تحليل

العقبات التي تعيق برنامج الإصلاحات الاقتصادية لحكومة كوردستان

06-10-2019


 

RRC |

 

عمر أحمد، خبير اقتصادي

 

بعد توليه مهامه، أعلن رئيس وزراء إقليم كوردستان، مسرور بارزاني، أنه ينوي إجراء إصلاحات واسعة اقتصادية ومالية وأن يواجه الفساد. فمن بين 13 فقرة رئيسة من برنامج حكومة إقليم كوردستان، كانت عشر فقرات مرتبطة ارتباطاً مباشراً بالالتزام بالإصلاحات الاقتصادية. السؤال هنا هو: ما هي العقبات التي تعترض سبيل البرامج الاقتصادية للحكومة وما الذي تستطيع الكابينة الحكومية الجديدة أن تفعل لإنجاح هذا البرنامج؟

برنامج الحكومة للإصلاح الاقتصادي

تعزيز القطاع العام، هو مضمون برنامج مسرور البارزاني الذي إن جرى تنفيذه بنجاح يمكن أن يؤدي إلى تقليص نفقات الحكومة. خاصة وأن النقطة الأولى من البرنامج الحكومي تؤكد أنه “من خلال ترسيخ القانون وتشكيل مجلس الخدمة وإعداد مشروع قانون الإصلاح وإعادته للبرلمان بصيغة جديدة وملائمة، سيجري العمل على الإصلاح في القطاع الوظيفي العام، من موظفين ومتقاعدين”.

عملت الكابينة الثامنة لحكومة إقليم كوردستان على الإصلاحات في القطاع العام ورغم مصادقة الدورة السابقة لبرلمان كوردستان عليها، فإن الرفض لمضمون الإصلاحات أدى إلى إعادتها إلى البرلمان، الأمر الذي حال دون تطبيقها. تؤكد الحكومة الجديدة على تحسين مشروع القانون هذا ومن المقرر رفعه للبرلمان بحلول أواسط أيلول. في كل الأحوال، وحسب تصريحات مسؤولي الكابينة الحكومية الثامنة وبعض برلمانيي الدورة السابقة المدافعين عن مشروع القانون السابق، فإن تنفيذ تلك الإصلاحات ليس بالعمل السهل، ولكنه سيؤدي إلى تقليص نفقات الحكومة بمقدار مائة مليون دولار يتم تخصيصها لرواتب الموظفين.

اتخذت الحكومة الجديدة لإقليم كوردستان خطوة باتجاه تقليص النفقات. فقد جاء في النقطة الرابعة من برنامجها: “ستكون الإيفادات والسفر والمؤتمرات حسب الحاجة ولن يسمح بهدر الثروات وسوء الاستخدام والخطل في هذه المجالات”.

كل هذه خطوات إيجابية لتقليص نفقات الحكومة، لكن برنامج حكومة إقليم كوردستان في مجال زيادة العائدات تشير إلى إعادة تنظيم النظام الضريبي في إقليم كوردستان بالقول إنها ستعمل من خلال تنظيم الضرائب ومنع التملص من دفع الضرائب، على زيادة العائدات المحلية.

العقبات في طريق الحكومة

في الحقيقة، إن تقليص النفقات والسعي لزيادة العائدات ضروريان لتوفير المزيد من الثروات والموارد المالية للحكومة لتنفيذ شعاراتها الرئيسة المتمثلة في تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين وتحسين البنية التحتية الاقتصادية لإقليم كوردستان كالبنية التحتية للكهرباء والماء والطرق وتحسين سوق العمل وإيجاد فرص العمل وهي أمور بحاجة إلى رأسمال كبير. لا تستطيع حكومة إقليم كوردستان توفير رأس المال هذا، إذا لم تتوفر لها حصة عادلة من الموازنة العامة العراقية، وعلى أمل الحصول على حصة أكبر من الموازنة الاتحادية أعلن مسؤولو حكومة إقليم كوردستان عن الاستعداد لتسليم النفط المنتج في إقليم كوردستان لبغداد. لكن رغم إعلان مسؤولي حكومة إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية العراقية عن تقارب جيد فيما يخص المسائل المتعلقة بالموازنة وبالنفط، فإنه لم يبدأ أي شي عملي نتيجة لهذه المحادثات، ومع ذلك أعلنت الحكومتان عن تشكيل لجان خاصة لهذا الغرض.

