في نهاية الشهر الجاري ستقام إنتخابات رئاسية مبكرة في إيران وسط وضع سياسي شائك على المستوى المحلي والدولي وازمة مالية متفقمة. وبالرغم من انه لا تنتظر اي تغيرات جذرية في نتيجة تلك الإنتخابات وبالرغم من ان هناك آلية للتنافسات الداخلية للقوى السياسية الإيرانية، ستكون هذه الإنتخابات إختبارا مهما للمحافظين والإصلاحيين في البلاد والمشكلة الأكبر التي يواجهها الإصلاحيون هي إقناع الناس بالذهاب إلى صناديق الاقتراع. ويبدو أن الانتخابات تحظى أيضا بأهمية كبيرة بالنسبة للمرشد الإيراني من حيث تجديد شرعية النظام والتحضير لعودة ترامب.
من الممكن ان يكون فسح الطريق لمرشح بارز من الإصلاحيين بالترشيح لرئاسة الجمهورية هدفه رفع نسبة مشاركة المواطنين في الإنتخابات وذلك في حين ان في الإنتخابات الماضية لم يتم فسح المجال للإصلاحيين البارزين ان يرشحوا انفسهم. ومن الممكن أن يؤثر التنافس الداخلي بين المحافظين من ناحية وتنافسهم مع مسعود بزشكيان على حماسة الانتخابات. وبحسب الإحصاءات الحكومية الرسمية، بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية الـ13 66%، لكنها انخفضت في الانتخابات الأخيرة عام 2021 إلى 49%. حيث انخفضت نسبة المشاركة بنسبة 20% في جميع المحافظات الإيرانية. وفي 17 محافظة، بلغ الانخفاض أكثر من 20 %، حيث احتلت طهران المرتبة الأولى بنسبة 41.98 % أقل من المتوسط. تليها محافظة سنة الكوردستانية بانخفاض قدره 39.4%. والانخفاض كبير في أذربيجان الشرقية، حيث يعيش الأذربيجانيون. ايضا كان الحال مماثلا بين عرب خوزستان وبعض المدن الإيرانية الكبرى الأخرى. وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية 59%، وانخفضت الى41% هذا العام. وهذا يعني أنه باستثناء محافظتي جنوب خوراسان، كوكلويه وبوير أحمد، اللتين ارتفعتا بنحو 6%، نسبياً في المحافظات الأخرى، انخفضت المشاركة بنسبة 16%، وفي 14 محافظة كان الانخفاض أكثر من 15%.
وكانت هذه النسبة 37% في طهران، و31% في كرمانشاه، و21% في أصفهان، و18% في أذربيجان الشرقية، وأكثر من 15% في خوزستان وسيستان. وكما هو واضح، في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في عام 2021، طهران وغيرها من المدن الإيرانية الكبرى ومراكز المجموعات العرقية والدينية مثل الأكراد والأذريين والعرب والبلوش، تأتي على رأس قائمة المدن ذات الإقبال المنخفض.
إن انخفاض نسبة المشاركة له نتيجة مهمة: ففي المدن الكبرى مثل طهران، تراجعت رغبة الطبقة المتوسطة الحضرية في التصويت، وفي جميع أنحاء إيران، تراجعت رغبة المجموعات العرقية والدينية في التصويت.
