تحليل

كوردستان والشرق الأوسط الكبير

12-11-2019


 

 

RRC |

في مقال كتبه لمركز رووداو للدراسات، شدد الخبير السياسي الروسي أليكساندر دوغين على ضرورة إقرار العالم بالهوية القومية الكوردية، وميز بين الكورد والجماعات الأخرى التي وصفها بالشعوب. كما تحدث عن حق الكورد في تشكيل أمتهم الخاصة بهم في إشارة منهم إلى إقامة دولة كوردية يرى أن الكورد الإزيديين يجب أن يكونوا جوهرها.

يعد دوغين الإرهاب أكبر عدو للكورد، لكنه في مقابلاته الأخيرة مع قنوات التلفزة التركية بات يستخدم مصطلح الإرهاب الكوردي. من الأسهل على المرء أن يفهم سبب ابتداع مصطلح الإرهاب الكوردي للمرة الأولى من قبل شخصية كتيريزا ماي، التي دفعتها المصالح للإقدام على ذلك. أما استخدام المصطلح من قبل شخص كدوغين فيحتمل الكثير من التساؤلات.

المقال الذي بين أيديكم منشور سلفاً لكننا ننشره من جديد ليساعدنا في التعرف على خلفية موقف دوغين الحالي وهل هو قائم على أسس سياسية – مصالحية أم نابع عن مصدر فكري.

أليكساندر غيليفيتش دوغين، الخبير السياسي الروسي ومستشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين

أول ما ينبغي أن نهتم به وندقق هو هوية الكورد. هناك في عالم اليوم مجموعة نماذج معقدة لتحديد الاختلاف بين مفهومي الأمة والشعب. الشعب مفهوم سياسي، أما الأمة فمفهوم تاريخي. لا يمكن أن يصبح كل شعب أمة، كما أن كل شعب لا يتكون من أمة معينة. في بلجيكا مثلاً، توجد أمم مختلفة كالفلامينغ وولينس، يمثل كل منها مجموعة إثنية مختلفة، ويشكلون معاً الشعب البلجيكي الذي يجمعه كيان سياسي في إطار دولة.

هناك أيضاً الكورد، الذين ليس هناك شك في كونهم أمة. من المهم جداً أن نعرف بأنه ضمن إطار فكرة العيش المشترك، بغض النظر عن كونهم يعيشون في تركيا أو سوريا أو العراق أو إيران، فإنهم يظهرون كمكون متلاحم موحد. أعيد التأكيد على أنه ليس ثم شك في كون الكورد أمة، وفي هذا الإطار ينبغي على كل الدول التي يعيش فيها الكورد أن تقر بالقومية الكوردية.

أود أن أتحدث عن المفهوم الذي استخدمته في مؤلفاتي لتحديد وتعريف الأمة. الأمة جماعة من الناس جمع بينهم قدر تاريخي ووحدهم. الوحدة في الأصول العرقية أو في الدين لا يجعل من الشعوب أمماً، لكن القدر يحيلها إلى أمم. من المؤكد أن اللغة والثقافة لهما دور هام في هذا السياق، لكن التاريخ يغطي كل الأمور من جانبه. يتحدث الناس لغة ما لأسباب تاريخية، ولنفس الأسباب يتخلون عن استخدام لغة أخرى. لا شك أن الكورد أمة، يربطهم مصير تاريخي وثقافة ولغة مشتركتين.

لمست شيئاً مثيراً في تركيبة الهوية الكوردية وهو: أن الإزيديين يشعرون بهويتهم الكوردية بعمق ويعملون عليها. الإزيديون أقلية بين الكورد، لكنهم يمثلون الهوية أو القلب والصورة للأمة الكوردية. ليس الإزيديون أكثر الكورد نشاطاً، فكل الكورد الآخرين يسعون لكسب الهوية الكوردية الكاملة وخصوصياتهم الأصيلة وتُنظر إليهم النظرة نفسها.

وأود أن أشير إلى غياب العدالة بين أتباع الجماعات الدينية المختلفة من الكورد بالنسبة إلى مركز الهوية الكوردية. أعتقد أن الإزيديين هم جوهر الهوية الكوردية. لأنهم منفذو وحماة الشيء الذي يمكن وصفه بـ”رمز الكورد”. فقد أبعد الإسلام أتباعه عن طبيعة وجوهر الكرودة ومزجهم بالمجتمعات الأخرى.

