العد التنازلي قد بدأ نحو إنتخابات مجالس المحافظات والايام المتبقية حساسة جدا من الناحية الامنية والسياسية. مرحلة جديدة في انتظار العراق اذا جرت الامور على ما يرام واجريت الإنتخابات في موعدها المحدد. بالأخذ بعين الإعتبار الوضع العام في الشرق الاوسط ، والظروف الداخلية في العراق يمكننا القول بأن هناك على الاقل 6 اسباب لأن تكون السنة القادمة مليئة بالتوتر وان تحمل في جعبتها تحركات سياسية. اللتنافس بين الاطار التنسيقي والصدر، نضال جماعات المقاومة الإسلامية مع الحكومة، حرب غزة وديناميات السياسة الدولية، الى جانب وضع الاكراد والسنة من ضمن العوامل التي يمكنها ان تكون سببا وراء تعقيدات جديدة في العراق.
ديناميات الصراع الداخلي الشيعي
في مرحلة قبل الإنتخابات هذه هناك خلافين داخليين للشيعة مأثرين اكثر من غيرهم على العملية السياسية للبلد ومن المتوقع ان يكونا سببان لخلافات داخلية مستقبلا في العراق. الاول هو تنافس اطراف الاطار التنسيقي مع الصدر والثاني الإختلافات الداخلية لجماعات المقاومة الإسلامية.
يطالب الصدر بإضراب الإنتخابات في حين ان اطراف الإطار التنسيقي ينظرون الى هذه الإنتخابات كفرصة ذهبية والتي بإمكانها ان تكون استعدادا للإنتخابات البرلمانية القادمة. لكن هذه القضية ليست مجرد خلاف سياسي، بل تحولت إلى صراع بين الجماعات في بعض الأماكن. شهدت بعض التشنجات في محافظة البصرة وميسان وبعض اماكن بغداد ايضا. نظريا اذا كانت النجف مثلا لا تحدث فيها تلك التشنجات الداخلية الشيعية ومحمية بسبب مكانة آية الله السيستاني اذا من الممكن ان تحدث تلك التشنجات في الكثير من المحافظات الجنوبية على سبيل المثال ذي قار. احتمالية فوز قائمة المالكي او احتمالية الفوز بمنصب المحافظ لبعض الصدريين القدامى من عصائب اهل الحق سوف يضعف مكانة الصدر اكثر. وبخلاف ان البعض يضن بأن هذه الإنتخابات يمكنها ان تحسم ميزان القوى السياسية الشيعية من الظاهر ان المنافسة ستدخل في مرحلة اخرى. الصراعات الداخلية بحد ذاتها ستستمر بسبب وجود عدد من القادى الشباب الذين تتراوح اعمارهم بين 46-53 عام، ايضا مع ضعف السلطة التقليدية الشيعية ستبقى حية لسنوات ابعد. لذلك على الاغلب وعاجلا ام آجلا سيلجأ الصدر الى الشارع مجددا اذا لم يتم الإتفاق معه.
وبالرغم من ان في البدايات كان يتم استخدام اسم "المقاومة الاسلامية العراقية" كإشرة للجماعات التي يتكون منها، لكن لاحقا اتضح ان تصرفات الذين داخل الحكومة تختلف عن الذين خارج الحكومة ةثل كتائب حزب الله والنجباء. ولا يظهر ان تكون ذلك فقط خطة لتبرئة الحكومة من اي تصرف ضد اميريكا. غالبا رغبة الظهور كقائد جديد للمقاومة الإسلامية لبعض من قادة تلك الجماعات شيء ملفت بالاخص ان الآن مثل هادي العامري وقيس الخزعلي وغيرهم وبسبب مشاركتهم في الحكومة، مجبرون على ان يكون بالهم ايضا عند الحفاظ على الحكومة التي هم شركاء فيها. عدا ذلك لن يتركوا الصدر وحده في ميدان معاداة امريكا، لا شك اذا استمرت الهجمات المتتالية على القواعد الامريكية ستزيد احتمالية المواجهة بين تلك الجماعات مع حكومة السوداني من ناحية ومن ناحية اخرى ستزيد رغبة تلك الجماعات المسلحة لقلب محاولاتهم ضد الامريكيين لمصالحهم السياسية. وذلك في المستقبل غالبا سيترجم كنقطة ضعف لحكومة السوداني.
