RRC | الخارطة السياسية والعسكرية لشرق الفرات – PDF |
من الواضح أن المنطقة تتجه نحو نفق مظلم، ما لم تُبادر القوى السياسية الفاعلة في شرق الفرات (مجلس كوردي، إتحاد ديمقراطي) إلى وضع حد لإضاعة الفرص التي أتيحت لهم للخروج بجسم سياسي عسكري إداري موحد. لن يتمكن الاتحاد الديمقراطي من الحفاظ على فرض سيطرته على المنطقة وفق التحديات الموجودة، ولن يتمكن المجلس من العودة إلى العمل الميداني وفق ضواغط وموانع PYD لهم. بأكثر دقة التحالف الكوري-الكوردي اليوم وخاصة الجانب العسكري هو ما يقي ما تبقى من المنطقة الكوردية من زيادة القضم والتجزئة والتفكك. هذا إن لم يكن قد فات الأوان.
وتكبر مسؤولية الاتحاد الديمقراطي أكثر بكونها مهددة بخسارة جغرافية قدمت في سبيلها آلاف الشهداء، ولو انضمت قواتها العسكرية للنظام فإنها ستخسر قوتها وسيطرتها على تلك القوات. ما يعني أن الحزب أمام لزومية تقديم تنازلات إما للنظام السوري، أو لتركيا، أو لقوة كوردية عربية للشراكة في إدارة المنطقة.
– يشهد المسرح العسكري في كوردستان سوريا توزعاً وتنوعاً للقوى العسكرية ونقاط تمركزها وتشابك الخارطة العسكرية جغرافياً من حيث المساحة، أو الستراتيجية المكانية، أو تعدد الجهات الحاكمة عسكرياً في منطقة صغيرة كشرق الفرات، مقارنة بعموم سوريا.
يرتبط المصير والمستقبل الكورديان في سوريا بالوجود الأمريكي، خاصة وأن وسائل الإعلام المقربة من دائرة القرار التركي والجيش السوري التابع لحكومة المعارضة السورية استقبلت تغريدة ترمب بكثير من التفاؤل حول المصير المتوقع لوحدات الحماية العسكرية والتنظيمات السياسية المرتبطة به بعد الانسحاب الأمريكي.
– مرحلة ما بعد داعش تبدو أكثر صعوبة للكورد في سوريا مع إصرار تركيا على المنطقة الآمنة وإخراج مقاتلي وحدات الحماية الشعبية وقوات سوريا الديمقراطية من شرق الفرات بعد غربها ومنبج، وتضع الكورد أمام سيناريوهات تبدو أقل مما كانت تطمح إليه القوى السياسية والعسكرية للاتحاد الديمقراطي خلال سنوات الحدث السوري، خاصة وأن مصير أيّ قوة ومآلاتها المستقبلية مرتبط بمصير تحالفاتها والمناطق التي تسيطر عليها، وهي مرتبطة مباشرة بالقوة الاقتصادية والخزان البشري الذي يمدها به.
– معظم السيناريوهات مرتبط بمصالح الدول الخارجية ذات التأثير على الخارطة العسكرية خاصة والسياسية عامة وشرق الفرات خصوصاً.
– التوغل التركي كان يصطدم بالتواجد الأمريكي في شرق الفرات الذي يبدو كمحظية أمريكية جيوساسية وجيو اقتصادية مهمة. بينما فشلت تركيا في تطبيق ما ترغب به في منبج كأحد الخواصر الرخوة والمهمة والمتنازع عليها بين تركيا وسوريا وروسيا وأمريكا والاتحاد الديمقراطي. لذا يمكن التساؤل كيف لتركيا من فرض سيطرتها على منطقة مثل الحدود بين تركيا والعراق وسوريا دون توافق مع أمريكا، ما يشير إلى إمكانية مُغادرة أمريكا ولو جزئياً للمنطقة كأحد الخيارات السعيدة لتركيا، وحينها قد نجد المنطقة أمام ستراتيجية جديدة.
– العملية البرية تصطدم برفض روسي – إيراني ومن المحتمل أن يسعيا لتحريك قطعات من الجيش السوري لمواجهة التدخل التركي، فقوات الحكومة السورية نظامية وشرعية وفق القانون الدولي والتواجد التركي يصبح اعتداء وتالياً احتلالاً عدا عن رغبة روسيا وإيران في تحجيم الدور التركي في شرق الفرات وسعي روسيا نحو تجفيف منابع العنف في سوريا سعياً بهدف إنهاء أو التأثير على مسار الحل السياسي في جنيف، أو قد نجد أن الانسحاب الأمريكي يؤثر مباشرة على الوضع الميداني لقوات سوريا الديمقراطية التي لن تجد حينها سوى التوجه صوب النظام وروسيا، وحينها ستشهد المنطقة تحولات جديدة.
– قد نجد تجاوباً وعلاقات قوية بين تركيا وسوريا عبر إعادة إحياء اتفاقية أضنة بين الطرفين ما سيستوجب التدخل التركي عسكرياً عبر البر لإخراج قوات العمال الكوردستاني. لكنه يبدو شيئاً من الصعوبة جداً والسبب مجدداً هو التواجد الأمريكي.