هناك اعتقاد بأن للكورد تاريخاً موحداً. في نفس الوقت أظهروا أنه يمكن أن يكون هناك ناس بلا دولة أو ليسوا جزءاً من شعب يعيشون بين ظهرانيه منذ مئات السنين. الشعب – مفهوم سياسي للعصر الحديث. أصبحت تركيبة الدولة القومية في أوروبا صيغة خاصة سياسية، ظهرت فقط مع إصلاحات القرن السادس عشر الميلادي. لكن عندما قامت في أوروبا دول متعددة القوميات، تم رفض فكرة الأمة، وبدلاً عنها عرفوا الشعب كجماعة تكون الأهمية فيها للمواطنة وليس للقومية. كما انعكست كافة علامات التقاليد القومية للأغلبية على الآخرين. فإن كان الناس ضمن إطار التقاليد القبلية للمجتمع يتحدثون اللغة التي يريدونها، فإنهم ضمن إطار الشعب يجب أن يتحدثوا اللغة التي تم تحديدها أو هي لغة الأغلبية في المجتمع. فيبرز أنموذج واحد لكل المجتمعات. عندها يبرز الاختلاف الأوضح في التقاليد. لذا، تظهر السياسة القومية كظاهرة برجوازية.

المسألة الكوردية مسألة واقعية قائمة حالياً. يسعى الكورد الآن لاقتباس تجارب الأمم الأخرى كالدول العربية أو تركيا، في سبيل استحصال حقوقهم وإقامة كيان لهم. كما يسعون إلى رفع الصوت الداعي إلى إقامة دولة وطنية، أي أنهم يريدون الانتقال من دولة قومية إلى أخرى متعددة القوميات. هذه الخطوة أدت إلى مشكلة كبرى مع شعوب تركيا وسوريا وإيران والعراق.

في الحقيقة، لو أردنا النظر إلى وجود دول قومية في سوريا وتركيا وإيران والعراق، فسنعلم أنها صور مصطنعة. فقد كانت تلك المناطق في الماضي جزءاً من الإمبراطوريات الآشورية والسومرية والفارسية والعثمانية. الدولة القومية الحالية هي صورة مصغرة عن الإمبراطوريات صنعها العصر الحديث.

في هذا السياق، تم تقسيم الكورد على عدد من الدول التي ظهرت بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية. لم يكن هناك شعور بمشكلة في العهد الإمبراطوري، لكن عندما بدأت الأمم الأخرى المحاددة للإمبراطورية بتشكيل دولها القومية، ظهرت مسألة إقامة الدولة القومية الكوردية أيضاً. لا شك أن ذلك أدى إلى مواجهات مع كل الدول التي يعيش فيها الكورد، وبسبب ذلك ظهرت في العراق في عهد صدام حسين كل تلك الآلام والمآسي. كما حصلت في تركيا مواجهات بالتزامن مع تشكيل الدولة القومية فيها. ثم ظهرت انتفاضة حزب العمال الكوردستاني ضد تركيا، لكن الأمور لم تبلغ ذلك المبلغ في سوريا وإيران.

سعى الكورد في كل جزء من الأجزاء الأربعة وفي فترة من الفترات، وكانت لديهم مشاريع إقامة دولة، وكلما اشتدت مساعيهم ومشاريعهم كلما اشتدت معاداة الدول القومية التي يعيشون فيها لهم ولمشاريعهم. هذا هو العامل السياسي في القضية الكوردية.

في الواقع، لم ينل العامل الكوردي اهتماماً يذكر في عهد مابعد الاحتلال ولا في عهد الاحتلال الانكيزي، رغم أن الانكليز تعاملوا مع الكورد في بعض مشاكل إعادة صياغة العالم وإضعاف الإمبراطورية العثمانية، لكن الكورد ظلوا على حالهم ولم يتمكنوا من إقامة دولة قومية. رغم ذلك فإنهم في عهد مابعد الاحتلال وإلى اليوم، مازالوا يتطلعون إلى إقامة دولتهم.

