ملتقى النجف-أربيل: آفاق العلاقات بين الكورد والشيعة
18-12-2019
في هذه الأيام، أصبح العراق في نقطة تحول، لأن التغيير السياسي مرجح للغاية بسبب الاحتجاجات المشهودة حالياً في الساحة، الموضوع المهم هو العلاقات المستقبلية للمكونات العراقية. هل شعار بناء الوطن يعني تخطي سياسة المحاصصة؟ هل يتجه العراق إلى عصر الهويات أو عزل المكونات بحيث يسيطر مكون واحد على الجميع؟ هل حلّ المشاكل العراق الحالية ومطالب المتظاهرين في معالجة الفساد والإصلاحات وتعميق الفيدرالية الحقيقية والديمقراطية، أو في تغيير المبادئ الرئيسة في حماية مكونات مختلفة؟ هذا السؤال والعديد من الآخرين جعلوا من غير الشيعة يشعرون بحساسية أشدَّ في ما يتعلق بمستقبلهم في هذا البلد. أحدُ تلك المكوناتِ الكوردُ، حيث ستؤثر علاقاتهم مع الشيعة مباشرة على مستقبل العراق. لذلك قام مركز دراسات رووداو بتنظيم ملتقى النجف-أربيل في فندق ديفان في 15/12/2019 الذي حضره العديد من الشخصيات الكوردية والشيعة البارزة، ناقشوا العلاقات المستقبلية بين الجانبين في ثلاثة محاور (الأوضاع الحالية، تأثير المظاهرات على الكورد والشيعة، عملية بناء الدولة الجديدة في العراق وعلاقات الكورد والشيعة، تنمية علاقات الكورد والشيعة، وطرقها).
علاقات الكورد – الشيعة لها العديد من الجوانب والمستويات، لذلك فإن هذا الحوار مهم لحل المشاكل كما قال الأكاديمي ومدير مركز التفكير السياسي في العراق، إحسان الشمّريّ “إن العلاقة بين المكونين الرئيسين ليست سياسية فقط، وإنّما لها بعد على الصعد الاجتماعية والتأريخية، وهناك الكثير من المواطنين الكورد ممن يتبعون المذهب الشيعي، لذلك فتعميق الحوار بين المكونين على كافة المستويات، له أهمية كبرى على مستوى أي حدث سياسي”، وأضاف “ولتوضيح حقيقة ما يجري وتبديد أي سوء للفهم بحل القضية الكوردية، وبحل القضية الكوردية يستطيع العراق الديمقراطي المستقر الذي يكون ذا نظام يحتذى به في المنطقة، أن يفتح منفذاً سياسياً واقتصادياً مهمّاً أمام إقليم كوردستان، كما أن إقليم كوردستان قوي يستطيع إسناد المكانة الجيوبوليتيكية للعراق في الشرق الأوسط، لكن تجربة العراق الجديد على مدى الأعوام الستة عشر الماضية أثبتت أنه قبل الاتفاق حول أي مشروع سياسي، هناك حاجة إلى بناء جسور الثقة المتبادلة، ومشاركه إقليم كوردستان في خلق هذه الثقة.”
وأوضح محافظ أربيل فرست صوفي في كلمته الافتتاحية لملتقى النجف-أربيل أن “أربيل تفتح أبوابها من جديد لتحتضن المصالحة الوطنية والمبادرة التاريخية لحل إشكالية العملية السياسية وإعادة بناء الثقة بين كل مكونات العراق”، وأضاف “هذا الملتقى النخبوي سيشكل حجر الأساس لبناء رؤية مشتركة حول العلاقات المجتمعية وأثرها على إعادة بناء الدولة الاتحادية الفيدرالية وفقاً لمبدأ المواطنة المتساوية والديمقراطية بهدف النهوض بواقع المجتمع والدولة إلى مستويات أكثر رقياً وانسجاماً.”
أكد المدير العام لشبكة رووداو الإعلامية، آكو محمد خلال كلمته في ملتقى النجف-أربيل أن “علاقة الكورد والشيعة أصيبت بالفتور منذ فترة لأسباب سياسية، ولعدم وجود خطة من النواحي الثقافية والأكاديمية، لتعميق وإطالة أمد تلك العلاقات، يجب البدء بتصويب العلاقات الشيعية – الكوردية، وحينها تتحسن العلاقات مع السنة أيضاً، وهذه تبدأ بمبادرة من الأطراف الشيعية. إذ ينبغي على من يحكم بغداد أن يبادر ويعطي الحق للمستحق، فإن متّن الشيعة علاقاتهم مع الكورد فـحينها ستكون ثم ضمانة عظيمة للشيعة في هذه المنطقة المضطربة.”
ودعا إلى تحسين هذه العلاقات “وهذا في مصلحة الشيعة قبل الكورد، ولا بد أن تكون حالياً لدى الشيعة تجربة بخصوص وفاء الكورد، تاريخ علاقات الكورد والشيعة قوي، لأنهم على ثقة بأنهم قادرون على تحسين مستقبلهم معاً. نأمل أن يكون هذا الحوار خطوة في طريق علاقات ومستقبل أفضل للجانبين”.
