RRC |
علي البيدر|
وفق توفقات سياسية اصبحت فيما بعد تشكل عرفًا جرى العمل به تقاسمت مكونات البلاد الكبرى المناصب الثلاثة بعد العام 2003 مرحلة دخول التجربة الديمقراطية الى المجتمع والدولة العراقيين . بعد تحولات طفيفة في المواقع والحصص استقر الحال برئاسة الجمهورية كحصة للمكون الكوردي , فيما كانت حصة رئاسة البرلمان من نصيب السنة , اما رئاسة الوزراء فقد آلت الى الشيعة . ووفق هذا التقسيم فقد حرمت مكونات البلاد الاخرى من تقليد اي منصب في تلك المواقع . اليوم وبعد ان تجذر هذا العرف عميقًا في المفهومين السياسي والاجتماعي العراقي , ظهرت اطراف تطالب بتغييره لأسباب مختلفة . تلك الدعوات لاقت مواقف متباينة بعضها مؤيد والاخر رافض وكثيرون يرون ان فتح هذا الملف سابق لأوانه, كونه مرهون بنتائج الانتخابات المزمع اجراؤها في اكتوبر/ تشرين الاول المقبل . اطراف سياسية عديدة لديها رغبة بتبنى هكذا مشروع من اجل تبوء موقع ضمن الرئاسات الثلاث في مقدمتهم رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي اول من تبنى طرح فكرة التبادل في مواقع الرئاسات بين المكونات بعد تصريحات متلفزة معبرًا عن طموحه في تولي رئاسة العراق في الفترة المقبلة , كذلك هناك رغبة غير معلنة للشيخ خميس الخنجر زعيم تحالف عزم ليكون في الموقع ذاته , بيد ان الاخير الاوفر حظًا للظفر بكرسي رئاسة الجمهورية كونه يتمتع بعلاقات دولية وإقليمية جيدة الى حد ما, اضافة الى علاقاتها المتزنة وسط المنظومة السياسية في البلاد , فضلًا على تزعمه لأكبر كتلة سنية قد تكتسح المشهد الانتخابي في عدد من المحافظات بحسب مراقبين . ردود الافعال الرسمية ازاء هذا الطرح كانت متحفظة على ما تقدم به رئيس البرلمان وقد اقتصرت على سعدي بيره القيادي في الاتحاد الوطني الكوردستاني الحزب المتمسك برئاسة الجمهورية منذ العام 2005 الذي اشار الى : ان هذا الموضوع ليس من صلاحية أي مكون أن يقرر لوحده ماذا سيحصل من تغيير في المواقع الرئاسية مطالبًا الحلبوسي بـتجنب هذه المناقشات لأنها غير مفيدة ولا تخدم أجواء الحملة الانتخابية، حيث أننا نحتاج الى حملات هادئة مبنية على احترام الاطراف المقابلة، لكي نحصل على نتائج نزيهة دون اي مهاترات وشكاوى على حد قوله . اما اثيل النجيفي القيادي في جبهة الانقاذ والتنمية السنية فقد علق على هذا التوجه بالقول : إن طرح قضية حصول المكون السني على رئاسة الجمهورية من الآن، يثير خلافات سياسية جديدة بين القوى السياسية .
تشبث الشيعة برئاسة الوزراء
مهما يحصل من خلافات حادة ووجهات نظر متباينة بين القوى الشيعية , فأن الجميع متمسك بهذا المنصب وممكن ان يقدم تنازلات كبيرة كي لا يذهب الى مكون اخر او يكون من نصيب جهات ليبرالية داخل المكون . التغير الملحوظ في هذا الصدد , ان المنصب الذي كان محل التقاء وتوافق القوى الشيعية في مرحلة ما قبل انتخابات 2018 تحول الى نقطة تنافس بعد تلك الحقبة . ففي ضوء المعطيات الحالية والحراك الشعبي وفوضى السلاح المنفلت والمشاكل التي تظهرها بعض الاطراف , قد يكون هذا المنصب نقطة صراع حاد بين القوى الشيعية وهو ما نلمسه اليوم عبر خطاب الكثير من الجهات الشيعية التي تحاول تقوية اطراف معينة على سيادة الدولة والقانون ومواقفها المتشنجة من اي خطوة اصلاح تتبناها حكومة الكاظمي , اضافة الى مواقفها من الوجود الاميركي في البلاد . وبرغم وجود ازمات عميقة بين الزعامات السياسية الشيعية الا انها لن تفرط بها المنصب مهما كلفها من ثمن .
