تحليل

الأزمة السياسية الشيعية؛ صراع أستخدام الشارع

16-08-2022


بعد تظاهرات يوم 12 آب التي اديرت من قبل كوادر والقواعد الجماهيرية للإطار التنسيقي مقابل تظاهرات الصدريين في المنطقة الخضراء وأطراف البرلمان, قرر الصدر أن يلجأ للشارع مرة أخري لتنظيم “مظاهرة مليونية”. يهدف الصدر أن يحسم كل الشكوك حول حجم وعدد أنصاره مقارنة بالإطار التنسيقي. بعد مرور 10 أشهر على الصراعات مابين الإطار والتيار والأنسداد السياسي لم تحسم معادلة تشكيل حكومة العراق الجديدة بعد! على الرغم من أن في بداية الأزمة السياسية كانت هنالك غالباً توقعات بنتاج مواجهات مسحلة, لكن أصبح مخاطر الصدام المسلح ألان أقل مما كان عليه بالسابق.

يمتلك التيار الصدري وتنظيمه (البنيان المرصوص) واللتين تعدان تيارات عقائدية سياسية هرمية لهم قاعدة جماهيرية كبيرة ومتظاهرين نشيطين في العاصمة, حيث معظمهم من أهالي منطقة مدينة الصدر في بغداد. في المقابل متظاهرين الإطار التنسيقي يمثلون تلك الأطراف التي تفتقر الى خبرة النزول الى الشارع (ماعدا متظاهري الحكيم) وكذلك معظمهم يعملون داخل مؤسسات الدولة وبعضهم ينتمي للطبقة الوسطى, أي بمعنى هنالك فرق بين نشاطات الطرفين في الشارع. على سبيل المثال, ملامح البساطة والتنوع واضحة على الصدرين ويرون التظاهر خاصية من خواصهم. لكن بالمقابل تظاهرات الإطار التنسيقي أشبه بالتدريب والأستعراض العسكري للجماعات المسلحة وهذا لأن غالبيتهم منطوين ضمن الحشد الشعبي وبعضهم تركوا واجباتهم العسكرية وأخذوا الاجازات لإراحة أنفسهم في بيوتهم وانضموا في أجازاتهم لتلك المظاهرات. هنالك تشابه كبير بين لباس وعمر وتصرفات هؤلاء الشباب العسكريين, لكن لا يوجد تشابه في خطاباتهم وهتافاتهم أمام الكامرات وأثناء الأعتصام, أي غير متحدين. وكلَ مجموعة من هؤلاء الشباب يمدحون القادة المنطوين تحت أذرعهم وبهم من أتى مجبراً وصار يصرخ “كلا للعراق” او “نعم نعم للكاظمي”.

لا يمكن النظر إلى الانقسام السياسي الحالي داخل الشيعة والاستقطاب الذي ظهر على السلطة ثم على الشارع بمعزل عن التكوين الاجتماعي وطبيعة المؤيدين والقاعدة الشعبية لكلا القطبين. أتباع الصدر هم في الغالب من الشيعة الفقراء والطبقات المهمشة في المحافظات الجنوبية وبغداد. هذه الكتلة الشعبية كانت في عهد والد الصدر أيضاً قاطبة للفقراء وقليل من هؤلاء الناس كانت اموالهم ووارداتهم تتجاوز الخمس ولهذا أطلق عليه خصوم الصدر لقب “مرجع الفقراء”. في وقت كان هذا ضمان للتيار ليكون له جمهور مطيع ومتحمس و دائم الانتظار للأوامر.

في المقابل حزب دعوة المتمثلة بال المالكي تمثل النخبة الشيعية أو أولئك الذين اكتسبوا مناصب ومصالح في كلتا الولايتين (2006-2014) وأصبحوا أصحاب مكانة ومصالح في مؤسسات الدولة. في الجانب الأخر تمثل عائلة الحكيم “الشيعة الأرستقراطيّن” وكل ما يملك هذين الطرفين للأستثماره في ملئ الشارع هو المسلحين الشباب للحشد الشعبي وموظفيهم. وفي كل مرة حاولوا أنشاء حركات جماهرية, أصبحت حركاتهم أقرب من أن تكون أستعراضاً بدل أن تكون مظاهرة.

يعتقد كلا المحورين الشيعيين أنهما قادران على حشد جماهيرهما وما زالا يحاولان القيام بذلك. لكن دون هذين المحورين, هنالك أغلبية صامتة إما لم تشارك في الانتخابات, أو من متظاهري تشرين وتعتبر مشاركتهم وآرائهم مهمة لإمالة ميزان القوى بين القطبين. ومع ذلك بسبب كون حملات الصدر شعبية وأدعائه على تغييرالنظام وانتقاده الشديد للحكومة التي كان جزءًا رئيسيًا فيها, فإن الصدر لديه فرصة أفضل في جمع المتعاطفين من خارج دائرته مقارنة بخصومه الذين يحملون شعار حماية الدستور والدولة.  لأنه من الواضح أن اشمئزاز الجمهور وغضبهم من هذا النظام والدولة في أعلى مستوياته ولهذا فإن نسبة المشاركة في الانتخابات تتراجع باستمرار وقبل عامين تم قمع الانتفاضة ضد النظام وحكومة ما بعد 2003, والتي انتهت بمقتل العديد من الناس.

هنالك شكوك في أن تتمكن ورقة الشارع التي هي الآن عبارة عن فعل ورد فعل أن تنحي الصراع جانباً, لأنه على الرغم من عرقلة الشارع ومتظاهري الصدر لتسمية محمد شياع السوداني رئيساً للوزراء من قبل الإطار التنسيقي, لكن دون الشارع, فأن السلاح والمال والمقاطعات ورأي المرجعية ونفوذ إيران يلعبان دوراً مهماً في ميزان الحكم في سلطة العراق! لأنه حتى في السنتين الماضية تلك العوامل كانت وراء إقالة حكومة عبدالمهدي وهي نفسها التي منعت الصدر من السيطرة على الدولة رغم إمتلاكه للأغلبية.

بالنسبة للتيار الصدري , بعد انسحاب كتلتهم ذو ال73 مقعد وفقدان موقعهم في المجلس التشريعي, لم يتبقى امامهم خيار سوى النزول إلى الشارع. وسيستمر الصدرين بهذا النهج حتى الوصول الى حل متوسط سيتضح في المفاوضات فيما بعد. لكن المهمة أصعب بالنسبة للإطار التنسيقي. فهم أمام تحدي لإثبات ان الشارع ليس ملكا للصدر وفي الوقت ذاته عليهم اظهار قاعدتهم الجماهرية المساوية لقاعدة الصدر.  وكيفية اثبات هذا يعتمد على الجولات القادمة من لعبة تحريك الجماهير.

Share this Post

تحليل