تحليل

الفرق بين ارقام الايرادات والنفقات في النصف الاول من 2023 في العراق

20-09-2023


تمهيد

في نهاية حزيران وبداية تموز 2023 كانت قاعة البرلمان العراقية مزدحمة لتثبيت مشروع قانون موازنة 2023 والعامين المقبلين. النقاشات كانت مكثفة وطويلة داخل البرلمان واستمرت بعض الايام لحد الفجر, لكن وبالنظر الى القانون نرى ان على الارجح النقاشات كانت سياسية اكثر من كونها اقتصادية وتفتفقر للدقة في الارقام. على سبيل المثال في المجموع العام للنفقات هناك فرق ترليون و258 مليار دينار. والذي مر مرور الكرام على وزارة المالية,اللجنة المالية في البرلمان, والمجلس الاعلى للاقتصاد في العراق و 327 عضو في البرلمان (ص60-63). والملفت اكثر هو فرق نفقات محافظة الانبار والذي كان من المفترض الا يمر على رئيس البرلمان والاعضاء السنة في اللجنة المالية مرور الكرام, لان تم تثبيت مجموع نفقات المحافظة على اساس مبلغ 466 مليار دينار, لكن عند جمعها سجل مبلغ 436 مليار فقط. بمعنى ان فقط لدى جمع الميزانية المخصصة لتلك المحافظة هناك اختلاف 30 مليار دينار!

حسب ميزانية الثلاثة اعوام, نفقات العراق في سنة 2023 هي  198 ترليون دينار, اي ان في النصف الاول من السنة يصرف 99 ترليون دينار, ولكن في الستة اشهر الماضية لم يصرف نصف هذا المبلغ حتى. من الممكن ان يكون ايضا النقص الذي يتحدثون عنه في القانون الا يحدث قط, بسبب ان بحسب تقارير وزارة المالية حول النفقات و وايرادات العراق بحسب الوزارات, لحين نهاية حزيران 2023 مجموع النفقات التشغيلية والاستثمار بلغت 47 ترليون دينار و الايرادات النفطية واللانفطية اكثر من 54 ترليون دينار, اي ان خلال الستة اشهر الاولى في 2023, 7 ترليون دينار هو الفائض من الفروقات بين النفقات والايرادات.

ايضا بحسب الميزانية الموقرة لسنة 2023,كان من المفترض ان توفر الايرادات النفطية 87% وغير النفطية 13% من مجموع الايرادات, لكن بحسب تقارير وزارة المالية, في النصف الاول من هذه السنة وفرت الايرادات النفطية 99.2% وغير النفطية 0.8% فقط من اجمالي الواردات!

نقطة اخرى مهمة بخصوص الواردات النفطية, الاختلاف بين تقارير ومنشورات وزارة النفط ووزارة المالية بخصوص تلك الواردات. اي في النصف الاول من هذه السنة بحسب وزارة النفط بلغت الايرادات النفطية 44.4 مليار دولار اي 59.4 ترليون دينار, لكن بحسب وزارة المالية كانت فقط 53.8 ترليون دينار. وهذا يعني ان اجور الشركات النفطية في العراق بلغت اكثر من 5.5 ترليون دينار, هذا ما عدا نفقات وزارة النفط التي بلغت في الستة اشهر الماضية 728 مليار دينار.

في حين انه وبحسب مشروع قانون الموازنة كان من المفترض ان تبلغ الايرادات النفطية 57.6 ترليون دينار لكن المبلغ المتبقي للعراق اقل بملبغ 3.8 ترليون دينار, في حين ان 74.6 دولار كان  سعر بيع البرميل الواحد كمعدل خلال تلك الستة اشهر. وبالتأكيد عدم تصدير نفط اقليم كوردستان وعدم مساهمته في ملأ المبلغ المذكور في الميزانية, جعل معدل التصدير في هذه الفترة 3.29 برميل بدلا من 3.5 مليون برميل الموثق في الميزانية.

بالتدقيق في الارقام الموجودة داخل موازنة 2023, تقارير وزارة المالية وتقارير وزارة النفط نقف عند اختلافات الواردات والنفقات.

النفقات بحسب الميزانية ووزارة المالية في النصف الاول من 2023

في يوم 12 حزيران 2023 وافق البرلمان العراقي على تثبيت الميزانية للثلاثة اعوام, والذي وبحسب قانون الموازنة العراقية لسنة 2023 هو 198.9 ترليون دينار, والذي فيه نقص اكثر من 64 ترليون دينار وسوف يتم اكمال المبلغ من خلال القروض. القانون تم تثبيته في يوم 26 حزيران نشر عبر الجريدة الرسمية للعراق والاحصائيات المذكورة هنا مأخوذة من تلك الاحصائية.