والبحث عن رئاسة الجمهورية السنة
يفتقر المكون العربي السني الى مرجعية سياسية او دينية او حتى قبلية تعمل على توحيد مواقفهم التي اخذت بالتشظي حتى جعلت ابناء المكون يصبحون الحلقة الاضعف في البلاد برغم انهم يمثلون النسبة الاعلى من مكونات العراق بعد المكون العربي الشيعي . عبر جميع المراحل السابقة لم يستطع المكون من خلق مرجعية تضم جميع القيادات تدافع عن الواقع العربي السني الذي يزداد سوءً مع مرور الوقت . وبرغم حصول المكون العربي السني على رئاسة البرلمان الا ان العقلية السياسية السنية ترى نفسها في رئاسة الجمهورية لأعتبارات عديدة بعضها يصدر من منطلقات نفسية لسياسيين ما زالوا ينظرون الى رمزية ومكانة رئيس الجمهورية على انها الخيار الانسب لخلق زعامة سنية والاكثر اشباعًا لرغبات القادة داخل منظومة السلطة على المستوى الشخصي كون مكانة الرئيس ما تزال هي المسيطرة على سلوكياتهم . كثيرة هي المشاكل التي تهمين على واقع هذا المكون لدرجة انه لا يمكن حصرها , لكن ابرزها يكمن في التهميش والاقصاء الذي تعرض له المكون عبر قوانين شبه انتقامية تمثلت في قانون ” المساءلة والعدالة” الخاص بالعاملين في مؤسسات الدولة قبل العام 2003 وزعامات حزب البعث المنحل . اضافة الى الاف السجناء الذين غصت سجون البلاد لأسباب طائفية كما يرى ذويهم ومراقبون . علاوة عن الاف المغيبين الذين اختفوا اثناء وبعد عمليات تحرير مدنهم المدمرة نتيجة اجتياح تنظيم داعش لها وهو ما يحمله ابنائها لتجاهل الحكومة المركزية لتلك المناطق من البلاد . لم يشفع وجود شخصية عربية سنية في رئاسة البرلمان منذ العام 2005 في الدفاع عن المكون العربي السني او تقليل الخسائر التي تعرض لها , لذلك يرى كثيرون ان تلك الازمات الخاصة بالعرب السنة لن يحلها سوى حصولهم على منصب رئاسة الجمهورية الذي ممكن من خلاله تدويل ازماتهم اقليميًا ودوليًا ولا سيما ان العراق محاط بستة دول تعتمد النظام الرئاسي او شبيه به . كل ذلك ولّد فكرة الانتقال من رئاسة مجلس النواب الى رئاسة الجمهورية في نفوس بعض الزعامات السياسية وتقبلها من قبل الشارع العربي السني الذي يرى القرار في رئاسة البرلمان قرارًا جمعيًا يمثل (1/ 329 ) وهو ما افقد المكون ثقله الحقيقي وجعل مواقفه تتسوف كونها ستخضع لأمزجة ومواقف المكونات الاخرى التي قد تقف بالضد منه في اغلب الاحيان .
