تحليل

الاستهداف المستمر لصناعة النفط والغاز من جانب الميليشيات

04-07-2022


مقدمة

تتزايد الهجمات التي تشنها الجماعات المسلحة العراقية “الخارجة على القانون” على صناعة النفط والغاز في إقليم كوردستان، وبحسب التقارير بلغت تلك الهجمات مرحلة أجبرت الشركات العاملة في قطاع النفط والغاز في إقليم كوردستان على استخدام أقل ما يمكن من القوة البشرية لمواصلة أعمالها والتحفظ من توسيعها. وتشير التقارير، تحتفظ شركة دانة غاز بأقل عدد من الموظفين في حقل كورمور فقط للحفاظ على مستوى الإنتاج الحالي. وفي حال عدم اتخاذ الاجراءات الفورية لمعالجة هذا الأمر، بالتأكيد سيكون له تأثير كامل على زيادة الإنتاج في إقليم كوردستان. من ناحية أخرى، قد يشكل تهديداً بشرياً واقتصادياً وبيئياً خطيراً على إقليم كوردستان.

يجب حمل الهجمات الأخيرة على مصافي النفط وحقل غاز كورمور على محمل الجد من أجل منع وقوع كارثة كبيرة، لأن أي انفجار صغير في خزانات النفط أو الغاز يحدث كارثة كبيرة من حيث تلوث المياه والتربة والهواء، والذي سيكون له الأثر الكامل على سكان المناطق القريبة من الحقول والمصافي. ناهيك عن الأضرار الاقتصادية التي قد تصل إلى مئات الملايين من الدولارات والتي يمكن أن تدمر بنية تحتية ضخمة لصناعة النفط والغاز تم بناؤها على مدار سنوات عديدة.

في الواقع، وفي حال وقوع كارثة من هذا القبيل، لا يمتلك إقليم كوردستان والعراق قدرات لوجستية متقدمة قادرة على السيطرة على هذه الأنواع من الكوارث. ومثلما حدث، عندما فجر داعش آبار النفط في القيارة، تم جلب المعدات اللازمة للسيطرة على الحرائق من الكويت، وتمت السيطرة عليها بعد حوالي ثمانية أشهر. بعد انتشار عشرات المواد الضارة مثل ثنائي أكسيد الكربون والكبريت والنيكل وما إلى ذلك في هواء وماء وتربة المنطقة.

لذا، ومن هذا المنطلق يجب الوقوف عند هجمات الفصائل المسلحة أو أي قوة أخرى من الداخل، للحؤول دون وقوع كوارث إنسانية واقتصادية وبيئية جسيمة للغاية لا تقتصر على إقليم كوردستان وحده بل تشمل العراق كله. في هذا التقرير، ومن خلال الوقوف على تداعيات حادث من هذا القبيل، نتوقف مرة أخرى عند الأضرار التي لحقت بالعراق جراء تفجير حقل القيارة النفطي ومن ثلاثة جوانب ونشير إلى آثار هذه الهجمات على مستقبل صناعة النفط والغاز في إقليم كوردستان.

الأضرار البشرية والاقتصادية والبيئية

يعتمد حجم الضرر على احتمال وقوع الحادث، سواء كان في حقل للغاز والنفط أو أي نوع آخر من الحوادث. كمثال يوضح الأضرار، نقف على الأضرار الذي تسبب فيها داعش في حقل القيارة النفطي. استمرت الحرائق لأكثر من ثمانية أشهر بسبب الافتقار إلى المعدات اللازمة لمواجهة هذا الحريق. نتيجة لهذه الحرائق خلال تلك الفترة قدر حجم الانبعاثات بحوالي 133 مليون طن من ثنائي أكسيد الكربون في التربة والهواء والماء وهو يعادل كمية انبعاثات ثنائي أكسيد الكاربون في بلجيكا. وكانت هنالك انبعاثات لغازات سامة أخرى أيضاً مثل ثنائي أكسيد الكبريت [2]. ونظراً لغياب المعدات اللازمة في العراق لمواجهة هذا النوع من الحرائق، أعلنت الكويت أنها سترسل المعدات اللازمة إلى العراق لمواجهة تلك الحرائق وفي الثاني من كانون الأول 2016 وصلت معدات مكافحة الحرائق إلى حقول نفط القيارة قادمةً من الكويت.