في فترة المراجعة السياسية لمنطقة الشرق الأوسط، وخاصة في فترة مشروع إقامة “الشرق الأوسط الكبير” الأمريكي الذي أشارت إليه كوندوليزا رايس في أنقرة في العام 2002، برز سؤال: هل يريد الأمريكيون المساعدة في إقامة دولة قومية كوردية أم لا؟ ومنذ ذلك الحين ظهر احتلال سياسي غربي جديد، لكن من جانب أمريكا هذه المرة، وليس الانكليز كما في السابق.

قرر هؤلاء إعادة رسم خريطة دول الشرق الأوسط وظهرت فيها دولة كوردية. كانو مؤيدو إقامة دولة كوردية عبارة عن الأطراف المتحالفة مباشرة مع أمريكا والأطراف التي تعد لعبة في يد تلك الدولة. الدولة الوحيدة على مستوى العالم والتي تعهدت للكورد بإقامة دولة لهم كانت الولايات المتحدة الأمريكية.

غرر الأمريكيون بالكورد لأغراض تخصهم، لكن ماذا كان هدفهم؟ قدم الأمريكيون أولاً المساعدة للكورد في العراق. لم يكن صدام حسين مطيعاً ومتوافقاً وحليفاً لأمريكا كما ينبغي. كما أنه وبمساندة السكان السنة، انتهج سياسة قومية خاصة كان الكورد والشيعة العراقيون ضحاياها.

كان الأمريكيون بحاجة إلى الضغط على صدام حسين، فساعدوا الكورد الانفصاليين والمتمردين بالدرجة التي تؤهلهم للتدخل في شؤون العراق، وعند الهجوم الأمريكي على العراق، كان للمساعدة الكوردية دور هام في إلقاء القبض على صدام حسين ومعاقبته. كان الكورد حينها بمثابة جزء من القوات الأمريكية في العراق.

أما أوضاع الكورد في تركيا فكانت مختلفة تماماً، لأن الأتراك حتى تلك الساعة كانوا مذعنين لسياسات الأمريكيين. في المقابل كان كورد تركيا ينظرون إلى أمريكا كعدو وخصم لهم، وكانوا خلال الحرب الباردة ميالين ومساندين للاتحاد السوفييتي، وفي تلك الأثناء برز حزب العمال الكوردستاني.

لماذا يحمل هذا الحزب هذا الاسم وهذا العنوان؟ يجب أن نعلم أنه لا علاقة لهذا بالشيوعية ولا بالأنموذج السوفييتي، بل جاء فقط تحت تأثير المنطق الجيوسياسي، فهؤلاء كانوا عاجزين عن الحصول على أي نوع من المساعدات الأخرى من الدول. بهذه الصورة ظهر حزب العمال الكوردستاني الذي دافع عن حقوقه وامتيازاته بدعم ومساعدة من السوفييت.

تغيرت الأوضاع في العام 2000 وبصورة مفاجئة، عندما تخلت تركيا عن الاعتماد على الأمريكيين وزادت التركيز على حماية أرضها وتعزيز دولتها القومية، عندما زاد الكماليون في تركيا بعداً وتلاشت التوترات في العلاقات بين روسيا وتركيا، عندها بلغت يد الأمريكيين كورد تركيا.

في ذلك الوقت ظهر مشروع دولة كوردستان. كان ذلك ناجماً عن ضرورة قيام الأمريكيين بمساندة حليفهم الصغير الذي يحلم بالاستقلال، لكي يتمكنوا من كبح جماح تركيا. فاستخدم الأمريكيون العامل الكوردي لمعاداة أنقرة والضغط عليها.

وعندما ظهر كورد سوريا والعراق وتركيا وإيران بمظهر المطيع للأجهزة الخفية الأمريكية، وصلت يد الأمريكان إلى العامل الكوردي وبدا مشروع كوردستان وكأنه أهم ستراتيجية لإدارة سياسات ذلك البلد. توجه كورد سوريا صوب أمريكا وهم بصورة عامة يتلقون العون من أمريكا في الحرب الأهلية السورية. كذلك كورد العراق، فهم خاضعون لسيطرة مباشرة من واشنطن، ويدار كورد تركيا بصورة مباشرة من قبل الأجهزة الأمنية الأمريكية والشبكات الأمنية والأجهزة السرية الأمريكية والبريطانية من داخل الجيش والأجهزة السرية التركية.

