كامران حاجو
د. آزاد علي
سردار عبدالله
فاروق حاجي مصطفى
د. كاوه عزيزي
المقدمة
بعد تغيير نظام البعث في سوريا، كان أحمد الشرع وهيئة تحرير الشام (هتش) يريدان من جهة إيصال رسالة مفادها أنهم سيقيمون نظاماً سياسياً مختلفاً عن السابق. ليس هذا فحسب، بل أنهم سيغيرون سلوكيات هتش السابقة أيضاً. غيّر الجولاني اسمه ووعد بحل التنظيم، وفرحت غالبية الناس بإنهاء الحكم العائلة وديكتاتورية حكومة البعث ونظام الأسد الذي استمر لعدة عقود. بعث الوضع الجديد أملاً بأن هذا التغيير سينهي الصراع والتوسعية والحرب الأهلية التي استمرت 13 عاماً؛ خاصة أن مجموعات الأقليات، عند الأخذ بالخطاب الإصلاحي والوعود من القيادة الجديدة برئاسة أحمد الشرع، لم تستبعد إمكانية تبني التعددية وتحقيق الاستقرار السياسي هناك، ورحب العديد من دول العالم، خاصة الدول الغربية، بإمكانية التغيير في سوريا رغم حذرها. إذ عززت التطورات الأولية مثل محاولات إعادة بناء البنية التحتية وفتح المدارس والمفاوضات بين الأطراف الآمال في رؤية سوريا مختلفة في البداية، لكن سرعان ما خفت هذا التفاؤل جراء التناقض الشديد الذي ظهر بين التصريحات العامة التي يطلقها الشرع وبين الممارسات الفعلية لحكمه. ظهرت أحداث الساحل السوري والاشتباكات بين الحكومة والدروز، على الرغم من الوعود بالإصلاح واحترام حقوق الأقليات والمكونات المختلفة في سوريا وتطبيق مبادئ بناء الدولة. أظهر إعلان الدستور الجديد - الذي صيغ تحت إشراف الشرع - صورة معاكسة من خلال ترسيخ سلطات واسعة للرئيس، بما في ذلك السيطرة على السلطة القضائية والقوات الأمنية.
وبدلاً عن تعزيز الإدارات المحلية أو ضمان حقوق الأقليات، رسخ إطاراً دستورياً لدولة شديدة المركزية، يبدو أنها في بعض المواضع نسخة من بعض فقرات الدستور التركي الذي استفاد منه فيما يتعلق بوحدة الأراضي ومركزية الدولة. أما في أقسام صلاحيات رئيس الجمهورية، فهو يشبه جزءاً من الدستور الإيراني وحتى يتجاوزه. لذلك، بشكل عام، أثار هذا المخاوف من العودة إلى الحكم الدكتاتوري. هذا التناقض بين الخطاب الإصلاحي والتصميم الاحتكاري للمؤسسات أقلق الأقليات والمكونات المتنوعة في سوريا وأثار مخاوف من الجمود السياسي في ثوب مختلف.
فتح الطريق إلى دمشق أمام الشرع
هناك جدل حول ما إذا كانت التغييرات والأحداث السريعة التي وقعت في سوريا العام الماضي والسقوط السريع والمتتابع كقطع الدومينو للمدن الخاضعة لسلطة الحكومة السورية السابقة قد نتجت عن اتفاق دولي أم بسبب الديناميكيات الداخلية لسياسة ذلك البلد، ولكن في الحقيقة قد يكون هذا مزيجاً من كلا العاملين. لا يزال سبب تراجع دور الأطراف والدول المتحالفة مع سوريا السابقة، خاصة الدول مثل روسيا وإيران والفاعلين الآخرين مثل حزب الله اللبناني، إلى مستوى يمهد الطريق لسقوط الأسد، محاطاً بالغموض ولا يزال غير واضح ومثيراً للتساؤل عند الكثيرين. في هذا الصدد، يعتقد البعض أن سقوط النظام وتعيين هيئة تحرير الشام - الشرع كحاكم جديد لسوريا، ووصولهم السهل والسريع إلى دمشق، والاختفاء المفاجئ لروسيا وإيران، كان نتيجة لاتفاق بين القوى العالمية الكبرى. بينما يعتقد آخرون أن هناك عوامل أخرى أيضاً لعبت دوراً رئيساً في هذا السقوط السريع لسوريا، مثل تدهور الأوضاع المعيشية والوضع الاقتصادي والمالي للجنود الذين كان المبلغ الذي يتقاضونه شهرياً لا يكفي لتغطية نفقات ربع الشهر. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، تعب الناس والجنود السوريين من حالة الحرب والدمار لأكثر من ثلاثة عشر عاماً، وكان الجنود خلالها في خنادق القتال دائماً، ما ولد شعوراً عميقاً بالملل والإرهاق جعلهم غير قادرين على القتال. لذلك، عندما سقطت المناطق والمدن الأولى واحدة تلو الأخرى بسهولة في قبضة قوة إسلامية-عسكرية، كان رد فعلهم الأول هو إلقاء السلاح والفرار والاستسلام.
