في مطلع تشرين الأول اجتاحت موجة مظاهرات جديدة بغداد ومدناً عراقية أخرى. المطلب الرئيس للمتظاهرين كان الحصول على العمل والسكن والخدمات الأساس. لكن مواجهتهم بالقوات الأمنية وقوات مسلحة مجهولة، أدت إلى أعمال عنف ومقتل أكثر من مائة شخص وإصابة الآلاف.
لتحليل وفهم أسباب انطلاق المظاهرات وتأثيرها على الأوضاع السياسية وعلى الحكومة والأمن في العراق وإقليم كوردستان، عقد مركز رووداو للدراسات في 10 تشرين الأول 2019، ندوة بمشاركة عدد من الشخصيات السياسية والأكاديمية والباحثين العراقيين والكورد. رأى أغلب الحضور أن المظاهرات هي رد فعل على سوء النظام الإداري والمالي العراقيين وليست وراءها يد خارجية.
يقول الرئيس السابق لهيئة النزاهة العراقية والشخصية السنية، القاضي رحيم العكيلي: “الشباب العراقي هم العماد الرئيس للمظاهرات ويشكلون 90% من المتظاهرين. السبب الرئيس للمظاهرات يكمن في أخطاء النظام السياسي والتربية السيئة في العراق. ما دفع الناس للخروج إلى الشوارع هو سوء النظام والفساد الإداري والمالي، وليست هناك يد خارجية ولا دليل على التدخل الخارجي”، ويرى العكيلي أن اليد الخارجية أكثر بروزاً داخل الدولة منها في الشارع: “اليد الخارجية الإيرانية والأمريكية هي التي تحرك حكومة العراق”.
كما يرى سياسي سني ينتمي إلى حزب أسامة النجيفي أن المظاهرات جاءت نتيجة فشل النظام السياسي العراقي وستستمر: “ليس للمظاهرات علاقة باليد الخارجية، بل لها علاقة بتراكم المشاكل منذ 2003 إلى الآن. زاد التدخل الخارجي بعد ظهور المظاهرات ومثال ذلك الموقف الإيراني منها. كما لا أعتقد أن أمريكا تتبنى هذا الوضع”. يعتقد عضو الهيئة السياسية لجبهة الإنقاذ والتنمية، خالد الدبوني، أن الحكومة العراقية ليس عندها هذه المرة أي مبرر للوقوف ضد المظاهرات، كما كانت الحال في الماضي عندما كانت تتذرع بالمخاطر الأمنية وحرب داعش لمنع المظاهرات وقمعها. يقول الدبوني: “ستستمر المظاهرات لأن النظام قد فشل. كما ليست هناك نية ولا مسعى ليغير النظام من نفسه. تم إيقاف المظاهرات حالياً بفضل استخدام ورقة الدين، لكنها ستستأنف بصورة أوسع”، كما يرى أنه “مع استئناف المظاهرات سيضطر رئيس الوزراء للاستقالة، وهو ما يطالب به بعض الكتل أيضاً”.
لكن الشيعة، خاصة المقربين من السلطة، يرون أن لقوى وعوامل خارجية دوراً في توجيه المتظاهرين. حيث يعتقد أحد مستشاري هادي العامري أن هناك جبهات مختلفة في المناطق “بعضها يريد بقاء حكومة عادل عبدالمهدي، وبعضها الآخر يريد إسقاطها”. “تأثير العوامل الخارجية على الأداء الحكومي في العراق أكبر من تأثير العوامل الداخلية”. يقول مستشار العامري، د. هيثم المياحي، إن إيران لا تريد أن تسقط الحكومة ولا ترى أن المطالبة باستقالة الرئاسات الثلاث مطلب للمتظاهرين ويعتقد أن المتظاهرين أنفسهم لا يعرفون ما يريدون: “تتركز المظاهرات هذه المرة في مناطق الشيعة أكثر منها في مناطق السنة. لماذا يجب أن تسقط حكومة شكلت بالطرق الديمقراطية؟ لكن المتظاهرين يريدون استقالة كل قيادات الحكومة والبرلمان والدولة. ليست عندهم رؤية واضحة، ويفتقرون إلى برنامج مدروس”.
