تحليل

درس من معركة حماس-اسرائيل: الضعفاء ايضا اقوياء!

10-10-2023


الجمعة الماضية شاهد العالم بذهول مشاهد الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار ونزول  مظليي حماس وتسلل مسلحيها للحرب ضد اسرائيل، اربكت حماس اسرائيل باستراتيجيتها الحربية الغير متزنة وتكتيكاتها المتعددة الابعاد. وكان العالم متفاجئا من الذي وقع فيه تل ابيب  بسبب سمعة جيشه وجهاز مخابراته. لاتزال المعركة مستمرة وهناك عدة اسألة متعلقة تنتظر الاجابة: كيف استطاعت قوة مثل حماس ان تغافل دولة مثل اسرائيل؟ هل في الماضي كانت هناك مبالغة في وصف قوة اسرائيل ام ان حماس عززت نفسها؟ ماذا سوف يكون مستقبل الحرب ؟ هل سوف تمتد لاماكن اخرى ام ستبقى ضمن حدودها الحالية؟ ما هي نتائج الجدل الدائر حول دور ايران المزعوم في دعم حماس في هذا الهجوم؟ ما هي العواقب السياسية والجيوسياسية للحرب؟

اذا اجبنا سريعا بشكل عام نستطيع ان نقول:

اولا:اسرائيل دولة قوية ولا يمكن الانكار بأنها مقارنة بدول المنطقة لديها جيش اقوى واكثر تسليحا لكن قد تم اغفالها وهذا مؤشر واضح لتغير طبيعة الحروب في القرن 21. بسبب تقدم التكنلوجيا من الان فصاعدا هو عصر قوة الضعفاء ايضا وليست القوة وحدها كافية لان تكون الدولة محمية.

ثانيا: الحروب تتصاعد عندما تكون مدعومة من ايران او جماعات اخرى مثل حزب الله  او الجماعات العراقية المسلحة بشكل مباشر. اميريكا واسرائيل امتنعت بان تقول بوضوح ان ايران متورطة بشكل مباشر. وهذا يعني على مايبدو ان الاطراف الرئيسية لا تريد تصعيد الحرب. ولكن يجب الا ننسى حقيقة ان حرب الاستغفال هو جزء من العقيدة العسكرية الاسرائيلية ويجب ان ننتظر ونرى ما ستفعله. لكن يجب علينا ان نتساءل ايضا: ماذا لو تريد الجماعات الموالية لايران ذلك حتى وان لم تكن اسرائيل تريد؟ لذلك في الحقيقة وبالرغم من ان اسباب توسع الحرب ليست واضحة الا ان الوضع حساس ويمكن ان يتحول الى حرب واسعة النطاق.

ثالثا: التداعيات السياسية والعسكرية لهذه الحرب يمكن ان تكون واسعة النطاق.

قوة الضعف!

بالرغم من  كل الغموض في حرب حماس واسرائيل ولكن هناك امر واضح وهو ان من الان فصاعدا هناك فرص ايضا للضعفاء والقوة وحدها ليست كافية لكي تكون الدولة او احد الاطراف محمية. وهنا العامل الرئيسي هو الانتشار السريع للتكنلوجيا الحربية والذي ادى الى زيادة قدرة الجهات الفاعلة التابعة للدول وغير التابعة لدول بعينها على العمل بشكل تغفيلي استراتيجي.

هجوم حماس اكد مقولة لميشيل هاندل "احد منظري الحرب" مفاده ان الاستراتيجية الهجومعية اكثر فائدة من الاستراتيجية الدفاعية، وذلك بسبب التغفيل الذي وفره التقدم في تكنلوجيا الحرب. وذلك يحمل اكثر من حكمة: السياسات الامنية والعسكرية لتغطية الامور الداخلية وخصيصا في الشرق الاوسط ليست فعالة كل مرة بسبب ان ليس باستطاعة اي من الاطراف ان تمنع انتشار التكنلوجيا العسكرية بشكل كامل وعاجلا ام اجلا ستقع بين ايدي الجماعات صواريخ وطائرات بدون طيار بمبلغ ضئيل. نموذج حي هو هجوم حماس والجماعت من خلال  طائرات بدون طيار على الكلية العسكرية في حمص في سوريا. هذا يعني عموما الحداد على امن واستقرار الشرق الاوسط  اذا لم يتم اجاد حلول مناسبة للقضايا المهمة. ومن ضمنها القضية الكوردية موضوع حيوي في الشرق الاوسط وبطبيعة الحال لا يمكن حلها بالقمع والسياسات العسكرية والامنية وحدها. معركة حماس بينت ان ليس هناك حل للقضية الكوردية سوى الاعتراف بحقوقهم والاتفاق معهم مثل ما هو الحال للقضية الفلسطينية ايضا.

