مضى أكثر من ثلاثة أشهر على إبرام الاتفاق ثلاثي الأطراف لتصدير نفط حقول إقليم كوردستان عبر الأنابيب وبيعه في الأسواق العالمية. وبحسب البند قبل الأخير من الاتفاق: "يسري الاتفاق لمدة 30 يوماً من تاريخ توقيعه، ويمدد تلقائياً حتى 31 كانون الأول 2025، ويمكن للأطراف الاتفاق على تمديد الاتفاق لفترة أطول أو التعجيل بإنهائه قبل ذلك الموعد".
في 21 كانون الأول 2025، أصدرت شركة تسويق النفط العراقية (سومو) توضيحاً بشأن تقرير لوكالة رويترز حول بيع النفط المنتج من قبل شركة DNO في حقل تاوكي، مشيرة إلى أن شركات النفط العاملة في إقليم كوردستان "ملزمة" بتسليم النفط الخام للحكومة الاتحادية لغرض التصدير أو الاستخدام المحلي. وجاء في التوضيح أيضاً: "يجب على جميع الشركات الدولية المشاركة في استخراج وإنتاج النفط من حقول إقليم كوردستان تسليم كمية النفط المُنتج إلى سومو، باستثناء النفط الذي يجري الاحتفاظ به لأغراض الاستخدام المحلي".
ويقضي الاتفاق الثلاثي بتعيين شركة استشارية لمراجعة تكاليف إنتاج النفط ونفقات الشركات واستحقاقاتها المالية والاستثمارات في الحقول وأرباح الشركات. كان الحديث يدور حول شركات كبرى مثل وود ماكنزي، لكنها لم تباشر عملها حتى الآن. وبحسب المعلومات، من المقرر أن تبدأ الشركة الاستشارية عملها مع بداية العام الجديد، سواء كانت وود ماكنزي أو شركة أخرى.
كذلك، وفقاً لبنود الاتفاق، يُحتسب نفط إقليم كوردستان المُصدّر على أنه نفط كركوك، ويتم بيعه من قبل سومو للأسواق الأوروبية بسعر خام برنت، ولأسواق آسيا ببورصة عمان، ولأمريكا بسعر غرب تكساس(WTI). لكن بحسب المعلومات، لم تُدرج سومو صنف نفط كركوك ضمن منتجاتها المُصدّرة للأسواق العالمية لشهر كانون الثاني 2026.
السؤال الآن هو: ماذا سيكون مصير الاتفاق الثلاثي في العام 2026؟ وما هي التحديات التي تواجه الاتفاق؟ ولماذا من المهم استمراره حتى بالطريقة الحالية؟
التحديات التي تواجه الاتفاق الثلاثي في العام 2026
أولاً: العلاقات الاقتصادية بين أربيل وبغداد، لأن ما نشهده حالياً هو استمرار لمرحلة ما قبل تصدير نفط إقليم كوردستان من قبل سومو. على سبيل المثال، بحسب أحدث تقرير لسومو حول تصدير الأصناف الثلاثة من النفط العراقي في تشرين الثاني 2025، بلغت كمية نفط كركوك المُصدّر - الذي يشمل نفط حقول إقليم كوردستان المشار إليها في الاتفاق الثلاثي - من ميناء جيهان أكثر من 252 ألف برميل يومياً، بينما بلغت في تشرين الأول 188 ألف برميل يومياً. أي أنه خلال هذين الشهرين تم تصدير 13 مليوناً و418 ألفاً و597 برميل نفط. وإذا أضفنا الشهر الحالي، فإن المجموع يتجاوز 20 مليون برميل صدّرتها سومو. لكن في المقابل، يحصل إقليم كوردستان فقط على ما يكفي لرواتب الموظفين، وليس الميزانية الشهرية للنفقات والاستثمار وتلبية الاحتياجات. كما أن رواتب شهر تشرين الأول 2025 لم تُرسل بعد ولم يستلم الموظفون رواتبهم.
