تحليل

إدلب والمأزق التركي

25-02-2020


 

RRC | حسين عمر  |

المعركة التي جرت يوم الخميس (20 فبراير/شباط 2020) في بلدة النيرب (8 كم جنوب شرق مركز مدينة إدلب)، أعطت مؤشّراً واضحاً للمأزق التركي العسكري في شمال غرب سوريا. فبعد الهجوم الذي شنّته المجموعات المسلحّة الإسلامية المتطرّفة، بمشاركة تركية مباشرة، على البلدة، تدخّل الطيران الحربي الروسي وأحبط الهجوم وخلّف قتلى وجرحى، بينهم قتيلان وثلاثة جرحى من الجيش التركي، ودمّر العديد من الآليات العسكرية. كانت هذه رسالة روسية واضحة لتركيا بأنّها لن تقف متفرّجة على أيّ هجوم تركي على الجيش السوري.

الحشود التركية المتواصلة في مناطق شمال غرب سوريا (في محافظتي حلب وإدلب)، والتي بلغت حسب بعض التقارير 15 ألف جندياً مع كافة صنوف الأسلحة الثقيلة والمتطوّرة، والمتوزّعة على 39 موقعاً، توحي بقرارٍ تركي في شنّ حربٍ مع الجيش السوري الذي سيطر خلال ما يقارب شهرٍ من هجومه على أكثر من ثلث محافظة إدلب وكامل جنوب وغرب محافظة حلب، بينها كامل الطريق الدولي M5 بين حلب ودمشق، وحلب واللاذقية في جزءٍ منه. لكن هل من السهولة بمكان على تركيا أن تشنّ هذه الحرب ؟

معركة تركية مختلفة عن سابقاتها:

العمليات الثلاث التي شنّتها تركيا سابقاً في سوريا والتي سمّتها على التوالي (درع الفرات في مناطق جرابلس والباب، غصن الزيتون في منطقة عفرين، نبع السلام في سري كانيه وكري سبي) كانت بضوء أخضر وتفاهمات مع روسيا وقبولٍ أمريكي أو ضوء أخضر وتفاهمات مع أمريكا وقبولٍ روسي. في حين أنّ أيّ عمليّة تركية في محافظتي إدلب وحلب ستكون ليس فقط بالضدّ من الإرادة الروسية، بل وفي مواجهة مباشرة مع روسيا التي لا تسيطر على أجواء المنطقة فحسب بل وتشرف مباشرة على سير معارك الجيش السوري فيها. فبكلّ تأكيد، ما كانت لسوريا أن تشنّ هذا الهجوم الواسع في محافظتي إدلب وحلب لولا وجود قرار روسي بذلك، وتصريحات المسؤولين الروس تؤكّد ذلك. الجدير بالذكر هنا هو أنّ هذه العملية العسكرية السورية-الروسية كانت على وشك أن تُشنّ في سبتمبر/أيلول 2018 إلا أنّ اتفاق سوتشي  في 17 سبتمبر/أيلول 2018 بين الرئيسين الروسي بوتين والتركي أردوغان نصّ، باقتراحٍ من أردوغان، على إقامة منطقة منزوعة السلاح بعرض يتراوح ما بين 15 إلى 20 كيلومترا على طول خط التماس، ابتداء من 15 أكتوبر/تشرين الأول 2018، على أن تقوم تركيا بإخراج جميع الفصائل الجهادية في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2018، ونزع الأسلحة الثقيلة من تلك الجماعات، وقيام وحدات من الشرطة الروسية والتركية بمراقبة المنطقة منزوعة السلاح، وانسحاب جميع الفصائل المسلحة من تلك المنطقة بما فيها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) والعمل على فتح حركة المرور بين حلب واللاذقية عبر طريق M4، وبين حلب وحماه عبر طريق M5 قبل نهاية عام 2018. لكنّ هذا لم يتحقّق بعد مرور قرابة عامين على الاتفاق وذلك أساساً بسبب عدم التزام تركيا بما تعهدّت به، وهذا ما يؤمّن ما يمكن بتسميته مبرّراً مشروعاً للحكومة السورية ومن خلفها روسيا بشنّ هذه العملية. الآن، هناك إحساسٌ لدى تركيا بأنّ روسيا قد غدرت بها وتريد أن تنتزع منها المكاسب التي حقّقتها في الشمال والشمال الغربي من سوريا بعد مقايضتها بمناطق خفض التصعيد الثلاث الأخرى وإخراج المعارضة السورية المسلّحة منها ومناطق سورية أخرى بينها مدينة حلب الاستراتيجية. كما أنّها تخشى من أن تتجاوز إيران وسوريا، بمعزل عن الموافقة الروسية، حدود اتفاقيات سوتشي وتسعيان إلى مواصلة العمليات العسكرية لاستعادة كامل المناطق الخاضعة للجماعات المسلّحة الموالية لتركيا، ولذلك تطلب تركيا من روسيا إمّا أن توقف إيران وسوريا عن ذلك أو لا تحول دون أن توقفهما هي بنفسها. لكن أيّاً يكن، فإنّ دخول تركيا في عملية عسكرية مباشرة ومفتوحة ضدّ القوات السورية سيضعها وجهاً لوجه مع روسيا التي لا يمكن لها أن تتخلّى عن سيطرتها على سوريا، وهذا سيهدّد كلّ التفاهمات التركية مع روسيا ومكاسبها المتحقّقة من تلك التفاهمات بما فيها في مناطق شرق الفرات وعفرين وحتى المناطق الأخرى من شمال سوريا من دون أن تضمن النجاح ميدانياً في هذه المواجهة، خاصّة في ظلّ السيطرة الروسية على الأجواء السورية، كما ستدفع هذه المواجهة روسيا إلى الانفتاح على جهود عزل المعارضة السورية الموالية لتركيا وتقوية المعارضة البعيدة عنها بما فيها قوات سوريا الديمقراطية التي تعتبرها تركيا خصمها الحقيقي الوحيد في سوريا، وبالتالي تحجيم الدور التركي في حلّ الأزمة السورية وتقليص نفوذها في سوريا ما بعد الحلّ. قد تدفع هذه التطوّرات بتركيا إلى التفكير بالعودة إلى الحظيرة الأمريكية، ولكنّها ستعود، في هذه الحالة، من موقع الضعف بعد فقدانها لورقة ابتزاز أمريكا بالعلاقة مع روسيا وإيران وبالتالي ستدفع ثمناً حتى لقاء هذه العودة. وكان لافتاً أن تطلب تركيا من أمريكا نصب بطاريات باتريوت على الحدود مع سوريا، الأمر الذي سترفضه أمريكا على الأرجح من دون أن تفكّك تركيا، على الأقلّ، منظومة S400 الروسية وتحويلها إلى خردة مخزّنة في المستودعات.