إعلان دستور سوريا ما بعد الأسد
تتعامل دول العالم الآن مع أحمد الشرع كرئيس شرعي، ويأمل البعض أن تكون سوريا في عهده دولة ديمقراطية تحررية تحتضن المكونات والأديان المتنوعة، لكن هناك شكوكاً ومخاوف كبيرة تحيط إمكانية تحقق ذلك. في الفترة الأخيرة، أعلنت حكومة سوريا دستوراً مؤقتاً، مكتوباً للفترة الانتقالية للحكومة السورية والتي يُقدَّر أن تكون خمس سنوات، ولكن بمجرد نشر نص الدستور ومواده، تعرض لانتقادات كثيرة.
الكورد، ثاني أكبر مكون قومي وإثني في سوريا، سرعان ما رفعوا أصواتهم ضد هذا الدستور، ووجهوا انتقادات شديدة لنص ومواد الدستور وواضعيه من عدة جوانب. يعتقد بعضهم أن إعلان الدستور بعد سقوط النظام السابق كان ضرورة، لكن هذا الدستور في شكله وصياغته وألفاظه، لا يشبه الإعلانات الدستورية الأخرى في العالم، بل يشبه أكثر بياناً يهدف إلى إيصال رسالة للعالم الخارجي تقول إننا نضع دستوراً. بالإضافة إلى ذلك، فإن هوية هذا الدستور غير واضحة ولا يُعرف إن كان دستوراً مؤقتاً أم أنه سيبقى كما هو لفترة طويلة عملياً. من ناحية أخرى، كانت التوقعات قبل كتابة الدستور أن يكون دستوراً يحمي حقوق جميع المكونات والأقليات القومية والدينية، ويحترم التنوع الديموغرافي لسوريا، لكن على العكس من ذلك، تم إعلان دستور أحادي اللون وأحادي الأيديولوجيا تحت هيمنة قادة هيئة تحرير الشام. يمكننا القول إنه ركّز جميع السلطات في يد هيئة تحرير الشام، كما أن أهم وزراء الحكومة الحالية ينتمون إلى هذا التنظيم. المأخذ الآخر عليه هو أن هذا الدستور لا يشبه بأي شكل من الأشكال الدساتير المؤقتة للبلدان التي مرت بالحرب وتغيرت أنظمتها.
في الحقيقة، فإن المعتقدات الأيديولوجية للسلطات الحالية في الشام تجعلهم ينظرون للدستور كمسألة شكلية في الأساس، لأنهم يرون أن القرآن هو الدستور الرئيس؛ فما كان في القرآن في مصلحتهم يعملون به كدستور. هذه الحكومة والدولة، هي دولة جهادية، وليست دولة قانون لكي تعمل بالدستور، لذلك هم لا يريدون الدستور وما أطلقوا عليه اسم الدستور هو فقط ليقولوا إن لدينا دستوراً. فمن الأساس، هناك أمر يدعو للوقوف عليه، وهو أن لجنة إعلان الدستور المسؤولة عن كتابته وصياغته، لم يكن أعضاؤها متخصصين في الدستور ولا خبراء فيه.
