تحليل

تأثير الحرب الروسية-الأوكرانية على سوريا

19-03-2022


 

RRC |

حسين عمر  |

 

مقدّمة: 

لم تنتظر الحكومة السورية تحليلات الخبراء للحديث عن تأثير الحرب الروسية-الأوكرانية على الداخل السوري، إذ سارعت، في اليوم التالي لبدء الهجوم الروسي، إلى إعلان خفضٍ في الإنفاق تحسّباً لارتدادات هذه الحرب. مثلما لم يتأخّر الرئيس السوري في الإعلان عن دعمه الكامل، ودون أدنى تحفّظ، لروسيا في حربها على أوكراني، وذلك خلال اتّصالٍ هاتفيٍّ أجراه مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يوم 26 فبراير/شباط، أي قبل مرور ثماني وأربعين ساعة على بدء الحرب. ومن مفارقات موقف الرئيس السوري، في حين كاد العالم برمّته أن يرفض الحرب، اعتبر الأسد أن روسيا (بحربها) ” لا تدافع عن نفسها فقط وإنما عن العالم وعن مبادئ العدل والإنسانية”.

على الجانب الآخر، أعلنت المعارضة السورية، التي تتّخذ من تركيا مقرّاً لها، بشقّيها السياسي والعسكري، دعمها المطلق لأوكرانيا. هذا الاستقطاب الحادّ ليس مثراً للدهشة، وإنّما هو تعبيرٌ واقعي عن حجم دور روسيا في سوريا وعمق انخراطها في حرب هذه البلاد التي تكاد تكون حرب روسيا ذاتها.

 

تأثير الحرب على جوانب أساسية في سوريا:

التأثير الاقتصادي:

تعتمد سوريا على روسيا في سلع ومواد أساسية، في مقدّمتها القمح والمشتقات النفطية التي تعاني سوريا من شحّ كبيرٍ فيها. فبسبب الجفاف الذي ضرب البلاد في السنة الماضية والذي لم تشهد مثله منذ أكثر من سبعين عاماً، وكذلك وقوع المناطق ذات الأراضي الخصبة والمنتجة للحبوب خارج سيطرة الحكومة، تعاني سوريا من نقصٍ هائل في مخزون القمح، الذي تضطرّ إلى استيراد 1.5 مليون طنّ منه سنوياً من القرم وبيلاروسيا وروسيا التي تعدّ الدولة الأولى عالمياً من حيث التصدير بكمية سنوية تتجاوز 37 مليون طن. هذا بعد أن كانت سوريا تنتج سنوياً ما يفوق 2.5 مليون طن سنوياً قبل اندلاع الحرب فيها، وهي الكمية التي كانت تجعلها تكتفي ذاتياً وتملك القدرة على تصدير بعضها. في مجال المشتقات النفطية، تستورد سوريا البنزين والمازوت من روسيا. ففي أوائل فبراير/شباط 2021، وقّعت سوريا عقوداً مع روسيا لتوريد البنزين والمازوت، بموجبها تزوّد روسيا سوريا، خلال ستّة أشهر، بـ 180 ألف طن مازوت، بمعدّل 30 ألف طن يومياً. ومع ذلك لم تغطِّ هذه الكمية سوى 35% من حاجة سوريا، مع عجزٍ بلغ 429 ألف طن، حسب ما قال وزير النفط السوري أمام برلمان بلاده. والذي كشف أيضاً أنّ سلطات بلاده لم تنتج في عام 2020 سوى 9 آلاف برميل من النفط فعلياً من مناطق سيطرتها، في حين أنتجت مناطق الإدارة الذاتية قرابة 80 ألف برميل يومياً في العام نفسه. عدا هذه السلع الأساسية، تعتمد سوريا على روسيا في الكثير من السلع الغذائية التي يُقدّم بعضها كمساعدات. ولذلك بدأ التأثير فوراً من حيث فقدان بعض المواد في الأسواق وارتفاع أسعار بعضها الآخر وانخفاض قيمة الليرة السورية التي فقدت، خلال عشرين يوماً من الحرب الروسية، قرابة 35% من قيمتها.