وزير الأوقاف والشؤون الدينية في إقليم كوردستان، بشتيوان صادق دعا إلى مراجعة الأضرار التي لحقت العلاقات بين المكونات بسبب الأحداث السياسية في السنوات الأخيرة” يجب إعادة النظر في الأضرار التي لحقت بالعلاقات التاريخية بين المكونات، فالأحداث السياسية في السنوات الأخيرة أثرت على إضعاف أو تكوين نوع من عدم الثقة بين الأطراف الموجودة في الدولة العراقية، كما يجب العودة إلى المبادئ الأولى للعمل المشترك بنية صادقة من أجل إعادة الثقة وتقوية النقاط المشتركة”.
ومن ناحية أخرى، فإن الأستاذ في الحوزة العلمية في النجف الأشرف، سماحة السيد صالح الحكيم قال ” لقد امتزجت بعض الآراء من السادة العلماء في النجف الأشرف وهم يرحبون بهذا الحوار ويعتبرونه خطوة مهمة في ترميم العلاقة وانطلاقة جديدة لمستقبلنا.”
وقال إن الأحزاب السياسية الحاكمة فشلت في بناء دولة المواطنة “التيارات السياسية التي حكمت العراق بعد الحقبة الدكتاتورية السوداء لم تستطع أن تحقق دولة المواطنة، التي على أساسها يتساوى الجميع أمام القانون. فالوطن كالبساط الجامع لكل أبنائه. فإذا أراد المكون الفلاني أو الجماعة الفلانية سحب البساط لهم والاستحواذ عليه فسوف يتمزق البساط، ويخسر الجميع، وهذا ما هو حاصل الآن. اليوم، لا يوجد عراق واحد، فهو بلد مقسم سني شيعي كوردي. إذا نشدنا الإصلاح وتبنيناه، فالشيعة والكورد هم الأقرب لما يجمعهم من مشتركات تاريخية، ولو تعاونوا على هديها فسوف يتبعهم أهلنا من أبناء المذاهب السنية الكريمة.”
ويعتقد أن الأحزاب السياسية الشيعية لا تمثل الجمهور الشيعي، لذا يجب على الكورد بناء علاقات مع الجمهور الشيعي “الحاجز الذي يمنع هذا المنهج هو أحزاب الإسلام السياسي الشيعية التي هي لا تعبر عن الخط الشيعي العام. فجلّ أفكارهم مستوردة طارئة على مجتمعنا العراقي واعتماد الكورد على العلاقة معهم دون أن يلتفتوا إلى جماهير الشيعة الذين هم بأغلبيتهم لا يسعون إلى إقامة حكومة إسلامية. فهم مدنيون بحوزتهم الدينية وبنخبهم وهم يرفضون تسييس الدين وإقحامه في بازار السياسة”.
محمد عارف نصرالله، مسؤول العلاقات العامة للمرجع الديني سيد الشيرازي، أكد أن المرجعية الشيرازية تاريخياً والآن تقف مع الكورد “موقف مرجعنا الإمام الشيرازي قبل عشرات السنين، ولا يزال الخط الشيرازي والشيعة يتمسكون بمبدأ الأخوّة الأصيلة مع الكورد، ولعل ما يتمتع به الكورد اليوم في إقليم كوردستان من حرية وحقوق وتقدم وازدهار، يمثل دليلاً قوّياً على حسن وقوة العلاقات الإنسانية الأخوية بينهم وبين أخوتهم الشيعة”.
خلال الملتقى كان هناك الكثير من النقاش حول تأثير الاحتجاجات على العلاقات الشيعية الكردية. وكانت هناك آراء مختلفة حول هذا الأمر، حيث يعتقد بعضٌ أن هذا يمكن أن يكون فرصة لتحسين العلاقات ورأى آخرون أنها ستضر بالعلاقات. أستاذة القانون الدولي بجامعة صلاح الدين، الدكتورة سولاف كاكائي قالت إن نتائج الاحتجاجات ستؤثر على العلاقات الشيعية الكردية “العملية السياسية في العراق بدأت على أساس المحاصصة وليس دولة المواطنة، ما دمنا نتحدث عن دولة جديدة فيجب أن يشارك الكورد فيها والا وإلا فــستكون دولة فاشلة، أقول إن نتائج الإصلاحات التي يطالب بها المتظاهرون ستكون جيدة لتقوية العلاقة بين الكورد والشيعة، لماذا هناك تخوف من قبل الكورد لأننا لدينا تجربة سيئة مع الشيعة، خاصة في ما يتعلق بعدم تطبيق الفيدرالية”.
الباحث في المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية، هشام داوود يعتقد أن الاحتجاجات ستكون ذاتَ تأثير عميق على العلاقات وستكون المرحلة القادمة من العراق صعبة “هل العلاقة بين الشيعة والكورد والتظاهرات التي تحدث ستؤثر في العلاقة بين المكونات؟ نعم ستؤثر عميقاً، نحن أمام حالة تحاول أن تقول هي عملية قطع مع العملية السياسية بعد العام 2003، المرحلة القادمة صعبة جداً وإما أن تكون راديكالية وتقترح حلولاً وسطيةً أو تكون شاملة وجديدة وتقترح حلولاًواقعية كاملة”.
