RRC |
زریان رۆژهەڵاتی|
لم يمر طويل وقت حتى تكشف تأثير الدومينو لأحداث العراق والموجة الثانية للربيع العربي على إيران بوضوح. فقرار التسعيرتين للبنزين وزيادة سعر البنزين التجاري إلى ثلاثة أضعاف، أدى إلى اشتعال الغضب الجماهيري كما يشتعل البنزين وبسرعة في نحو 50 مدينة وبلدة إيرانية.
كان قرار رفع سعر البنزين التجاري من 1000 تومان إلى 3000 تومان وتقليص حصص مالكي السيارات من البنزين الحكومي مع رفع سعره إلى 1500 تومان، إلى احتجاجات واسعة النطاق، وكانت ردود أفعال القوات الأمنية خاصة في خوزستان والمناطق الكوردية أشد مما في المناطق الأخرى. هذه هي المرة الرابعة خلال ثلاث سنوات، تنطلق فيها احتجاجات واسعة على الأوضاع الاقتصادية والسياسية في إيران.
الاحتجاجات الجماهيرية في إيران هامة، بسبب الأوضاع الداخلية وأيضاً بسبب موقع طهران في السياسة الإقليمية، وإذا استمرت الاحتجاجات فلن تقتصر آثارها على هذا البلد وحده.
من المحتمل جداً أن يكون هدف إيران من رفع أسعار البنزين زيادة الدخل والسعي لزيادة حجم صادراها من المنتوجات النفطية كالبنزين، كواحدة من طرق الالتفاف على العقوبات الأمريكية. فالحظر الأمريكي على بيع النفط الخام الإيراني شديد حالياً، وربما اعتبر بيع المنتوجات النفطية، كالبنزين، واحداً من الحلول.
رغم عدم وضوح كثير من البيانات المتعلقة بالموازنة العامة، لكن قرار رفع سعر البنزين يبين أن هناك عجزاً في الموازنة الإيرانية يحتاج إلى سده من خلال رفع سعر البنزين. أعلن وزير النفط الإيراني أنهم يتوقعون من تطبيق إدارة استخدام البنزين، توفير عائدات سنوية تبلغ نحو 738 مليون دولار سنوياً. كما أعلن رئيس منظمة البرامج والميزانية الإيرانية، محمد باقر نوبخت، عن رقم مشابه مؤكداً أن هذا المال سيوزع على نحو 60 مليون مواطن إيراني. لكن مع الأخذ بارتفاع أسعار السلع والخدمات المختلفة، لا يبدو أن دفع مبلغ كاثني عشر دولاراً لكل فرد من أولئك الستين مليوناً سينفع المواطنين.
من جهة أخرى، هناك معلومات تشير إلى أنه بالرغم من تراجع مستوى مبيعات النفط الخام الإيراني، توفر مبيعات المنتوجات النفطية كالبنزين عائدات هامة لإيران، ويمكن أن يجري هذا رسمياً أو عن طريق التهريب. لأن زبائن البنزين يمكن أن يكونوا أشخاصاً عاديين ولن يكون اكتشاف هذه العمليات وحصرها يسيراً على أمريكا. أعلن وزير النفط الإيراني أنهم لا مشكلة لهم مع بيع المنتوجات النفطية. فهناك تخمينات تشير إلى أن إيران تجني 500 مليون دولار شهرياً من بيع المنتجات النفطية ونفط المناجم والغاز السائل لدول الجوار، ما يمكن أن يشكل مصدراً هاماً في وقت تريد فيه طهران مقاومة العقوبات الأمريكية.
ارتفاع أسعار البنزين والانتخابات والخلافات الداخلية
أعلن ثلاثة مراجع شيعية إيرانية حتى الآن (آية الله صافي غولبايكاني، آية الله علوي غورغاني، آية الله مكارمي شيرازي) اعتراضهم على قرار رفع أسعار البنزين، لكن ليس معلوماً إلى أي مدى سيستمر اعتراض هؤلاء بعد دفاع المرشد الإيراني عن القرار.
ربما يكون لرفع أسعار البنزين بعد آخر مرتبط بحسابات الأطراف المختلفة للانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في بدايات العام القادم. فمن المحتمل أن لا يترشح رئيس البرلمان الحالي، علي لاريجاني، وبهذا ستكون المنافسة الرئيسة بين المحافظين والمعتدلين – الإصلاحيين الذين يعد لاريجاني من شخصياتهم البارزة.
