في مقابلته الأخيرة مع وكالة الأنباء العراقية (INA)، كشف رئيس الوزراء العراقي عن مجموعة بيانات اقتصادية جديدة ذات دلالات كبيرة للاقتصاد العراقي، لكنها تتباين تبايناً كبيراً مع ما نشر في تقارير وزارة المالية والبنك المركزي والمراكز العالمية.
فعلى سبيل المثال، أفاد رئيس الوزراء بأن الدين الداخلي للعراق يبلغ 34 تريليون دينار، والدين الخارجي 13 تريليون دينار (10 مليارات و56 مليون دولار)، أي أن إجمالي ديون العراق حالياً يبلغ 47 تريليون دينار. بينما تشير تقارير وزارة المالية والبنك المركزي حتى نهاية حزيران 2025 إلى أن إجمالي الديون يبلغ 106 تريليون دينار، منها 87 تريليون دينار ديون داخلية و18.7 تريليون دينار ديون خارجية.
ثانياً، هناك تباين في الأرقام بين القطاع العام والقطاع الخاص. ففي حين تجاوزت الاستثمارات في القطاع الخاص 100 مليار دولار، ازداد عدد موظفي القطاع العام بنسبة الخمس خلال العامين ونصف العام الماضيين. ففي حين كان إجمالي عدد الموظفين في موازنة السنوات الثلاث بما فيها إقليم كوردستان 4074697 موظفاً، وصل العدد الآن إلى 4.55 مليون موظف، أي أنه خلال عامين وخمسة أشهر تمت إضافة نصف مليون موظف للقطاع العام، في الوقت الذي استثمر في القطاع الخاص 100 مليار دولار.
الآن، سنتخذ من هذه الأرقام التي أعلنها رئيس الوزراء فرصة لاستعراض الأرقام المالية في العراق، لأن الزيادة والنقصان تعني تغيير مسار الاقتصاد العراقي من النمو إلى التراجع، وأيضاً تثير هذه التغيرات الكبيرة تساؤلات جوهرية حول دقة الأرقام.
هل سدد العراق 60 تريليون دينار من الدين الداخلي والخارجي للعراق في ستة أشهر؟
حالياً، لوحة معلومات وزارة المالية الخاصة بالديون الداخلية والخارجية التي كانت متاحة على الموقع الرسمي منذ العام 2010 حتى نهاية حزيران 2025 لم تعد موجودة! لكن صفحة الديون التي تحتوي على بيانات الديون الداخلية والخارجية للعراق حتى نهاية حزيران 2025 تشير إلى 18.789 تريليون دينار ديون خارجية و87.383 تريليون دينار ديون داخلية كما هو موضح في الجدول أدناه.
كذلك، يشير البنك المركزي العراقي في تقرير المراقبة المالية للربع الأول من العام الجاري إلى أن إجمالي الدين الداخلي ارتفع من 73.25 تريليون دينار عراقي إلى 85.54 تريليون دينار، وهو مؤشر مهم على احتمال زيادة العبء المالي مستقبلاً. إن الاستمرار على هذا النهج يتطلب مراجعة شاملة لسياسات الإنفاق وإقرار تشريعات مالية صارمة لضمان الاستدامة المالية، وهذا يتحقق من خلال تقليل الاعتماد على الموارد النفطية. لكن وفقاً لتقرير وزارة المالية عن التسعة أشهر من العام الجاري، بلغ إجمالي الإيرادات النفطية وغير النفطية للعراق 91.1 تريليون دينار، منها 81.7 تريليون دينار من النفط، أي أن الإيرادات النفطية تشكل نسبة 90%. في المقابل، بلغت النفقات خلال التسعة أشهر 99.97 تريليون دينار، منها 85.4 تريليون دينار للنفقات التشغيلية و14.4 تريليون دينار للاستثمار.
خلال التسعة أشهر من العام، بلغ الفرق بين النفقات والإيرادات، أي العجز، أكثر من 8.8 تريليون دينار (6.7 مليار دولار)، وفي العام الماضي بلغ هذا العجز أكثر من 9.7 تريليون دينار (7.5 مليار دولار). وفقاً للتقديرات الخاصة بنفقات الأشهر الثلاثة الأخيرة وإيرادات النفط لإجمالي أشهر العام الجاري، فإن العجز البالغ 6.7 مليار دولار سيصل إلى أكثر من 20 مليار دولار، مما يعني أن الديون يجب أن تزيد لا أن تنخفض.