ما الذي حدث؟

في الماضي تحدث زبيغنيو بريجنسكي ذات مرة عن المشكلة الكبرى التي تواجهها القوى العالمية من خلال مفهوم " قوة الضعف" في شخصية اميريكا وكيف بامكانهم مواجهة عدو ضعيف لكن ذو دوافع قوية؟ هو يعتقد بان التكنلوجيا العسكرية وفرت فرصا للضعفاء ايضا والقوة ليست كافية لكي يكون احد الاطراف محميا. سيادة اسرائيل السياسية والعسكرية شيء لا يمكن انكاره لكن دواعم حماس ايضا امر لا يستهان به. ما عدا ان التكنلوجيا العسكرية وفرت لفواعل مثل حماس ايضا فرصا لان يطولوا القمر وان يقدموا استراتيجية عسكرية لاغفال العدو. من الممكن ان يقال ان حلفاء حماس وراء ذلك، لكن ايضا كيفية التحالف جزء فعال في العملية الحربية. من الممكن ان تكون صواريخ حماس والتي اكثرها من نوع كراد ان تكون دون مستوى الصواريخ الاسرائيلية ونظام الحماية الاسرائيلي لكن عندما تكون بالالاف من الصواريخ والطائرات بدون طيار من المستحيل السيطرة عليها بشكل كامل.  ربما لم يتم تطوير أي نظام دفاع صاروخي يمكنه تفجير آلاف الصواريخ في الهواء دفعة واحدة .

هجوم يوم الجمعة اظهر من ناحية ضعف الاجهزة السيادية والمخابراتية والادارية السياسية لاسرائيل في التقليل من هجوم اخر لحماس وكانوا غافلين عنه، ايضا من ناحية اخرى اظهر نجاح استخبارات حماس في اخفاء قدراتها العسكرية وهجماتها. هذا يظهر بوضوح ان الجهات الفاعلة غير الحكومية تعمل ايضا على تطوير قدراتها  الحربية سواء من خلال استخدام تكنلوجيا الحرب اوالاستخبارات، الاستراتيجيات والتقنيات الحربية اقل محض للاهتمام في تل ابيب والذي يمكن ان يكون بسبب الانشغال بالقضايا والخلافات الداخلية ايضا الانشغال بقضية الاتفاق مع الدول العربية. وهذا الخطأ هو تكرار لخطأ جمال عبدالناصر في حرب 1967 والذي استهان فيه بقوة اسرائيل.

لكن اسرائيل ومن خلال هجوم غير متوقع هزمت القوى الكبيرة للدول العربية التي كانت تنوي الهجوم على اسرائيل.

