تحليل

قصة عشر سنوات من أزمة الرواتب؛ الفصل الثاني من أرقام العراق وإقليم كوردستان!

10-06-2025


المقدمة

 أعلنت وزارة المالية في الحكومة الاتحادية العراقية في أواخر أيار 2025 من خلال كتاب رسمي أن إجمالي نفقات إقليم كوردستان لهذا العام، بما فيها الرواتب، قد انتهى، في الوقت الذي لم توفر فيه سوى رواتب أربعة أشهر. كان تحليل الوزارة مبنياً على جمع وخصم ثلاث سنوات من حصة إقليم كوردستان في الموازنة وحساب إجمالي ديون العراق من 2015 حتى الآن، كما لو أنها مجرد توليف رقمي من أجل قطع الموازنة.

في الواقع، لا تنتهي الأزمة بكتاب وزارة المالية الاتحادية وتوضيحات وزارة مالية إقليم كوردستان حول الكتاب، فهذه المشكلة مستمرة منذ عشر سنوات، لذلك يجب العودة إلى بداية المشكلة والنظر في الأرقام. على سبيل المثال، منذ عشر سنوات يعتمد قطاع التعليم في إقليم كوردستان على المدرسين المتطوعين ومؤخراً بمدرسي العقود، وقطاع الصحة أيضاً بالمتطوعين دون أي تعويض وأجور يومية، بينما خلال تلك الفترة عيّن قطاع التعليم في العراق تحديداً من 2013 إلى 2023 أكثر من 319 ألف مدرس وموظف، وفي قطاع الصحة تم تعيين 261 ألف طبيب وموظف جديد؛ أي أكثر من نصف مليون موظف جديد. كما أن عدد الموظفين المعينين الجدد في العراق خلال ذلك العقد كان أكثر من مليون، بينما انخفض عدد موظفي إقليم كوردستان بحوالي 20 ألفاً.

الآن، انتهى عيد الأضحى ولم تُدفع رواتب موظفي إقليم كوردستان لشهر أيار، بينما دُفعت رواتب متقاعدي العراق لشهر حزيران. إجمالي المبلغ الذي أُنفق على إقليم كوردستان في الأشهر الأربعة من هذا العام، والذي وفقاً لكتاب وزارة المالية كان للعام كاملاً 2025، يقارب نصف المبلغ الذي أُنفق على قوات الحشد الشعبي خلال أربعة أشهر.

تعمقت هذه الأزمة مرة أخرى ووصلت بيانات أربيل وبغداد إلى مستوى تبادل الاتهامات، مما سيكون له تداعيات في الوقت الحاضر وفي المستقبل، سواء في اتجاه تكرار الحلول المؤقتة أو بداية مختلفة. لكن لا يمكن أن تمر هذه الأزمة بين أربيل وبغداد بقرار من المحكمة الاتحادية وأن يُترك مصير جميع القضايا لما بعد انتخابات مجلس النواب العراقي في تشرين الثاني 2025، بل يجب حل جميع القضايا المالية في ضوء أرقام وزارة المالية العراقية. في هذا التقرير نعرض الأرقام وخيارين أساسيين لحل هذه المسألة.

التمييز بين القوى العاملة في القطاع العام والنفقات بين العراق وإقليم كوردستان

وفقاً لقانون الموازنة المعتمد للعراق في عام 2013، كان إجمالي عدد القوى العاملة في القطاع العام للدولة العراقية وإقليم كوردستان في جميع المؤسسات 2907776 موظفاً، منهم 677528 موظفاً في إقليم كوردستان. إذا حللنا بالنسبة المئوية، فإن نسبة موظفي إقليم كوردستان في العراق كانت 23%.

بعد عشر سنوات وفي قانون الموازنة الثلاثية 2023-2025، وصل إجمالي القوى العاملة في القطاع العام للعراق وإقليم كوردستان إلى 4074697 شخصاً، وانخفض عدد موظفي إقليم كوردستان إلى 658189. بالنسبة المئوية انخفضت بـ7% وانخفض إجمالي موظفي إقليم كوردستان إلى 16.15% من إجمالي عدد جميع موظفي العراق.

كما أنه خلال عقد من الزمن في العراق تم تعيين 1182260 موظفاً جديداً في مؤسسات الدولة الاتحادية ومحافظاتها، لكن في نفس الفترة انخفض عدد موظفي إقليم كوردستان بـ19339 موظفاً.

