RRC |
زریان رۆژهەڵاتی|
ما يجري الآن في العراق مرتبط بإيران ارتباطاً وثيقاً. حيث أنه يستطيع أن يؤثر على المكانة الدولية والأوضاع الداخلية لهذه الدولة. لكن كيف سيكون هذا التأثير وما هي نتائجه المرتبطة بإقليم كوردستان؟
الرؤية الإيرانية للمظاهرات
رأى المسؤولون الإيرانيون في الجولة الأولى لمظاهرات “الربيع العربي” صحوة إسلامية لشعوب المنطقة، لكنهم يرون الاحتجاجات الحالية في لبنان والعراق فتنة! ويجري تكرار هذا بصور مختلفة من قبل قوى معروفة بتحالفها مع إيران. لا شك أن وراء كل واحد من هذه المفاهيم مصالح وحسابات سياسية وجيوسياسية مخفية. فرغم أن الجولة الأولى لمظاهرات “الربيع العربي” امتدت حتى جنوب العالم الإسلامي – العربي، لكن التغييرات الجذرية التي أحدثتها كانت في أفريقيا والمناطق السنية لا غير. في السنة الحالية، هزت مظاهرات جماهيرية السودان والجزائر ومصر ولبنان والعراق ويمكن وصفها بالجولة الثانية لمظاهرات الربيع العربي، لكن يبدو أن ثقل الحراك هذه المرة يتركز في الجغرافيا الشيعية وهو بالذات ما يجعل مسؤولي طهران يصفون ما يجري بالفتنة والتدخل الخارجي في أحداث العراق.
لا تتوفر مؤشرات وبيانات قوية تدعم رأي المسؤولين الإيرانيين وتثبت وجود يد خارجية تحرك المظاهرات العراقية. فليس لأمريكا ولا إسرائيل ولا السعودية قاعدة جماهيرية تستطيع تسيير مظاهرات. إذ لو كانت تملك تلك القاعدة لما كانت تركيبة السلطة ووضع الحكم في العراق بصورة تصب في مصلحة إيران. قد يكون المتظاهرون عاملاً قادراً على تغيير اللعبة فيما يتعلق بالنظام السياسي الذي تشكل في العراق بعد صدام حسين، ومال في غالبه إلى جانب إيران.
المظاهرات فرصة وفي نفس الوقت عقبة في وجه أمريكا وإسرائيل والسعودية، فلا شك أن فائدة المظاهرات لموازنة النفوذ الإيراني في العراق ستستمر مادامت لا تضر بالاستقرار ولا تمهد لبروز الإرهاب من جديد. ربما يفيد سخط المتظاهر العراقي على إيران، في موازنة النفوذ الإيراني لكن إذا بلغت الأمور حد زعزعة الاستقرار وظهور فراغ سلطة، فقد تتضرر الدول الثلاث أيضاً. فإن كان ثمن إعاقة النفوذ الإيراني هو ظهور داعش جديد وانتشاره في بعض دول الخليج أو حرب أهلية لا شك أنه لن يكون في صالح الدول الثلاث.
لماذا إيران متضررة من المظاهرات العراقية؟
أبعدت حرب 2003 خصماً إقليمياً كبيراً عن إيران، وأخلى الانسحاب الأمريكي في 2011 الساحة العراقية لطهران. هناك قلة تنفي أن إيران منذ ذلك الحين هي الفائز الأكبر من التغييرات السياسية وتركيبة الحكم في العراق. العراق وإيران جارتان ذاتا تجربة خصام طويلة. تركزت كافة جهود إيران، بعد صدام حسين، على أن لا يقوم في العراق نظام مركزي قوي، حيث أنه على الرغم من الشراكة المذهبية بين طهران وحكومة بغداد، لا توجد ضمانات بأن لا تنقلب بغداد على طهران بعد حل مشاكلها. ربما يبدو هذا معقداً بعض الشيء، لكن إيران كانت في مقدمة الدول التي فتحت لها قنصلية في إقليم كوردستان وأيدت اللامركزية في العراق. لا شك أن ذلك لم يكن من أجل الكورد ولا من أجل الديمقراطية، بل لكي لا يظهر صدام حسين جديد في العراق.
من المظاهر المشهودة لمظاهرات تشرين الأول، العدد الكبير من الأعلام العراقية، ويمكن أن أقول بين قوسين إن هذا كان غائباً في مظاهرات 2011 بإقليم كوردستان. هذا المشهد يدل على ازدياد قوة القومية عند المتظاهرين والجماهير الشيعية العراقية. الالتفات إلى القومية بدلاً عن المذهب ورفع شعار “نريد وطن” مناف للسياسة التي تؤكد على الشراكة المذهبية بدلاً عن القومية. لا شك أن أي حكومة ونظام سياسي يقومان على مطلب المتظاهرين هذا، أو إذا جرت الأمور على المسار الحالي، سيتقلص النفوذ الإيراني في العراق.
قبل فترة من الآن أكد المرشد الإيراني علي خامنئي على مواصلة سياسيات “الجغرافيا الدفاعية” خاصتهم والذي يمكن أن يكون على الأقل إشارة إلى العراق وسوريا ولبنان. لكن الأوضاع الحالية في سوريا والمظاهرات في العراق ولبنان، وضعت النفوذ الإقليمي الإيراني عند نقطة تحول قد تكون بداية لتقلصه. يأتي هذا في وقت تتعمق فيه مشكلة البرنامج النووي الإيراني، وهو خبر غير سار لطهران.
ثم نقطة أخرى، وهي أنه في حال أدت المظاهرات إلى حرب أهلية شيعية – شيعية، فإن إيران ستخسر مكانتها كمرجع جامع للشيعة في العالم، ومن المحتمل جداً أن تتصاعد الخلافات خافتة الصوت ولكن الدائمية بين حوزة النجف وحوزة قم. لذا وطالما كانت السياسة الخارجية الإيرانية تجاه العراق تعتمد البعد المذهبي، فإن الحرب الأهلية الشيعية – الشيعية لن تكون في صالح طهران، على الأقل في الفترة الحالية.
مسألة أخرى تقلق طهران، وهي حدوث تأثير الدومينو للأحداث العراقية على إيران. فتدهور الوضع الاقتصادي وازدياد الصراع الداخلي بين أجنحة السلطة والانتخابات البرلمانية في السنة القادمة والتي يتوقع أن تزيد التجاذبات بين الأطراف، تحمل احتمالات بروز السخط وانطلاق مظاهرات، ويمكن لاستمرار أحداث العراق أن تلعب دور المحفز لانطلاق الاحتجاجات داخل إيران. لذ تريد طهران الاستعجال في إنهاء المظاهرات العراقية.
النتيجة
ليس معلوماً بعد ماذا ستفعل المظاهرات بالنظام السياسي في العراق. لكن المعلوم هو أن الخروج من الوضع الحالي لن يكون في صالح إيران. فستزيد على المستوى الدولي من الشرخ في نفوذها الإقليمي وقد تزيد من الاحتجاجات في الداخل. أما إذا استعاد العراق قوته، أو على الأقل ضعف فيه النفوذ الإيراني، وأدى الوضع في العراق إلى اضطراب في الوضع داخل إيران، عندها ستزيد حاجة طهران إلى إقليم كوردستان. هذه فرصة لإقليم كوردستان لإجراء تغيير في علاقاته غير المتوازنة مع إيران. لا شك أنه يجب أن تكون لإقليم كوردستان علاقات مع الحكومات المختلفة، لكن عليه أن يفيد من كل الفرص لتعزيز أسس سلطته.