اللجوء التركي إلى الناتو:

يُرجّح خبراء أن تلجأ تركيا إلى طلب الدعم من حلف شمال الأطلسي (الناتو) إذا ما حدثت مواجهة واسعة في شمال غرب سوريا وأصبحت روسيا جزءاً منها، وذلك من خلال الدعوة إلى تفعيل المادة الخامسة من ميثاق الحلف. لكنّ أكثر المتفائلين في تركيا لا يتوقّعون انخراطاً عسكرياً مباشراً من الحلف في مواجهة روسيا التي لم يعد معظم أعضاء الحلف يعتبرونها عدوّاً استراتيجياً، ناهيكم عن أنّ تركيا، هنا، لا تتعرّض لهجوم يستدعي تدخّل حلفائها، وإنّما هي التي تقوم بشنّ هجومٍ على دولة عضو في الأمم المتّحدة وذات سيادة. بل وتقاتل إلى جانب هيئة تحرير الشام (جبهة النصر سابقاً)، المصنّفة كمنظّمة إرهابية بقرارٍ من مجلس الأمن الدولي منذ 31 مايو/أيار 2013. حتى أمريكا التي قد تُراهن تركيا على دعمها من المستبعد أن تدخل في نزاعٍ مسلّح مع روسيا، وأنّ سقف ما قد تذهب إليه أمريكا ربما يكون الضغط على روسيا لإبداء مرونة أكبر في ملفّ الحلّ سياسي في سوريا، خاصّة وأنّ هناك تفاهمات أمريكية-روسية على مستوى معيّن في سوريا. وإذا ما عرفنا حجم الجهود والتنازلات والتوسّلات التي قدّمتها تركيا لروسيا من أجل تجنّب عواقب إسقاط طائرة روسية واحدة (24 نوفمبر/تشرين الثاني 2015) سندرك صعوبة أن تقدم تركيا على مواجهة روسيا عسكرياً في سوريا. أمام هذه المعطيات، قد يضطرّ أردوغان إلى الخضوع لتسوية جديدة مع بوتين ينزل بموجبها من شجرة التصعيد وتحمّل ما يُصيبه من جراح في طريق النزول بدلاً عن إسقاطه من أعاليها بضربة مميتة على أرض سوريا.

خطر أن تكون التسوية على حساب الكورد:

حينما يجري الحديث عن إمكانية تسوية بين روسيا وتركيا، يقفز إلى الذهن، لأسباب منطقية، احتمال أن تكون هذه التسوية على حساب الكورد في منطقة شرق الفرات. فروسيا تُدرك أنّ الهدف الرئيسي لتركيا هو مناطق شرق الفرات وتصفية الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، وأنّ وجوداً إضافياً لتركيا منسّقاً مع روسيا سيكون إضعافاً إضافياً لنفوذ أمريكا في تلك المنطقة وربّما توتيراً إضافياً للعلاقات الأمريكية-التركية الأمر الذي يخفّف من احتمالية ابتعاد تركيا عن روسيا والتقارب مع أمريكا، كما سيكون ضغطاً إضافياً على قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية لدفعهما إلى القبول بالشروط الروسية-السورية لمعالجة ملفّ المنطقة. وهناك بالفعل معلومات عن أنّ روسيا، خلال مباحثاتها مع تركيا، قد أبدت استعدادها لمناقشة صيغ للتفاهم بشأن كوباني وعين عيسى وريف تل تمر، في حين ركّزت تركيا على منطقة ديرك وشرق قامشلو وذلك بغية الوصول إلى حقول النفط فيها وقطع التواصل بين غرب كوردستان وجنوبها ومحاصرتهما، إلّا أنّ روسيا أبلغت الجانب التركي أنّ هذه المنطقة خاضعة للنفوذ الأمريكي ولا يمكنها اتّخاذ القرارات بشأنها.

Share this Post

تحليل