الرسم البياني 01: عقد من الاختلاف في القوى العاملة العامة في العراق وإقليم كوردستان

المصدر: الموازنة المعتمدة للعراق 2013، الصفحة 40 والموازنة المعتمدة للعراق 2023-2025، الصفحة 65

الآن، إذا أخذنا قطاعين للخدمات العامة مثل الصحة والتعليم في العراق وإقليم كوردستان كمثال، فإن الاختلاف يصبح أكثر وضوحاً. خريجو كليات الطب في إقليم كوردستان لا يُعينون وتتأخر دوراتهم العلمية لنيل درجة طبيب، ويدار قطاع الصحة في إقليم كوردستان بشكل "تطوع ملزم بالدوام" وقد وصل عدد المتطوعين إلى 11 ألف شخص. في المقابل، كان إجمالي موظفي هذا القطاع في العراق في 2013 هو 227166 موظفاً وطبيباً، لكن في 2023 وصل إلى 488550 موظفاً وطبيباً، أي تم تعيين 261384 موظفاً وطبيباً جديداً لم يفُتهم راتب يوم واحد.

خلال عقد واحد، بلغ عدد الذين يعملون كمدرسين متطوعين في قطاع التعليم في إقليم كوردستان 37930 مدرساً متطوعاً تم تحويلهم إلى عقود في 2024 ورواتبهم الآن تتراوح بين 400 إلى 500 ألف دينار، والتي تُدفع من الإيرادات المحلية لإقليم كوردستان. في المقابل، كان لدى قطاع التعليم في العراق 614,613 شخصاً في 2013، لكن في 2023 وصل إجمالي عدد المدرسين والموظفين في العراق في ذلك القطاع بدون إقليم كوردستان إلى 963949 شخصاً، أي تم تعيين 319336 مدرساً وموظفاً جديداً. ربما الاختلاف الوحيد بين هذين القطاعين هو لغة التعليم، والتي تكون باللغة الكوردية في إقليم كوردستان وبالعربية في محافظات وسط وجنوب العراق.

من الناحية الأمنية، في 2013 كان إجمالي موظفي وزارة الداخلية العراقية 661914، لكن في 2023 ارتفع إلى 701446 شخصاً، وكان لدى وزارة الدفاع العراقية هو 322297 موظفاً في 2013، لكن في 2023 وصل إلى 453951 شخصاً، أي تم تعيين 171186 موظفاً جديداً في هذين القطاعين خلال تلك الفترة.

بشكل عام في العراق كان مجموع مبالغ رواتب الموظفين في 2013 بما في ذلك إقليم كوردستان 42 تريليوناً و587 ملياراً و798 مليون دينار، لكن بعد عقد، في 2023 وصل إجمالي رواتب موظفي العراق بدون موظفي إقليم كوردستان إلى 47 تريليوناً و216 ملياراً و759 مليون دينار، أي زاد بمقدار أربعة تريليونات و626 ملياراً و961 مليون دينار للرواتب والذي لم يتضمن ديناراً واحداً لموظفي إقليم كوردستان في ذلك العام.

يُتوقع أن تغطي إيرادات العراق في السنوات القادمة نفقات الرواتب فقط، لأنه وفقاً لبيانات وزارة المالية في العام 2012 أُنفق على إجمالي متلقي الرواتب في العراق وإقليم كوردستان مبلغ 35 تريليوناً و848 ملياراً و747 مليون دينار، بينما في العام الماضي (2024) وصل إجمالي نفقات الرواتب لموظفي العراق وإقليم كوردستان إلى 60 تريليوناً و53 ملياراً و380 مليون دينار، بينما خلال تلك الفترة انخفض عدد موظفي إقليم كوردستان ولم يتلقوا راتب الشهر الأخير من 2024.