بشكل عام، يعيش 77% من سكان إيران في المدن، وهو ما يمثل أكثر من 68 مليون من سكان البلاد البالغ عددهم 88 مليون نسمة. وقد نما الناتج المحلي الإجمالي في إيران بنسبة 3.8 % في السنوات الأخيرة، ولكن الوظائف لم تزد. وفي العام الماضي، بلغ معدل البطالة الإجمالي في إيران 9%، ولكن بين الشباب كان حوالي 15%. ومع تسلم إدارة بايدن الحكم، زادت عائدات النفط الإيراني مقارنة بإدارة ترامب. 40% من إيرادات الدولة تأتي من الضرائب، مما أدى بشكل عام إلى تحسين وضع الإيرادات، لكن التضخم أثار قلق الناس. مثل ما كان الحال في عام 2023 كان اكثر من 40% وكانت غلاء الطعام مشاركة بنسبة 40%. ويتلقى حوالي 77 مليون شخص في إيران مساعدات مالية مباشرة من الدولة بسبب الغلاء. وفي الوقت نفسه، تتعرض الطبقة الوسطى لضغوط اقتصادية مرهقة. يضن البعض بأن الطبقة الوسطى قد تقلصت ذلك ما عدا ان المتطلبات السياسية للطبقة الوسطى لا تتطابق مع سياسة الحكم الحالي. السماح لمرشح من الإصلاحيين الذين كانو يحصلون على غالبية اصواتهم من الطبقة الوسطى يعد بمثابة محاولة صلح بين طبقة المجتمع الوسطى وصناديق الإقتراع. ما عدا ذلك يمكن ان يكون الدافع وراء جلب بزشكيان الذي يتمتع بخطاب سلمي بالنسبة لحقوق الجماعات العرقية للساحة ان يكون لكسب اصوات تلك الجماعات. ويعتقد أن والد محمد باقري قاليباف كان كورديًا من خوراسان وأمه كوردية من مهاباد، أو على الأقل ولدت هناك. هذا بالإضافة إلى أن والده أذربيجاني إن تأكيده على ضرورة مشاركة المجموعات العرقية في إدارة الدولة هو خطوة لجذب المزيد من الناس من هذه المجموعات إلى صناديق الاقتراع.
وبشكل عام، تظهر الاستطلاعات المنشورة اتجاهاً متراجعاً في نسبة من قالوا إنهم سيشاركون حتماً في الانتخابات أو العكس. وفي المقابل، ارتفعت نسبة المترددين. ويقدر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة اسبا أن نسبة المشاركة بلغت 42.5 %، في حين أن استطلاع أجراه مركز البحوث في البرلمان يصل إلى 45.5 %. وقدر اسبا معدل الغياب بـ 27.2% ومعدل المترددين بـ 30.5%. وحدد مركز البحوث في البرلمان الأرقام بـ 21.4% و31.8% على التوالي. ومع ذلك، فإن النتائج المجمعة لسبعة استطلاعات أجراها اسبا ومركز البحوث في البرلمان وجامعة الإمام الصادق بلغت 48%. بعض استطلاعات الرأي مشكوك فيها، ولكن كبيانات وحيدة فهي مهمة فقط لمعرفة اتجاه الأصوات، وليس القيام بتنبؤ دقيق تمامًا. وفي الانتخابات الأخيرة التي أجريت في مارس/آذار الماضي، كان يحق لـ 61 مليوناً و172 ألفاً و298 شخصاً التصويت، وإذا أخذنا ذلك كقياس، فبحسب استطلاعات الرأي،من الممكن ان يشارك نحو 29 مليون شخص في الإنتخابات وبحسب النتائج المجمعة، سيحصل سعيد جليلي على 23 %، بزشكيان على 20.5 %، وقاليباف على 20 %، والمرشحون الثلاثة الآخرون على 6 %. سيكون الفائزون الأوائل هنا هم أولئك الذين ما زالوا مترددين بنسبة 30.5٪ تقريبًا. لذلك، في سيناريو لا يتوحد فيه المحافظون ويستمرون بعدة مرشحين، وتوزع النسبة بين المرشحين كما هي، فإن هناك احتمالا للذهاب إلى جولة ثانية من الانتخابات، لأنه لا يمكن لأي منهم الفوز في الانتخابات بأصوات الأغلبية المطلقة. إذا ذهب الأصوات الرمادية إلى بزيشكيان، فلديه فرصة للفوز بالجولة الأولى بفارق بسيط، ولكن إذا اتحد المحافظون في الدقيقة 90 ولم تذهب كل الأصوات الرمادية إلى بزيشكيان، فمن المحتمل أن يفوز مرشح محافظ. نقطة أخرى هي أنه في آخر 13 انتخابات رئاسية كانت هناك 3% أصوات باطلة، وفي الانتخابات الأخيرة كانت النسبة 12.8%، أي 3 ملايين و708 آلاف و870 صوتا، وهو عامل آخر يؤثر على التوقعات.