كان حقل القيارة آن ذاك ينتج 30 ألف برميل وكان مخططاً أن يزيد الإنتاج إلى 200 ألف برميل قبل نشوب الحريق. كارثة تفجير حقول القيارة النفطية من جانب داعش والتي تمت السيطرة على حرائقها بعد ثمانية أشهر، أدت إلى جانب حرق الحقول إلى أضرار أخرى مثل:

من الناحية البشرية:

– باتت حياة 15 ألف شخص من سكان القيارة في خطر

– جلاء مئات الأشخاص عن ديارهم بسبب الحريق والدخان [4]

– واجه سكان الموصل التي تبعد عن مصدر الحريق 40 كيلومتراً فقط، مخاطر صحية، وفقاً للأمم المتحدة، تعرض ملايين الأشخاص للغازات السامة [5]

– عانى عدد كبير من الناس، وخاصة الأطفال، من مشاكل في التنفس والالتهاب الرئوي بسبب إطلاق الدخان والغازات السامة واستمرت هذه الأعراض حتى بعد السيطرة على الحريق [6]

– انتشار النفط والغاز في الهواء والتربة [7]

من الناحية الاقتصادية:

– قدرت وزارة النفط العراقية الأضرار بمئات الملايين من الدولارات

– من مجموع 50 بئراً حرق داعش 18 منها وأصيب 34 بئراً بأضرار [8]

– نفوق العشرات من الأغنام كبير بسبب التلوث البيئي

-تضرر محاصيل الخضروات والمحاصيل الأخرى بسبب الأمطار الحمضية نتيجة إطلاق الدخان والغازات الضارة مثل ثنائي أكسيد الكبريت في الهواء

– توقف إنتاج النفط لمدة سنتين. كانت الخطة الأولية هي إنتاج 120 ألف برميل من النفط يومياً. لكن في عام 2021 أنتج 55 ألف برميل فقط [9]

من الناحية البيئية:

– خرج الحريق عن السيطرة لأشهر وغطى الدخان أكثر من 250 كيلومتراً مربعاً لمدة 21 يوماً

– تضرر حوالي 20 ألف متر مربع بسبب الحريق وتسرب النفط [10]

– الحرائق أطلقت مواد ضارة في الهواء والتربة والماء

– سببت تلوث نهر دجلة

– ألحقت الضرر بالزراعة في المنطقة وتسببت في انخفاض إنتاج المحاصيل

– تدمير الثروة السمكية والمائية في نهر دجلة

– فسر إريك سليم، رئيس برنامج البيئة في الأمم المتحدة تأثيرات استمرار الحريق ووصفها بالـ”تمهيد لكارثة بيئية طويلة الأمد ذات آثار طويلة الأمد” [11]

– ينتج عن حرائق حقول النفط والغاز غازات ضارة مثل ثنائي أكسيد الكربون وثنائي أكسيد النيتروجين وثنائي أكسيد الكبريت بالإضافة إلى مواد ضارة مثل النيكل والفانديوم والرصاص [12]

تزايد المخاطر الأمنية وتداعياتها على صناعة النفط والغاز

منذ مارس هذا العام حتى 26 يونيو 2022 تم تنفيذ ست هجمات صاروخية على البنية التحتية لصناعة النفط والغاز في إقليم كوردستان (المصافي وحقول الغاز). كان أخطر هجمتين في الأول من مايو 2022 عندما استهدف خزان نفط تابع لمجموعة كار في مصفى كوركوسك وأصاب الصاروخ أعلى الخزان. ولو اصطدم الصاروخ بقاع الخزان، لوقعت كارثة لا يمكن السيطرة عليها بسهولة لكن لحسن الحظ تمت السيطرة عليها. كما تم استهداف حقل غاز كورمور ثلاث مرات خلال 72 ساعة فقط.

منذ عام 2007، يتم العمل على تطوير وتوسيع وزيادة إنتاج حقل كورمور. ففي الأيام الأخيرة تم الانتهاء من حفر بئر غازي جديد من أصل ثمانية آبار جديدة، وهذا ضمن الخطة المرسومة لزيادة الإنتاج حتى نيسان 2023. لكن الهجمات أدت إلى تقليل و”إيقاف” أعمال التوسعة وزيادة الإنتاج.