كيف تعوّض الزيادة في النفقات بمقدار 24 تريليون 204 مليار 633 مليون دينار للرواتب فقط؟ االسؤال لآن هو كيف يجب على إقليم كوردستان التعامل مع هذه الأرقام؟ هل لا يزال بحاجة لإعداد قوائم الرواتب والحديث عن مراحل إعداد قوائم الرواتب وانتظار المراجعة والموافقة من وزير المالية العراقية وموافقة رئيس الوزراء والإطار التنسيقي، أم أن هناك خياراً آخر؟

الرسم البياني 02: نفقات الرواتب في العراق في الأعوام 2012، 2013، 2023، و2024

المصدر: التقرير النهائي لإيرادات ونفقات الحكومة العراقية، وزارة المالية، 08-06-2025

الخيارات المتاحة لإقليم كوردستان لإنهاء أزمة الرواتب التي دامت عقداً مع بغداد

خلال العقد الماضي، مر إقليم كوردستان بثلاث مراحل مختلفة في تأمين نفقات الرواتب مع بغداد: المرحلة الأولى بالادخار، والمرحلة الثانية بالتخفيض والتكيف، والمرحلة الثالثة بالاتفاق مع بغداد. لفهم كل مرحلة، يجب أن نسأل متلقي راتب من القطاع العام في إقليم كوردستان عن كيف كانت ظروف معيشته، سواء كان مدرساً متقاعداً أو بستانياً في وزارة البلدية أو موظفاً في وزارة الزراعة ولم يكن له أي مصدر رزق آخر خارج القطاع العام! عندها سنعرف كيف عاشوا وكيف أمنوا احتياجات أطفالهم.

كما أنه وفقاً لآخر توضيحات وزارة المالية العراقية، انتهى إجمالي نفقات الرواتب والموظفين لإقليم كوردستان في الأشهر الأربعة الأولى من العام 2025، مما وضع حصة إقليم كوردستان وفقاً للموازنة الثلاثية بنسبة 12.67% من إجمالي موازنة العراق، وحتى نهاية نهاية 2025 لا تتضمن أي نفقات تنمية واستثمار، مما يجعلها ثلاثة تريليونات و664 ملياراً و213 مليون دينار. هذا بعد جمع جميع ديون العراق من العام 2015 فصاعداً التي لم يُنفق منها دينار واحد على إقليم كوردستان، لكنها حُسبت عليه عند الجمع والخصم.

بينما، وفقاً لآخر إحصاء في العراق وإقليم كوردستان، يبلغ إجمالي سكان إقليم كوردستان 6370688 نسمة، لكن نسبة المال المُنفق على إقليم كوردستان تبلغ 59% من إجمالي النفقات لهيئة الحشد الشعبي التي أُنفق عليها حتى نهاية نيسان تريليون و502 مليار و559 مليون دينار.

الآن هناك خياران أساسيان لحل أزمة رواتب موظفي إقليم كوردستان: الأول إعادة هيكلة القطاع العام من حيث النفقات والإيرادات في إقليم كوردستان، والثاني المفاوضات الشاملة مع بغداد باستخدام أرقام العقدين الماضيين وفي فترة محددة مع صناع القرار الحقيقيين في بغداد وليس فقط الحكومة!

إذا تم اختيار الخيار الأول، فيجب أن تبدأ الخطوة الأولى بالنشر الشهري لتفاصيل إجمالي الإيرادات والنفقات وتنتهي بالموازنة السنوية لحكومة إقليم كوردستان.

أما إذا كان الاتجاه للخيار الثاني، فيجب أن يكون بحل ملف النفط والغاز وحصة إقليم كوردستان في موازنة العراق بالشقين التشغيلي والاستثماري على أساس موازنة إقليم كوردستان المُعدة ضمن إطار الموازنة السنوية للعراق.

الخاتمة

العراق وإقليم كوردستان ليسا فقط بحاجة لحل خلافاتهما في هذه المسألة الاقتصادية، بل يجب أن يستعدا للأزمة الكبرى المتمثلة في تغير المناخ، وإلا فإن الطريقة التي يعمل بها العراق وإقليم كوردستان حالياً لن تحل المشاكل بل ستجعلها أعمق. في الواقع، تريد وزارة المالية العراقية الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه إقليم كوردستان بأقل تكلفة والسيطرة على مصادر إيراداته ونفقاته، وإقليم كوردستان يريد الحصول على ما يقارب نصف حصته من الموازنة من بغداد والتي هي للرواتب فقط، بإرسال 50 إلى 80 مليار دينار فقط من الإيرادات غير النفطية. بهذه الطريقة لن تُحل المشكلة.