رأت غالبية الحضور أن السبب الرئيس لانطلاق المظاهرات هو غياب العدالة، ووجود الفساد والاحتكار في العراق، ويرى نائب المدعي العام لإقليم كوردستان، القاضي عبدالستار، أن ما يجري أكبر من مجرد تظاهرات وأنه يشبه انتفاضة أكثر منه مظاهرات: “ما يجري في العراق أشبه بانتفاضة وليس مجرد مظاهرات. فالسلطة هنا تبحث عن مكاسب لها أكثر من العمل على تقديم خدمات. هذه ليست يداً خارجية، بل هي رد فعل على النظام السياسي، حيث أن الأنظمة استمرت في ظلم الشعب في العراق”.
ويعزو المدرس في جامعة صلاح الدين، د. جواز حسن، غياب قيادات للمظاهرات إلى فشل النخبة والأحزاب السياسية العراقية “حيث أن السلطة والمعارضة عجزتا عن تمثيل الشعب وفشلتا في إدارة البلد”.
ويرى نائب عراقي سابق أن الدافع الرئيس للمظاهرات هو غياب العدالة ووجود الفساد المالي، حيث قال العضو السابق في مجلس النواب العراقي، مسعود حيدر: “أغلب المتظاهرين هم من العاطلين عن العمل، والخريجين الذين لم يجدوا عملاً، فهناك هوة كبيرة تفصل بين السياسيين وبين الشارع العراقي. الفساد هو المشكلة الرئيسة. فقد اختفت منذ العام 2003 مبالغ تقدر بما يتراوح بين 400 مليار و500 مليار دولار، ولم تتم إعادتها للشعب”، ويضيف: “المسؤولون والأحزاب العراقية يتحملون المسؤولية عن الأوضاع الراهنة للعراق. فهؤلاء يعينون مئات الآلاف سنوياً على الملاك الحكومي”.
لإنهاء المظاهرات وإرضاء المتظاهرين، أصدر رئيس الوزراء حزمة قرارات، لكن المشاركين في الندوة يعتقدون أنه لن ينجح في تنفيذها بل من المستحيل أن يتمكن حتى من الوفاء بجزء من وعوده.
يتساءل الباحث والمدرس في جامعة السليمانية، ياسين طه: “هل يمكن أن يفي بـ10% من وعوده للمتظاهرين؟”، ويحذر مسعود حيدر: “في حال لم تكن هناك حلول جذرية للمشاكل، قد يمضي الوضع باتجاه الفوضى ويصبح مثل لبنان في الثمانينيات”، ويعتقد أن تحقيق وعود رئيس الوزراء ليس بالأمر السهل لأن “للعراق حالياً أربعة ملايين موظف ويحتاج إلى ثلاثة ملايين وحدة سكنية كلفتها ثلاثة مليارات دولار”.
وعن تأثير مظاهرات العراق على إقليم كوردستان، رأى المشاركون في الندوة أنها ستكون لها آثار مالية وأمنية واجتماعية، خاصة في حال استمرارها ومضي العراق باتجاه المزيد من عدم الاستقرار، ويرى مسعود حيدر أن “البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في إقليم كوردستان ليست مختلفة كثيراً عن تلك التي في العراق ومشكلة الخريجين الذين لم يجدوا فرص عمل ستمسك بخناق إقليم كوردستان في المستقبل”.
ورأى المياحي أن “المظاهرات ستترك آثاراً سلبية على إقليم كوردستان من الناحيتين الاقتصادية والأمنية، ومن الناحية الاجتماعية ستجعله شبيهاً بلبنان، لأن الخلافات الحالية (شيعية – شيعية، كوردية – كوردية، سنية – سنية) لكنها مع استمرار المظاهرات ستنقلب إلى خلافات من أنواع أخرى”.
ويعتقد الدبوني أن “مخاوف انتفاض الشارع في كوردستان ليست كتلك التي في المناطق الأخرى من العراق، لكنها ستؤدي إلى ضغوط اقتصادية من بغداد على الإقليم”.