النقطة الاخرى تتعلق بنسبة مشاركة المواطنين في الانتخابات وإحتمالية وجود اعتراضات. بالطبع لا نستطيع ان نتطرق لموضوع نسبة مشاركة الناخبين في المحافظات الجنوبية لان طبيعة هذه الإنتخابات تختلف عن طبيعة إنتخابات 2021. المنافسة في الإنتخابات الحالية هي على المستوى المحلي وذلك بإمكانه ان يكون سببا لمشاركة المواطنين بدوافع سياسية وإجتماعية وقبلية. لكن مع ذلك اصوات المضربين عن الإنتخابات ليست قليلة. اذا كانت نسبة مشاركة المواطنين في هذه الإنتخابات اقل من السابق اذا ليس من المستبعد ان تكون هناك موجة من الإعتراض في الشارع.
مسألة التغيرات السياسية والدستورية
بعد مظاهرات تشرين شكل مجلس النواب لجنة لتعديل الدستور، بالرغم من فشل تلك المحاولة إلا ان كان ذلك جزء من اجندة حكومة السوداني والذي كان من المفترض ان يسلموا مقترحاتهم لتعديل الدستور في اكتوبر العام الجاري. في اكتوبر السنة الماضية ايضا لم تفعل الحكومة ذلك. على الاغلب عدم اتفاق الاطراف على كيفية التغييرات هو سبب رئيسي لتأجيل تلك المسألة التي من المتوقع ان تكون ضمن جدول الاعمال السنة القادمة. الامين العام لعصائب اهل الحق صرح من قبل بأن هناك حوالي 60 مادة في الدستور تحتاج الى تعديل. مجموعة اخرى من القادة الشيعة طالبوا بتغيير الدستور بسبب مشاكل مابعد الإنتخابات ايضا بسبب المشاكل بين اربيل وبغداد.
وبين هذا وذاك رئيس السلطة القضائية فائق زيدان هو احد الاشخاص الذين يجب الوقوف عند آرائهم لمعرفة مالذي يجري. وأصبح زيدان، الذي يتمتع منصبه في السلطة القضائية بصلاحيات واسعة، لاعبا مهما في السياسة الداخلية العراقية. صرح من قبل بأن تعديل الدستور اصبح كضرورة سياسية. كان مبرره الرئيسي ان بسبب القيود الدستورية احيانا تكون هناك ازمات سياسية في البلاد.
ممكن الا يكون هناك اعتراض بشكل عام على تعديل بعض المواد الدستورية لكن هناك خوف من الرغبة في اعادة السلطة الى المركز. لذلك مسائل تقليل صلاحيات مجلس المحافظات المسائل المتعلقة بإقليم كوردستان وبغداد والنظام السياسي للبلاد ضمن قائمة المسائل التي اذا لم يتم الإتفاق عليها ستخلف تعقيدات من بعدها.
السياسة الإقليمية والتشنجات مع اميريكا
احد العوامل الاخرى التي بإمكانها ان تعقد الوضع في العراق، الحرب في المنطقة والتشنجات مع امريكا. لحد الان الهجمات المتبادلة بين الامريكان والجماعات الشيعية المسلحة تحت السيطرة. بالطبع الموقف الامريكي من الحرب في غزة هو مبرر للجماعات المسلحة لكي تعمل بجد لطرد الامريكان نهائيا من العراق. استمرار هجمات الجماعات المسلحة اما انها ستجر امريكا للإنسحاب من العراق على المدى الطويل وبالتالي الإنسحاب ايضا من سوريا او انها انها ستفتح الطريق لحرب مكثفة بين امريكا والجماعات المسلحة وذلك يعني دخول قوات اكبر هذا وبالرغم من ان هناك الان اكثر من 10 الاف جندي في العراق وسوريا. في تلك الحالة لاشك ان الحكومة العراقية ايضا ستتورط. في حال حدوث اي من تلك الإحتمالات ستكون هناك تشنجات على الصعيد الداخلي العراقي.