الحاجة الكوردية الى رئاسة البرلمان
مبدأ التوافق الذي بنيت عليه العملية السياسية في البلاد بعد العام 2003 منح الكورد بعد عامين رئاسة الجمهورية كحصة مكون رئيسي وتعويضًا عن عقود من الظلم والاقصاء والتهميش التي تعرض لها المكون الكوردي في العراق . ورغم ان رمزية المنصب الرفيعة , الا انه يفتقر الى الصلاحيات التي اقتصرت على جوانب تشريفية لم ترقى لمستوى طموح الكورد في معالجة ملفاتهم المشتركة بين بغداد واربيل . المتفحص لواقع تلك الملفات سيجدها فنية قانونية بحتة تحتاج الى تكييف قانوني لمعالجتها وهذا ما يجعل اقليم كوردستان اقرب الى حل ومعالجة تلك الملفات العالقة مع بغداد بالطرق السلمية الرسمية وبالحوار المباشر بعيدًا عن عمليات فرض الارادات المتابدلة في المراحل السابقة . ملفات عديدة عالقة بين المركز والاقليم تحتاج الى تشريع قوانين حاسمة للجدل القائم حولها بدءً من المناطق التي تعرضت للتغيير الديمغرافي ولسياسة التعريب خلال الفترة بين عاميّ 1968 حتى 2003 وصولًا الى ملف النفط والثروات الطبيعية اضافة الى المنافذ الحدودية وليس انتهاءً بحصة الاقليم من الموازنة الازمة التي تطفو على السطح كل عام وهي من حرمت اكثر من مليون موظف من الحصول على رواتبهم الشهرية في سنوات سابقة . كل هذه الازمات وغيرها بحاجة الى شخصية كوردية تتربع على عرش رئاسة مجلس النواب تسعى لإقرار قوانين تسهم في حصول المكون الكوردي في البلاد بشكل عام وإقليم كوردستان على وجه الخصوص على استحقاقاته المشروعة دون انتظار منة وتفضل احد للحصول عليها, والاستغناء عن منصب رئاسة الجمهورية . هذا مرهون بالتوافقات السياسية بين الاحزاب الكوردية التي تبدو اكثر تفاهمًا فيما بينها من بقية احزاب المكونات الاخرى .
الخلاصة :
واضح مما طرح في سياق المقال , فأن تلك التحولات في المواقع الرئاسية ان حصلت فهي لا تعدو عن كونها تدوير في مواقع رأس السلطات مع الابقاء على العرف السياسي دون اخذها حتى للتمثيل النيابي المقبل . ان عملية منح المناصب الرئاسية للمكونات وبحسب من اتفقت عليها الكتل السياسية ستستمر في شكلها الحالي اي بمعنى منح العرب السنة لمنصب رئاسي في السلطة مهما كانت حظوظهم الانتخابية وهكذا بالنسبية للكورد والشيعة ايضًا . اذا ان التجربة الديمقراطية في العراق قد كرست المحاصصة الطائفية بين المكونات وانتجت نظام سياسي اقصائي لمكونات لن تستطيع التواجد في رأس السلطات مهما كان تمثيلها او ونجاح زعامتها في القيادة والولاء للوطن. ربما سيفضي توجه الكورد للحصول على منصب رئاسة البرلمان في تحقيق بعض المكاسب ومعالجة الازمات مع بغداد من خلال السلطة التشريعية . في المقابل ان سعي بعض القوى السنية الحصول على منصب رئاسة الجمهورية لن يكون ذو اثر ايجابي على المناطق العربية السنية ولا سيما انها قد تسنمت منصبًا سياديًا ولن ينعكس ذلك بألايجاب على واقع حال المكون وهذا ان حصل يجب ان يتصدر المشهد زعامة سياسية غير مجربة اي انها لم تتقلد اي منصب سيادي في المراحل السابقة . ان كل التحولات المفترضة فيما طرح مرهونة بالتوافقات السياسية وكذلك الاطراف الاقليمية والدولية المؤثرة على جزء من القرار السياسي في العراقي . هل ترضى تلك الاطراف بما يريده ساسة البلاد في المرحلة المقبلة ام انها ستفرض “فيتو” على رغباتهم وطموحاتهم ؟