تحليل

هل ستغطي الإيرادات النفطية وغير النفطية نفقات العراق وإقليم كوردستان في النصف الثاني من العام؟

03-08-2025


مقدمة

في الأيام الماضية، نشرت وزارة المالية العراقية تقرير الإجمالي العام للنفقات والإيرادات شهر أيار، لكن اللافت في التقارير والموقع الرسمي للوزارة أن أرقام الإيرادات النفطية في ذلك الشهر قد تضاعفت مقارنة بالشهر الذي سبقه.

صحيح أنه خطأ في إدخال الأرقام، لكننا نتحدث عن تقرير نشر بعد شهرين إلى ثلاثة أشهر، وخطأ في إضافة أو حذف صفر واحد يعني تحويل الآلاف إلى الملايين وبالعكس. بعد إعادة ترتيب البيانات، لوحظ وجود خطأ في بيانات شهر نيسان 2025، حيث وضعت نفس أرقام شهر آذار 2025 للإيرادات، وفي شهر أيار 2025 تم عرض المجموع الكلي. اللافت بعد تصحيح الأرقام هو انخفاض الإيرادات خلال هذه الأشهر الخمسة، سواء كانت إيرادات نفطية أو غير نفطية.

وفقاً لتوقعات مؤسسة جي بي مورغان والوكالة الدولية للطاقة وأوبك، سيتراوح سعر النفط هذا العام بين 60-70 دولاراً، في حين يشير صندوق النقد الدولي في تقرير آفاق الاقتصاد لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى أن دولة مثل العراق تحتاج إلى سعر نفط يبلغ 80 دولاراً لتتمكن من إنفاق موازنتها. لذلك، من المتوقع أن يكون العجز هذا العام أكبر من العام الماضي وأن يكون الفارق بين الإيرادات والنفقات أكبر.

كان مقرراً أن تكون إيرادات ونفقات الحكومة العراقية وفقاً للموازنة الثلاثية 2023-2025، وأن تعد سنوياً جداول جديدة للإيرادات والنفقات من قبل وزارة المالية ويوافق عليها مجلس النواب، لكن حتى الآن لم ترسل جداول موازنة 2025 إلى مجلس النواب، والحقيقة أنه حتى لو وجدت الجداول، فإن أرقام الجداول وجداول الإيرادات والنفقات شيء مختلف كما شوهد في العامين الماضيين.

في العام الماضي وما قبله، كان هناك اختلاف كبير بين أرقام الإيرادات النفطية لوزارة النفط وتلك التي لوزارة المالية، لذلك تقرر أن تنشر وزارة النفط فقط كمية النفط المصدرة وليس الإيرادات، لكن منذ آذار من هذا العام، عادت وزارة النفط للإفصاح عن الإيرادات في بياناتها، مما يطرح مرة أخرى ملف اختلاف بيانات الإيرادات وخاصة النفط.

السؤال الرئيس الآن هو: هل تستطيع الإيرادات النفطية تغطية نفقات العراق وإقليم كوردستان في النصف الثاني من هذا العام أم لا؟ كم تبلغ الإيرادات غير النفطية الشهرية للعراق في الوقت الذي يطالب فيه إقليم كوردستان بإيرادات غير نفطية شهرية تبلغ 240 مليار دينار؟

الفوارق في الإيرادات والنفقات بين النصفين الأول والثاني من العام

بشكل عام، كانت غالبية نفقات النصف الأول من هذا العام تشغيلية وقليلة، لكن في النصف الثاني تأتي نفقات الاستثمار والمشاريع وزيادة جديدة في التشغيلية أيضاً. لذلك، ما حدث في النصف الأول من هذا العام في العراق من تساوي الإيرادات والنفقات لا يعود إلى إعادة ترتيب النفقات بسبب انخفاض الإيرادات وهبوط أسعار النفط. على سبيل المثال، إذا قارنّا بين الشهر الأول والشهر الثاني عشر من العام 2024، تتضح هذه المسألة. جاء في بيانات وزارة المالية العراقية أن إجمالي النفقات في الشهر الأول من 2024 بلغ 8.7 تريليون دينار، لكن في الشهر الثاني عشر من نفس العام وصل إجمالي النفقات إلى 14 تريليون دينار، أي زاد بنسبة 40%.