– الغالبية المطلقة في شرق الفرات هي من الشعب الكوردي، لذا من الصعب على تركيا القول إنها جاءت لحماية المدنيين أو الدفاع عن النفس ولن يكون هناك مبرر أو ذريعة شرعية، خاصة وأن المنطقة تشهد توزعاً بين النفوذ والقوة العسكرية.
– تخشى تركيا من نقاط التماس الجغرافي بين الاتحاد الديمقراطي والعمال الكوردستاني لذا ستسعى على أقل تقدير لضبط الحدود بين الطرفين (كراتشوك، تل كوجر، تل حميس، معبر سيمالكا) إن لم تتمكن من الدخول إلى شرق الفرات.
– لم ينجح الاتحاد الديمقراطي والإدارة الذاتية التي شكلها من كسب ود الأطراف الفاعلة والمعنية بالحدث السوري سياسياً، ولا بمواثيق تقيهم من شبح الحرب وخسارة ما تبقى من الجغرافية الكوردية التي تقلصت إلى أقل من النصف إن كانت الحرب في سوريا قد انتهت. إلا أن الثابت والباقي يتمحور حول مصير ومستقبل المنطقة الكوردية ونوعية المشروع السياسي الذي سيحكمها.
– أحد السيناريوهات هو أن “يعبر الجيش السوري نهر الفرات ويعود إلى الرقة ودير الزور وحتى الحسكة”، والهدف الأبرز لدمشق، استعادة حقول النفط والغاز في محافظة دير الزور، ربما يحصل ذلك إثر تفاهم مع قسد، وما سيسهل مهمة دمشق هو تحالف فصائل عربية ضمن قوات سوريا الديمقراطية وعشائر من المنطقة معها على اعتبار أنها “الأكثر قوة”.
– ينعكس أي اتفاق تركي – أمريكي، أو تركي – روسي سلباً وعكساً على وضع قوات قسد ومسد لتبدو القوتان في أكثر حالاتهما ضعفاً، خاصة وأنهما لم تتلقيا أي تطمينات أمريكية جدية لحمايتها من أيَّ خطر قادم وإدراك الاتحاد الديمقراطي أن النظام مستعد للتخلي عن أي شيء وعشرات الكيلومترات لقاء الوصول إلى منابع النفط والمياه في الرقة ودير الزور ومنبج.
إدارة المنطقة من قبل سكانها التاريخيين من الكورد، شكّل الحلم الذي راود الجميع منذ عقود. لكن يُخشى أن يكون الكورد هم الخاسر الأكبر جراء التطورات الأخيرة، مع محاولات الحفاظ على الحد الأدنى من المكتسبات. لكن لا أحد كالكورد لديهم ما يخسرون، ما بين خسارة كلية أو جزئية وإمكانية إنقاذ شيء ما، خارج سياق الشراكة العسكرية مع أمريكا.
– طبيعة الخلاف/ الصراع الكوردي – الكوردي في سوريا يعود إلى صراع فكري سياسي للوجود والمستقبل في المنطقة برمتها وليس سوريا فحسب. ربما أمكن تسميته بمستقبل المشاريع الكوردية في الشرق الأوسط، ودور وتموضع الكتل السياسية الكوردية إقليماً ودولياً، والدور المرحلي والمستقبلي للأحزاب الكوردية والكوردستانية على حد سواء في الصراع العالمي الحالي ومستقبل المنطقة كُلها، وكتحصيل حاصل لاختلاف المشاريع الكوردية ثمة خلافات حادة في التطبيقات العملية للبرامج السياسية لكل طرف، لجهة التعاطي مع الحلول المطروحة للقضية الكوردية.
– إن التقارب الكوردي- الكوردي المأمول شعبياً ونخبوياً والذي سعى إليه البارزاني خلال أربع اتفاقيات سابقة بين الطرفين الكورديين في سوريا، لم تر مُخرجات أي منها النور؛ ما يُعجل من مخاوف الكثيرين من أي انهيار أو تصادم حاد للجبهة الكوردية داخلياً أكثر مما هي عليه اليوم، واستغلال ذلك من لدن جهات معارضة للتطلعات الكوردية، واستغلالها لحالة الخلاف المتجذرة.
– لعل الديناميكيات الواجب دراستها والبحث فيها هي أبرز نقاط الخلاف وأسبابها بين المكونات ومختلف الأطراف العرقية والدينية والقومية المختلفة في شمال شرق سوريا، وهل هناك توترات مُحددة وكيف تظهر وما هي الخطوات التي يجب أن تُتخذ للتعامل معها؟ وهل يمكن لهذه التوترات أن تخلق نوعاً من الصراع المستقبلي؟ وهو ما يستوجب التعامل الاستباقي معه. وفي ظل إرث الخلافات المتجذرة نتيجة سياسات النظام في المنطقة، كيف يمكن أن يؤثر الصراع على العلاقات بين الطوائف وأخيراً ما هي أبرز السيناريوهات التي يتصورها كل مجتمع من المجتمعات، وإمكانية التوفيق بين هذه السيناريوهات؟