في الصفحة 60-63 المصروفات على مستوى 65 مؤسسة, وزارة ومحافظة تم تقديمها. الملفت للنظر هو ان من مجموع الميزانية هناك فرق بمبلغ ترليون و 258 مليار دينار. ويكمن الفارق الاكبر في اجمالي تمويل البرامج الخاصة بمبلغ 477 مليار دينار.

ليس الفارق فقط في المجموع العام ايضا هناك فارق في الميزانية المخصصة لمحافظة الانبار فمثلا تم تخصيص مبلغ 198.4 مليار دينار كميزانية تشغيلية ومبلغ 105 مليار دينار كميزانية برامج واداء ومبلغ 162 مليار كميزانية رأسمالية, مجموع الثلاث مبالغ هو 466.3 مليار دينار, ولكن في الميزانية المعلنة المبلغ الموثق هو فقط 436 مليار دينار (صفحة 63).

هذه الاختلافات في الارقام تثير سؤالا جوهريا وهو هل يطبق هذا القانون في العراق؟ اذا كان الجواب نعم على اي اساس؟ واي مبلغ؟ بسبب ان ما عدا الاختلافات والتفرقة في توفير والية تخصيص النفقات للمأسسات والوزارات  ايضا الارقام ليست متطابقة! (دقق في الجدول الاول). من ناحية النفقات, هناك عدة ارقام ملفتة والتي تم ذكرها كنفقات لسنة 2023 في القانون. فمثلا, مجموع نفقات المجمع العلمي العراقي والتي هي من ضمن نفقات رئاسة الجمهورية,يبلغ 6 مليار دينار سنويا في حين ان مجموع الميزانية المخصصة لديوان الرقابة المالية مع هيئة النزاهة  223 مليار دينار.

وفوق هذا كله خصص مبلغ 15 مليار دينار للمحكمة الفيدرالية العليا,وبحسب افادة في الايام الماضية تم تخصيص ثلث المبلغ لشراء سيارات بمعنى ان مبلغ 5 مليار دينار نفقات شراء سيارات في 2023.

بحسب القانون سوف يصرف العراق مبلغ 198.8 ترليون دينار ولكن اذا لم يتم التسريع في الانفاقات فالمبلغ المذكور في الميزانية لن يتم انفاق حتى النصف منه.لان في الفصول الاربعة للسنة لم يتبقى سوى فصل واحد, في 11 من تموز ثبت مجلس الوزراء تعليمات الموازنة وفي السابع  من اب 2023 تم الاعلان عنه في الجريدة الرسمية.

والفرق الاخر هو النفقات بين القانون وتقارير وزارة المالية للمؤسسات والوزارات والمحافظات والتي تم صرف بعضها تقريبا كما ورد في الموازنة, والبعض الاخر لم يصرف له شيئا. على سبيل المثال في الستة اشهر الاولى من هذه السنة كان من المفترض ان يصرف مبلغ 99 ترليون دينار ولكن تم صرف 47 ترليون دينار فقط. لهذا اذا كانت النفقات مطابقة لتلك التي واردة في قانون الموازنة يجب ان تكون النفقات في النصف الثاني من هذه السنة ليس فقط الضعف بل ثلاثة اضعاق النصف الاول.

جدول 1: النفقات وفق مشروع قانون موازنة 2023 للمؤسسات والوزارات والمحافظات/الف دينار

بحسب تقارير وزارة الداخلية لحد نهاية حزيران 2023, مجموع النفقات وصل الى 47.8 ترليون دينار 41 ترليون دينار (نفقات تشغيلية) و 6 ترليون دينار نفقات استثمارية, مثل الذي مذكور في الجدول رقم 2. في الستة اشهر الماضية اكبر نفقة تشغيلية بعد وزارة المالية بمبلغ 10.8 ترليون دينار كانت النفقة التشغيلية المخصصة لوزارة الداخلية بمبلغ 5.9 ترليون دينار بالمركز الثاني تليهم وزارة التربية بمبلغ 4.6 ترليون دينار بالمركز الثالث.

الجدول رقم 2: النفقات بحسب تقارير وزارة المالية لحد نهاية حزيران 2023 (دينار)

في تلك الستة اشهر اعلى النفقات كانت لرئاسة الوزراء بمبلغ 1.2 ترليون دينار, وذلك في حين ان حسب قانون الموازنة لسنة 2023 عدا ديوان رئاسة الوزراء, رئاسة مجلس الوزراء ومكتب رئيس الوزراء, تم تخصيص مبلغ 7.9 ترليون دينار لعشرين مؤسسة اخرى. و منضمنهم مكتب رئيس الوزراء 229 مليار, ديوان رئاسة مجلس الوزراء 920 مليار دينار رئاسة مجلس الوزراء 1.2 ترليون دينار. لذلك من بين 45 مؤسسة التي اعلنت عن نفاتهم وزارة المالية كانت رئاسة الوزراء الوحيدة من استطاعت خلال الستة اشهر الاولى من السنة ان تنفق مبلغ 4.3 ترليون دينار من مجموع 5.9 ترليون دينار اي 72% من ميزانيتها.انظر الى الرسم البياني الاول.