اتجاه غير مؤكد للمعركة

وحتى الان وبغض النظر عن مدى القصف الاسرائيلي لغزة، فان حماس تتمتع بالهيمنة النفسية. ومن المرجح في نهاية المطاف ان تستعيد اسرائيل سيطرتها على المناطق ال28 التي وقع فيها القتال وتوجه ضربة قوية لحماس. وفي نفس الوقت من المرجح ان توسيع الحرب لا يكن في مصلحة اسرائيل. وعلى المدى القصير تحتاج الى التعافي واستعادة السيطرة الكاملة على اراضيها. اذا عبرت الحرب مناطق اخرى وشاركت فيها فواعل اخرى من اعداء اسرائيل فمن الممكن ان تعبر الحرب الى خطى اكبر. في الحدود السورية ولحد الوصول الى لبنان هناك ما لا يقل عن 10 جماعات مسلحة مختلفة يمكنهم ان يشكلوا ازعاجات لاسرائيل. لكن في نفس الوقت اسرائيل تحتاج الى تنفيذ عملية عسكرية لكي تتناسى هزيمة يوم الجمعة. وقد خلق هذا الوضع لغزا امنيا: فاذا وسعت الحرب واتجهت نحو اماكن اخرى ودخلت فيها ايران فمن غير الواضح ما اذا كانت ستنجح. لذلك فان الحاسم هنا هو موقف القوى العالمية وخاصة الولايات المتحدة واوروبا. مع الاخذ بعين  الاعتبار ان الادارة الامريكية من بين 80 هجوم شنتها الجماعات القريبة من ايران لم ترد سوى مرات قليلة، والسؤال هو انها اذا وسعت الحرب هل سوف تلقى مساعدة من اميريكا ام لا؟ يظهر ان اميريكا ايضا لا تفضل الحرب مع ايران بالاخص في حين مضيها نحو الانتخابات. يظهر ان اسرائيل ايضا لا ترغب بالدخول في الحرب وحيدة لذلك بحسب تقرير لوال ستريت جورنال عن تورط ايران وتخطيتها للهجوم من خلال بيروت يقول الطرفين انهم لم يحصلوا على دليل لتورط ايران. وبالطبع ايضا ايران تنكر ذلك. لذا على المدى القصير ربما لا تريد اسرائيل ان تكون هذه الحرب واسعة النطاق بل ان تستمر لفترة من الوقت. لكن السؤال المعاكس هو ماذا لو الطرف الاخر اراد توسيع الحرب؟ لذلك الوضع حساس واتجاهات الحرب مفتوحة على الاحتمالين.

عواقب الحرب

اتفاقية ابراهام ومفاوضات التطبيع بين اسرائيل والسعودية في السنوات الاخيرة وضعت القضية الفلسطينية على الهامش. وباستثناء ايران والاردن وقطر كانت القضية الفلسطينية اقل انعكاسا في خطابات القادة في الجمعية العامة للامم المتحدة هذا العام مقارنة بالسنوات السابقة. ولكن حرب هذه السنة لم تجذب الانظار نحو القضية الفلسطينية وغزة فحسب بل ايضا اظهرت حماس كقوة رئيسية بدل من فتح.

تركيا،السعودية والامارات وايضا مصر ارادوا المحافظة على التوازن من خلال ردود افعالهم لكن من المرجح ان تتبطأ  عملية التطبيع مع المملكة العربية السعودية قليلا على الاقل. احد الفائزين في هذه الحرب هي ايران، التي تعرضت لضربة قوية من اسرائيل في السنوات الاخيرة بسبب حرب الظل. منذ قتل عالمها النووي الى اخذ وثائقها السرية وقصف سوريا فعلت اسرائيل الكثير ضد ايران لذا فان الوضع الحالي في اسرائيل يثير اهتمام طهران. الوضع الراهن يرفع معنويات القوات العراقية المقربة من ايران لذا على الارجح سوف ترتفع الاصوات ضد الولايات المتحدة ايضا. لاشك ان العراق سوف يتحول ايضا الى ساحة معركة  في حال توسع الحرب حتى وان لم يكن بشكل مباشر. مثل وجود بعضهم في سوريا وسهولة وصولهم للحدود الاسرائيلية.

اذا كانت حرب اوكرانيا اظهرت حاجة اوروبا الى المظلة الامنية الاميركية فان هذه الحرب ذكرت اسرائيل بحاجتها الى الولايات المتحدة امنيا لان من الممكن لحماس ان تعيد نجاح مثل هذه العملية او على الاقل هناك مخاطر من اعادتها.

بعد غلق ملف قرباغ بين ارمينيا واذربيجان في حين توجهت يريفان نحو الغرب وبعد الضغوط الاقليمية والمحلية على اقليم كوردستان وهجمات تركيا على روجافا وتورط اسرائيل في الوضع الحالي، والضغط على حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الاوسط والذي يجبر اميريكا على اتخاذ بعض الخطوات لتطمئن حلفائها اذا كانت لديها النية بالبقاء في المنطقة.

واخيرا ومن منظور اوسع  فان الحرب قد تغير ايضا من مشروع طريق التوابل الذي اعلنة عنه في قمة G20  الاخيرة. اظهرت معركة حماس ان وجود دول الخليج ليس كافيا لحماية هذا الطريق. لذلك ومن دون رضى الطرفين التركي والايراني الحفاظ عللى امن هذا المشروع الجيوستراتيجي ليس بالامر السهل والذي يمر من خلال ميناء حيفا نحو اوروبا.

Share this Post

تحليل