إن نجاح حكومة إقليم كوردستان رهن بمدى تمكنها من التوصل إلى اتفاق مع الحكومة الاتحادية حول المسائل المالية ومسألة النفط. فإن لم تتمكن حكومة إقليم كوردتان والحكومة الاتحادية العراقية من التوصل على اتفاق لحين المصادقة على مشروع قانون الموازنة الاتحادية لسنة 2020، سيكون من الصعب جداً أن تستمر العلاقات المالية بين الإقليم والمركز كما هي الآن. فما زالت أصوات الرفض في مجلس النواب العراقي ومن الأحزاب العراقية تتواصل احتجاجاً على حصول إقليم كوردستان على بعض من المال لتكملة رواتب موظفيه بدون أن يسلم نفطه لبغداد.

تدفع حكومة إقليم كوردستان 880 مليار دينار على هيئة رواتب لموظفيها، إضافة إلى الموازنة التي يجب أن توفرها لإدارة الحكومة والدوائر والمشاريع الخدمية، لكن المبلغ الذي تدفعه بغداد هو فقط 450 مليار دينار أي ما يعادل فقط نصف المبلغ اللازم لدفع رواتب الموظفين.

وبينما يمثل دفع رواتب الموظفين أكبر التحديات التي تواجه حكومة إقليم كوردستان، فإنها تجد نفسها مضطرة لجمع عائدات بيع النفط إلى المبلغ الذي تحصل عليه من بغداد لدفع الرواتب، والاستقرار الاقتصادي بإقليم كوردستان مرهون باتفاق عادل مع حكومة المركز، وإن لم يحصل هذا، ستكون الحكومة عاجزة عن تنفيذ أي نقطة من برنامجها، ليس هذا فحسب بل سيكون الاستقرار السياسي والاقتصادي لإقليم كوردستان مهدداً ولن تعود حكومة إقليم كوردستان قادرة على دفع رواتب موظفيها كاملة، وهذا يحمل في ثناياه احتمال فشل ذريع لكابينة مسرور بارزاني الحكومية، كما سيؤدي إلى خلافات سياسية داخل إقليم كوردستان.

وفي أحسن الأحوال، إن اتفق إقليم كوردستان مع الحكومة الاتحادية على حصة عادلة من الميزانية لإقليم كوردستان، كأن ترفع حصة الإقليم إلى 17% حقيقية، فإن الجزء الأكبر منها سيذهب كرواتب للموظفين وتبقى نسبة صغيرة للاستثمار وتطوير البنية التحتية الاقتصادية لإقليم كوردستان.

النتيجة

من بين الخيارات المتاحة لحكومة إقليم كوردستان هي أنه وإلى جانب زيادة حصتها الحالية من الموازنة العامة العراقية في السنة القادمة، أن تطالب بحصة عادلة من الديون والمساعدات المالية التي تقدمها الدول الأجنبية بدءاً بالولايات المتحدة وأوروبا وبريطانيا وصولاً إلى الدول الآسيوية كالصين واليابان. هذا إضافة إلى قروض البنك الدولي وصندوق النقد الدولي البالغة مليارات الدولارات وإقليم كوردستان محروم منها.

الخيار الآخر المتاح لحكومة إقليم كوردستان هو أن تقوم إلى جانب الإصلاحات في القطاع العام بالعمل الحقيقي على تطوير القطاع الخاص وجذب الاستثمارات الأجنبية، ولتحقيق هذا عليها أن تحث المستثمرين المحليين والأجانب وتجري تعديلات على القوانين والإجراءات المرتبطة بهذا المجال.

حكومة إقليم كوردستان بحاجة أولاً إلى استقرار مالي وعلى الأقل إلى صرف رواتب الموظفين في مواعيدها، ثم العمل على إعادة الثقة إلى السوق المحلية، والعمل الجاد على تطبيق الإصلاحات الاقتصادية والمالية.

Share this Post

تحليل