تحليل

أمن الطاقة السورية وتأثيره على قطاع الطاقة بإقليم كوردستان

22-11-2019


 

 

RRC |    

بهروز جعفر

منذ بدايات الأزمة السورية في ربيع 2011، تتسابق أمريكا وروسيا وتركيا وإيران داخل الأراضي السورية للوصول إلى صناعة النفط والغاز في هذا البلد. بل أن جذور الصراع في سوريا تمتد إلى السيطرة على المناطق الغنية بالنفط والغاز.

عانت سوريا من المشاكل على طول تاريخها، كما كانت أمامها فرص، نتيجة موقعها على البحر الأبيض المتوسط. فقد أضحت سوريا بوابة كل من العراق والأردن وإيران لبلوغ البحر الأبيض المتوسط.

ما هو أمن الطاقة؟ هو حماية الاحتياطي الطبيعي والحفاظ على مستواه العالي، وتسويقه ومراقبة أسعاره في سوق الطاقة، وهذا يؤثر بصورة مباشرة على الحياة السياسية والاقتصادية والإنسانية في البلد. ليس للنفط دور كبير في مستقبل سوريا وكان يشكل 20% فقط من مصادر الدخل الحكومية، وتشير مجلة النفط والغاز في عدد كانون الثاني 2015 إلى أن احتياطي النفط السوري يقدر بنحو 2.5 مليار برميل، والقسم الأكبر منه موجود في شمال شرق سوريا (المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية) وأن احتياطي الغاز الطبيعي هو 241 مليار متر مكعب أغلبه في وسط سوريا، وأغلب النفط الخام السوري هو من الخام الثقيل وهو حامضي، ما يعني الحاجة إلى أنواع خاصة من المصافي الأمر الذي يؤثر على سعره في السوق.

تعرض قطاع النفط السوري بعد الربيع العربي إلى مشاكل، وتراجع إنتاج وتصدير النفط الخام إلى الصفر تقريباً، وأصيب البلد بالعجز الشامل في عرض إمكانياته الهيدروكربونية ومنتجات المصافي. أضيف إلى ذلك العقوبات الأمريكية والأوروبية على النفط السوري والتي زادت من تحييد الإمكانيات النفطية السورية. وصل مستوى إنتاج النفط في سوريا هذه السنة إلى 24 ألف برميل يومياً ما يعادل ما بين 20 و25% من الحاجة المحلية، بينما كانت سوريا قبل الأزمة تنتج 370 ألف برميل من النفط يومياً. طوال فترة الأزمة كانت إيران توفر المحروقات للحكومة السورية، لكن هذا الدعم الإيراني انتهى بعد فرض أمريكا العقوبات عليها.

جيوسياسة الطاقة… ربط أنبوب كوردستان الناقل بالبحر الأبيض المتوسط

جيوسياسة الطاقة: يعني تأثير الموقع الجغرافي السياسي على الطاقة (الطاقة لا تقتصر على النفط والغاز الطبيعي بل هناك الماء أيضاً). يقع إقليم كوردستان والعراق عموماً بين ثلاثة أحواض كبيرة: حوض قزوين من الشمال والشرق وتلعب فيه روسيا وإيران وأذربيجان دورها (تمتلك روسيا وإيران أول وثاني أكبر احتياطي للغاز عالمياً). بحر قزوين هو أكبر بحر مغلق عالمياً، ومنطقته تعج بالتصادمات المختلفة. الحوض الثاني هو حوض الخليج، وقد بات مصدراً لعدم الاستقرار السياسي وغياب الأمان السياسي والأمني، ليس لإقليم كوردستان بل للعراق بصفته دولة خليجية، هذا الحوض خاضع في أغلبه لهيمنة إيران. الحوض الثالث هو حوض البحر الأبيض المتوسط.

يقع أغلب دول جنوب ووسط أوروبا على البحر الأبيض المتوسط، ولكل من مصر وقبرص وإسرائيل حدود مائية مشتركة، ويستخرجون النفط من شواطئ البحر وتدافع أمريكا عنهم بشدة، في 13 تشرين الثاني 2019 وجه الاتحاد الأوروبي تحذيراً شديداً لتركيا بشأن مسألة استخراج الغاز الطبيعي من قبرص التركية. تتعاطف دول شرق المتوسط جميعاً مع الكورد، وترى مصلحتها في إغناء الكتل النفطية والغازية وتتطلع إلى وصول أنبوب كوردستان الناقل إلى أوروبا عبر أقصر الطرق.