وما لم يحدث سيناريو مماثل في الانتخابات السابقة، التي انسحب فيها بعض المرشحين المحافظين، بمن فيهم رئيس البرلمان الحالي قاليباف، لصالح الرئيس، فإن المنافسة الرئيسية ستكون بين محمد باقري قاليباف، ومسعود بيزشكيان، وسعيد جليلي.
ومن بين المحافظين، يسعى قاليباف، وهو شخصية عسكرية سياسية إيرانية يبدو أن والده كردي من خراسان، إلى الرئاسة للمرة الرابعة. وفي عام 2005، حصل على أكثر من 4 ملايين صوت، وفي عام 2013 حصل على نحو 6 ملايين، وفي عام 2017 انسحب لصالح الرئيسي. وفي الانتخابات البرلمانية الأخيرة خاض هو وحزب العدالة والتنمية الذي يعتبر مقرب منه ائتلافا يسمى مجلس تحالف القوى الثورية الإسلامية وأعيد انتخابه رئيسا للبرلمان لولاية ثانية رغم التنافس الداخلي من المحافظين. والعائق الأكبر الذي يواجه قاليباف هو منافسيه المحافظين. ويضم ائتلافه أيضًا رئيس بلدية طهران الحالي علي رضا زاكاني. ويبدو أن جبهة الاستقرار، ثاني أهم ائتلاف محافظ والتي يقودها أحد وزراء حكومة أحمدي نجاد، هي الأقرب إلى سعيدي جليلي. لكنه قال إنه سيدعم المرشحين بعد المناقشات معهم. والمخاوف من تكرار تجربة أحمدي نجاد جعلت بعض زعماء المحافظين مترددين بشأن خيار جليلي. الحرس الثوري الإيراني قال إن الرئيس المقبل يجب ألا يكون عائقا، وهو ما يمكن ترجمته على أنه عائق أمام المرشد الإيراني وقال إنها لا يمكن أن تضعف جبهة المقاومة. وقال رحيم صفوي المستشار العسكري للزعيم، إن على الشعب أن يختار من يعتبر نفسه من الدرجة الثانية ولا يختلف مع المرشد. ومن المرجح أن تكون تصريحات صفوي إشارة إلى تجربة أحمدي نجاد وروحاني في الرئاسة، اللذين قاما في بعض الأحيان بعكس ما فعله الزعيم الإيراني. ويدعم مجلس اتحاد القوى الثورية الإسلامية، الذي يضم حوالي 13 مقعدًا في البرلمان ويتكون من المحافظين التقليديين، مصطفى بور محمدي. ولم يتضح بعد من هو التحالف الذي ستقرره الائتلافات المحافظة الثلاثة الأخرى (غد إيران، والشبكة الاستراتيجية لأصدقاء الثورة – شريان – وائتلاف القوى المعرضة للثورة الإسلامية – آمنة). لكن مجرد وجود هذا العدد الكبير من القوائم يدل على وجود مصالح وانقسامات أخرى بين المحافظين. ومن المحتمل أن يطيعوا المرشد الإيراني طوال حياته.
على الأرجح، أياً كان الفائز من بين هؤلاء المرشحين، حتى لو كان بزيشكيان، فلن تكون هناك مشكلة كبيرة بالنسبة للمرشد الإيراني. وأوضح مسعود بزيشكيان أنه لا يستطيع تغيير كل شيء ولا يريد الانحراف عن السياسات العامة للمرشد الإيراني. إضافة إلى ذلك، فإن احتمال فوز بزيشكيان أو حتى مشاركته قد يكون تمهيداً لاحتمال عودة ترامب، الذي قد لا يتصرف مثل بايدن في قضية إيران. لأن إجراء انتخابات تنافسية (وإن كانت محدودة) مع زيادة إقبال الناخبين من شأنه أن يعزز موقف الحكومة ويرسل رسالة استعداد للولايات المتحدة للتسوية. وأياً كانت السياسات التي تجري خلف الكواليس، بطبيعة الحال، فإن نسبة الإقبال على التصويت هي التي تقرر اللعبة في نهاية المطاف.