نقطة اخرى مهمة بخصوص نفقات قانون الموازنة وبحسب تقارير وزارة المالية بخصوص اقليم كوردستان من ضمن 45 مؤسسة وجهة حصة الاقليم هي الوحيدة التي نفقاتها (صفر) اي لم يتم صرف اي مبلغ من المال للاقليم واللتي على الاقل كان يجب صرف نصف حصتها من الميزانية التشغيلية بالاخص للربع الثاني من الاشهر اي شهر 4-5-6 والتي تم فيهم ايقاف تصدير نفط الاقليم.

الرسم البياني رقم 1: نفقات بعض المؤسسات والوزارات من بين الموازنة ووزارة المالية للستة اشهر الاولى لسنة 2023

الواردات بحسب الميزانية لوزارة المالية ووزارة النفط في النصف الاول من سنة 2023

المشير له بحسب تقارير وزارة المالية هناك 7 مصادر للواردات ولكن في الحقيقة وبحسب الارقام ايرادات العراق تأتي فقط من النفط وبحسب تقرير وزارة المالية 99% من مجموع الايرادات في النصف الاول لعام 2023 كانت من النفط. لذلك فأن ايرادات العراق ليست متنوعة ومعقدة مثل نفقاته بل انتاج النفط وتصديره واسترداد الاموال بالدولار المتبقية منها بعد دفع اجور شركات النفط وصرف الدولار بالدينار العراقي من البنك المركزي.

بحسب تقارير وزارة المالية في الستة اشهر الاولى من هذه السنة كانت ايرادات النفط 53.8 ترليون دينار, والتي من المفترض بحسب الميزانية ان يكون مبلغ الايرادات النفطية 58.6 ترليون دينار, ويعني ذلك عجزا بمبلغ 4.7 ترليون دينار ومن المؤكد ان ذلك كان سيضاعف الفارق لو لم يكن سعر البرميل الواحد للنفط اعلى من السعر المدرج في الميزانية.

السبب الرئيسي في ذلك الاختلاف هو توقيف تصدير نفط الاقليم, والذي حسب قانون الموازنة يصدر الاقليم يوميا 400 الف برميل نفط ولكن تم توقيف التصدير من 25 اذار 2023 ولحد الان.

بحسب الميزانية كان من المفترض ان تكون الايرادات الغير نفطية في الستة اشهر 8.6 ترليون دينار, ولكن في هذه الفترة كانت الواردات الغير نفطية بالسالب(-), بسبب  خسائر سعر الصرف. الايرادات الغير نفطية بلغت 1.9 ترليون دينار. لكن وزارة المالية قالت ان ايرادات صرف العملة تراجعت الى 2.14 ترليون دينار, في حين ان بحسب الميزانية كان من المفترض ان تزيد الايرادات الغير نفطية بنسبة 413 مليار دينار من خلال سعر صرف العملة, والذي تم توضيحه في الجدول رقم 3.

الجدول رقم 3: الايرادات النفطية والغير نفطية في النصف الاول من 2023 بحسب وزارة المالية وميزانية 2023.

في الواقع وبحسب وزارة النفط, بلغ اجمالي الايرادات النفطية للعراق في النصف الاول من عام 2023, 59 تريليون دينار, اي انها تجاوزت المبلغ المدرج في الميزانية لكن ذلك قبل تكاليف انتاج المرافق والتكاليف الاخرى المتعلقة بالانتاج والصادرات.

في النصف الاول من 2023 مجموع الاموال المسترجعة لوزارة المالية العراقية هو فقط 53.8 ترليون دينار, بمعنى انها كانت الواردات الخالصة للدولة من الايرادات النفطية والمعادن, في حين ان بحسب وزارة النفط مجموع الايرادات في هذه الفترة كانت 44.4 مليار دولار ما يعادل 59.4 تريليون دينار, وصدر العراق 595 مليون برميل من النفط خلال الاشهر الستة بمتوسط 3.29 مليون برميل يوميا بسعر 74.66 دولار للبرميل بحسب الجدول رقم 4.

الجدول رقم 4: تفاصيل الايرادات النفطية بحسب وزارة النفط في النصف الاول من عام 2023

المصدر:وزارة النفط العراقية المعلن عنه شهريا عن التصدير الايرادات وسعر النفط

ملاحظة: سعر صرف الدولار بالدينار من الشهر الاول لحين 7 شباط 1450 دينار, من بعد ذلك اليوم سعر صرف الدولار بالدينار 1310

هناك فرق مبلغ 5.5 تريليون دينار بين تقارير وزارة المالية ووزارة النفط في النصف الاول من سنة 2023, بشكل ان اعلى نسبة هي في شهر نيسان بمبلغ 1.6 ترليون دينار واقل نسبة في شباط بمبلغ 596 مليار دينار.

