تحليل

اتفاقيات واشنطن ولندن؛ مستقبل قضية النفط والغاز الطبيعي بين أربيل وبغداد

27-05-2025


المقدمة

في 19 أيار 2025، وقعت وزارة الموارد الطبيعية في حكومة إقليم كوردستان في واشنطن عقدين لتطوير حقلي ميران وکوردمیر مع شركتي HKN وويسترن زاغروس، وقبل أربعة أشهر من ذلك التاريخ، وقعت وزارة النفط العراقية في لندن مذكرة تفاهم لتطوير أربعة حقول نفطية في كركوك مع شركة BP البريطانية، وبعد ذلك في 26 شباط و26 آذار 2025، تم توقيع جميع العقود لبدء عمليات شركة BP في كركوك.

سارعت وزارة النفط العراقية إلى رفض عقد واشنطن، وبعد فترة قصيرة تراجعت وطالبت بالالتزام بالدستور، تماماً كما فعلت حكومة إقليم كوردستان قبل أربعة أشهر من الآن، عند توقيع الاتفاقية بين شركة BP  ووزارة النفط العراقية، عندما طالبت بغداد بالالتزام بإشراك حكومة إقليم كوردستان وفقاً لمواد الدستور العراقي.

لهذه العقود الجديدة بعدان: الأول هو الدول المستثمرة والثاني هو نوع العقد لإنتاج الغاز، وهذا ما جعل الصدى أكبر من القيمة التي تُقدر بـ110 مليار دولار، لأنه إذا حللنا اتفاقية شركة BP ووزارة النفط العراقية بنفس الطريقة، فإن قيمتها ستصل إلى 1.3 تريليون دولار، لأنه وفقاً لتقديرات شركة BP، فإن إجمالي موارد النفط في جميع حدود العقد والمناطق المحيطة يصل إلى 20 مليار برميل نفط، لكن الشركة والحكومة العراقية أعلنتا أن مبلغ الاستثمار هو 25 مليار دولار وليس 1.3 تريليون دولار.

هنا نبحث عن إجابة على سؤالين رئيسين: الأول لماذا تكون اتفاقيات بغداد دستورية حتى تلك المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها مثل ديالى وكركوك، بينما اتفاقيات إقليم كوردستان لحدود محافظة السليمانية غير دستورية؟ الثاني ما هي تفاصيل حقلي ميران وکوردمیر وشكل عقود الحقول؟ هل يمكن للشركات تجاوز مرحلة توقيع العقود والوصول إلى استثمار النفط والغاز في تلك الحقول؟

لماذا تعتبر اتفاقية شركة BP دستورية بينما اتفاقية HKN وويسترن زاغروس غير دستورية؟

خصص الدستور العراقي مادتين لقضية النفط والغاز، وهما المادة 111 والمادة 112، ولم يتطرق إلى كيفية صياغة السياسة النفطية للبلاد، وقد تُرك ذلك لإصدار قانون النفط والغاز الذي بعد عقدين من الزمن وتعهد هذه الحكومة العراقية بإصداره خلال ستة أشهر، لا يزال من غير الواضح متى سيصدر.

في المقابل، وقع إقليم كوردستان عقوده النفطية في ضوء قانون النفط والغاز الصادر في 6 آب 2007 من برلمان كوردستان، والذي حكمت المحكمة الاتحادية في 6 شباط بعدم دستوريته، لكن نفس المحكمة الاتحادية في بغداد في كانون الثاني 2024 أقرت بقانونية عقود الموارد الطبيعية ورفضت طلب وزارة النفط العراقية بإعلان العقود غير قانونية.

من الناحية القانونية، السؤال الآن هو: هل هذه الاتفاقيات في واشنطن جديدة أم هي تعديل للاتفاقيات السابقة؟ لأنها إذا كانت جديدة، فهي قضية جديدة وقانونية تماماً، وإذا كانت مجرد استبدال للشركات كما ذكرت وزارة الموارد الطبيعية، فإن هذه العقود أيضاً قانونية مثل العقود السابقة وتندرج تحت قرار المحكمة الكرخ في بغداد بشأنها.

هناك نقطة أخرى، وهي أن الدستور العراقي لم يكن معياراً لحل القضايا والخلافات خلال العقدين الماضيين، بل كانت العودة إلى الدستور وتفسيره لتجاوز أزمة موافقة في كل مرة للتوازنات الداخلية والخارجية، وإلا إذا كان الدستور هو الأساس، لكانت مسألة المناطق المتنازع عليها قد حُلت قبل 2007.

