تحليل

أوروبا والسلام المستدام في فلسطين وكوردستان

28-05-2024


وعدت 3 دول اوروبية بالإعتراف بإستقلال دولة فلسطين في 28 من هذا الشهر، وإذا حدث ذلك فستكون مجموع الدول الأوروبية التي تعترف بفلسطين  10 دول. في الواقع هناك الكثير من الدول الأخرى التي اعترفت بدولة فلسطين لكن اعتراف الدول الأوروبية مهمة لأن جزءا كبيرا من المشاكل العرقية التي مازالت جارية في الشرق الأوسط الى اليوم سواء كانت في فلسطين ام في كوردستان نتيجة تدخلات المستعمرين الأوروبيين. بعد 7 اكتوبر اصبح موضوع إقامة دولة فلسطين ليس من الأمر الذي يمكن إهماله، لأنه اثبت للعالم اجمع بأن سياسة تقسيم الحركة الفلسطينية لن تنجح على المدى الطويل ولا قوة إسرائيل ستكون كافية لحماية إسرائيل، لأنه الآن هو عصر قوة الضعفاء ايضا! ذلك ما عدا ان كثير من دول القوى العظمى تأكد على حل المسألة من قبل الدولتين، لكن السؤال الرئيس في هذه المسألة هو ان كيف يمكن لهذا التغير في سياسة الدول الأوروبية بخصوص دولة فلسطين التأثير على القضية الكوردية؟

خلال اكثر من 7 قرون مضت كانت القضية الفلسطينية متداولة في العالم اكثر بكثير من القضية الكوردية  وذلك في حين ان القضية الكوردية اكبر من حيث العدد وايضا من حيث التأثير. بحسب بحثي عن بيانات الصراعات العسكرية(UCDP)  بين عامي 1946-2022، كان هناك 66 صراعاً في الأراضي الفلسطينية، أي 66 عاماً من الحرب، لكن عدد أهم الصراعات العسكرية المتعلقة بالقضية الكوردية في الشرق الأوسط كان 100 سنة وذلك بسبب زيادة عدد اجزاء كوردستان. ومن ناحية الصراع والضحايا كانت القضية الكوردية اكثر قضية عرقية دموية في الشرق الأوسط. بحسب تدابير التبعية للحرب اي صراع عسكري خلال سنة واحدة راح ضحيته اكثر من 1000 شخص يعتبر حربا، أما تلك التي تتراوح عدد الضحايا فيها بين 25-999 شخصًا سنويًا فتُعتبر صراعات بسيطة. وبحسب ذلك تعتبر فقط 2 من الإشتباكات الفلسطينية حربا من مجموع 66 إشتباك، في حين ان عدد 22 من الإشتباكات الكوردية تعتبر حروبا، وهذا يعكس العدد الكبير من الضحايا الأكراد.

وبحسب بيانات دعم الصراع، بين عامي 1975 و2017، تلقت 10 منظمات فلسطينية مساعدات خارجية 178 مرة في 203 نزاع. وخلال الفترة نفسها، تلقت التنظيمات الكوردية مساعدات خارجية 95 مرة خلال 188 اشتباكًا. ومع ذلك، كانت المساعدات المقدمة للأحزاب الكوردية تتعلق أكثر بالسماح باستخدام الأراضي، في حين انها كانت تمنح المساعدات المباشرة والأسلحة والتدريب للحركات الفلسطينية. ومنذ عام 1988، اعترفت 139 دولة باستقلال فلسطين وفي عام 2012، تم قبول فلسطين كمراقب لدى الأمم المتحدة. أصدر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة 95 قرارًا منذ عام 2006، وأصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 296 قرارًا، وأصدرت المنظمة  حتى الآن899 قرارًا بشأن فلسطين وهذا يوضح كيف ظلت القضية الفلسطينية نشطة على جدول الأعمال العالمي طوال العقود السبعة الماضية. وفي المقابل،  القرار الأكثر أهمية بشأن القضية الكوردية كان قرار688 لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. لا شك أنه بموجب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والقانون الدولي، من حق فلسطين أن تصبح دولة، وكثير من الناس يدركون ذلك، لكن عندما يتعلق الأمر بالقضية الكوردية، تتغير القصة.