اذا استمرار الحرب في غزة بإمكانه ان يزيد التوترات في العراق وسوريا. زيارة بوتين الى الخليج والسياسة الصينية في الشرق الاوسط تعني اهمية امن الطاقة وامن دول الخليج بالنسبة للصين وروسيا. وأرسلت الصين، إحدى أكبر مشتري نفط الخليج، ست سفن حربية إلى الشرق الأوسط بعد أيام من الحرب. وقال متحدث باسم الكرملين ان بوتين والأمير محمد بن سلمان ناقشا الحرب وقضايا حساسة أخرى في المنطقة. جاءت زيارة ابراهيم الرئيسي إلى موسكو وسط محادثات بشأن طائرات سوخوي 35 ومروحيات روسية وصواريخ باليستية إيرانية، وإذا نجح هذا، فسوف يأخذ التعاون الدفاعي الروسي الإيراني إلى مرحلة جديدة. وبطبيعة الحال، فإن تصرفات الحوثيين والجماعات الموالية لإيران في المنطقة هي جزء من استراتيجية أوسع لا يمكن أن تتجاهل مصالح الصين وروسيا.
وضع الكورد والسنة
مسألة الميزانية بين بغداد وإقليم كوردستان في طريقها للخروج من تعلقها بمسألة النفط او الامور المالية. وحتى إصدار القروض، التي يمكن حلها بعد المشاكل بين الجانبين حول النفط والمالية، خلق مشاكل كثيرة. الحكومة ومن خلال سياسة سأرسل القرض ولن ارسله لن تخسر رضا حكومة الاقليم بالكامل ايضا ستلعب دورا فعالا في إبقاء الإختجاجات الداخلية حية في اقليم كوردستان. وقد تكون هذه القضية مرتبطة بشكل مباشر أيضًا بالانتخابات البرلمانية الكوردستانية المقبلة. يبدو أن الاستراتيجية الرئيسية لبعض الجماعات السياسية في بغداد تتمثل في عدم إجراء انتخابات برلمانية بعد، وإذا كان الأمر كذلك، فإنها تهدف إلى إضعاف موقف الحزب الديمقراطي الكوردستاني باعتباره الحاكم الحالي للحكومة. إن الفشل في إجراء الانتخابات في فبراير من العام المقبل سيثير مسألة شرعية مؤسسات حكومة إقليم كوردستان. تضخيم قضية الشرعية مع إحياء مشاكل الميزانية يمكن أن يمهد الطريق لمزيد من التدخل السياسي والقانوني في إقليم كردستان واذا استمرت الخلافات بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني ستكون ارضية مناسبة لنجاح تلك السياسة.
ما عدا وضع اقليم كوردستان المكانة المستقبلية للحلبوسي رئيس البرلمان السابف ايضا تنافس الاطراف على السيطرة على الانبار التي لديها مكانة مهمة للسياسة الداخلية وايضا الخارجية يمكنه ان يكون سببا اخر للتشنجات.
يمر العراق بنقطة تحول في سياسته الداخلية والخارجية. الصراعات الشيعية الداخلية تمضي نحو مرحلة جديدة. ايضا العلاقات الكوردية السنية وبعد عقدين من الزمن ها هي تمضي نحو عصر جديد. ومع ذلك وضع الشرق الاوسط والعالم في تغير. ما تم ذكره سابقا يمكنه ان يعكس صورة مستقبل العراق. بالطبع اذا تم منع السياسات الداخلية والخارجية الاحادية الجانب فقد يحدث العكس.