نموذج الإدارة الذاتية الكوردي معقد والكورد ليسوا جميعاً نفس الناس ولا يحملون نفس الرؤى. يعمل الأمريكيون بصورة منظمة وبخطوات متتالية، كل مرة بصورة مختلفة، على إبراز القضية الكوردية لاستخدامها ضد أنقرة بالطريقة التي يريدون أو تدعو الحاجة إليها.

فهم أردوغان الأمريكيين وأخرجهم من حساباته ويدير السياسة بطريقة مختلفة. لهذا يمكن أن نتوقع استخدام الكورد بصورة أكثر فاعلية في السياسة وفي مجال الإرهاب أيضاً.

بعد انحلال الاتحاد السوفييتي، بات حزب العمال الكوردستاني بفضل اتباعه سياسة العداء لتركيا محل المزيد من اهتمام أمريكا. أما روسيا فليس عندها مبرر عملي لاستخدام الكورد للتدخل في الشؤون الداخلية التركية، لكنها بخلاف أمريكا لديها الكثير من الدوافع.

نحن الآن في وسط الخطة العالمية الكوردية التي تعد الكورد أمة ولا شك أن الأمريكيين وللأسباب الآتية يسعون لاستخدام فكرة دولة كوردستان كوسيلة لتحقيق رغباتهم وإرادتهم:

أولاً: من الناحية الاقتصادية، أرض كورد العراق غنية بالنفط.

ثانياً: مصادر المياه الرئيسة لكل العراق تقع في المناطق الكوردية.

لهذا من المؤكد أن الكورد قادرون جداً على إدارة الشؤون الطبيعية وحتى الجغرافيا السياسية للمنطقة.

بهذا أضحى الكورد اليوم موضع اهتمام كبير في اللعبة الجيوسياسية بالمنطقة، وبصورة عامة فإن أمام الكورد خيارين جيوسياسيين:

أولاً: إقامة دولة قومية، ولهذا الغرض يمكنهم أن يعتمدوا على المساعدات والدعم الأمريكي الملحوظ في سياق هذه العملية. حيث تريد أمريكا تحقيق أكبر ما يمكن من المصالح الستراتيجية وتوجيههم لمعاداة الأسد أو لإخضاع أردوغان وخلق مشاكل لإيران والسيطرة على العراق.

لهذه الأسباب، لا يريد قسم من مؤيدي قيام الدولة القومية الكوردية حالياً أن يكونوا وسيلة في يد الأمريكيين أو مسهلاً لتحقيق الرغبات الأمريكية في المنطقة. هذا يعجب الكورد الإزيديين الناشطين جداً في أوروبا والأقل نشاطاً في أمريكا.

أبرزت الأجهزة الأمنية الأمريكية وبأعذار معقولة الهوية الإزيدية الأصيلة بين الكورد بهدف تحقيق أهدافها. في الحقيقة، فإن مشروع إقامة الدولة القومية الكوردية، هو دولة إزيدية أساساً. رغم أن الإزيديين حالياً دين أقلية ولهم دين غريب عن العالم الإسلامي، لكن لهم تاريخاً وآيديولوجيا وحتى علاقات روحية ونفسية مع إسرائيل ويشكلون وسيلة أخرى من وسائل السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.

إن وجود علاقة مباشرة مع الأجهزة الأمنية الأمريكية والبريطانية ومسؤولي الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، يجعل من مؤيدي إقامة دولة كوردستان طليعة للستراتيجية الكبرى الجيوسياسية الأطلسية وتظهر كوردستان في ظل هذه الظروف كجزء من المشروع الأطلسي.

ثانياً: الاتجاه الثاني هو القبول بالهوية الكوردية من خلال تحقيق حق الحكم الذاتي بدون إقامة دولة قومية، وهذا أكثر سلمية وتشجيعاً للمواطنين الكورد.