يمر العراق حالياً بمرحلة إعادة انتخاب مؤسساته والوفود تجري مفاوضاتها. السؤال المتعلق بالعلاقة بين أربيل وبغداد هو: ماذا سيشترط إقليم كوردستان على بغداد بعد أكثر من ثلاثة أشهر من بيع النفط عبر سومو؟
1- هل سيكتفي بالرواتب فقط وبهذه الطريقة؟ وإذا صدر قانون الموازنة، هل ستبقى الأرقام كما وردت في قانون الموازنة؟
2- إنهاء استخدام القضية الاقتصادية كسلاح سياسي والانتقال إلى مرحلة اقتصادية جديدة تضمن حقوق ومستحقات إقليم كوردستان كما كانت في بداية 2005؟
3- إبرام اتفاق مؤقت وحل المشاكل بشكل وقتي وتحسين العلاقات لفترة زمنية محددة، ثم العودة إلى تكليف اللجان وإعداد تقاريرها للتفاوض في العام 2026؟
ثانياً: مشكلة الديون المتراكمة للشركات النفطية الدولية التي أنتجت النفط خلال الفترة من أيلول 2022 إلى آذار 2023، والتي لم تحصل على أرباحها، بل تحولت مستحقاتها إلى ديون تقارب المليار دولار، أكثرها لشركة DNO. عند التوقيع على الاتفاق الثلاثي، كان من المقرر أن تبدأ الاجتماعات خلال شهر لوضع آلية سداد الديون، ولهذا السبب قررت DNO آنذاك مواصلة مشاركتها في آلية بيع النفط داخلياً وجعلت آلية سداد ديونها شرطاً للمشاركة في الاتفاق الثلاثي.
كذلك فإن الطريقة الحالية التي تتبعها سومو لدفع الاستحقاقات المالية للشركات النفطية الدولية العاملة في حقول إقليم كوردستان لا تختلف جوهرياً عن البيع المحلي، لأن أساس دفع استحقاقاتها يتم بالنفط وفق المعادلة: "عدد البراميل التي تُعطى للشركات كتعويض = عدد البراميل المسلّمة في جيهان في الشهر السابق × 16 دولاراً للبرميل ÷ سعر التصدير المسبق (بحسب متوسط سعر نفط كركوك المُقدّر من قبل شركة بلاتس)". وهذه الآلية هي نفسها التي استخدمتها الشركات لبيع النفط محلياً من آذار 2023 إلى أيلول 2025 وكان التعامل بالنقد.
هل ستصبح الديون في العام 2026 عائقاً جدياً يدفع الشركات للانسحاب؟ أم ستستمر بآلية طويلة الأمد يتم فيها سداد ديونها حتى لو كان بالنفط؟ أم سيتبنى إقليم كوردستان آلية جديدة لسداد ديون الشركات؟
ثالثاً: نوعية نفط حقول إقليم كوردستان، وخاصة كثافته أو API، لم تصل إلى الرقم المحدد كمعيار في الاتفاق الثلاثي وهو 36 درجة API، أو بمقدار 0.04 دولار أقل أو أكثر.
تاريخ نفط كركوك المُصدّر عبر ميناء جيهان يعود إلى كون الـAPI عالياً يتجاوز 36 درجة، ولهذا كان يُقال إن نفط كركوك يُباع بدولارين أعلى من برنت في الأسواق العالمية
. نفط حقول إقليم كوردستان المُنتج حالياً، كان على النحو التالي من حيث
API: 80 ألف برميل من نفط تاوكي بـAPI 28 درجة، و40 ألف برميل من حقل شيخان بـAPI 18 درجة، و30 ألف برميل من أتروش بـAPI 24 درجة. الحقل الوحيد الذي يتجاوز API نفط كركوك هو حقل سرسنك بـ27 ألف برميل بـAPI يتراوح بين 37-39 درجة.
على الرغم من أن سومو خفضت نوعية نفط كركوك "الذي يشمل نفط إقليم كوردستان" لشهر كانون الثاني 2026، وهذا يعود لاختلاف كبير عن الكمية المذكورة في الاتفاق والتي كان نفط كركوك معروفاً ومُصدّراً بها سابقاً.
رابعاً: في تموز 2026، ينتهي اتفاق أنقرة وبغداد للتصدير عبر أنابيب النفط العراقي وتركيا المعروف بـITP، وقد سلّمت تركيا مسودة اتفاق جديد للعراق، وخلال هذا العام جرت عدة جولات من الحوار والاجتماعات المشتركة. ما يُلاحظ هو مطالب أنقرة من حيث رسوم الاستخدام وكمية النفط المُصدّر عبر الأنبوب، لأنه إذا تكرر سيناريو التوقف لمدة عامين ونصف عن تصدير نفط إقليم كوردستان، فإن الأنبوب يكون فارغاً ويضخ هواءً. لكن هذه المرة تريد أنقرة أن يكون هناك نفط في الأنبوب وبكميات كبيرة.