واحياناَ كان تأثير القضية الفلسطينية على القضية الكوردية مختلف وبالأخص في الستينييات من القرن الماضي حيث كان جمال عبد الناصر يستقبل البارزاني ويطلب من العراق ان يعطى حق الحكم الذاتي للكورد. كان العرب على خلاف مع إسرائيل في ذلك الحين لذلك كان البعض منهم يعتقد بأنه لا يفترض الإنشغال بالقيضة الكوردية. لا اعلم ما اذا كانت ستصلنا يوما ما معلومات سرية حول ما اذا كانت هناك علاقة بين قرار 3236ن للهيئة العامة للأمم المتحدة وإستقلال فلسطين عام 1974 ونكسة الثورة الكوردية عام 1975 ام لا، لكن اصدر قرار إستقلال فلسطين في اواخر عام 1974 وبعد 4 اشهر فقط توقفت إيران والولايات المتحدة عن دعم الكورد والذي ادى إلى فشل الثورة الكوردية. ومنذ ذلك الحين، لم تصبح فلسطين دولة، ولا نجحت الثورة الكوردية!

بعد السابع من اكتوبر القضية الفلسطينية شغلت الساحة من جديد واما القضية الكوردية  والأكراد الذين كانو حتى سنين قليلة قبل الآن يعرفون كأبطال حرب ضد الإرهاب اختفوا عن الأنظار. بالطبع إقامة دولة فلسطين سيفتح الطريق لظهور القضية الكوردية مجددا بشكل واسع في الشرق الأوسط، لذلك بقدر ما إسرائيل لا تريد الوفاق ايضا هنالك دول اخرى في المنطقة لا تريد ان تُحسم القضية الفلسطينية، وهذا بسبب التأثير المفترض وقوعه على القضية الكوردية ايضا. تجربة الحرب الإسرائيلية – الفلسطينية فيها كم من الدروس للقضية الكوردية ايضا:

اولًا: حل هذه القضية ليس عسكريا. خلال 76 عام مضت حارب الفلسطينييون 66 عاما ولم يتمكنوا بذلك إقامة دولة. ايضا لم تستطع إسرائيل ان تكسب المعارك وان تنتهك حقوق الفلسطينيين بالكامل. ذلك صحيح ايضا بالنسبة للقضية الكوردية. من مجموع التحركات الكوردية خلال 100 عام من القتال لم يستطع الكورد الحصول على حق سياسي كبير بتلك الطريقة سوى في عام 1970. الأخرى كان ورائها دوافع سياسية وجيوسياسية اخرى. بالطبع لم تستطع اي دولة ان تمحو الكورد سواء كان ذلك في اوائل العشرينييات من القرن الماضي حيث كان عدد الأكراد في الشرق الأوسط لا يتجاوز 4 ملايين نسمة او الآن حيث يتوقع ان يكون العدد 30-45 مليون نسمة.

ثانيًا: القوة وفرض الذات لا تضمن الحماية وحدها لأي دولة. تريد إسرائيل وبدعم من اكبر دولة في العالم ومن خلال اكثر الأسلحة تقدما ان تفرض قوتها. لا شك بأنها تستطيع فعل الكثير لكن ذلك لن ينجح على المدى الطويل. حتى وان تمكنت من القضاء على حماس فسوف تظهر جماعات اكثر تطرفا في المستقبل. ذلك حرفيا صحيح بالنسبة للقضية الكوردية ايضا. بإمكان دول المنطقة الآن وبالإعتماد على الأوضاع الداخلية للكورد ان تضغط إقتصاديا وعسكريا ومن خلال إتفاقيات عسكرية ثنائية ومتعددة الأطراف ان يقمعوا الأكراد مثل ما هو جارٍ الآن. وحتى بإمكانهم تحقيق اهداف كثيرة من التي حددوها من قبل، لأن مثل ما حدث في 1920، 1975، 1990 و 2017 الغرب ادار ظهره للاكراد مجددا  او على الأقل ليس داعما كما اعتاد، لكن لا شك ان هذه القضية ولو تم تسكيتها الا انها مسألة في غاية الأهمية ومتعلقة بهوية الشرق الأوسط وستظهر عاجلا ام آجلا من جديد. قُمعت الحركات الكوردية في اواخر الثلاثينييات من القرن الماضي من قبل العراق وتركيا وايضا بعد الحرب العالمية الثانية ايران، لكن ظهرت تلك التحركات وبقوة اكبر في  العراق من الستينييات وفي تركيا في نهاية السبعينييات وفي إيران في الثمانينييات وهي مستمرة الى آننا.