خيبات أمل الكورد تجاه نص الدستور
النقطة الأولى التي أثارت اهتمام وانتقاد الكورد هي إعادة تسمية وتأطير دولة سوريا كدولة عربية. كما نعلم، فإن تركيبة سوريا متعددة الألوان، ولذلك كانوا يرون أن من الضروري إزالة كلمة "عربية" من عبارة "الجمهورية العربية السورية" بدلاً من الإبقاء عليها كما كانت سابقاً وكما تمت الإشارة إليها في هذا الدستور الجديد الذي إلى دولة سوريا باسم "الجمهورية العربية السورية". هذا هو نفس التعبير وتكرار لنفس الأيديولوجية الفردية للحكومة السورية السابقة. إذا نظرنا إلى أسلوب الصياغة والتعابير وصناعة المعاني في الدستور، نجد أنه في المواضع التي يتحدث فيها عن الدولة، يستخدم كلمات قوية (مثل "يلتزم")، ولكن عندما يأتي إلى الحديث عن الحقوق والحريات، يستخدم كلمات وعبارات ضعيفة جداً (تكفل الحريات). هذا النوع من استخدام الكلمات لم يأت بشكل عشوائي، بل هناك غرض وهدف من ورائه. ثم، في مادة واحدة فقط، وهي المادة (7)، وبشكل ثانوي، يتحدث عن التنوع وحقوق المكونات في سوريا التي "تكفلها" الدولة. ذُكر أيضاً أن اللغة الرسمية للدولة هي اللغة العربية، وهذا يهدد الحرية الثقافية للكورد. إذا تحدثنا عن التاريخ، يمكننا القول إن خمسة دساتير كتبت في تاريخ سوريا، ولم يُذكر الكورد في أي من هذه الدساتير، وكان الأمر كذلك في هذا الدستور أيضاً. في مادة واحدة، وهي المادة (7)، تم ذكر تنوع وتعدد مكونات سوريا، لكنها غير واضحة وتمت الإشارة إليها بشكل ثانوي للغاية.
قضية مهمة أخرى، وهي المركزية وتفويض السلطة للأجهزة والمناطق والمؤسسات الحكومية. كان متوقعاً أن لا تتركز السلطة في يد شخص واحد، على عكس الحكومة السابقة، وأن يتم تفويض السلطات للأجهزة والمؤسسات الحكومية، لكن السلطات التي يمتلكها أحمد الشرع حالياً يمكننا القول إنها أكثر بكثير من سلطات بشار الأسد. بالتالي، وبنفس الطريقة السابقة، تُتخذ جميع القرارات من دمشق وخاصة من قبل أحمد الشرع نفسه، وهذا يعد إعادة لتدوير طاحونة السلطة المركزية ومعارضة اللامركزية.
يمنح الدستور سلطة مطلقة لرئيس الجمهورية. على سبيل المثال، يمكن لرئيس الجمهورية أن يقرر نيابة عن البرلمان، كما أنه يملك كل السلطة العسكرية حيث يمكنه اتخاذ القرارات كرئيس للجيش، وهذا يدل على أنه يريد تثبيت سلطته بشكل كامل والبقاء في السلطة لفترة طويلة.
النقطة الثالثة هي مسألة الحرية الدينية. هناك تناقض بين بنود الدستور نفسه ووعود وتصرفات الشرع. في هذا الدستور، تم اتخاذ الدين الإسلامي أساساً لصياغة القوانين التشريعية، ومن ناحية أخرى، يتزايد تقييد الحرية الدينية. حيث يذهبون الآن إلى المسيحيين ويقولون لهم يجب أن تعتنقوا الإسلام، مما أدى إلى استياء الطوائف الأخرى لأنهم يعتقدون أن حقوقهم وحرياتهم الدينية لم تتجسد في الدستور. من المهم القول إن الدستور يشبه سلسلة ترتبط فيها النصوص والنقاط ببعضها البعض، لكن في هذا الدستور لا يوجد مثل هذا الارتباط، بل هناك تناقضات بين مواده. على سبيل المثال، يؤكد في نقطة على حماية حقوق الأقليات واحترام الأفكار والأديان والمكونات المختلفة، لكن في نقطة أخرى يذكر أنه يجب أن يكون الإسلام دين الشخص الذي يصبح رئيساً للجمهورية. هذه النقطة مهمة جداً، فالحرية الدينية هي أم جميع الحريات الأخرى، لكن وفقاً لهذا الدستور، لا يمكن للشخص المنتمي إلى طائفة أخرى أن يصبح رئيساً للجمهورية أو أن يرشح نفسه لمثل هذا المنصب.
أيضاً فيما يتعلق بمسألة التناقض بين القول والفعل، عندما وصلت هيئة تحرير الشام إلى السلطة، أعلن أحمد الشرع في عدة مقابلات أنهم لم يأتوا للحكم بعقلية ثورية، بل إنهم يتبعون الحكم المدني والدولة، الذي يرسخ مبادئ الحكم والمدنية. لكن بعد وقت قصير من هذه التصريحات، عندما طالب العلويون ببعض المطالب والحقوق الأساس، وقعت أحداث مناطق الساحل وظهر التوتر لاحقاً مع الدروز. أيضاً، عندما توصل أحمد الشرع ومظلوم عبدي إلى اتفاق قبل فترة، تم التأكيد على أن الكورد مكون أساس في سوريا وأن حقوقهم محفوظة، لكن إعلان هذا الدستور، لم يعترف صراحة بحقوق الكورد والمكونات. كذلك، عندما عُقد المؤتمر الوطني الكوردي في القامشلي خلال الأيام القليلة الماضية واتخذت بعض القرارات، تم رفض جميع النتائج والقرارات من قبل حكومة الشرع واعتبرت غير شرعية.
