تحليل

ظاهرة رفض قوانين إقليم كوردستان من قبل المحكمة الاتحادية

06-12-2022


ضمن آخر التطورات القضائية في العراق ، رفضت المحكمة الاتحادية في بغداد تعديلاً على قانون رقم 18 الصادر في 15 لعام 2008 للأحوال الشخصية الخاص بإقليم كوردستان. يسمح تعديل حكومة إقليم كوردستان لزوجات الرجال المتزوجين بزوجات ثانية حق الأنفصال. لكن المحكمة الفدرالية العراقية لا تعتبر تعدد الزوجات سبباً لطلب للأنفصال ، قائلة إنه مخالف للشريعة الإسلامية. كما أنه من الواضح أن القوانين المناهضة للشريعة مرفوضة حسب المادة الثانية من الدستور العراق.

يعود مضمون هذا القرار إلى جدل فقهي ونسوي عميق  ولا تتاح لي فرصة مناقشته في هذا المقال. انها اخر الحلقات من سلسلة أحكام قضائية صدرت خمس مرات هذا العام (2022) ضد الاحكام القانونية الفاعلة في إقليم كوردستان. أشهر هذه القرارات الرفض الصريح لقانون النفط والغاز لحكومة إقليم كوردستان رقم 22 لعام 2007 على أساس أنه غير دستوري دون الخوض في تفاصيله. رفضت المحكمة بعد ذلك مادة في قانون التعليم العالي المادة 46 من القانون 10 لعام 2008 التي تمنع الإجراءات الإدارية لجامعات إقليم كوردستان من المثول أمام المحكمة وذلك في مارس عام 2022. ثم رفضت بند مفوضية الانتخابات والاستفتاء الخاص بإقليم كوردستان في أكتوبر عام 2022 والتي تعرفها بالجهة الوحيدة المسئولة عن اجراء الانتخابات. وفي الشهر الماضي رفضت قانون التقاعد إقليم كوردستان الذي كان في الأصل صادرا من برلمان بغداد رقم 27 لسنة 2006 والذي تم الغائه فيما بعد واستعيض عنه بقانون آخر في العراق. وتنظر المحكمة الاتحادية حاليا في شكوى لتمديد ولاية البرلمان.

بصرف النظر عن الجدل القانوني حول مضمون المواد والقوانين المرفوضة ، هناك جدل آخر حول تنامي ظاهرة رفض قوانين إقليم كوردستان في بغداد من قبل المحكمة الفيدرالية التي اخذت شرعيتها القانونية من قانون رقم 30 لسنة 2005 لكنها لا تزال في مرحلة انتقالية لانها ليست بالشكل الذي انص عليها المادة 92 من الدستور العراقي. كما أنها ليست محكمة تم سنها بموجب قوانين جديدة لتتألف من "عدة قضاة وخبراء في الشريعة والقانون" كما هو منصوص عليه في الدستور. ويعود سبب التأخير إلى شرط دستوري يقضي بضرورة تمرير قانون المحكمة الاتحادية بأغلبية ثلثي أصوات النواب ، بالإضافة إلى الجدل حول سلطة خبراء الشريعة الذي تسبب في ان تكون محكمة تصريف اعمال لمدة 17 عامًا ولم تنل اطارها الدستوري.

بعد انتخابات تشرين في عام 2021 ، رفضت المحكمة المزيد من الأوامر والقرارات الإدارية في بغداد. وايضا حللت بعض نصوص ومواد الدستور خصوصا في بداية الدورة الخامسة لمجلس النواب. لكن قرارتها المرتبطة بإقليم كوردستان كانت تمثل رفضا قاطع ومواد قانونية وهذا ما يتعارض مع طبيعة المحاكم العليا والدستورية في دول العالم والتي لا تصدر هكذا قرارات إلا في الأوقات الحساسة. من ناحية أخرى ، وبالنظر إلى السير الذاتية لقضاة المحكمة ، يبدو أنه من بين 12 حاكم بالمحكمة الاتحادية ، ثلاثة منهم احتياطيين وواحد فقط خبير في القانون الدستوري والذي كان مرشحًا لمحافظة دهوك. عمل جميع القضاة الآخرين في المحاكم المدنية والجنائية وفي مقدمتهم رئيس المحكمة ، ولا وجود لخبراء دستوريين.