جانب آخر من تجديد اتفاقية تصدير النفط بين العراق وتركيا يتعلق بدخول شركة BP البريطانية واتفاقيتها البالغة قيمتها 25 مليار دولار التي تشمل أربعة حقول نفط وغاز في كركوك وزيادة الإنتاج النفطي من 320 ألف برميل إلى نحو نصف مليون برميل يومياً.
آخر اجتماع للوفدين العراقي والتركي بشأن تجديد الاتفاقية كان في 17 تشرين الثاني 2025 في أنقرة، حيث أُشير إلى أن "أجواء المفاوضات كانت إيجابية، والتفاهمات التي تحققت خطوة مهمة نحو وضع اتفاق جديد يعزز الشراكة بين البلدين ويحافظ على استمرارية عمليات النقل ويحقق المصالح الستراتيجية المشتركة".
نقطة أخرى، أن تلك المفاوضات لم يشارك فيها ممثل عن إقليم كوردستان، بل لم يشارك حتى العاملون في وزارة النفط وسومو، في حين أن الاتفاق قد يكون للعقود القادمة من حيث نقل النفط والغاز، ولذلك يجب أن يشارك إقليم كوردستان، لأنه في الحاضر والمستقبل سيكون جزءاً مهماً من نقل الطاقة خارج العراق. فعلى سبيل المثال، لنقل نفط حقول إقليم كوردستان وحتى نفط كركوك إلى ميناء جيهان مستقبلاً، ستستخدم سومو أنبوب نفط إقليم كوردستان المعروف بـKPC، وفي السنوات القادمة ستصبح كمية الغاز الطبيعي المُنتج في إقليم كوردستان التي تلبي الحاجة المحلية مادة جديدة للتصدير.
الخاتمة
بحسب المعلومات، جددت الشركات التي تنقل النفط بالصهاريج إلى أنبوب تصدير نفط إقليم كوردستان إلى ميناء جيهان عقودها حتى نيسان 2026، أي لثلاثة أشهر إضافية. ولم يصدر أي طرف في الاتفاق الثلاثي حتى الآن بياناً عن عدم تمديد الاتفاق، بل إن سومو في آخر بياناتها أشارت إلى استمرار التصدير. لكن التحديات المذكورة، إن لم تكن سبباً لتوقف التصدير، قد تؤدي إلى تغيير طريقة التصدير في العام 2026 وتعديلات في بنود الاتفاق الثلاثي.
كذلك، لا ينبغي تجاهل أن الاتفاق جاء خارج مطالب الأطراف الثلاثة، سواء بالعفو أو بتأجيل المشاكل قبل الاتفاق وحالياً أثناء التنفيذ، تماماً كما أن قرار محكمة التحكيم الدولية في باريس بتعويض العراق من جانب تركيا بمبلغ 1.4 مليار دولار لم يُذكر حتى الآن، مع أن أنقرة ملزمة بدفعه للعراق بموجب القانون الدولي.
في الواقع، قد تكون قضايا مثل ديون الشركات ونوعية النفط المُصدّر واتفاق أنبوب تركيا والعراق أسهل بكثير من قضية العلاقات الاقتصادية بين أربيل وبغداد، لأنه في الأخير يمكن اعتماد آلية لسداد الديون، ورفع نوعية النفط بغاز كورمور المكثف، وقد تقرر أن يتم في بداية 2026 خلط كمية الغاز المكثف من كورمور التي تزيد عن 15 ألف برميل وAPI بين 55-63 درجة بنفط إقليم كوردستان المُصدّر. وأخيراً يمكن للعراق وتركيا الوصول إلى اتفاق بدون مشاركة إقليم كوردستان أو بتنفيذ مطلب تركيا، لكن ما يبقى هو: كيف ستحل بغداد قضية علاقاتها المالية مع أربيل؟
في الختام، إعادة تصدير نفط إقليم كوردستان عبر الأنابيب حتى بالطريقة الحالية سيكون له تأثيرات مختلفة على العراق وإقليم كوردستان مثل: عودة الاستثمار والنفقات الرأسمالية (CAPEX) للشركات في إقليم كوردستان، مثل حفر ثمانية آبار جديدة من قبل DNO ورفع مستوى إنتاج النفط إلى 100 ألف برميل في عقد تاوكي، وحفر ثلاثة آبار جديدة من قبل HKN ورفع مستوى إنتاج سرسنك إلى أكثر من 38 ألف برميل، وغيرها. كما أن للعراق أيضاً تلك السيادة التي يسعى إليها بأن يكون التصدير تحت سلطته والالتزام بحصص الإنتاج في منظمة أوبك.