التأثير الميداني:

حالما بدأت الحرب الروسية-الأوكرانية، تصاعدت أصواتٌ في مناطق سيطرة المعارضة السورية تدعو إلى استغلال انشغال روسيا، وإشعال الجبهات مع القوات الحكومية السورية والروسية. ولكن من المستبعد أن تُقدِم المعارضة السورية على أيّ تصعيدٍ عسكري لأنّ هذا الأمر مرهونٌ بالقرار التُركي الذي لا تستطيع المعارضة بشقّيها السياسي والعسكري الخروج عليه. والحال أنّ لا تركيا ولا روسيا ليست لهما مصلحة الآن في تصعيدٍ عسكريٍّ في سوريا. فتركيا تتحرّك بحذرٍ شديد وتحاول قد المستطاع ألا تستفزّ روسيا لأنّها تدرك مدى قدرة هذه الأخيرة على الإضرار بها سواءً في الداخل أو في سوريا، وخاصّة إذا ما أطلقت روسيا يد قوات الحكومة السورية والإيرانية في الهجوم على مركز مدينة إدلب التي لا تبتعد عنها سوى مسافة 12 كيلومتراً، وما سيسفر عنه هذا الهجوم من نزوح جماعي نحو الأراضي التركية الأمر الذي يُرعب الحكومة التركية ويجعل فرص فوز الحزب الحاكم بالانتخابات المقبلة شبه معدومة. كما أنّه من المتوقّع أن تتجنّب روسيا أيضاً توتيراً مع تركيا وبؤرة أزمة جديدة مع الغرب في سوريا في هذه المرحلة. وقد صرّح مدير الدائرة الأوروبية الرابعة في وزارة الخارجية الروسية، يوري بيليبسون، خلال لقاء مع وكالة « نوفوستي» الروسية، نشر الأربعاء، 16 مارس/أذار، بأن «التعاون مع الجانب التركي في المسار السوري يسير بشكل اعتيادي، ولم نلاحظ فيه أي تغييرات ناجمة عن عوامل خارجية مثل أحداث أوكرانيا».

على جبهة شمال شرق سوريا أيضاً، من المستبعد أن تسمح أمريكا لأيّ محاولة بتغيير المعادلة القائمة لغير صالحها وحلفائها في قوات سوريا الديمقراطية.

لكنّ كلّ هذا يبقى على المدى القصير، وإذا ما طال أمد الحرب واضطرّت الأطراف المتداخلة في الحرب السورية، وخاصّة تركيا، لحسم اصطفافاتها، فقد تشهد سورية سخونة عسكرية على أكثر من جبهة، خاصة وأنّ الفرصة أمام تركيا في سياستها الحالية التي تُظهر فيها التوازن بين روسيا وأوكرانيا، وذلك لخشيتها من تبعات الانحياز إلى أيّ من الطرفين، ضيّقة. وإذا ما انحسر الدور الروسي على نحوٍ دراماتيكي في سوريا، واختلّ التفاهم الأمريكي- الروسي النسبي في سوريا، سوف تتعاظم أدوار القوى الإقليمية كتركيا و إيران وإسرائيل، وقد تحتدم المواجهة الإيرانية- الإسرائيلية على الأرض السورية، بل وقد تحدث مواجهة تركية-إيرانية، سيما وأنّ العلاقات بين الدوليتين تشهد توتراً على خلفية الصراع في الساحة العراقية.