ثالثاً: لم تنجح سياسة إسرائيل في توزيع الحركات السياسية العسكرية في فلسطين بين فتح وحماس مثل سياسة التوزيع مع الأكراد وخصيصا بين الإتحاد الوطني والحزب الديمقراطي لن ينجح ايضا. إن الجهود المبذولة لحل القضية الفلسطينية، على الرغم من استياء إسرائيل، من الممكن أن تساهم في نهاية المطاف في تعزيز السلام والاستقرار، تماماً كما تخلف الجهود الرامية إلى حل القضية الكوردية نفس التأثير. وإذا كانت دول المنطقة تطالب بالإستقرار والسلام، فلا خيار أمامها سوى التوصل إلى اتفاق مع الأكراد ويمكن للعراق الفيدرالي( كما ينص الدستور) ان يكون انموذجا جيدا إذا لم يوجه بشكل خاطئ.

وقال رئيس الوزراء الإسباني، الذي من المقرر أن يعترف باستقلال فلسطين إلى جانب أيرلندا والنرويج يوم الثلاثاء، إنه يتخذ قرارا كهذا من أجل السلام والعدالة والاستقرار. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت هذه الخطوة ستمهد الطريق في نهاية المطاف أمام أوروبا للعمل كاتحاد من أجل الاستقلال الفلسطيني ام لا،لأن القوى الرئيسية في الاتحاد الأوروبي، ألمانيا وفرنسا، لا تزال تصر على حل للدولتين من خلال الحوار، وهو ما يعني بشكل غير مباشر أن إسرائيل يجب أن توافق على ذلك،  لكن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قال إنه لم يعد من المحرمات الحديث عن الاعتراف بدولة فلسطينية  حتى من دون حوار.

هذا تغير بأتجاه صحيح، وذلك بعد المسؤولية التاريخية التي تتحملها فرنسا وبريطانيا تجاه القضيتين الفلسطينية والكوردية، والتي تسببت بالإضافة إلى نتائجها السياسية في عشرات الكوارث الإنسانية وتستحق الاعتذار الرسمي. إن أوروبا الحالية التي تعتبر نفسها رائدة في الديمقراطية وحقوق الإنسان، من مصلحتها دعم حل القضيتين الكوردية والفلسطينية من أجل منع الإرهاب واللاجئين وعدم الاستقرار، وباعتبارها وريثة للسياسة الاستعمارية البريطانية الفرنسية في أوائل القرن العشرين، فإنها تحمل على عاتقها مسؤولية سياسية وأخلاقية، ولا تستطيع أن تختبئ من هذه المسؤولية بحجة حماس أو مشاكل غياب الديمقراطية في السياسة الكوردية، لأنه من الواضح كيف تتعامل الأنظمة السياسية الأكثر غير ديمقراطية في العالم من أجل مصالحه الخاصة.

جهود أوروبا لدعم القضية الفلسطينية امر جيد جدا، لكن في الواقع السلام والعدالة والاستقرار في الشرق الأوسط سيبقى ضعيفا دون حل القضية الكوردية. وينقل ديفيد فرومكين عن ضابط بريطاني في بداية كتابه قوله: "بعد حرب أنهت كل الحروب، صنعوا سلاماً دمر كل السلام"لقد مضى أكثر من مائة عام على تلك المصالحة غير المصالحة، وما زالت المشاكل قائمة، لذا نحتاج هذه المرة إلى مصالحة تكون  مصالحة حقيقية!.

Share this Post

تحليل