هنا يظهر اختلاف كبير وتضاد بين الأصولية والاعتدال. كثير من الأفكار المختلفة والأيديولوجيا والحركات الدينية والتنظيمات السلفية التي تشكل قسماً واسعاً من الكورد ويمكن أن نصفها بالاعتدال، ليسوا وسائل في يد الأجهزة الأمنية الأمريكية. يستطيع هؤلاء الكورد أن يعثروا لأنفسهم على موقع ضمن مشروع إعادة بناء ميزان القوة الأوراسيوية في الشرق الأوسط. يمكن أن يكونوا أوفياء مثلاً لجانب العامل المشترك التركي الكمالي الذي سيتشكل مستقبلاً، عندما تدير تركيا ظهرها للناتو وتتقرب إلى روسيا. أي أن كل الأمم وبدون تمييز بين التي لها دول والتي لا دول لها ستظهر ضمن إطار خاص محمي في سياق النموذج الأوراسيوي. لأن روسيا إمبراطورية وتعيش بين ظهرانينا أقليات قومية كثيرة.

كما أن أوراسيا كقوة عظمى ستكون متعددة القوميات. لهذا ستكون حماية تلك الجماعات العرقية أو الأمم التي ستدخل ضمن مشروع أوراسيا، أولوية. هنا سنتمكن من حل الكثير من القضايا الثقافية والحضارية والدينية والعرقية إن كانت في الجبهة الأوراسيوية. من المؤكد أن هذه الفكرة بحاجة إلى عدد من التنازلات من جانب السياسة التركية وخطوات عملية وجدية تماماً.

الخطابات الحالية تتجه باتجاه عدم جواز إضعاف الكورد في أي وقت. يجب تعزيز الهوية القومية الكوردية ولكن يجب تجريدها تماماً من التعنت وإبعادها عن المشروع الأطلسي الأمريكي الرامي إلى إقامة دولة قومية كوردية. المشروع والتوجه الأوراسيوي قائمان قبل القومية الكوردية، ما يعني رفض التحول إلى أداة في يد الأمريكيين. كما أن التأكيد على إقامة الدولة القومية الكوردية في ظل الرعاية الأمريكية وباتجاه زيادة العداء لأوراسيا أو القوى التقليدية كسوريا وتركيا الكمالية وإيران التقليدية وبلا شك العراق المنحل.

إن كورد العراق بحاجة إلى حماية جدية لا يستطيع الأمريكيون توفيرها لهم. فهذه الطريق لا تؤدي إلا إلى خلق مشاكل لهم مع الأمم الأخرى. في ذلك الحين، وفي إطار السياسة الأوراسيوية، تستطيع كافة القوى الإقليمية التركية والإيرانية والسورية مع روسيا، كأهم حلفاء أوراسيا المنظمة هذه، أن تحمل مسؤولية تأمين الحرية والاستقلال لكوردستان العراق على عاتقها.

لا شك أن الكورد في حال انضمامهم إلى الطريق الأوراسيوي وفي إطار العالم متعدد الأقطاب سيدافعون عن هويتهم، وسيكون أمامهم كل الفرص لتحقيق كل أهدافهم التاريخية سلمياً وبطريقة آمنة، فمثلاً لو أخذنا بالنموذج الشيشاني الذي لم يحقق من خلال انتفاضات مباشرة معادية لروسيا أي شيء، حقق كل شيء عن طريق إبداء المرونة وبالطرق السياسية، وأصبحت شيشان الآن واحدة من أكثر الأقاليم الروسية الرئيسة المتقدمة، وإذا انضم الكورد للجبهة الأوراسيوية، سيكسبون كل شيء.

العامل الأخير، الذي يجب أن نهتم به وندقق فيه، هو القوة التي برزت في الشرق الأوسط الكبير وأثرت على حياة ومصير الكورد، وهي الدولة الإسلامية التي قوامها الإسلاميون السنة المتشددون الوهابيون والسلفيون، وتقف السعودية وقطر كقوتين وراءها وتوجهانها. هذه قوة أخرى خارجية تهدد حياة الكورد في سوريا والعراق وتركيا تهديداً خطيراً. كما أنها من جهة أخرى، وسيلة سياسية أخرى في يد أمريكا لتخريب توازن القوى في الشرق الأوسط.