تحضر إيران هنا كفاعل قد يتغيّر دوره إذا ما انحسر النفوذ الروسي في سوريا. إذ لطالما كان هناك صراعٌ بين الدولتين في سوريا على النفوذ، وكانت روسيا تلجم إيران في الكثير من الساحات في سوريا، وإذا ما زالت قوّة اللجم هذه، قد تتحرّك إيران في شمال غرب سوريا، خاصّة في ظلّ عدم الارتياح في علاقاتها مع تركيا مؤخّراً، كما قد تحاول التحرّك في شرق سوريا. وإذا تمّ التوقيع على الاتفاق النووي، سوف تحظى إيران بالمزيد من الموارد لتعزيز دورها ونفوذها في سوريا على حساب روسيا التي قد تتفاقم مصاعبها المالية والاقتصادية بفعل العقوبات المفروضة عليها.

وتبقى صورة الكثير من هذا الوضع مرتبطة بلقاء ترويكا أستانا المرتقب، والذي قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنّه من المقرّر أن يُعقَد في القريب العاجل.

 التأثير السياسي:

من المتوقّع أن يؤدّي الدعم الكامل الذي أعلنه الرئيسي السوري لقرار روسيا بالحرب على أوكرانيا إلى تشديد موقف أمريكا وحلفائها من النظام السوري، خاصّة وأنّ هذا الأخير جاهر أيضاً بدعم روسيا للتغلّب على العقوبات المفروضة عليها، في تصريحٍ أدلت به لونا الشبل المستشارة بالرئاسة السورية، يوم 28 فبراير/ شباط. وبالتالي، قد يتراجع التراخي الذي أبدته أمريكا حيال مساعي بعض الدول العربية، وحتى الأوربية، للتواصل مع الحكومة السورية والتطبيع معها. كما من المتوقّع أن تكثّف أمريكا من دعمها للإدارات في المناطق خارج سلطة الحكومة السورية. والبيان الصادر عن الخارجية الأمريكية، الثلاثاء، 15 مارس/أذار، بشأن رفض الجهود المبذولة لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد والتشديد على إبقاء العقوبات المفروضة عليه، قد يٌقرأُ في هذا الإطار.

نشاطٌ أمريكي:

نشطت الحركة الأمريكية حيال سوريا مؤخراً، إذ أنّ هناك معلومات تؤكّد أنّ الإدارة الأمريكية بصدد إعفاء مناطق الإدارة الذاتية وبعض المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية من العقوبات المفروضة بموجب قانون قيصر، مستثنية مناطق هيئة تحرير الشام (المصنّفة كمنظّمة إرهابية) ومنطقة عفرين الكوردستانية التي تحتلها القوات التركية إلى جانب مجموعة كبيرة من الفصائل المسلّحة الإسلامية التي أكّدت تقارير اللجنة الدولية المستقلة للتحقيق بشأن سوريا أنّ ثلاثة منها قد ارتكبت جرائم حرب ضدّ الكورد في مناطقهم المحتلّة. وفي الأسبوع الأوّل من شهر مارس/أذار الحالي، زار وفدٌ أمريكيّ رفيع غرب كوردستان وشمال شرق سوريا، وقام بتقييم الاحتياجات الضرورية للمنطقة وأولويات تأمينها، دون أن يلتقي بالسلطات المحلية. وفي يوم الاثنين، 14 مارس/ أذار، زار وفدٌ أمريكي رفيع، من الخارجية والأمن القومي، غرب كوردستان وشمال شرق سوريا والتقى القيادتين العسكرية والسياسية فيها. الوفد المؤلّف من إيثان غولدريتش، نائب مساعد وزير الخارجية الأميركية، جينفير جافيتو نائب مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون العراق، زهرة بيل مديرة ملف سوريا والعراق في مجلس الأمن القومي وماثيو بيرل ممثل الخارجية الأميركية في شمال شرقي سوريا، اجتمع بالقائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، ومن ثمّ بوفدٍ من مجلس سوريا الديمقراطية، برئاسة إلهام أحمد الرئيس التنفيذي لمجلس سوريا الديمقراطية. وناقش الوفد مع مستضيفيه المسائل المتعلّقة باستمرار محاربة داعش وتقويض نشاطها في مناطق الإدارة وتحسين التدابير الأمنية بشأن السجون التي تضمّ عناصر داعش والمخيمات التي تضمّ عوائلهم والمناصرين لهم. وكذلك القضايا الخدمية والاقتصادية الملحّة بالنسبة إلى المنطقة، والجهود الدولية للحلّ السياسي للأزمة السورية وضرورة مشاركة جميع الأطراف السورية فيها. وهناك حديث عن وجود منح أمريكية لتحسين قطاعات الكهرباء والمياه والمحروقات والخبز في مناطق الإدارة الذاتية.

