هشاشة قطاع الطاقة العراقي في مواجهة التحولات في علاقات القوى العظمى
11-12-2025
مقدمة
في الأيام الماضية، طلبت وزارة النفط العراقية رسمياً من الشركات الأمريكية شراء حصص شركة لوك أويل الروسية في حقل ويست قرنة-2 النفطي الكبير، لأن توقف الإنتاج أو نشوء مشكلات في إنتاج وتصدير ما يقارب نصف مليون برميل من النفط يومياً يحمّل العراق حملاً ثقيلاً، خاصة في الوقت الراهن الذي انخفضت فيه أسعار النفط ولم تعد كافية لتغطية نفقات العراق.
يتزايد حجم استثمارات الشركات الصينية في قطاعي النفط والغاز العراقيين يوماً بعد يوم بشكل ملحوظ، ويمكن القول إن نصف أو ثلثي هذه الصناعة العراقية التي تمثل العمود الفقري للاقتصاد الوطني يدار من قبل الشركات الصينية، التي استثمرت رؤوس أموال تزيد عن 30 مليار دولار في جميع مجالات الاستكشاف والحفر والإنتاج.
حالياً، رغم طلب العراق إعفاءً من أمريكا لمواصلة إنتاج النفط لمدة عام في حقل ويست قرنة-2، فإنه يجري في الوقت ذاته مفاوضات مع كل من شركتي إكسون موبيلوشيفرون الأمريكيتين للوصول إلى اتفاق لشراء الحقل واستمرار إنتاج النفط من هذا الحقل الذي تمتلك الشركة الروسية نسبة 75% من ملكيته وإدارته.
في الأشهر الماضية، توصلت إكسون موبيل إلى تفاهم بشأن حقل مجنون، وهي الآن في مفاوضات لشراء حصص لوك أويل في ويست قرنة-2، ومن المرجح جداً أن العراق يفضل إكسون على شيفرون، وبذلك تصبح إكسون موبيل، أكبر شركة في قطاع الطاقة الأمريكي، مستثمراً وشريكاً رئيساً في ربع إجمالي إنتاج النفط في العراق في العام المقبل.
تكشف كل هذه التطورات عن تنويع بيئة الاستثمار وانفتاح العراق على كبرى شركات الطاقة العالمية، لكن حالة ويست قرنة-2 تكشف عن هشاشة كبيرة في قطاع الطاقة العراقي في إطار علاقات القوى العظمى العالمية، وتطرح التساؤل التالي: ماذا لو فرضت أمريكا ذات يوم عقوبات على الصين وشركاتها المختلفة، كيف سينتج العراق النفط ويوفر الأموال للبلاد التي تأتي 90% من إيراداتها من النفط؟
حقل ويست قرنة-2 النفطي: مغادرة روسيا وعودة أمريكا؟
يقع حقل ويست قرنة-2 النفطي في شمال غرب البصرة في جنوب العراق، ويُعد من أكبر الحقول النفطية في العالم، إذ تبلغ احتياطياته الأولية أكثر من 14 مليار برميل نفط، كما يقع هذا الحقل جيولوجياً في أفضل تكوين لتجمع النفط.
حصلت شركة لوك أويل الروسية على عقد تطوير الحقل في كانون الأول 2009، ووقعت عقد الخدمة لتطوير الحقل في 2010، وبدأت أول إنتاج تجاري من الحقل في 29 آذار 2014. ثم في 2019، بحفر 57 بئراً نفطياً، وصلت شركة لوك أويل بمستوى الإنتاج إلى 480 ألف برميل يومياً.
تمتلك شركة لوك أويل 75% وتمتلك شركة نفط الشمال التابعة لوزارة النفط العراقية 25% من الحقل، لكن منذ أن شددت وزارة الخزانة الأمريكية العقوبات على روسيا وقطاع الطاقة الروسي للموافقة على وقف إطلاق النار منذ تشرين الأول من هذا العام، تسعى الشركة والحكومة العراقية لإيجاد آلية لإنهاء عمل الشركة أو السماح باستمرار الإنتاج حتى تبيع الشركة الروسية حصصها.
رسم بياني: جدول الإنتاج والتكاليف والإيرادات لشركة لوك أويل في حقل ويست قرنة-2 بين 2014-2021
المصدر: التقرير المالي السنوي للوك أويل للعام 2021، تم الحصول على الملف في 2 كانون الأول 2025، لكن لم يُنشر تقرير جديد منذ 2022.
