في صباح يوم (27 أيلول 2025)، استؤنف تصدير نفط إقليم كوردستان عبر الأنبوب الناقل إلى ميناء جيهان التركي. هذا الاتفاق الثلاثي له تأثير مباشر على إجمالي قطاع الطاقة في العراق وإقليم كوردستان، رغم ترك ثلاثة ملفات معلقة إلى العام 2026.
حالياً، ينتج إقليم كوردستان من جميع حقوله النفطية حوالي 285 ألف برميل نفط يومياً، ويجري الحديث عن تصدير 190 ألف برميل في الأيام الأولى، ورغم أن شركتي DNO وغينيل إنرجي تبيعان حصصهما من حقل تاوكي وبيشخابور للسوق المحلية، إلا أن تلك الكمية تضخ مرة أخرى في الأنبوب للتصدير، كما جاء في بيان DNO الصادر في (26 أيلول 2025).
خلال فترة توقف تصدير نفط إقليم كوردستان إلى ميناء جيهان التي استغرقت سنتين وستة أشهر، لم تقتصر الخسائر على مبلغ 28 مليار دولار لحقت بالأطراف الثلاثة المرتبطة بهذا القطاع فحسب، بل شملت أيضاً توقف مليارات الدولارات من الاستثمارات للشركات في هذه الحقول، في مجالات: حفر آبار نفطية جديدة، وشراء التكنولوجيا الحديثة وتحديث المعدات، وتوقف نفقات تطوير الحقول لإنتاج المزيد من النفط وتقليل تكاليف التشغيل. هذه العوامل يجب أن تضاف إلى الخسائر التي تكبدها هذا القطاع في الفترة الماضية.
استئناف تصدير نفط إقليم كوردستان إلى الأسواق العالمية، سيكون له تأثير مباشر على النفقات الرأسمالية (CAPEX) ونفقات التشغيل (OPEX) للشركات النفطية في الربع الأول من العام المقبل. مثلاً، إذا نظرنا إلى التقارير المالية والتشغيلية للشركات في إقليم كوردستان بعد آذار 2023، نرى بوضوح أن الأمر لم يتوقف عند إيقاف نفقات الاستثمار فحسب، بل امتد إلى إنتاج النفط بأقل التكاليف. الآن، تم الاتفاق في أول إعلان لشركة مثل DNO على استكشاف ثمانية آبار نفطية جديدة ورفع مستوى إنتاج النفط في حقلي تاوكي وبيشخابور إلى 100 ألف برميل نفط يومياً في العام المقبل.
في يومي 7 و8 من هذا الشهر، خلال انعقاد مؤتمر الطاقة الدولي في بغداد، أشار مدير تنفيذي في واحدة من كبريات شركات الخدمات النفطية إلى أثر توقف تصدير النفط على إيقاف أعمالهم ونقل موظفيهم - حوالي 100 موظف - من إقليم كوردستان إلى مناطق جنوب العراق. السبب الرئيس كان انخفاض نفقات الشركات وعدم وجود أعمال جديدة لاستكشاف آبار نفطية جديدة في الحقول التي كانت تعمل فيها عدة شركات مختلفة قبل آذار 2023. إن استئناف تصدير النفط يعني عودة تلك الشركات الخدمية النفطية وعودة عمل عشرات الشركات الخدمية المحلية الأخرى في هذا القطاع.
تأثير آخر مباشر مرتبط باستئناف تصدير النفط هو أسهم الشركات. على سبيل المثال، ارتفعت أسهم شركة غولف كيستون البريطانية من 20 أيلول حتى صباح 26 أيلول من 174 سنتاً إلى 208 سنتات للسهم الواحد. كذلك، ارتفعت أسهم شركة DNO من 15 أيلول حتى الآن من 14 كروناً لكل سهم إلى 16 كروناً. صحيح أن هذا الارتفاع مرتبط بأرباح هذه الشركات المشتركة، لكن له تأثيراً مباشراً وطويل المدى على سعر وقيمة الحقول النفطية في إقليم كوردستان.
استئناف تصدير النفط عبر الأنبوب الناقل إلى ميناء جيهان يعني مضاعفة سعر البرميل الواحد وبيعه وفقاً لجودته بسعر برنت. إذا كانت الجودة أفضل، فسيباع بسعر أعلى من برنت، وإذا كانت الجودة أقل، فلن يكون بالسعر المنخفض للسنوات 2014 - 2023 (أقل بحوالي 10-12 دولاراً من سعر السوق)، بل سيكون قريباً من سعر برنت الحالي البالغ 68 دولاراً أو أقل بدولار أو دولارين فقط، لأنه رسمي ولا أحد يقدم دعاوى قانونية في محاكم لندن وباريس المحايدة ضد بيعه.
خلال السنتين والستة أشهر الماضية، كما جاء في تقارير الشركات، بيع برميل النفط لحقل شيخان بسعر 27-28 دولاراً، وبأقل من 30 دولاراً لنفط تاوكي وبيشخابور، وبسعر 33-34 دولاراً لنفط أتروش وسرسنك، و37 دولاراً. أما الآن، فإن سعر كل برميل نفط يصل إلى الضعف تقريباً وأكثر في الربع الرابع لكل شركة.