هناك أيضاً غموض في موقف بغداد من قانون النفط والغاز لإقليم كوردستان ومن التعامل مع الشركات النفطية الموجودة في إقليم كوردستان. على سبيل المثال، استثمرت شركتا دانة غاز وكريسنت بتروليوم في إقليم كوردستان وتعملان بموجب الاتفاقيات الموقعة في ضوء قانون النفط والغاز لإقليم كوردستان، وتواصلان التطوير والاستثمار الجديد في الحقول التي حصلتا عليها. السؤال الآن هو: إذا كانت هذه القوانين والاتفاقيات غير دستورية، فلماذا تعطيهما وزارة النفط العراقية حقولاً جديدة وتوقع معهما عقوداً جديدة في ديالى والبصرة لتطوير الغاز؟

رغم أن الحكومة العراقية ووزارة النفط تفسران المواد الدستورية وكأن حكومة إقليم كوردستان لا تملك الحق في توقيع العقود منفردة، إلا أن الخبراء القانونيين الذين حللوا المواد الدستورية يشيرون إلى أنه وفقاً للمواد الدستورية، فإن الأقاليم - وليس فقط إقليم كوردستان - تملك هذا الحق ويمكنها توقيع عقود جديدة وفقاً للدستور.

مضمون العقود وقيمة الحقول النفطية في اتفاقيتي واشنطن ولندن

تم منح حقل غاز ميران أو كتلة ميران في 2007 بموجب عقد من 164 صفحة لشركة هيريتيج إنرجي الشرق الأوسط، وفي 2010 وفي التعديل الثالث للعقد الذي يقع في 21 صفحة، أشركت فيه شركة غينيل إنرجي، وفي 21 آب 2012 أعلنت شركة هيريتيج أنها باعت حصتها لشركة غينيل إنرجي مقابل 450 مليون دولار.

في البداية، وفقاً لتقييم شركة هيريتيج لكتلة ميران التي كانت تملك 75% منها وكانت الشركة المشغلة، أشارت إلى أن: كمية النفط المقدرة للحقل هي 4.3 مليار برميل نفط.

جدول 1: كتلة ميران وفقاً لشركة هيريتيج أويل في 2010

حقل ميران: وصل مؤخراً إلى مراحل إعداد خطة التطوير وتصميم أنابيب نقل الغاز وربطها بشبكة الغاز في إقليم كوردستان وتقدير تكاليف الاستثمار والعمليات في المرحلة الأولى وإعداد العقود بين الحكومة والشركات. في ذلك الوقت قدرت تكلفة الحقل لإنتاج 200 مليون قدم مكعب يومياً بـ2.5 مليار دولار للشركة المستثمرة التي كانت غينيل إنرجي.

في 2018، أعلنت غينيل إنرجي أن الشركة الاستشارية RPS Energy  أكملت التقييم لحقلي ميران وبنيباوي مما زاد احتياطيات الحقلين بنسب مختلفة، ووصل الغاز الطبيعي للحقلين إلى 14.7 تريليون قدم مكعب وكمية غاز الكوندنسيت (النفط الممتاز) وصلت إلى 137 مليون برميل. إذا قارنّا فترة العمل الأولية لموارد الحقل من السنوات 2013 إلى 2016 فإن احتياطيات الحقول زادت بنسبة 27% في بنيباوي وبنسبة 78% في ميران-الغربي.

جدول 2: الوجود المؤكد لموارد الغاز الطبيعي (مليار قدم مكعب)

جدول 3: الوجود المؤكد للغاز الطبيعي (مليار قدم مكعب) في حقل ميران

كما أن حقل أو كتلة طوبخانة أُعطيت في 2011 لشركة تاليسمان إنرجي، لكن جميع الكتل الأخرى في حدود گرميان أُعطيت لشركة ويسترن زاغروس. وفقاً للعقد المكون من 121 صفحة، كان يجب على تاليسمان إنرجي أن تبدأ العمل في ذلك العام، لكنها لم تفعل. لاحقاً اشترت شركة ريبسول حقل طوبخانة من شركة تاليسمان في أيار 2015، وفي أيلول 2019 باعت ريبسول حصتها في کوردمیر لشركة ويسترن زاغروس وبعد ذلك كانت تريد بيع حصتها في طوبخانة أيضاً والخروج من إقليم كوردستان. الآن، بموجب العقد الذي تم مؤخراً في واشنطن، حصلت ويسترن زاغروس على الملكية الكاملة لحقل کوردمیروحقل طوبخانة في حدود گرميان أيضاً. حتى الآن لم يُلاحظ تقدم في کوردمیر، لكن الأيام والأشهر القادمة ستكشف ما إذا كانت أعمال إنتاج الغاز في طوبخانة وکوردمیر ستبدأ بالكامل. من الناحية الاقتصادية يُتوقع أن يستمر إنتاج حقل طوبخانة حتى 2059 واحتياطياته للغاز تصل إلى 14.9 مليار متر مكعب و900 مليون برميل نفط، والتي إذا تم الاستثمار فيها يمكن أن تنتج 3.7 مليار متر مكعب سنوياً.