نقطة أخرى تتعلق بمسألة الديمقراطية والحكم التكنوقراطي والدولة. وفقاً لهذا الدستور، لا تملك النساء حق المشاركة السياسية، بل لديهن فقط الحق في التعليم. إذا نظرنا بدقة أكبر إلى نقاط الدستور، نرى أنه لا يذكر الديمقراطية بأي شكل من الأشكال ولا تُحفظ حقوق المرأة فيه بأي شكل لأنه يتم النظر إلى حقوقهن من منظور أيديولوجي، وكذلك الأمر بالنسبة لحقوق الأطفال والمكونات.
فيما يتعلق بمشاركة الكورد والمكونات الأخرى في الحكومة، يمكننا القول إن الحكومة التي تم تشكيلها لم تضم ممثلين عن جميع المكونات، بل أن جميع الذين تولوا السلطة وشاركوا في تشكيل الحكومة، حتى لو كانوا من مكونات مختلفة، كانوا من دائرتهم الخاصة، وإذا كان هناك كوردي قد شارك، فإنه كان يمثل نفسه فقط ولم يمثل أي جهة أو مكون سياسي كوردي. كما لم يشارك أي كوردي كممثل للأحزاب السياسية في اجتماعات ومؤتمرات الحكومة. في مؤتمر "نصر" الوطني حول مستقبل سوريا، الذي نظمته الحكومة قبل فترة، والذي شارك فيه نحو 800 شخص، كانوا أغلبهم من أصحاب أيديولوجية واحدة قريبة من أيديولوجية الشرع، وتمت مناقشة مستقبل سوريا لساعتين فقط!
في المادة 52، تم تحديد خمس سنوات كـ"مرحلة انتقالية"، وتم إعلان الدستور لمدة خمس سنوات، وفي الحقيقة هذه المدة طويلة ولا يزال غير معروف ما هي نوايا وأهداف الشرع وما يريد أن يفعله خلال تلك السنوات الخمس. خلال تلك الفترة، يتم تشكيل لجنة، وهذه اللجنة تشكل لجنة فرعية لانتخاب أعضاء البرلمان، وهذه اللجنة تابعة للشرع ومن الواضح بالطبع أن الأشخاص المقربين من الشرع سيتم انتخابهم، وبهذه الطريقة يتم تشكيل البرلمان. كما أن تعديل وتغيير هذا الدستور أمر صعب للغاية كما ذكر في المادة 50، ويحدث بموافقة رئيس الجمهورية والبرلمان.
الخطوة القادمة للكورد
في البداية، من المهم القول إن المشكلة الرئيسة في سوريا تنقسم إلى قسمين: القسم الأول هو غياب الثقافة الدستورية والقانونية؛ فبعد ثلاث سنوات من استقلالها بشكل تام ، حدث انقلاب عسكري، وبعد عشر سنوات من الانقلاب، لم يسمح البعث أو قبلهم جمال عبدالناصر الذي جعل سوريا جزءاً من الجمهورية العربية المتحدة ، بأن يكون للدستور دور وأن يتحول إلى ثقافة، بل كانت لهم انقلابات دائمة. لذلك، يجب أن يكون هناك نضال دستوري في سوريا من أجل تحويل الدستور والقانون إلى ثقافة. لذلك من المهم للكورد عند وجود أي فرصة، رغم كل النقاط والخلافات المذكورة أعلاه، أن يشاركوا في البرلمان، ويجب عليهم المشاركة في المفاوضات وألا يبتعدوا عن السلطة التشريعية وأن يستمروا في الحصول على حقوقهم بطريقة ديمقراطية.
هذا وضع صعب للكورد، ولكن في نفس الوقت هناك بعض الفرص للتفاوض لا ينبغي تفويتها. جاء المؤتمر الوطني الكوردي متأخراً، لكن انعقاده كان مهماً جداً. من المهم جداً تشكيل وفد كوردستاني بسرعة كبيرة، وليس من الضروري أن يذهب مباشرة إلى دمشق، بل عليه قبل الذهاب إلى دمشق أن يطلب لقاءات مع الاتحاد الأوروبي وأمريكا وكذلك تركيا، وأن يزور مصر وقطر والأردن والسعودية والإمارات، وهذه الخطوات مهمة لحماية حقوقهم في الدستور.