وفقاً لوزارة المالية، بلغ الإجمالي العام للنفقات بما في ذلك إقليم كوردستان للرواتب في العراق 46.9 تريليون دينار، خلال الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام، في حين بلغ إجمالي الإيرادات 46.1 تريليون دينار، أي كان هناك عجز يقارب 800 مليار دينار خلال تلك الفترة.

الرسم البياني 01: إجمالي الإيرادات والنفقات في الأشهر الخمسة الأولى من 2025

المصدر: وزارة المالية العراقية، 28 تموز 2025

الإيرادات النفطية والتوزيع الشهري في العراق

هناك وجه آخر للإيرادات والنفقات في العراق يتمثل في انخفاض أو قلة الإيرادات غير النفطية والأموال المنفقة على الاستثمار في العراق. بلغت الإيرادات غير النفطية خلال الأشهر الخمسة الأولى من 2025 حوالي 4.2 تريليون دينار والإيرادات النفطية 41.9 تريليون دينار. كما بلغ إجمالي نفقات الاستثمار في العراق خلال الأشهر الخمسة الماضية، باستثناء إقليم كوردستان، 3 تريليون دينار، أي أن نسبة 6.4% من الـ46.9 تريليون دينار المنفقة، ذهبت لمشاريع الاستثمار والبنية التحتية و93.6% للنفقات التشغيلية.

يظهر هذا الفارق بوضوح في الرسم البياني أدناه، حيث تقترب الإيرادات غير النفطية ونفقات الاستثمار من خانة الأصفار، بينما تقترب الإيرادات النفطية والنفقات التشغيلية من خانة عشرات التريليونات من الدنانير. هذا رغم حقيقة أن اقتصاد العراق ليس اقتصاداً استئجارياً بل اقتصاد يعتمد على التوزيع الشهري للثروة النفطية على موظفي الدولة بفوارق كبيرة جداً. على سبيل المثال، إجمالي عدد موظفي مجلس النواب العراقي 2216 شخصاً، لكن أنفق 229 مليار دينار على رواتبهم، بينما إجمالي موظفي وزارة الزراعة 19992 موظفاً، أي عشرة أضعاف مجلس النواب لكن أنفق عليهم 72 مليار دينار فقط!

وزارة النفط التي تعد العصب الرئيس للاقتصاد العراقي وتوفر 91% من إيرادات الدولة، يبلغ إجمالي عدد موظفيها 2025 شخصاً أنفق على رواتبهم خلال خمسة أشهر 11 مليار دينار، بينما عدد موظفي رئاسة الجمهورية العراقية نصف عدد موظفي وزارة النفط ويبلغ 1117 موظفاً، أنفق عليهم 17.5 مليار دينار، أي ستة مليارات دينار أكثر من وزارة النفط وأربعة مليارات دينار أكثر من وزارة الصناعة كما تظهر البيانات.

الرسم البياني 02: النفقات التشغيلية والاستثمارية مع الإيرادات النفطية وغير النفطية في الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام

المصدر: وزارة المالية العراقية، 28 تموز 2025

الإيرادات غير النفطية في العراق و120 مليار من إقليم كوردستان

خلال الأشهر الخمسة الماضية، بلغ إجمالي الإيرادات غير النفطية للعراق 4.22 تريليون دينار، بينما كانت في العام الماضي لنفس الفترة 6.24 تريليون دينار، أي أنها انخفضت في تلك الأشهر الخمسة من هذا العام بنسبة 33%، وكان أكبر انخفاض في الجمارك. في خمسة أشهر من 2024 بلغت إيرادات استيراد البضائع 1.27 تريليون دينار، لكن في 2025 كانت فقط 574 مليار دينار.