إحدى النقاط التي لفتت الانتباه في هذه العقود كان مبلغ أو تقدير دخل الحقول المستقبلي وليس المبلغ الذي ستستثمره الشركات في تلك الحقول. على سبيل المثال، شركة HKN التي تملكها مجموعة هيلوود بيروت وقد استثمرت في قطاعات مختلفة مثل الاتصالات والطيران والعقارات ومؤخراً الطاقة وثروتها تزيد عن خمسة مليارات دولار، وفي يوم توقيع عقد حقل ميران كان مالك الشركة الأم، روس بيروت، حاضراً.

كما أن مبلغ استثمار هاتين الشركتين في هذين الحقلين بالمليار دولار قد لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، لأن مبلغ 110 مليار دولار ليس استثماراً بل هو دخل الـ25 إلى 35 سنة القادمة من هذين الحقلين إذا تم الاستثمار وكانت التغيرات في جميع الجوانب الأمنية والاقتصادية والسياسية والتقنية والطبيعية تساوي صفراً.

نقطة مهمة أخرى خارج مبلغ رأس المال الاستثماري هي في الواقع نوع الاستثمار وبلد الشركات. لأن الاستثمار في الغاز الطبيعي يعني استثماراً طويل الأمد، والكمية التي ستُنتج كغاز طبيعي في السنوات القادمة ستحدث تغيرات كبيرة في توازن إمداد الغاز الطبيعي داخل إقليم كوردستان والعراق والمنطقة، خاصة مع إكمال مشروع KM250  كورمور وتطوير حقل غاز چمچمال وإكمال هذين المشروعين في حقلي طوبخانة وميران سينقل موقع إقليم كوردستان كمصدر لإمداد الغاز الطبيعي إلى مرحلة جديدة. كما أنه قبل حوالي ثلاث سنوات من الآن حللت وزارة الطاقة الأمريكية جميع إمكانيات وافتراضات وآفاق هذه العملية لجعل إقليم كوردستان مركزاً لإمداد الغاز الطبيعي للحاضر والمستقبل، ويظهر ذلك الآن بدعم من هذين العقدين.

الخاتمة

الإدارة الأمريكية الحالية لديها لوبي ودعم جيد من شركات النفط، خاصة تلك التي تعمل في إقليم كوردستان. على سبيل المثال، ضغطوا سابقاً على العراق لاستئناف تصدير النفط لحماية حقوق الشركات وفقاً لعقودها، والتأكيد الأخير من وزير الخارجية ووزير الطاقة الأمريكيين على العقود ودعم إقليم كوردستان يندرج ضمن هذا الإطار. هناك أيضاً نقطة أخرى تتعلق باستيراد الغاز من الخارج للعراق، إذا احتاجت بغداد لشراء الغاز فليكن من إقليم كوردستان، وإذا لم تكن هناك حاجة محلياً، فإن أوروبا الحليفة لأمريكا تحتاج لذلك الغاز الآن وفي المستقبل.

نقطة أخرى في هذه المسألة هي حل النزاع بين غينيل إنرجي وحكومة إقليم كوردستان، حيث أعلنت غينيل إنرجي في أبريل 2025 أن المحكمة أخطرتها بحل مسألة حقلي بنيباوي وميران لصالح إقليم كوردستان ويجب عليها سداد 26 مليون دولار كديون وإعادة جميع حقوق الحقول لحكومة إقليم كوردستان.

كما أن توقيع عقود واشنطن دستوري بقدر توقيع عقد لندن، لأن عدم دستورية كل منهما مرتبط بالطرف المنفذ وقوته والدعم المقدم له. لذلك أصدرت وزارة النفط توضيحاً وبياناً لتوضيحها في أقل من 24 ساعة بعد انتشار خبر توقيع عقد إقليم كوردستان.

في الواقع، هذا الدعم الأمريكي لإقليم كوردستان وتلك العقود والتوقيعات التي تقوم بها وزارة النفط العراقية مع الشركات الصينية، وعودة وزير النفط العراقي من هيوستن وتكساس بدون اتفاق في العام الماضي يعكس صورة أكبر، لكن يجب الترحيب بما يُنفذ ويجلب مصدراً جديداً للاقتصاد المستقل داخلياً سواء في إقليم كوردستان أو العراق.

أخيراً، قد يكون إصدار قانون النفط والغاز الاتحادي أو تعديل مواد الدستور مخرجاً لتوحيد إدارة وحق التوقيع والتعاقد لوزارة النفط العراقية للمناطق المتنازع عليها وحكومة إقليم كوردستان للحقول الغازية والنفطية، لكن للمرحلة الحالية، التقارب وإيجاد طرق العمل المشترك يمكن أن يقللا خسائر بيع نفط إقليم كوردستان إلى النصف ومجيء الشركات لكامل العراق وزيادة البنية التحتية للطاقة في كامل العراق الاتحادي وإقليم كوردستان بدلاً من بيانات الاستياء والشكوى حول حق الإدارة الحصري.

Share this Post

تحليل