تمهيد
في ليلة 15 على 16 من كانون الثاني 2024 الحرس الثوري الايراني هجوما مماثلا لذلك الذي حدث في 13 من آذار 2022، حيث استهدف مرة اخرى منزل احد المستثمرين الاثرياء في اربيل، ما عدا الاضرار المادية راحت ضحية الحادث طفلة لم تبلغ لعام الاول من عمرها والمستثمر وتاجر عراقي مسيحي وجرح اعضاء آخرون من عائلته واطفال وعمال وحراس المنزل.
ووصفت الخارجية الأميركية الهجوم بأنه متهور، وأسفر عن مقتل مدنيين ونساء وأطفال داخل منزلهم. مبرر الهجوم الإيراني هو قصة غير مثبتة عن الوجود الإسرائيلي في أربيل،لكن استهداف طفلة عمرها عام واحد ووالدتها في المنزل يثير تساؤلات جدية حول الرواية الإيرانية لهجمات أربيل. هدف ايران ليس الاسرائيليين او الامريكان في إقليم كوردستان ، إنما الهدف منها هو تخريب الإستقرار ومنع تقدم القطاعات المختلفة في كوردستان، وبالأخص القطاع العقاري والطاقة. القطاع العقاري يشكل 28% من إجمالي إستسثمار إقليم كوردستان ووصلت الاستثمارات إلى أكثر من 18.9 مليار دولار في أقل من 17 عاماً، وعشرات المليارات من الدولارات مستثمرة في قطاعات الطاقة والنفط والغاز. بعيدا عن الابعاد السياسية والأمنية لتلك الهجمات، التركيز على الجانب الإقتصادي لتلك الهجمات مهم جدا، ويظهر جانبا آخراً من الهجوم الصاروخي الإيراني على منزل اثرياء اربيل.
لماذا يستهدف القطاع العقاري والطاقة؟
بحسب بيانات هيئة الإستثمار،إجمالي الإستثمار في القطاعات المختلفة كان في إقليم كوردستان, عام (2006- 2023) كان 67 مليار دولار، منها 18.9 مليار دولار في القطاع العقاري. ايضاً 41 مليار دولار من 67 مليار إستثمار إقليم كوردستان كان في القطاعات المختلفة كان في محافظة اربيل ومركز المدينة.
مجموعة شركات فالكون بالشراكة مع شركات الإستثمار المحلية والخارجية الأخرى في إقليم كوردستان والعاصمة اربيل، استطاعوا ان يغيروا البنية التحتية للقطاع العقاري بالكامل وان يبنوا مرحلة جديدة من الإعمار والبناء، بالأخص من ناحية المشاريع السكنية.
بيشرو دزيي، صاحب مجموعة شركات فالكون من بعد عام 2005 بالأخص بعد بناء مشروع إمباير استطاع ان ينقل البنية التحتية العقارية لأربيل إلى مرحلة اخرى وان يعطي اربيل احدى معالمها الجديدة. في الواقع إذا عدنا الى ال 18.9 مليار دولار المستثمرة في القطاع العقاري في 17 عام مضت، سنرى ان اكثر من 11 مليار دولار كانت للقطاع العقاري لمحافظة اربيل، والتي لا شك ان مجموعة شركات فالكون كانت رائدة في ذلك الأمر. تتكون مجموعة شركات فالكون من 16 شركة التي تعمل في قطاع الإعمار والتجارة وعكس ما هو متداول، فإن المجموعة ليس لها اي إستثمار في مجال النفط كما هو مشار اليه في بعض القنوات غير الرسمية القريبة من إيران وجيشها.
في 13 آذار 2022 شن الحرس الثوري الايراني بنفس هذه الحجة، هجوماً صاًروخيا على منزل شيخ باز البرزنجي المستثمر في مجال الطاقة والذي يمتلك شركة كار كروب. إستهداف صاحب كار كروب على لسان بانو شيخ باز، الذي صرح لرووداو بعد ايام من الحادث ويستنكر فيها هجوم جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية على منزلهم واصفاً " لم يستطع احد الوقوف في مكانه، لأن الشبابيك كانت قد تكسرت. كان هذا وضعنا في تلك الليلة. حيث لم نعلم ما الذي ارتديناه في اقدامنا وذهبنا الى حديقة المنزل وكنا نشاهد الصواريخ وهي تمر من فوقنا".
في الواقع، شركة كار كروب مثلها مثل شركاتIOC العالمية كان لها دور كبير في تقدم قطاع النفط والغاز في إقليم كوردستان وحتى في مجال تصفية النفط، استطاع منذ البداية ان يدخل كوردستان الى مرحلة جديدة. مثلا شركات كار كروب من بعد عام 2003 استطاعت تكون رائدة في مجال النفط والغاز والتصفية في إقليم كوردستان. الآن شركة كار كروب تنتج يوميا تقريبا 100 الف برميل نفط وتصفي اكثر من 100 الف برميل من النفط الخام لإنتاج البنزين، النفط الابيض والاسفلت والخ، والتي تستخدم في الاسواق الداخلية وتصدر الى المحافظات العراقية الاخرى.
ايضاً بعد ايام من الهجمات التي حدثت قبل عامين، كانت هنالك تفسيرات مختلفة لها، لكن الروايات الداخلية وروايات الجمهورية الإسلامية جميعها كانت عارية من الصحة. صرحت اللجنة التي تم تشكيلها من قبل الحكومة العراقية للتحقيق في الحادث بعد شهرين، بأنه "لم يكن هناك اي آثار لوجود نشاطات تجسسية في مكان الحادث والجهة المتضررة لها حق طلب تعويض من الحكومة الإيرانية". لذلك من المتوقع ان تكون نتائج التحقيقات في هذه الحادثة الاخيرة ايضا متقاربة من تلك النتائج وخصيصاً ان هذه المرة هناك ضحايا مدنيين ونساء واطفال.
الخاتمة
ان الهجمات الاخيرة بالمقارنة مع تلك التي حدثت قبل عامين من ناحية التوقيت حدث ابكر على بيت مستثمر في مجال العقار، وذلك ما عدا البعد السياسي والامني وحتى الإقتصادي الذي اشير اليه هنا، كان ايضا هدفه تخويف المواطنين في اربيل وإقليم كوردستان. إن إعلان المسؤولية بعد أقل من فترة بتصريحات مختلفة واختلاق قصة مفبركة وراء الهجمات الصاروخية لا يغير من حقيقة العثور على مدنيين، وخاصة طفلة لم تبلغ من العمر سنة واحدة، تحت الأشجار وأنقاض المنزل. صحيح أن إقليم كوردستان، وخاصة العاصمة أربيل، خلافاً لباقي مناطق المنطقة (وسط وجنوب العراق)، بدأ مرحلة جديدة في مجال الطاقة والعقارات كانت مختلفة تماماً عن كافة القطاعات الأخرى. ولذلك، فإن الهجمات الصاروخية المتكررة للحرس الثوري ستشكل بالتأكيد تهديداً خطيراً للبيئة التي خلقتها لهذين القطاعين وغيرهما من القطاعات المختلفة، وستؤثر على مسألة بقاء أو عدم بقاء المستثمرين والرأسماليين في إقليم كردستان.
وأخيرا، فإن القصة الإيرانية وراء الهجمات، التي ولدت من الخوف والخيال ضد إسرائيل، شيء، والحقائق على الأرض في أربيل شيء آخر.