الآن، بعد عقدين، حان الوقت لحل جميع القضايا بين أربيل وبغداد في فترة محددة، من مسألة حصة إقليم كوردستان في الموازنة، ومشكلة المناطق خارج إقليم كوردستان والمادة 140، ومسألة النفط والغاز وقانونها، وإنشاء المجلس الاتحادي، ومسألة تعويض ضحايا نظام البعث في إقليم كوردستان، وتوضيح مواد الدستور العراقي الاتحادي لصلاحيات الدولة الاتحادية والإقليم الوحيد فيها، يجب اتخاذ خطوات عملية، وإلا فإن انتخابات أخرى واتفاقاً جديداً لتشكيل حكومة جديدة في العراق بمشاركة إقليم كوردستان، يمكن أن تمهد الطريق فقط لحل مؤقت آخر مثل الاتفاق الذي قرر إصدار قانون النفط والغاز خلال الأشهر الستة الأولى من هذه الحكومة، لكن وزارة النفط الاتحادية لم تُعد حتى مسودته إلى اليوم.

في الواقع، من الخطأ أن تعتقد الدولة الاتحادية أنها أوفت بالتزاماتها من خلال حصر المشاكل مع إقليم كوردستان في النقصان والزيادة في نفقات وإيرادات إقليم كوردستان مع إرسال الرواتب فقط. في المقابل، لا يجب أن تكون إيرادات إقليم كوردستان غير النفطية في ستة أشهر وفي العام 2023 قد بلغت 2.07 تريليون دينار[1] أي 345 مليار دينار شهرياً، وأن يكون نصفها بحلول نيسان 2025 حوالي 50.5 مليار دينار.

الآن، الجميع يعلم والأرقام متاحة أنه إذا كان إقليم كوردستان جزءاً من هذه الدولة، فيجب أن إطلاق حصة إقليم كوردستان من الـ49 تريليون دينار المُنفقة على الاستثمار. أفضل مثال هو مسألة الاستثمار في النفط والغاز، حيث كان بإمكان العراق أن يبادر في العامين الماضيين بصرف نصف نفقات الاستثمار التي بلغت 23 تريليون دينار لوزارة النفط، كجزء من الدولة الاتحادية أو حتى كقرض لإنشاء شركة وطنية لإقليم كوردستان وينفق 3 تريليون من تلك الـ23 تريليون على تطوير حقول الغاز في ميران وطوبخانة،  وإنتاجها كا سيستخدم لإنتاج الكهرباء التي يحتاجها العراق.

الآن، بسبب التحديات المستقبلية سواء من ناحية التغيرات السياسية والأمنية والاجتماعية أو أزمة المناخ وكارثة نقص المياه وزيادة النفقات وتراجع الإيرادات، كان على الجانبين أن يتجها أكثر نحو الاتفاق والبناء بدلاً من الانقسام وتعميق المشاكل. صحيح أيضاً أنه بقدر ما يحتاج إقليم كوردستان لإعادة الهيكلة الاقتصادية، فإن العراق يحتاجه عشرة أضعاف، ولا يمكن أن تُقطع رواتب إقليم كوردستان فور انخفاض الإيرادات النفطية وتحليل أرقام ثلاث سنوات والقول إنه لم يكن ملتزماً، إذا لم يكن ملتزماً، فلماذا أرسلت رواتب أحد عشر شهراً من 2024 وأربعة أشهر من 2025؟

أخيراً، العراق مقبل على سنوات صعبة جداً، إذا كانت هناك تجربة فيدرالية في العراق وتريد الاستمرار فيجب العمل على الخيار الثاني وحل المشاكل في أقصر فترة، وإذا انتهت الأسس الدستورية الجديدة التي بُني عليها العراق الفيدرالي وإقليم كوردستان، فيجب على إقليم كوردستان اتخاذ الخطوة الأولى ومحاولة حل مشاكله داخلياً.


[1] "تقرير وزارة المالية في حكومة إقليم كردستان إلى لجنة المالية في البرلمان العراقي ووزارة المالية العراقية" والعنوان المذكور في النص هو: "توضيحات وزير المالية والاقتصاد في حكومة إقليم كردستان-العراق إلى اللجنة المالية النيابية فيما يخص الوضع المالي للإقليم من 1-1-2023 إلى 31-6-2023، في 18 تشرين الأول 2023، بغداد"

Share this Post

تحليل