كانت تركيا خاضعة لسيطرة الأتراك العثمانيين لقرون، وبعد الحرب العالمية الأولى أخضعت عصبة الأمم سوريا للانتداب الفرنسي. ثم حصلت بعد الحرب العالمية الثانية على استقلالها السياسي كدولة، لكنها لم تنج من رقابة وتدخلات القوى الدولية. عندما فازت بريطانيا بعد الحرب العالمية الأولى بالعراق ونفطه، مدت سنة 1935 أنبوب الموصل – حيفا عبر الأراضي السورية والذي كان ينقل نفط كركوك والمناطق الكوردية في العراق والموصل إلى البحر الأبيض المتوسط.

من هنا يتبين لنا أن الجانب الستراتيجي للنفط السوري لا يكمن في الحجم الكبير للاحتياطي، بل أن الأهمية الكبرى للنفط السوري تكمن في موقعها بين الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط واستطاعتها توفير الوقود يومياً لكل السفن البريطانية والأمريكية والإسرائيلية في البحر الأبيض المتوسط. فكل الآليات العسكرية للدول الكبرى ودول المنطقة بحاجة إلى الطاقة وسوريا منطقة قريبة وتقع في قلب الأحداث، وتستطيع تزويدها بالطاقة وهي في مواقعها. الأهمية الأخرى لسوريا (وشمال سوريا بالتحديد) هي إمكانية نقل نفط كركوك وإقليم كوردستان عبرها إلى البحر المتوسط، وبهذا تصبح المنطقة برمتها من مصر وقبرص وإسرائيل وسوريا والعراق كتلة كبيرة للطاقة على البحر المتوسط خاضعة للرقابة الدقيقة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.

في العراق، مازال نفط كركوك ينقل عبر أنبوب كوردستان إلى ميناء جيهان التركي على البحر المتوسط، والوضع الداخلي لكركوك ليس في صالح الكورد. فمن بين 14120 موظفاً في شركة نفط الشمال بكركوك يوجد 1600 موظف كوردي فقط، ومن بين 12 هيئة في الشركة ليست هناك هيئة للكورد، ومن بين 52 قسماً يرأس كورد أربعة أقسام فقط، ومن بين 800 وحدة هناك 52 وحدة كوردية، ومن 280 شعبة هناك 26 شعبة للكورد.

أما عن الانتاج اليومي، فقد تراوح في تشرين الثاني 2019 بين 370 و380 ألف برميل يومياً يستهلك أغلبه في الداخل ويتم نقل جزء بسيط منه عبر أنبوب كوردستان الناقل للنفط إلى تركيا، وبين الفينة والفينة يعلن مسؤولو وزارة النفط العراقية من خلال وسائل الإعلام أنهم سيمدون أنبوباً ناقلاً للنفط من كركوك إلى تركيا، ويجري العمل في الأنبوب منذ زمن بعيد.

دور روسيا

ينحصر عمل روسيا في إقليم كوردستان في الاقتصاد في أغلبه، بينما عملها في سوريا اقتصادي وعسكري. هناك صفقة منذ شباط 2017 بين روسيا وإقليم كوردستان لإنتاج وتسويق طاقة إقليم كوردستان، لكن ليس لها دور يذكر في جغرافيا حقول كركوك النفطية.

يتركز الوجود الروسي في سوريا وبالدرجة الأولى في طرطوس، شمال غرب سوريا. تكمن أهمية طرطوس في أنها تقع على البحر الأبيض المتوسط ويمكن لكل العالم العربي وأوروبا ومنطقة البحر الأسود أن يصلوا إليها. طرطوس هي المكان الوحيد في سوريا الذي تتواجد فيه قوات عسكرية وغواصات وحاملات طائرات وطائرات حربية وفرق تجارية روسية.

أعلن نائب رئيس الوزراء الروسي، يوري بوريسوف، في نيسان 2019 أن موسكو اتفقت مع الحكومة السورية على البقاء في طرطوس 49 سنة، إضافة إلى عقود لتطوير الحقول النفطية السورية بينها وبين حكومة بشار الأسد.

ختاماً، ولكي تتمكن كوردستان من تحويل مخاطر هذه الظاهرة الجديدة في اللعبة الجيوسياسية إلى فرصة، ولتحويل أمن طاقة كوردستان إلى مستوى عصري، عليها على الأقل أن تمتلك نظرية للتعامل مع الظاهرة الجديدة في العلاقات الدولية التي تعرف بالعلاقات الاقتصادية السياسية، فمثلاً منذ العام 2013 تعمل شركة بريتش بتروليم في نفط كركوك، وقد شيدت منذ ثلاث سنوات مبنى عصرياً داخل الشركة وهي منكبة على البحث والتنقيب. هل للكورد مركزا بحث في كركوك وأطرافها؟ ها نحن نرى أنه مع تقدم صناعة النفط واستخراجه وتصفيته في إقليم كوردستان، تزداد المشاكل المالية والسياسية والإنسانية!

 

بهروز جعفر: رئيس معهد الشرق الأوسط للدراسات الإقليمية وطالب دكتوراه في العلاقات الاقتصادية الدولية.

Share this Post

تحليل