نقطة أخرى، إذا أخذنا معدل الإيرادات غير النفطية التي تشمل الجمارك والضرائب والرسوم، فقد بلغت في العراق شهرياً حوالي 840 مليار هذا العام، بينما وفقاً لآخر اتفاق بين أربيل وبغداد يجب أن تكون الإيرادات غير النفطية لإقليم كوردستان شهرياً أكثر من 240 مليار دينار، وهذا يعني أن تأمين حوالي ثلث إجمالي الإيرادات غير النفطية في العراق يقع على عاتق إقليم كوردستان.

صحيح أنه في اتفاق أربيل وبغداد، التزمت حكومة إقليم كوردستان بدفع 120 مليار دينار شهرياً للعراق، هو نصف الإيرادات وفقاً للدستور، لكن هل يحصل إقليم كوردستان شهرياً على إيرادات غير نفطية قيمتها 240 مليار دينار؟ رغم عدم توفر البيانات، لكن إذا نظرنا بعناية يتضح لنا أن الالتزام الثابت في الاتفاق خطأ، لأن الإيرادات تتغير شهراً عن شهر. على سبيل المثال، في السليمانية في شهر حزيران كانت 62 مليار دينار، هذا الشهر 128 مليار دينار، وفي عام كامل 900 مليار دينار.

خاتمة

إذا كانت نفقات العراق في النصف الثاني من هذا العام مثلها في العام الماضي التي بلغت 150 تريليون دينار، فمن المؤكد أن فارق النفقات والإيرادات في هذا العام سيصبح ضعف العام الماضي، وليس واضحاً بماذا سيتم ملء الفجوة، لأن الإيرادات النفطية ستنخفض بمقدار 10-15 تريليون دينار بالسعر المحدد الذي يجري التعامل به في هذا العام.

من المتوقع أن يكون سعر النفط هذا العام في مستوى 60 دولاراً، أي سينخفض إجمالي إيرادات العراق من النفط إلى أقل من 90 مليار دولار أو 117 تريليون دينار، وبهذا ستكون أقل بـ10 إلى 15 تريليون دينار من العام الماضي، رغم أن احتمال التغيير كبير جداً ويحدث يومياً من جميع الجهات مما يحدث عدم استقرار وعدم ثبات اقتصادي.

انخفاض الإيرادات غير النفطية للعراق في هذا العام يأتي في وقت اعتمد فيه نظام واحد وآلية استخدام رقمية وتكنولوجية، لكن الإيرادات انخفضت بمقدار تريليوني دينار بدلاً من أن تزيد. التزام إقليم كوردستان بتسليم 120 مليار ووجود 240 مليار دينار شهرياً للعراق غير صحيح، لأنه إذا لم تكن هناك إيرادات للناس وتأخرت الرواتب ثلاثة أشهر، فإن القدرة الشرائية للناس تنخفض أيضاً وتنخفض إيرادات الدولة من الضرائب والرسوم والبضائع المستوردة.

أخيراً، إذا قارنّا الفارق وإن كان نصف سنوي للنفقات والإيرادات في العراق، ففي الأشهر الستة الأولى من 2024 بلغ إجمالي النفقات 58.2 تريليون دينار، لكن في نهاية العام وصل إلى 150 تريليون دينار.

السؤال هو: هل يستطيع العراق هذا العام الاستمرار بهذا الشكل أم سيلجأ إلى استخدام احتياطيات البلد؟ الخيار الثاني هو تأجيل مشاريع الاستثمار وهو ما حدث عدة مرات، وأفضل وآخر خيار هو إعادة ترتيب الطلب والنفقات وتنويع الإيرادات، لكن يجب أن ننتظر لنرى أي ذلك سيحدث!

Share this Post

تحليل