على الرغم من تصريحات البنك المركزي ومسؤولي المالية وحتى رئيس الوزراء بشأن إمكانية استقرار قيمة الدينار والعودة إلى السعر الذي حدده البنك المركزي ، فإن قيمة الدينار العراقي أمام الدولار تتراجع بشكل يومي. في تأريخ 26-10-2022 تجاوز سعر تداول الدولار 10 آلاف فوق السعر المتعامل عليه في السوق.
في الواقع ، الدينار العراقي والريال الإيراني (التمن) والليرة التركية والسورية هية ليست بالوحيدة التي تتراجع أمام الدولار ولكن انخفضت عملات الدول المنافسة لأميركا هذا العام. وفقًا للأرقام الرسمية ، في عام 2022 ، فقدت معظم العملات الأخرى مثل الين الياباني واليوان الصيني والجنيه البريطاني واليورو قيمتها بنسبة -14٪ إلى -6٪. فيما يتعلق بقيمة الدينار العراقي ، فإن السؤال الرئيسي هو ما إذا كان مصير الدينار العراقي مقابل الدولار سيكون مثل الريال الإيراني والليرة التركية والسورية ، أم سيستطيع البنك المركزي الحفاظ على توازن الدينار مقابل الدولار؟
سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار الأمريكي
بسبب انخفاض قيمة الدينار امام الدولار, دعا البنك المركزي العراقي البنوك العراقية الخاصة إلى تعزيز احتياطياتها من النقد الأجنبي ، وخاصة اليوان الصيني واليورو والدرهم الإماراتي والدينار الأردني[1]. وتعتبر هذه خطوة مضادة للإجراءات التي يتخذها البنك الفيدرالي الأمريكي.
كما تتضمن خطة البنك المركزي لزيادة قيمة الدينار مقابل الدولار "تخفيض سعر صرف الدولار الأمريكي للسياحية أو شراء الإنترنت من 1470 دينارا إلى 1465 دينارا ، وإتاحة خيار بيع العملة الأجنبية للعراقيين في البنوك الحكومية لأسباب تشمل الحج والدراسة او العلاجات الطبية".
وتراجع الدينار العراقي مقابل الدولار بنسبة 5.5 بالمئة في ساعات قليلة في 25 كانون الأول 2022 وذلك بحسب إحصائيات البنك المركزي العراقي المنشورة.
فرض البنك الفدرالي الأمريكي مؤخرا عدة شروط او اجراءات مشددة ضد بيع الدولارات للعراق من بينها "اظهار قائمة بالدولارات المباعة باسم الاشخاص والكيانات التي يبيع لها البنك المركزي العراقي". ولم يتم ذكر اذا ما كانت هذه الأموال ذهبت لمنظمات إرهابية بل اشارت بأن "قد ابيعت لهم العملة"[2]. وهنا تكمن الأسباب وراء تشديد مجلس الاحتياطي الفيدرالي للإجراءات ضد العراق ، لأنه في يونيو 2022 ، سدد العراق 1.6 مليار دولار من قروض استيراد الغاز النقدية إلى إيران[3]. وأصبح من الواضح الآن أن تخفيض الإصدار اليومي للدولار الأمريكي من قبل البنك المركزي لا يتعلق بإجراءات مكافحة الفساد وملاحقة شركات غسيل الأموال ، ولكن ما وراء ذلك هو الاحتياطي الفيدرالي الامريكي وبيع الدولار في العراق.
كما يتضح في الجدول الأول الذي يعرض قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار على أساس شهري أنه من كانون الأول 2021 إلى كانون الأول 2022 ، والذي يظهر التراجع الشهري لقيمة الدينار.
الجدول 1: سعر صرف الدينار مقابل الدولار في 2021 و 2022 شهرياً
في عام 2022 ، سجل الدولار أعلى مستوى له مقابل معظم العملات الأخرى ، بما في ذلك اليورو والجنيه والين الياباني واليوان الصيني. وفقًا لـ Trading View ، "في عام صعب مليء بالارتفاعات والانخفاضات في قيم العملات ، سجل الدولار الأمريكي قيمة مثالية ، حيث ارتفع مقابل معظم العملات العالمية"[5].