في الأيام الأخيرة لام روحاني مؤسسة القضاء على تطبيق أجندتها الخاصة تحت غطاء محاربة الفساد، حسب قوله، وقد يكون ذلك إشارة إلى اعتقال شخصيات قريبة إلى المسؤولين الحكوميين الحاليين وأخوه واحد منهم. رداً على ذلك، ومع أنه لم يسمّ أحداً، كشف عن فساد يتعلق باختفاء ملياري دولار، وقد يكون هذا نوعاً من حملة انتخابية مسبقة.
كما أن ارتفاع سعر البنزين يأتي في خضم الصراع بين أجنحة السلطة. فقد دافعت حكومة روحاني عن القرار أول الأمر، لكنها الآن تؤكد أنها ليست لوحدها من أصدر القرار، وأن القرار صدر عن “مجلس التنسيق الاقتصادي” الذي تشكل بعد إعادة فرض العقوبات الأمريكية بقرار من المرشد الإيراني، وهي بهذا لا تريد أن تتحمل لوحدها المسؤولية عما جرى. مجلس التنسيق الاقتصادي مؤسسة جديدة كان تأسيسها حافلاً بصراع أجنحة السلطة.
وكما جرى في سنوات الحرب الإيرانية العراقية، عندما طلب رئيس الجمهورية آنذاك، علي خامنئي، سلطات خاصة من آية الله الخميني، أعلن حسن روحاني بعد إعادة فرض العقوبات الأمريكية أن إيران تخوض حرباً اقتصادية ولهذا طلب من المرشد الإيراني منحه سلطات خاصة ليتمكن من مواجهة الوضع. في حينه، أدت السلطات التي منحها مرشد إيران السابق لخامنئي إلى مركزية في القرارات وانصياع كل المؤسسات لقرارات رئيس الجمهورية. لكن خامنئي في هذه المرة، وبدلاً من منح روحاني صلاحيات كتلك، شكل مجلس التنسيق الاقتصادي الذي يشارك فيه مسؤولو السلطات الثلاث في إيران، وبهذا حال دون إمساك روحاني بزمام السلطة لوحده بحجة الحرب الاقتصادية.
أما وقد تفجر الوضع الآن وخرج الناس إلى الشوارع، فلا يريد روحاني أن يتحمل لوحده المسؤولية عن هذا القرار، لذا أعلن أنه حال دون رفع أسعار البنزين إلى خمسة أضعاف!
هناك نقطة أخرى، وهي أنه في حال استمرت المظاهرات فمن المحتمل جداً طرح خيار تأجيل الانتخابات وإن لم يحصل ذلك فيتوقع أن تكون نسبة المشاركة فيها أدنى نتيجة لسخط الجماهير.
النتيجة
كان البنزين مجرد سبب لإظهار السخط الشعبي الإيراني المتراكم على الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي زاد امتزاجها الآن، ولا يبدو أن المسؤولين الإيرانيين عندما اتخذوا قرار رفع سعر البنزين كانوا يتوقعون احتجاجات واسعة.
بعد إعادة فرض العقوبات الأمريكية، حاولت إيران من خلال السيطرة على أسعار البنزين والخبز، وأحدهما طعام رئيس والآخر ضرورة من ضرورات النقل ولهما أهمية خاصة للطبقتين المتوسطة والفقيرة، الحد من ازدياد السخط الشعبي. فإن المساس بأحد الضرورات الرئيسة سيزيد السخط.
وفي حين أثبتت تجارب السنوات الثلاث الأخيرات أن القمع لم يتمكن من منع تكرار المظاهرات في إيران. لا شك أن ذلك إلى جانب قطع خدمة الإنترنت وانقطاع الاتصالات بين الناس، يمكن أن يؤثر على التظاهرات، لكن من المستحيل أن ينهي سخط الشعب. فحتى في حال توقفت التظاهرات، سيظل التغيير السياسي في إيران محكوماً بعامل الوقت، ولكنه سيظل حتمياً.
لهذا على الكورد عموماً وإقليم كوردستان خصوصاً، الاستعداد لكل السيناريوهات المتعلقة بالوضع في إيران.