تحليل

عودة الهيبة للكورد وتجنب الغرور

26-11-2019


 

 

RRC |

آكو محمد |

 

زيارة نائب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، مايك بينس، لأربيل وعدم ذهابه إلى بغداد صارت مدار الكثير من الكلام والتأويل بين الناس والمسؤولين في كوردستان والعراق والمنطقة، فقيل عنها الكثير وسيقول عنها المحللون المزيد مستقبلاً، لكن جانباً من تلك الزيارة اختصره تصريح مسؤول أمريكي “رفيع المستوى” لوكالة (أسوشييتد بريس) حين قال إن زيارة نائب الرئيس الأمريكي إلى أربيل “هدفها طمأنة الكورد، حلفاء أمريكا في الحرب ضد داعش، وتطمينهم إلى أن أمريكا ستستمر في مساندة القضية الكوردية”.

الجانب الآخر يتمثل في أن أمريكا غير راضية عن الأوضاع في العراق وأسلوب إدارة العراق. لذا، كانت رسائل نائب الرئيس الأمريكي في العراق وفي اتصاله الهاتفي برئيس الوزراء العراقي عبارة عن مطالب أكثر من أن تكون تعبيراً عن الدعم. في حين أن رسائله في كوردستان كانت على العكس تماماً من تلك التي في العراق.

قدمت أمريكا الكثير من الدماء والأموال في العراق، لكن العراق بات نموذجاً فاشلاً أنتج أخطر تنظيم إرهابي في العالم. كما بات الوضع في العراق بأسلوبه وإدارته السيئة للغاية، حالة لم يتمكن معها إصرار الحكومة الأمريكية الكبير من بناء الثقة عند شركات النفط والشركات الأمريكية المختلفة وإقناعها بأن العراق هو المكان الذي يمكن أن تعمل فيه تلك الشركات وتتخذ من العراق الحالي شريكاً اقتصادياً لها، فالعراق بلد غير مستقر وغير آمن ولم يصبح شريكاً سياسياً لأمريكا والغرب.

لجأ الكورد في هذه المنطقة إلى الخارج وهم يطمعون في الحماية الخارجية لهم من القتول الجماعية واضطهاد دول المنطقة. ربما فسّر زعماء المنطقة وسياسيوها ذلك في كثير من الأحيان بأن الكورد باتوا سلاحاً في يد الدول الأخرى يستخدم ضد دول المنطقة. لكن وقبل أن يقال ذلك، ينبغي طرح سؤال لماذا يتطلع أقدم شعب في المنطقة إلى الحماية الخارجية؟ في جنوب كوردستان، تم تدمير أربعة آلاف قرية بمساجدها، وكانت الحماية والمساندة من جانب الدول الغربية هي التي أعادت إعمار تلك القرى بمساجدها، بينما كان رفض التعايش السلمي والحل السياسي للقضية الكوردية من جانب دول المنطقة العقبة التي سدت طريق إعمار تلك التي لم تتم إعادة إعمارها.

جرى العمل بموجب ستراتيجية مشتركة لدول المنطقة على مدى السنوات الثلاث الأخيرات على تقويض سلطة وهيبة الكورد، وبوشر في التغيير الديموغرافي ضد الكورد، والهدف كان القضاء على سلطة الكورد وتغيير الهوية الجغرافية، والأخطر من ذلك كله تقويض هيبة الكورد.

كان لتلك الستراتيجية آثار سيئة للغاية على أوضاع أقليات كوردستان أيضاً، فالمنطقة كانت عبر التاريخ عبارة عن موزائيك يزينه تعدد الأديان والقوميات المختلفة، لكن تم القضاء على كل ذلك وما بقي منهم هو الموجود في المناطق الكوردية، وهم أيضاً معرضون لتهديد عظيم من الستراتيجية الإقليمية، الأمر الذي سيزيد كثيراً من تهديد الشرق الأوسط للأمن العالمي في المستقبل.

عندما يريد البيت الأبيض طمأنة “الأمريكيين الذين يساندون القضية الكوردية منذ فترة طويلة”، فهذا يدل على أن المساندة للكورد اتسعت رقعتها لدرجة أصبحت معها موضوعاً مؤثراً على السلطة وإلى حد ما يمكن أن يصبح مسألة بارزة في الصراع خلال الانتخابات الرئاسية، وهو تطور كبير جداً. لكن ينبغي أن لا يكون هذا دافعاً لفقدان الكورد ثباتهم أو أن يصيبهم بالغرور، فمازالت الدول في هذا العالم هي التي تعقد الاتفاقيات وليست الشعوب والقوميات. لهذا السبب، ينبغي أن يستثمر الكورد استعادة قوة مكانتهم السياسية للاتفاق مع عواصم الدول التي ألحقت بها أجزاء كوردستان. في نفس الوقت، عليهم أن يعززوا علاقاتهم مع دول وشعوب العالم.

تصريحات نائب الرئيس الأمريكي، مايك بينس، بعد زيارته لأربيل، كانت موضع اهتمام من وجوه عديدة، لكن رسالته التي وجهها في أربيل عن طمأنته من “خلال الرئيس البارزاني” لجميع الكورد و”للأمريكيين الذين يساندون القضية الكوردية منذ فترة طويلة” وللعالم، ذات أهمية ومعنى كبيرين جداً. إنها تذكير جديد لأربيل ولرئيس إقليم كوردستان بواجب جسيم. فأربيل تتميز عن بغداد بفارق كبير في مستويات الإعمار والاستقرار السياسي والاتفاق السياسي بين الأطراف في إقليم كوردستان. كما ينبغي أن يكون هذا رسالة إلى غرب كوردستان أيضاً تخبرهم بأن على الأطراف الرئيسة هناك أن تعقد اتفاقاً سياسياً تحمل هويتهم وبقرار منهم وبدون تدخلات من خارج الكورد، لينتقل التعاطي معهم من مجرد تعامل عسكري إلى عمل سياسي. ينشر التحالف الدولي للقضاء على داعش بياناته الحالية في غرب كوردستان وشمال سوريا باللغة الكوردية، لكن الرسائل السياسية الأمريكية الموجهة للكورد في غرب كوردستان ليست معلنة حتى الآن.

Share this Post

تحليل