في صباح (15 تموز 2025)، تعرض حقل نفط سرسنك للهجوم بطائرات مسيرة، وهو الحقل الذي تديره شركة HKN الأميركية وتمتلك 62% من أسهم الحقل. في نفس اليوم، وبعد ساعات قليلة، أعلنت وزارة النفط العراقية رسمياً عن التوقيع على عقد بين شركة HKN وشركة نفط الشمال لتطوير حقل نفط حمرين بإنتاج يومي يبلغ 60 ألف برميل نفط مع 45 إلى 50 مليون قدم مكعب من الغاز.
وأعلنت شركة HKN على منصة إكس أن الهجوم "لم يؤد إلى خسائر في الأرواح، لكن الإنتاج الإجمالي البالغ 30 ألف برميل نفط يومياً قد توقف لحين إجراء جميع التقييمات اللازمة للوضع."
في الواقع، باتت هجمات المسيّرات على مناطق إقليم كوردستان أشبه بموجات العواصف الترابية، حيث تعرض حقل خورملة ليلة أمس لهجوم بطائرتين مسيرتين، وسابقاً تعرضت المناطق المدنية والأمنية السياسية في إقليم كوردستان لهجمات بالطائرات المسيرة والصواريخ. لكن استهداف حقل سرسنك جاء في الوقت الذي كان فيه ماثيو زيس، نائب مدير شركة HKN، منهمكاً في وزارة النفط العراقية بالتوقيع على عقدهم الجديد.
مهما كانت أبعاد هذه الهجمات، فإنها تكشف عن ضعف الدولة وهيمنة القوى السياسية والفصائل القانونية وغير القانونية في العراق، لأن هذه الفصائل أظهرت من خلال هجومها على سرسنك ثلاث إشارات مهمة: الأولى تقنية وأمنية، إذ تظهر هيمنة الطرف المهاجم من هاتين الناحيتين؛ والثانية اقتصادية، تهدف إلى تقليل قدرة إقليم كوردستان على إنتاج النفط المحلي وطريقة بيعه الحالية؛ والثالثة ذات أهمية سياسية قد تكون أكبر من جميع الأهداف الأخرى للهجوم، وهي التحذير من العقوبات التي قد تفرضها أميركا بسبب بيع النفط.
في الأيام الماضية، وبعد رسالة ترمب إلى رئيس الوزراء العراقي بشأن فرض رسوم كمركية على البضائع العراقية بنسبة 30% وتطبيقها اعتباراً من (1 آب 2025)، هناك إشارات إلى أن الأميركيين حذروا العراقيين من بيع النفط الإيراني، ففي في 3 تموز وضعت وزارة الخزانة الأميركية عدة شخصيات وشركات في قائمة العقوبات والحظر بسبب بيعها النفط الإيراني على أنه نفط عراقي، وفي وقت سابق، أشار وزير النفط العراقي، حيان عبد الغني، إلى أن "إيران تستخدم وثائق عراقية لبيع نفطها". من هنا يتضح سبب الاختلاف بين بيانات وزارة النفط العراقية ووزارة المالية العراقية الخاصة بإيرادات النفط في الماضي، كما أن إجمالي إنتاج النفط في إيران أعلى من العراق. وفقاً لوكالة إينيرجي EI الدولية للنفط في 2024، بلغ الإنتاج اليومي للنفط الإيراني 5.062 مليون برميل، وفي نفس العام بلغ إجمالي إنتاج النفط في العراق 4.398 مليون برميل. أي إذا قارنا إيران بالعراق من ناحية زيادة الإنتاج السنوي، يتضح أن إيران زادت إنتاجها بنسبة 10.6%، بينما رفع العراق إنتاجه النفطي بنسبة 1% فقط.
توجد في محافظة دهوك عدة حقول نفط أخرى تعمل فيها شركات دولية، خاصة البريطانية والنرويجية والكندية، وهي شريكة في الإنتاج، منها حقل نفط تاوكي وبيشخابور (فيشخابور)، وحقل نفط شيخان وباشيك (بعشيقة)، والتي من الناحية الجغرافية أسهل بل وأقرب إذا كان هدف الطرف المهاجم يقتصر على التسبب في الأضرار الاقتصادية والأمنية. لكن اختيار سرسنك لإرسال تلك الرسالة كان مقصوداً بوضوح، رغم أن تلك الهجمات تكشف تعقيد النظام السياسي وقدرة القوى في العراق.
يتراوح إنتاج النفط في إقليم كوردستان حالياً بين 280 إلى 300 ألف برميل نفط يومياً، لكن منذ صباح الثلاثاء (15 تموز 2025) انخفض بحوالي 30 ألف برميل، بينما يزعم وزير النفط العراقي، أن الخلاف بين أربيل وبغداد للوصول إلى اتفاق واستئناف تصدير النفط إلى ميناء جيهان عبر تركيا هو فقط على 19 ألف برميل.
وعلينا ألا نتجاهل أن اختيار التوقيت واستهداف حقل سرسنك يظهر القدرة المتقدمة الكبيرة للطرف المهاجم من جميع الجوانب، وهذا خطر يجب ألا يهمل إذا دخل اتفاق جديد حيز التنفيذ.
هناك حقيقة أخرى، وهي أن استهداف شركة HKN يعني استهداف لوبي الشركات النفطية الدولية في الكونغرس والإدارة الأميركيين، لأن ضغوط الإدارة الأميركية لاستئناف تصدير نفط كوردستان عبر الأنابيب والضغط على أربيل وبغداد للوصول إلى اتفاق كان في معظمه بفضل هذا اللوبي.
أخيراً، صحيح أن الهجوم حدث وتم توقيع الاتفاق، لكن هناك عدة أسئلة مهمة يجب البحث عن إجابات عليها:
الأول: إذا هددت وزارة الخزانة الأميركية بفرض عقوبات على سومو، فهل على الفصائل أن تتخذ من جزء من أراضي الدولة هدفاً لها وتطلب تسليمه هو وإيراداته؟.
الثاني: هل هناك انقسام بين الحكام الحاليين في "إدارة الدولة" على إدارة الملفات، أم أن المؤسسات الرسمية شيء وما يحدث على الأرض شيء آخر؟.
الثالث: هل التوقيع على عقد شركة HKN مع وزارة النفط العراقية سينهي القصص المكررة عن عدم دستورية وعدم قانونية عقودها مع إقليم كوردستان؟.
الرابع: لماذا اختار العراق في هذه المرحلة شركة HKN من بين عشرات الشركات النفطية الأمريكية الكبرى؟ ما علاقة ذلك بلوبي الضغط؟.
الخامس: ماذا سيكون رد الإدارة الأميركية على الإضرار بالشركات والمستثمرين الأميركيين؟.