نقطة أخرى تهم الشركات المحلية والدولية وهي تقييم المخاطر والآن زادت مخاطر الهجمات، فبالإضافة الى المخاطر السياسية الناجمة عن قرارات المحكمة الاتحادية ووزارة النفط العراقية، باتت المخاطر الأمنية في مقدمة التهديدات بعدما كانت تتذيل الترتيب في عام 2019.

لا تؤثر المخاطر الأمنية المتزايدة على عمل الشركات المحلية والدولية فحسب، بل تؤثر أيضاً بشكل كبير على قدوم الاستثمار الأجنبي ومشاريع التوسعات الحالية والإنفاق الاستثماري للشركات في الحقول التي تعمل فيها. على سبيل المثال، دانة غاز التي كانت تخطط لحفر ثمانية آبار جديدة لرفع مستوى إنتاج الغاز بمقدار 250 مليون قدم مكعب أخرى بحلول أبريل 2023 تقوم الآن بمراجعة حساباتها وتواجه عقبات في مجال عمل الخبراء الأجانب وحتى موظفيها، لذا فهي تعمل بأقل عدد من الموظفين للحفاظ على مستويات الإنتاج الحالية.

في الحقيقة، هناك تفسيرات مختلفة للغرض من الهجمات سواء السياسية منها أو الاقتصادية أو الأمنية. لكن سقوط صواريخ بالقرب من مصفاة كار في كوركوسك التي لديها القدرة على تكرير 90-120 ألف برميل نفط حسب جودة النفط والتي تمتلك أحدث التقنيات المستخدمة لتصفية النفط، ويهدف الحقل لتوريد البنزين للسوق المحلي في إقليم كوردستان والمحافظات العراقية الأخرى، تتسبب كل حادثة مثل هذه في خسائر بمليارات الدولارات.

حسب البيانات المتوفرة، فإن كلفة تكرير ألف برميل من النفط هي 25 ألف دولار، ما يعني أن حقل كوركوسك بطاقة 100 ألف برميل نفط خام يمتلك رأس مال يصل إلى نحو 2.5 مليار دولار. أي لو كان الهجوم قد أصاب أحد هذه المستودعات أو خطوط الأنابيب أو أبراج تكرير النفط للمنتجات النفطية لكانت الأضرار، إضافة إلى مليارات الدولارات، قد طالت المئات من موظفي الشركة والمواطنين المحيطين! لهذا يجب اتخاذ خطوات في هذا السياق.

من ناحية أخرى، قد يشير قصف حقل غاز كورمور في الأيام الثلاثة الأخيرة إلى أن الهدف هو إبقاء إقليم كوردستان وحتى العراق على المستوى الحالي لإنتاج البنزين والغاز والاستمرار في الاعتماد على الغاز والبنزين المستوردين. على سبيل المثال، استورد العراق ما قيمته 1.204 مليار دولار من البنزين و272 مليون دولار من الغاز من 1 يناير 2022 إلى 31 مارس 2022، [4]. في عام 2021 استورد بنزيناً بقيمة 2.54 مليار دولار وغاز بقيمة 657 ويباع بسعر مدعوم. خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام خسر إقليم كوردستان 618 مليون دولار بسبب الدعم. يحتاج إقليم كوردستان من خمسة إلى ستة ملايين لتر من البنزين يومياً [6] يتم استيراد ثلثيها من الخارج وخاصة من إيران. من هنا، تحدث جيمس جيفري في حوار بمعهد واشنطن عن الهجوم الأخير على حقل كورمور وقال، “إيران تخطط لاحتلال العراق بأكمله والضغط على صناعة النفط في أربيل.”

وتأتي هذه الضغوط في وقت تمر فيه صناعة النفط والغاز في حكومة إقليم كوردستان والشركات العالمية بفترة صعبة بسبب قرارات المحكمة الاتحادية العراقية ووزارة النفط العراقية. لذلك، أشار ماثيو زايس نائب رئيس HKN ونائب المساعد السابق لوزير الطاقة الأميركي في تقرير عن الهجمات، مشيراً إلى مستوى التهديدات التي تواجه صناعة النفط والغاز في إقليم كوردستان، ويتحدث عن تطور التهديدات من كونها محلية إلى دولية خاصة من ناحية الإنتاج والتصدير ويقول “هناك تحديان رئيسان في إقليم كوردستان يمكن أن يلقيا بظلالهما على سوق النفط، ولم يؤخذا بعد على أنهما تهديد سياسي. وهما استمرار الهجمات على صناعة النفط والغاز ومحاولات وزارة النفط العراقية ضد إقليم كوردستان، في حال حسم دعوى الحكومة العراقية ضد تركيا في محكمة فرنسية التي من المقرر البت فيها في يوليو. والآن تنتظر الحكومة العراقية الفوز بتلك القضية. ومن المحتمل أن تقدم تركيا عندئذٍ ونتيجة للضغوط على إيقاف تصدير نفط إقليم كوردستان، وإذا حدث ذلك فإنها ستحرم الأسواق من 450 ألف برميل نفط يومياً، الأمر الذي سيكون له تأثير كبير على الأسعار في السوق، لأن هذه الكمية هي ضعف الكمية التي أقرت أوبك بلس زيادتها في شهري تموز وآب، والتي هي جزء من أجندة زيارة جو بايدن للرياض الشهر المقبل”[8].