بعض المشاركين من الشيعة انتقدوا أن الكورد لا يقفون مع المحتجين، ولكن بعد ذلك رد المشاركون الكورد على ذلك، فمنذ البداية كان للقيادة الكردية الكوردية موقف واضح من ذلك ونددت باستخدام العنف ضد المتظاهرين. عضو الدورة الثالثة لمجلس النواب العراقي، مسعود حيدر قال “برأيي يجب أن تستثمر هذه التظاهرات لتقوية تلك العلاقة. بدءاً بزيارة الرئيس مسعود بارزاني إلى بغداد بعد تشكيل الحكومة، أخذت العلاقة بين إقليم كوردستان والحكومة العراقية تتحسن. الموقف الكوردي واضح جداً في بيانات الرئيس مسعود بارزاني الذي يشجب دائماً قتل المتظاهرين ويدعو دائماً إلى ضرورة احترام الدستور العراقي”.
مدير مركز الدراسات الإستراتيجية في جامعة كربلاء، د. خالد عليوي قال “التظاهرات الحالية في العراق تشكل تهديداً لمصالح الكورد كما تشكل تهديداً لمصالح الشيعة والسنة إذا لم يحسنوا التعامل معها.”
الكاتب والمحلل السياسي العراقي البارز، غالب الشابندر يعتقد أن المرجعيات الشيعية العليا لا يمكنها حل المشاكل الحالية في العراق، “القضية لا يحلها السيد السيستاني أو السيد شيرازي أو السيد البارزاني ولا دولة أجنبية، بل القضية يحلها مشروع سياسي حقيقي للحل، والأمر بيد المفكرين السياسيين والاقتصاديين والمفكرين الاجتماعيين من ذوي الخبرة السياسية سواء من الشيعة أم الكورد، الأحزاب لا تستطيع حل القضية لا في كوردستان ولا في العراق.”بـحسب الشابندر.
وأضاف “القيادات السياسية لا تستطيع حل القضية، العراق اليوم هو نقطة التلاقي الدامي بين أمريكا و روسيا من خلال أدوات، والكورد والشيعة هم أدوات الحرق أو البناء. يجب على السياسيين والمفكرين الشيعة والسنة والكورد وضع رؤية لعراق موحد والشراكة بين المكونات، احترام بعضهم بعضاً والتفاهم فيما بينهم. والكورد يستطيعون أن يلعبوا دوراً مزودجاً ككورد وسنة أيضاً”.
بالنسبة إلى تنمية علاقات الكورد الشيعة، أشار المشاركون إلى أن المشكلة الكوردية مع الشيعة ليست معهم جميعاً، ويجب ألا يتعامل الكورد مع تلك الأحزاب الشيعية الموجودة في السلطة فحسب، بل مع الآخرين والشارع الشيعي أيضاً.
رئيس اتحاد علماء الدين الإسلامي في كوردستان، عبد الله ويسي، من خلال مداخلة قال “مشكلة الكورد ليست مع الشيعة وإنما مع مجموعة من السياسيين الشيعة. في ستينيات القرن الماضي كانت العلاقة بين الكورد والشيعة جيدة للغاية، لذلك فالمشلكة هي مشكلة العرب الذين لا يفهمون القضية الكوردية لأن كوردستان ألحقت غصباً بالعراق وهنا تكمن المشكلة الحقيقية.”
ديندار دوسكي، وزير في الحكومة العراقية السابقة برئاسة نوري المالكي أوضح ذلك “إلى العام 2003 كانت العلاقات بين الكورد والشيعة طبيعية وودية، لكن بعد العام 2003 تغير الوضع لأننا تسلمنا الحكم، رغم أنه كان هناك توافقٌ بين الجانبين إلى أن أنهى السيد المالكي هذا التحالف في كابينته الثانية، الدستور العراقي من أقوى الدساتير في المنطقة، لكن القوى السياسية لم تطبق هذا الدستور”.
يعتقد بعض السياسيين والخبراء الشيعة أن الأحزاب الشيعية لا تمثل إلا النخبة السياسية الشيعية وليست ممثلة للنجف والجمهور الشيعي.
غيث التميمي، أحد مؤسسي حزب المواطنة في العراق قال “إصرار الكورد على التحالف مع قوى عقائدية شيعية جعل المعادلة السياسية تأخذ شكلاً مغلوطاً، وهذه المعادلة انقلبت على الكورد والشيعة. الطبقة السياسية الشيعية تمثل الشيعة سياسياً لكنها لا تمثل النجف، والنجف منذ 2005 إلى الآن بابها مغلق أمامهم، لكن الكورد مصرون على أنهم يمثلون الشيعة، وهذا أضر بكوردستان، لذلك يشعر المتظاهرون أن الكورد شركاء الساسة في هذا الخراب”.