في الواقع، كان للعقوبات تأثير كبير، إذ أكدت الشركة الروسية بعد أقل من شهر من صدور العقوبات الأمريكية أن العراق أوقف جميع المدفوعات النقدية والنفط الخام للشركة الروسية، ومن المرجح جداً أن تنسحب من حقل ويست قرنة-2 النفطي، لأنها بسبب العقوبات الأمريكية والبريطانية تم عزلها عن جميع العمليات الدولية.
حالياً، وبما أن الشركتين الكبيرتين إكسون موبيل وشيفرون تتفاوضان للحصول على الحقل بناءً على طلب وزارة النفط العراقية، والاتجاهات تشير إلى منحه لإكسون موبيل، أو إذا مُنح لأي شركة أمريكية أخرى، يمكننا القول إن المغادرة في بداية 2024 ستتحول بعد عامين إلى عودة، حيث ستضع ربع إجمالي النفط المنتج في العراق أو إنتاج ما يقارب مليون برميل يومياً من نفط العراق تحت سيطرة إكسون موبيل.
السيناريو الآخر هو التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار بين أمريكا وروسيا وأوكرانيا، وفي هذه الحالة، برفع العقوبات، ستتمكن الشركة الروسية من مواصلة العمل والحصول على رسومها وأرباحها، التي بلغت وفقاً لبيانات لوك أويل في 2021 رسوماً بقيمة 709 ملايين دولار وتكاليف استخراج بـ 224 مليون دولار، مقابل 13.4 مليون برميل نفط وإيرادات بقيمة 590 مليون دولار للشركة.
الاستثمار الصيني في قطاع الطاقة العراقي: النفط والغاز من 2005 إلى 2024
وفقاً للبيانات التي تم جمعها، بلغ إجمالي الاستثمار الصيني في العراق في قطاعات الطاقة والإسكان والسياحة والنقل بنوعي الاستثمار وإعادة الإعمار 35.4 مليار دولار في الفترة من 2007 إلى 2024، منها أكثر من 30 مليار دولار في قطاع الطاقة.
منذ ما يقارب عقدين، توجهت الشركات الصينية نحو العراق، لكن التطور الكبير كما يظهر في الجدول أدناه كان نحو النفط والغاز، لأن ما تحتاجه الصين من العراق هو النفط الخام. على سبيل المثال، عندما يصل التبادل التجاري بين الصين والعراق إلى ما يقارب 50 مليار دولار سنوياً، فإن أكثر من 35.2 مليار دولار من هذا التبادل هو استيراد الصين للنفط الخام العراقي.
كذلك، فإن الفارق بين الشركات الصينية والشركات الأمريكية والأوروبية والبريطانية في قطاع الطاقة هو العلاقة بين الشركة والدولة، ولهذا يمكننا القول إن أي خلاف بين دولة الصين وبلد آخر حول قضايا مختلفة سينعكس أيضاً على صناعة النفط والغاز العراقية، لأن نصف أو ثلثي عمليات إنتاج النفط والغاز في العراق حالياً تديره الشركات الصينية.
الجدول (1): استثمارات وأعمال الشركات الصينية في قطاع الطاقة العراقي 2007-2024
ملاحظة 1: بعض الاستثمارات مشتركة مع كبرى الشركات العالمية حيث أُشير إلى نسبة حصصها بجانب كل مبلغ استثماري.
الخاتمة
حالياً، فيما يتعلق بويست قرنة-2 الذي يتوقف إنتاجه يوماً وتصدير نفطه يوماً آخر، هناك خياران أمام العراق لمواصلة إنتاج نصف مليون برميل نفط يومياً من هذا الحقل: الأول بيع حصص لوك أويل للشركات الأمريكية، والثاني التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار في حرب أوكرانيا - روسيا، وكلاهما يكشف عن هشاشة كبيرة في قطاع الطاقة العراقي وتأثر البلاد بالأحداث الخارجية.
في المستقبل، فيما يتعلق باستثمارات الشركات الصينية في العراق، إذا لم يتمكن الأمريكيون والصينيون من مواصلة الاتفاق الذي وُقع في كوريا الجنوبية وعادت المنافسة الاقتصادية والجيوسياسية من جديد، فإن هشاشة قطاع الطاقة العراقي ستظهر في مواجهة التحولات، وسيصبح خيار ملء فراغ الاستثمار وعمل الشركات الصينية ليس صعباً فحسب بل مستحيلاً، لأن استثمار الشركات الصينية وعملها في العراق، إن لم يكن 30 ضعفاً، فهو لا يقل عن الروسي.
في الختام، صحيح أن العراق نوّع مصادر استثمار طاقته وجعل الجميع شركاء، لكنه في نفس الوقت أضعف نفسه في حال ظهور مشكلات بين هذه القوى، خاصة القوى الرئيسة، بحيث يقع اقتصاده في خطر لا يمكن تصوره.