الخاتمة

بداية، إذا تم تفسير خطر هذه الهجمات على أنه ورقة ضغط فقط أو خلق أزمة، فيجب أن يحمل على محمل الجد اعتباراً من مارس من هذا العام، لأنه دخل مرحلة جديدة، واعتباراً من مايو 2022 استهدفت البنى التحتية لمصافي النفط مباشرة وفي الأيام الماضية استهدفت البنى التحتية لإنتاج الغاز والتي تمثل مصدراً لتوفير الطاقة الكهربائية للمواطنين.

لذلك وكما ذكرنا سابقاً فإن الأضرار البشرية والاقتصادية والبيئية للوضع الحالي في إقليم كوردستان والعراق ستكون كبيرة جداً ولن تقتصر على الحاضر وسيكون لها تأثير كبير على الهواء والتربة والمياه وما حولها من المناطق وسينزح منها مئات الآلاف من الأشخاص وستحدث مشاكل صحية، بالإضافة إلى أضرار بشرية واقتصادية وبيئية مباشرة. لذلك، لمنع حدوث مثل هذه الكارثة من الأفضل اتباع الطرق ادناه:

– اتخاذ نهج جديد للتعامل مع الهجمات.

– اطلاع الحكومة العراقية والمراكز السياسية العراقية ودول الجوار على المخاطر

– توفير المعدات والمواد اللازمة للسيطرة على أي حادث مفاجئ

– توحيد الجهود لمنع حدوث كارثة من هذا النوع

– التنسيق مع الشركات العالمية وإبلاغ المراكز العالمية بالخطر المحتمل لمثل هذا الحادث

سواء أكانت هويات منفذي الهجمات معلومة أو مجهولة، فإنهم ربما لا يدركون الكوارث التي من الممكن أن تنجم عن عمليات إطلاق الصواريخ وإلا فإن الأضرار البشرية والاقتصادية والبيئية لن تقتصر على الحكومة والسلطات والسكان في هذه المناطق فقط، بل ستشمل المياه والهواء والتربة في كل العراق، وعندها ربما لن يكون التعويض عنها ممكناً.

المصادر:

[1] https://reliefweb.int/map/iraq/iraq-fires-al-qayyarah-oil-field-nineveh-governorate-between-18-july-2016-and-7-january

[2] https://www.climatechangenews.com/2017/08/23/photos-reveal-iraq-oil-fires-burning-behind-isis-retreat/

[3] https://www.rudaw.net/sorani/middleeast/iraq/031220161

[4] https://time.com/4542032/iraq-mosul-isis-qayyarah-mosul-oil-fires-sulfur/

[5] https://www.humanitarianresponse.info/sites/www.humanitarianresponse.info/files/documents/files/mosul_env_health_hazards_report_final_8nov.pdf

[6] https://diyaruna.com/en_GB/articles/cnmi_di/features/2017/02/21/feature-02

[7] https://paxforpeace.nl/media/download/pax-report-living-under-a-black-sky.pdf

[8] https://www.rudaw.net/english/business/27092018

[9] https://www.iraq-businessnews.com/list-of-oil-and-gas-fields-in-iraq/oil-and-gas-fields-qayara/

[10] https://paxforpeace.nl/media/download/pax-report-living-under-a-black-sky.pdf

[11] https://www.humanitarianresponse.info/sites/www.humanitarianresponse.info/files/documents/files/mosul_env_health_hazards_report_final_8nov.pdf

[12] https://paxforpeace.nl/media/download/pax-report-living-under-a-black-sky.pdf

Share this Post

تحليل