من المحتمل ان بالنسبة للقوات العراقية والجديدة الذين يعتبرون انفسهم إمتدادا لخطاب ومنهاج مظاهرات تشرين 2019، ان تكون إنتخابات مجالس المحافظات في 18 كانون الاول 2023، طريقا مزدوجا بين إنكسار اكبر او الحصول على قاعدة جماهرية اكبر وسلطة القرار في المجالس المحلية. وإذا اتيحت لهم الفرصة ان يثبتوا انفسهم في هذه الإنتخابات سيساعدهم ذلك على التوفيق اكثر في انتخابات مجلس النواب لعام 2025 بالطبع سيكون لكعس ذلك ايضا نتائج مختلفة.
ويمكن إعتبار الإنتخابات المقرر إجراؤها في نهاية هذه السنة ويتنافس فيه نحو 6000 مرشح فرصة حاسمة للقوى المدنية الجديدة التي ظهرت على مدى السنوات الاربع الماضية. لأن تلك القوى التي فشلت في تغيير العملية السياسية العراقية من خلال الخيار الثوري في 2019 الان وبعد تجربة المشاركة في الدورة الخامسة لمجلس النواب، هم امام تجربة المشاركة في المجالس المحلية والتي قبل اربع سنوات وبسبب غضب الشارع والمتظاهرين وإتهامهم بالفساد وبإرادة جماهرية وثم بقرار من البرلمان تم حل المجلس.
القوات المدنية مع بداية التحضيرات لهذه العملية نجحوا في تشكيل اتحاد "القيم المدني" كمظلة "لقوى التغيير والديمقراطيين" بمشاركة 10 اطراف واشهرهم الحزب الشيوعي العراقي وعين كل من العضو في مجلس النواب سجاد سالم و د.علي الرفيعي كرئيسين مشتركين للإتحاد، وبذلك قفزوا فوق العقبة 1.7 من نظام سانت ليغو الإنتخابي المعدل. والتعديل كان قد فرضه الإطار التنسيقي الشيعي لمنع اتفاق القوى الصغيرة في الإنتخابات. ايضا يمكن النظر الى ايتعاد الصدر وتياره الجماهيري من الإنتخابات كفرصة لتلك القوى المدنية التي تريد التنافس مع القوى المذهبية والوطنية، خاصة هم كانوا حلفاء في مرحلة سابقة. لكن يجب الأخذ بعين الإعتبار ان بسبب اصرار الصدر شخصيا على الإضراب واتباعه مصرون على إبقاء مراكز الإقتراع مفرغة استطاعت الاقليات الإستفادة من القاعدة الجماهيرية للصدر بالأخص ان التشنجات الاخيرة مستمرة بين الطرفين.
ايضا القوى الصغيرة والمتناثرة اعتادت على عدم إتفاق جماهيرها على اهمية المشاركة في الإنتخابات وذلك ضمن احتماليتين: الاولى الشكوك الكثيرة حول اهمية المشاركة في ظل عدم توافر الشروط لإنتخابات نزيهة وحرة. والثانية التجربة الفقيرة التي قدمها اعضاء مجلس النواب المدنيين في هذه الدورة البرلمانية والتي تسيطر عليها الضعف والعشوائية. هذه الحملة المعلنة للإضراب عن الإنتخابات العامة لعام 2021 اضرت القوى المدنية بشكل واضح، لأن جزء من القواعد الجماهيرية كانوا تحت تأثير حملة كان بإعتقادهم يجب ان يبقى "تشرين" كقيمة واساس وليس رقما من ارقام مجلس النواب. ايضا كثيرا ما كان يقال الدخول في لعبة غير متبادلة لا فائدة له في ظل عدم توفر فرص متساوية، والإشتراك في الإنتخابات تجمل العملية اكثر للمتنافسين لكي تخدم الإعتراضات اكثر.
في هذه الإنتخابات القوى المدنية مشتركة في 12 محافظة من خلال 400 مرشح منافسيهم بين 50 ائتلاف و 296 حزب مشارك هم الاحزاب الشيعية داخل الإطار التنسيقي مع المقرات الجماهيرية في بعض محافظات وسط وجنوب العراق. مع ان القوى المدنية مبعثرة وغير متفقين وإتحادهم امر مؤقت، لكن قوى الإطار الشيعي ما عدا كركوك ونينوى مقسمون في المحافظات الاخرى ايضا الى 4 إئتلافات رئيسية برئاسة كل من(المالكي-الخزعلي، الحكيم- العبادي، همام الحمودي) وحدتهم هذه هي فقط في المناطق المتنازع عليها والمحافظات متعددة المكونات.
المشكلة الكبرى بالنسبة للقوى المدنية في المرتبة الاولى هي سلطة قوى الإطار التنسيقي الشيعي وعدم تكافؤ توازن القوى وبحكم انهم هم من يحكمون دوائر ومؤسسات الدولة. بعد ذلك مسألة نسبة المشاركة يشكل خطرا على الطرفين، لأن المؤشرات تظهر ان الصدريين ما عدا اضرابهم عن الإنتخابات هم ايضا يحاولون قدر المستطاع منع المشاركات الفعالة للنخابين في الاماكن التي يستطيعون فيها فعل ذلك. ايضا هنالك نوع من الإحباط من عملية الإنتخابات من قبل الجماهير والدليل على ذلك نسبة المشاركة القليلة في إنتخابات 2021 مثلا.
وفي هذه الإنتخابات لم يذهب اكثر من 7 مليون مواطن لإستلام بطاقاتهم الإنتخابية في حين ان 16 مليون شخص لديه حق التصويت من مجموع 23 مليون شخص، وذلك سيضر مصالح القوى المدنية اكثر من القوى السياسية والطائفية، لأن الفئة القليلة المشاركة اغلبها جماهير موجهة واعضاء في احزاب سياسية واشخاص مستفيدون منهم او انهم الاشخاص الذين لديهم دوافع مذهبية وقومية او مقابل فائدة مادية مباشرة يذهبون الى صناديق الإقتراع ويعتبر ذلك جزء من آلية جمع الاصوات من قبل قوى السلطة.
ما عدا القوى السياسية التقليدية القوى المدنية الآن تواجه ايضا مشكلة الاحزاب المؤسسة من قبل المحافظين والذين هم في السلطة الآن وابرزهم (اسعد العيداني) محافظ البصرة. ايضا هنالك ائتلاف تحت اسم "الاساس" والذي يترأسه محسن المندلاوي النائب الاول لرئيس البرلمان وهو نشط في نفس دائرة القوى المدنية وبسبب الدعم الذي تتلقاه قائمته ومكانة ومنصب المندلاوي يمكنه ان يضايق القوى المدنية.
بحسب الكثير من تلك المؤشرات المتوفرة فرص القوى المدنية ومتوارثي تشرين تبان ضعيفة لتحقيق مكاسب كبيرة في هذه الإنتخابات. بالطبع احتمالية المفاجآت تبفى مفتوحة. سبب هذه الرؤية التشائمية ما عدا المشاكل الداخلية لتلك القوى، اصرار القوى العظمى على إبقاء زمام العملية السياسية في ايدي الشيعة اصحاب السلطة في هذه المرحلة، وذلك من خلال إستخدام قدرات الدولة من ناحية وإستخدام الخطاب الطائفي والمذهبي من ناحية اخرى. هذا ما عدا إستخدام الخطاب القبلي في المناطق الريفية والمنغلقة وهو عامل قوي ومجرب في الإنتخابات العراقية.