أبعاد الاتفاق الثلاثي في الحاضر والمستقبل
إذا نظرنا إلى منشورات الأطراف الثلاثة في الاتفاق، نرى أن وزارة النفط والحكومة العراقية تتحدثان عن عودة السيادة على الثروة العامة للبلاد وحل المشكلة بعد ثمانية عشر عاماً، بينما يشير إقليم كوردستان إلى ربط الحقول النفطية في إقليم كوردستان بالأسواق العالمية، والشركات إلى حماية حقوقها ومستحقاتها. مهما كان التفسير، فإن هذا الاتفاق له أربعة أبعاد داخلية:
الأول، عودة الثقة في الاستثمار في بيئة الطاقة في العراق وإقليم كوردستان للشركات المستثمرة في الطاقة في هذه المنطقة من العالم، خاصة بعد أن أطلقت وكالة الطاقة الدولية (IEA) في أحدث تقاريرها تحذيرات من انخفاض الاستثمار في الحقول النفطية والغازية العالمية، مما يعرض أمن الطاقة العالمي للخطر بسبب انخفاض مستوى الاستثمار في الحقول المنتجة للنفط. جميع الحقول النفطية في إقليم كوردستان يقع ضمن هذا الإطار. هذا الاتفاق وإعادة النفط إلى الأسواق العالمية وبيعه بأسعار السوق يجعل الاستثمار نشطاً مرة أخرى كما كان لسنوات قبل آذار 2023، ويعيد الشركات الكبرى للاستثمار في هذا القطاع.
الثاني، الاعتراف بالعقود النفطية وحماية الحقوق والمصالح في هذه العقود التي أبرمها إقليم كوردستان مع الشركات النفطية الدولية. هذا، إضافة إلى أن تشجيع بيئة الاستثمار في قطاع الطاقة في العراق وإقليم كوردستان وعودة الثقة للمستثمرين، يضمن حماية حقوقهم ومستحقاتهم المالية وفقاً للعقود الموقعة.
الثالث، إبطال محاولات العراق السابقة لإعلان عدم قانونية العقود النفطية في إقليم كوردستان، لأن الشركات ستحصل على مستحقاتها المالية وفقاً لعقودها بعد إكمال أعمال الشركة الاستشارية لتحديد تكلفة إنتاج البرميل وحصة أرباحها من تلك الحقول.
الرابع، العلاقات الاقتصادية بين أربيل وبغداد حول التزامات إقليم كوردستان والعراق من الناحية النفطية. الآن، إذا باع إقليم كوردستان نفطه بشكل مستقل، هل ستدفع بغداد الرواتب فقط أم حصة إقليم كوردستان من ميزانية الدولة الاتحادية؟ لأن العقد الماضي شهد هذه العلاقة الاقتصادية كما هو محدد في الميزانية السنوية لإقليم كوردستان مقابل ما تم إرساله، كما هو موضح في الجدول أدناه. هل سيتغير هذا أم ماذا سيحدث؟ علينا انتظار الأشهر التي تلي انتخابات البرلمان العراقي في (11 تشرين الثاني 2025)، إن أجريت.
الجدول 1: حصة إقليم كوردستان من الموازنة العراقية والنفقات من وزارة المالية 2015-2024
المصدر: التقارير المالية لوزارة المالية، الموازنة السنوية للعراق 2015-2025، لوحة المعلومات المالية العراقية 2015-2025
في الأخير، إذا سارت الأمور كلها وفقاً للاتفاق الثلاثي الحالي بشأن تصدير النفط إلى ميناء جيهان، فلا تزال هناك ثلاثة ملفات كبيرة ومهمة جداً للأيام والأشهر المقبلة مرتبطة بنفط إقليم كوردستان، وهي عدم حل مسألة ديون الشركات النفطية الدولية العاملة في إقليم كوردستان وتبلغ أكثر من 885 مليون دولار لخمس شركات وفقاً لتقاريرها وكما هو موضح في الجدول أدناه.
الجدول 2: ديون الشركات النفطية الدولية (IOC) لدى إقليم كوردستان للربع الأخير من 2022 والربع الأول من 2023
الملف الثاني، هو ملف المفاوضات بين أنقرة وبغداد حول اتفاق جديد لاستخدام الأنبوب الناقل للنفط عبر تركيا، وانتهاء مدة الاتفاق الحالي في تموز من العام المقبل.
الملف الثالث، يتمثل في إمكانية تشكيل حكومة جديدة في إقليم كوردستان، وهذا قد لا يحدث تغييراً كبيراً في هذه المسألة، لكن إجراء انتخابات مجلس النواب وتشكيل حكومة جديدة في العراق وما يتبع ذلك من تغيير في خارطة طريق مجلس النواب العراقي المستقبلي، قد يخلق عقبات في هذه المسألة أيضاً. هذا إضافة إلى أن هذا الاتفاق مخصص للأشهر الثلاثة الأخيرة من هذه السنة، وبالتالي نحتاج لمراقبة التغييرات في الأيام المقبلة والسنة القادمة.