الجدول رقم 5: الفروقات في الواردات النفطية بين وزارتي المالية والنفط في النصف الاول من 2023

واذا اضفنا الفرق بين وزارة النفط ووزارة المالية من حيث اجور الشركات وتكاليف الخدمات فأن تكلفة برميل النفط في العراق ارتفعت من 7.1 دولار الى 7.8 دولار للبرميل في الاشهر الستة الماضية. في حين ان هذا المبلغ مختلف عن الذي تم وضعه لوزارة النفط في ميزانية 2023 وهو 23.2 تريليون دينار في الموازنة التشغيلية وحدها!

وبالاضافة الى المبلغ اعلاه افادت وزارة المالية ان وزارة النفط انفقت 728 مليار دينار اخرى منها 422 مليارا للموازنة التشغيلية و 305 مليار للاستثمار. في مشروع موازنة 2023 والذي يتضمن السنتين المقبلتين ايضا, الايرادات النفطية منضمنها اقليم كوردستان 117.2 تريليون دينار, والذي من المفترض ان يصدر العراق 3.5 مليون برميل نفط يوميا.من  بغداد 3.1 مليون ومن اربيل 400 الف برميل, ولكن بعد تعليق تصدير نفط الاقليم وعدم الوصول لاتفاق بين بغداد وانقرة من غير المرجح ان تشترك تللك الكمية البالغة 400 الف برميل مثل ماهو مذكور في الموازنة خلال الستة اشهر الماضية 72.4 مليون برميل وللربع الثاني من السنة اي الاشهر 4-5-6 ما يقارب 36.4 مليون برميل نفط.

بشكل عام في تلك الستة اشهر وبحسب الموازنة ومتوسط سعر صادرات النفط خسرت الموازنة العراقية 5.4 مليار دولار واذا كان سعر النفط حسب السعر المذكور في الميزانية فقد خسر العراق 5.04 مليار دولار, مر على النصف الثاني من السنة ما يقارب الشهرين و 10 ايام, ليس من المعلوم ان الاقليم سوف تصدر النفط مجددا ام لا؟  انظر الى الجدول رقم 5 بخصوص الايرادات النفطية بحسب الموازنة العراقية لسنة 2023.

الجدول رقم 6: الايرادات النفطية بحسب قانون الموازنة العراقية في النصف الاول من سنة 2023.

النهاية

تختلف التقديرات او الاعتماد على نفقات العراق وايراداته كما وردت في الموازنة بشكل كبير عما يتم تنفيذه وابسط مثال كمية النفط المصدرة يوميا والذي من المفترض ان يكون 3.5 مليون برميل يوميا ولكن لم يتم تصدير سوى 3.29 مليون برميل.

من حيث الايرادات وبالاخص الغير النفطية فلم ترتفع فحسب بل كانت مديونة ايضا وبينما كان من المتوقع بحسب القانون ان يتم جمع 13% من الايرادات غير النفطية ولكن في الستة اشهر الاولى تم جمع 1% فقط من الايرادات الغير نفطية و 99% من الايرادات النفطية.

هذه الفروق في الايرادات والنفقات كما وردت في الموازنة وتقارير وزارة المالية من جهة والفرق في الارقم المذكورة في القانون الذي يزيد عن 1 تريليون دينار وفي حصة محافظة الانبار وحدها هو 30 مليار دينار وبالتأكيد اذا تم التدقيق اكثر في الارقام لتلك 65 مؤسسة ووزارة وايظا في التدقيق في المحافظات ايضا سوف نرى امورا اخرى بعد.

واخيرا يقال الى الحين ان بغداد حددت 6 دولارات لكل برميل نفط يتم انتاجه في اقليم كوردستان, في حين ان خارج المبلغ المخصص سنويا للاستثمار والذي يبلغ 15 تريليون دينار تبلغ كلفة انتاج كل برميل نفط في العراق من 7 الى 8 دولار هذا بالرغم من ان تكلفة انتاج البرميل الواحد للنفط مختلفة جدا في كوردستان ليس فقط بسبب اجور الشركات العالمية التي تعمل في قطاع الانتاج النفطي في كوردستان بل ايضا بسبب التركيبة الجبولوجية لحقول النفط في كوردستان فتكلفة انتاج البرميل الواحد من النفط في الاقليم ليست نفس التكلفة المحددة في الميزانية وليست متقاربة منها اصلا.

Share this Post

تحليل