قرارات المحكمة الاتحادية لها عواقب كثيرة على العلاقات بين إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية ، لأن قرارات المحكمة نهائية وغير قابلة للاستئناف وفق المادة 94 من الدستور العراقي.  ولا تترك فرصة للحوار أو التسوية أو محاولات التعديل وغالباً ما تخلق حساسيات. وبحسب اجراءات المحكمة فان الباب مفتوح لتقديم شكوى بشرط ان يكون الشاكي طرفا في النزاع ,"خصم" او متضرر من الاحكام الصادرة ضد قوانين اقليم كوردستان. احيانا يكون الشاكي مواطنا عاديا واحيانا يكون عضواً سابق في مجلس محافظة البصرة! وعليه فإن الباب مفتوح لمن يريد الطعن في قوانين اقليم كوردستان أو القوانين الاتحادية ، وستنظر المحكمة في القضية بشكل طبيعي ولا توجد اي شروط مسبقة.

بالإضافة إلى الطبيعة الشديدة للإجراءات القضائية ، هناك رأي قانوني مفاده أن استمرار استخدام المحكمة في تفاصيل القوانين ، يتعارض مع روح وجوهر الدستور ، وخاصة المادة 121 التي تعطي للأقاليم حق سن القوانين وتنفيذها وان يكون لديها سلطتها القضائية الخاصة خارج السلطة الحصرية للحكومة الفدرالية والتي تشمل بشكل أساسي وفقًا للدستور: السياسة الخارجية ، والسياسة الاقتصادية والتجارية ، والمالية ، والجمارك والعملة ، وتحديد وحدات الأوزان والمقاييس ، وإعداد الميزانية ، وسياسة إدارة الموارد المائية ، والتعداد العام للسكان.

بحسب الدستور في حالة وجود نزاع بين الحكومة الاتحادية والأقاليم ، خارج الصلاحيات الخاصة للحكومة الاتحادية ، فمن حق الأقاليم اتباع قوانينها وتعديلاتها. في هذا السياق فإن  الخوض في تفاصيل قوانين حكومة إقليم كوردستان مثيرة للاهتمام ومثيرة للجدل. خاصة بما يتعلق بالقرار النهائي بشأن حق المرأة في بخلع زوجها إذا ما تزوج عليها. فقد تم ذلك بحجة ان هذا الامر يتعارض مع الشريعة لكن يرى بعض الخبراء القانونيين أن القضية ليست من مبادئ الإسلام الثابتة ولم يكن هنالك اجماعا على امر لحسم هذه القضية.

ربما تكون أفضل طريقة للخروج من مشاكل المحكمة هي إصدار قانون للمحكمة وإنشاء محكمة دستورية. حددت الحكومة السودانية الجديدة ستة أشهر لإقرار القانون في غضون شهر ، لكن لا تزال هناك شكوك في أن القانون سيتم تمريره خلال تلك الفترة وامكانية إنشاء محكمة جديدة. وإلى أن يتم تشكيل هذه المحكمة ، فستعتمد المحكمة الاتحادية على ميزان القوى في قرارات مهمة مثل النفط وقضايا مهمة أخرى وستكون القرارات مائلة الى الحزب الحاكم كونهم هم من عين القضاة. بما أن استقلال المحكمة مشكوك فيه ، فإن آراء القضاة حاسمة في القضايا الثانوية  في حين أن خلفياتهم ومصالحهم لا تتوافق مع طبيعة واجبات المحكمة المشابهة لمهام المحاكم الدستورية العليا في البلدان الأخرى.

Share this Post

تحليل