الجدول 1: الديون الداخلية والخارجية للعراق من 2010 إلى حزيران 2025
هل وفر العراق 14.4 مليار دولار كدعم مالي لقطاعي النفط والغاز والكهرباء في 2024؟
وفقاً لتقرير وكالة الطاقة الدولية (IEA)، يحتل العراق المرتبة الرابعة بين الدول التي تقدم الدعم المالي لأنواع مختلفة من الطاقة، حيث تبلغ نسبة الدعم الإجمالية 27%، وبمعدل 317 دولاراً للفرد الواحد، وشكل هذا نسبة 5.3% من نمو الناتج المحلي في العام 2024.
وفقاً لتقرير وكالة الطاقة الدولية، بلغ إجمالي الدعم المالي الذي قدمه العراق للنفط والغاز والكهرباء 14.7 مليار دولار (19.11 تريليون دينار) في 2024، وكان معظمه للنفط بمبلغ 8.3 مليار دولار، يتمثل في بيع البنزين والديزل بسعر يقل ثمانية أضعاف عن السعر في الأسواق العالمية. أما الكهرباء فقد أنفق عليها 4.47 مليار دولار، علماً بأن مجلس الوزراء قرر في صيف هذا العام توفير الديزل مجاناً للمولدات الكهربائية، وبهذه الطريقة يكون الدعم هذا العام قد ازداد ولم ينخفض.
من الناحية الاقتصادية، تشير وكالة الطاقة الدولية إلى أن استمرار الدعم المالي، بالإضافة إلى أضراره المالية والبيئية، يعني استمرار زيادة الطلب وعدم الاستخدام حسب الحاجة، لذلك يجب على الدول إنهاء الدعم المالي للوقود في أسرع وقت ممكن لتقليل انبعاثات ثنائي أكسيد الكربون واستخدام الطاقة حسب الحاجة.
الرسم البياني 1: دعم العراق لمختلف قطاعات الطاقة من 2010 إلى 2024
الخاتمة
الوضع الاقتصادي للعراق يتسم بنفقات مرتفعة وإيرادات منخفضة أو مرتبطة بسعر النفط، يعني أنه عندما يرتفع سعر النفط ترتفع النفقات، وعندما ينخفض سعر النفط تنخفض النفقات أيضاً. المثال الأوضح والأقرب على ذلك هو الاجتماع الطارئ للمجلس الأعلى للاقتصاد في الأيام الماضية، والذي اتخذ قراراً بخفض ومراجعة النفقات في نهاية هذا العام. لكن كيف يمكن رسم مسار اقتصادي صحيح في ظل عدم توفر أرقام دقيقة وموحدة للإيرادات والنفقات من جميع المؤسسات، مع وجود تباينات بالتريليونات من الدنانير والمليارات من الدولارات بينها؟
الأرقام في العراق فيها تباينات كبيرة لدرجة أن هذا يضع البلد والمجتمع والأعمال المستقبلية على مسار غير واضح. على سبيل المثال، هناك التباينات في الإيرادات النفطية وغير النفطية في تقرير نيسان وأيار 2025 لوزارة المالية. كذلك، التباين البالغ أربعة مليارات دولار في الإيرادات النفطية بين وزارة المالية ووزارة النفط في العام 2023. والآن الأرقام الدقيقة للديون الداخلية والخارجية التي يبلغ التباين فيها 60 تريليون دينار!
أخيراً، يطرح السؤال نفسه: كيف يمكن في ظل وضع اقتصادي كالذي يعيشه العراق، حيث يزداد الدعم المالي ويتضاعف العجز إلى ثلاثة أضعاف ما كان عليه قبل عامين، أن تنخفض الديون الخارجية والداخلية؟ لكن السؤال الأساس يبقى: لماذا تتباين أرقام المؤسسات والمسؤولين العراقيين حول الوضع الاقتصادي ولا تتفق؟