يمثل العرب السنة المتطرفون تهديداً إرهابياً آخر لأنهم هم المسؤولون المباشرون عن الإبادة العرقية للكورد. هؤلاء يهاجمون القوات التركية، ويحاولون إسقاط نظام بشار الأسد العلماني، ويقاتلون روسيا.

هنا تبرز نقطة هامة جداً: قد تكون الدولة الإسلامية (داعش) أخطر تهديد للكورد حالياً، لكن هناك تهديدات أخرى. أما الأسد وأنقرة وإيران المعتدلة في التعامل مع كورد إيران والتحالف الكوردي – الشيعي في العراق الذي كانت كافة تنظيماته صديقة للكورد أو تنتقدهم وتعاتبهم قليلاً، فلا يمثلون تهديداً للكورد.

إن الإسلاميين الإرهابيين العرب السنة والوهابيون هم الذي يشكلون تهديداً للكورد، هؤلاء هم الذين مارسوا الإبادة الجماعية ضد الكورد وخاصة ضد الإزيديين، جوهر وقلب الكورد.

ناك قوة واحدة وراء كل من الدولة الإسلامية والدولة القومية الكوردية، وهي أمريكا، والاتجاهان من مخلفات خطة مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي دمر العراق وخرب ليبيا وأغرق سوريا في حرب دموية ويهدد تركيا بالانفجار.

فهل يدرك الكورد أن القوة التي تدعمهم اليوم هي في الواقع التي صنعت داعش وسلحته وساعدته عندما كان يبيد الكورد؟ حليف صنع داعش بنفسه للتعامل مع أهدافه في المنطقة، ويقف إلى جانب القوة التي تقسم الكورد.

هذا عامل هام جداً. ينبغي أن يعرف جميع الكورد حقيقة استحالة إقامة الدولة القومية الكوردية بدعم أمريكي. هذا مجرد سعي لإشعال حرب أهلية، وستستمر العمليات الإرهابية والإبادة الجماعية، وربما ستؤدي إلى إبادة الأمة الكوردية.

ماذا على الكورد أن يفعلوا؟ هل يتبعون الأمريكيين أم يكتفون بقبول قيودهم وإملاءاتهم الحالية؟ كل واحد من الطريقين يمثل انتحاراً، لذا يجب سلوك طريق آخر.

أنا أعتقد أن علينا أن ننعم النظر ونفهم ما تعنيه أوراسيا، كما يجب أن نجعل نموذج أوراسيا يلائم كوردستان. يجب أن نتحدث عن توحيد الأمة الكوردية كتجمع موحد تاريخي ونشرك هذا التجمع في بناء مشروع أوراسيا، وبهذا سيتولد شرخ في العلاقات مع أمريكا، لذا يجب بناء علاقات ستراتيجية طويلة الأمد مع روسيا تضمن السلام والتعايش لهم.

في نفس الوقت، كان بمستطاع الكورد من خلال التعاون والعمل مع روسيا العثور على حل في أنقرة.

في ظل هذه الظروف ستتبدد كافة شكوك إيران وسيمكن الحديث عن إقامة دولة شيعية – كوردية أو إقليمية وإعادة النظر في التركيبة الحالية للدولة الكوردية ضمن إطار مشروع أوراسيا.

عندها سيكون للكورد عدو وحيد هو داعش. الآن لو نظرنا إلى الدول المحيطة نجد أن داعش عدو لسوريا والعراق وإيران وتركيا وروسيا، وإن أراد الكورد الانتصار على عدو إرهابي حقيقي فعليهم البحث عن تحالف، حتى مع القوى العظمى التي لم تكن لهم معها علاقات جيدة في كل الأوقات.

يجب أن ينضم الكورد إلى التحالف المضاد لداعش في الشرق الأوسط والذي يمكن أن تقوده روسيا لأنها دولة محايدة وقوة عظمى وليست باحثة عن المصالح.

وفي الواقع، فإن الذي يحارب داعش الآن هو قلعة الحضارة الأوراسيوية والضمان لإبراز التعددية القطبية الأوراسيوية.

Share this Post

تحليل