعة بـ4.5 نقطة. أيضاً، العراق يحتل المرتبة 122 عالمياً من حيث الاستعداد لمواجهة تغير المناخ ويقع ضمن أضعف البلدان في هذا المجال.
في النهاية، يجب العمل على ثلاثة مستويات: أولاً على المستوى الدولي لتدويل القضية في الأمم المتحدة والوقوف ضد عملية تحويل مسار المياه من قبل تركيا وإيران، ثانياً على المستوى الداخلي من خلال بناء البنية التحتية للمياه ومعالجة المياه المستعملة، ثالثاً رفع الوعي لدى الأفراد ووضع برامج التربية المائية لتعليم الاستخدام العلمي للمياه.