لم يرتفع الدولار بالقدر الذي كان عليه في العقدين الماضيين بالمقارنة مع هذا العام وهذا بسبب الأداء القوي للاقتصاد الأمريكي أمام الدول الأخرى ، وخاصة الصين وأوروبا[6]. عانت اوروبا هذا بسبب انتشار فايروس كورونا وارتفاع اسعار النفط والغاز الطبيعي وتعتبر هذه اسبابا لإنخفاض عملتها امام الدولار. سبب آخر لارتفاع سعر الدولار الأمريكي يرجع إلى زيادة أسعار الفائدة المصرفية من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.
وانخفضت العملات الأخرى مثل الين الياباني والجنيه الاسترليني واليورو والدولار الأسترالي للعام الثاني على التوالي. على سبيل المثال ، انخفض الين الياباني بنسبة -14.7٪ ، والروبية الهندية -9.6٪ ، والجنيه الإسترليني -8٪ ، والين الصيني -8.6٪ واليورو -6٪ مقابل الدولار. في عام 2021 ، ارتفعت الروبية الهندية بنسبة 2 في المائة ، واليوان الصيني بنسبة 2.7 في المائة ، والدولار الكندي بنسبة 0.7 في المائة مقابل الدولار ، وفقًا للجدول للأرقام الموضحة في الجدول الثاني.
الجدول 2: معدل اسعار قيم العملات مقابل الدولار في عام 2021 و2022
من المتوقع أن يظل الدولار مستقرًا نسبيًا في عام 2023 بسبب خطر الأزمة المالية العالمية وتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي ، لكن بعض الدراسات تشير إلى أن تراجع قيمته مقابل العملات الأخرى[8].
نقطة أخرى تتعلق بالدولار هي انخفاض قيمة عملات الدول المجاورة للعراق، بحيث تنخفض عملاتها أمام الدولار يومًا بعد يوم. على سبيل المثال ، انخفضت الليرة التركية -41٪ مقابل الدولار في عام 2021 وحده. في سبتمبر 2021 ، كان الدولار الواحد الأمريكي يساوي 8 ليرات ، أما الآن في ديسمبر 2022 فقد وصل الدولار الواحد إلى 18 ليرة[9].
تراجعت التمن ، مثل الليرة التركية ، إلى أدنى مستوى لها هذا الشهر ، حيث خسرت قرابة 50 بالمئة في 2021 و 18 بالمئة منذ بداية الاحتجاجات[10]. كما سجلت الليرة السورية أرقاما قياسية جديدة مقابل الدولار. وبينما كان 47 ليرة تقابل الدولار الواحد في 2011 ، فقد 99 في المائة من قيمته في الفترة الماضية ، لتصل إلى 5000 ليرة سورية للدولار الواحد[11].
الدينار العراقي ليس العملة الوحيدة التي انخفضت أمام الدولار ، لكن هنالك عملات الأخرى انخفضت ايضا، خاصة الدول الاقتصادية الكبرى مثل الصين واليابان وبريطانيا التي تراجعت عملاتها مقابل الدولار. في السنوات الأخيرة ، كانت قيمة الدينار العراقي مستقرة نسبيًا أو يتحكم فيها البنك المركزي ، لكن العراق الآن اصبح يعاني نفس مشكلة البلدان المجاورة له في انخفاض قيمة عملته.
واخيرا التخوف ليس مكمننا بخسارة القيمة اليومية من 1000 الى 10000 دينار مقابل الدولار في السوق ولا مكافحة الفساد ومنع غسل الاموال ومسألة الحوالات الوهمية ولكن جوهر القضية متعلق بمطالب البنك الفدرالي الأمريكي من البنك المركزي العراقي والأجراءات المتخذة من قبل الأخير. كما أن الخوف الحقيقي هو انهيار الدينار العراقي أمام الدولار كالليرة التركية والعملة الإيرانية ، لكن ما زال الوقت مبكراً لذلك ، لأن العراق لديه احتياطيات تزيد عن 90 مليار دولار ويستطيع الصمود ، لكن من غير الواضح حتى متى سيتم الصمود امام هذا التحدي والصعاب!