ويوم الخميس، 17 مارس/أذار، التقى ماثيو بيرل عضو الوفد الأمريكي بوفدٍ من المجلس الوطني الكردي، المنضوي في إطار الائتلاف الموالي لتركيا، وبحث معه إمكانية استئناف الحوار بين المجلس وأحزاب الوحدة الوطنية.

تلكؤّ روسي:

كانت روسيا قد وجّهت دعوة إلى مجموعة كبيرة من المعارضين السوريين من تيارات مختلفة، منهم ثلاثة من قيادة مسد، بينهم الرئيسان المشتركان، إلهام أحمد ورياض درار، ومن هيئة التنسيق الوطنية أحمد عسراوي وصفوان عكاش، ومن منصّة موسكو قدري جميل، بالإضافة إلى خالد المحاميد وعبيدة نحاس، ومن اللجنة الدستورية، الشخصية المستقلّة بسمة قضماني، لزيارة موسكو واللقاء بمبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وبلدان أفريقيا، نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، وذلك في مسعى لخلق تكتّل جديد في المعارضة على حساب الائتلاف الذي لم يعد يحظى بدعمٍ دوليٍّ حقيقي. وكان من المفترض أن تتمّ هذه الزيارة في 7 فبراير، شباط، لكن روسيا أجّلتها. ثمّ تحدّد موعدٌ جديد لها في نهاية شباط، إلّا أنّ روسيا عادت وألغت الزيارة، في يوم 27 فبراير، أي بعد بدء الحرب في أوكرانيا، وبرّرت ذلك بأسباب لوجستية. لكنّ  لا يمكن إخفاء تأثير الأزمة في أوكرانيا على هذا المسعى الروسي.

اشتداد التوتّر بين أمريكا وحلفائها من جهة وروسيا من جهة أخرى، قد يؤدي إلى تراجع الدور الذي تلعبه روسيا في دفع الإدارة الذاتية نحو التقارب مع الحكومة السورية والتفاهم معها، حيث سيزداد تردّد الإدارة في السير في هذا الاتجاه خشية من إغضاب أمريكا. كما من الممكن أن يمنح فرصة أكبر لأمريكا في مسعاها إلى خلق تقارب بين شمال شرق سوريا وشمال غربها عبر القناة التركية، وهو مسعى تبذله أمريكا منذ مدّة طويلة ولكنه لم يلق النجاح. وكان لافتاً، في هذا الإطار، إحياء مسد لذكرى اندلاع (الثورة السورية)، الأمر الذي لم تفعله من قبل.

خلاصات

– تأزّم الوضع الاقتصادي في روسيا سوف يؤثّر على نحوٍ عميق على الوضع الاقتصادي والمعيشي في سوريا وسوف تضرب نتائج ذلك الحاضنة الشعبية للنظام أو المرغمين على العيش في مناطق سيطرته.

– ميدانياً، قد يستمرّ الجمود الراهن، لكن إن طال أمد الحرب قد تضرب موجة عنف جديدة سوريا تتقاتل فيها أطراف لم يسبق لها أن تقاتلت جدّياً.

– سياسياً، تأزّم العلاقة بين اللاعبين الدوليين الرئيسيين قد يغلق أفق الحلّ السياسي الدولي، ويمنح أدواراً أكبر للقوى الإقليمية العاجزة أصلاً عن إيجاد حلّ.

 

 

 

Share this Post

تحليل