مقدمة
على عكس الهجمات الصاروخية السابقة التي استهدفت أربيل ومحيطها, أستهدفت هذه المرة ثلاث هجمات صاروخية على حقل غاز كورمور في قضاء جمجمال في محافظة السليمانية. ولم تعلن أي جماعة مسؤوليتها عن الهجوم, لكن هذه الهجمات تعد تطورًا حديثًا ونقطة تحول في هجمات الجماعات المسلحة “الميليشيات” على إقليم كوردستان. لأن المنطقة المستهدفة هذه المرة هي منطقة يتمتع فيها الاتحاد الوطني الكوردستاني بنفوذ أكبر. في وقتلك يمتلك فيه الاتحاد الوطني الكوردستاني علاقات عميقة مع إيران والأطراف الشيعية.
من نفذ الهجمات؟
على الرغم من أن المنطقة الواقعة في مثلث جنوب كركوك – جبل حمرين و شمال محافظة ديالى يعد حتى الآن معقل لتنظيم داعش و يهاجم التنظيم الإرهابي من هناك البيشمركة من حين لآخر, إلا أن منذ عام 2020 فقد داعش القدرات والمعدات اللازمة لتنفيذ مثل هذه الهجمات الصاروخية. وبحسب المسؤولين كانت صواريخ من نوع الكاتيوشا. وبالنظر إلى تنوع هذه الصواريخ في العراق, فمن الأرجح أنه تم إطلاقها من مكان ما بين جنوب كركوك وشمال محافظة ديالى من مسافة لا تزيد عن 20-40 كم. ومع ذلك, إذا تم تحديد نوع الكاتيوشا, واتضح أنها كانت من النوع الذي لا يقطع مسافة طويلة ويقطع حوالي 8-9 كيلومترات فقط, فهذا يعني أن الصاروخ تم إطلاقه من مكان ضمن إدارة حكومة إقليم كوردستان, مما يمنح الهجمات بعد مختلف. وإذا كان هذا صحيحًا, قد يكون هناك هدف آخر للهجوم. على الرغم من وجود صراع هائل بين القوى الكوردية في المنطقة مؤخرًا, إلا أنهم لم يفكروا أبدًا في قتال بعضهم البعض. ومع ذلك, يصبح هذا خيارًا قائماً في حال كانت الهجمات منفذة من داخل إقليم كوردستان.
بما أن المناطق الواقعة بين المثلث الجنوبي كركوك – حمرين وديالى لا تزال مواقع لمجموعات مختلفة من الحشد الشعبي والجيش العراقي وهناك ثغرات أمنية كثيرة, تتجه الشبهات نحو الجماعات المسلحة التي تقف وراء الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة على إقليم كوردستان.
لماذا تم تنفيذ هذه الهجمات؟
جاءت الضربات على كورمور في وقت تراجعت فيه حدة التوتر بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني. وذلك بعد مبادرات أبدت من قبل نيجيرفان بارزاني – جنين هينيس بلاسخارت, والتي تطلبت انفتاحًا في العلاقات بين الاتحاد والديمقر اطي. انسحاب الصدر لم يترك أي خيار للطرفين سوى التفاهم. وجاءت الهجمات أيضا بعد أن رحب بحرارة معظم قياديي الشيعة في الأيام الأخيرة لاهور شيخ جنكي. ويعتبر هذا الترحيب ضغطا سياسيا على “الاتحاد الوطني الكوردستاني الجديد” , فيما كانوا في السابق يرون أنه من المستحسن الصمت خلال الأحداث المتعلقة بإبعاد لاهور. أعلنت حكومة إقليم كوردستان في وقت سابق من هذا الشهر أنها ستؤسس شركتين للنفط والغاز ومن الصعب تطوير هذه الشركات دون موافقة الاتحاد الوطني الكوردستاني, وربما كان هناك تفاهم بين الجانبين في هذا الشأن.
عندما نربط الأحداث معًا, تبدو الهجمات الصاروخية والضغط السياسي بمثابة أداتين عمليتين لمنع اتفاق افتراضي بين الاتحاد الوطني الكوردستاني والحزب الديمقراطي الكوردستاني بشأن ملف الغاز الطبيعي. ومع ذلك, يجب أن نعلم أن الهجمات أيضا يمكن أن تؤثرعلى قرار الشركات الأجنبية العاملة في قطاع الطاقة في إقليم كوردستان وتتزامن مع رسالة تحذير ثانية للشركات الأجنبية حول مصير عملها مع حكومة إقليم كوردستان.
عامل آخر يجب مراعاته هو أنه بعد انسحاب الصدر من البرلمان, ستضطر الأطراف الرئيسية في الإطار التنسيقي مثل العامري والمالكي إلى تقديم تنازلات للديمقراطي الكوردستاني و ل”تقدم” وذلك من أجل أن تتمتع حكومتهم المستقبلية بشرعية نسبية. وبفعل ذلك, سيتعين عليهم اتخاذ موقف غير عادي ضد ضغط الجماعات المسلحة على حكومة إقليم كوردستان ومحافظة الأنبار (الحلبوسي). هذا إلى جانب أنها ستجبرهم على تجاهل بعض مطالب هذه الجماعات المسلحة. هذا ممكن بالنظر إلى الاختلافات بين الأطراف في الإطار التنسيقي. وكان هادي العامري قد دعا المرجعية العليا إلى منع تعطيل العملية السياسية, وهو ما يعني بشكل غير مباشر أنه سيضع خطاً أحمر على اسم المالكي لأن المرجعية سبق لها أن قالت إن “المجرب لا يجرب”. وبحسب التقارير, يطمح نوري المالكي البت في مرشح ضمن الإطار التنسيقي لرئاسة الوزراء بأسرع وقت ممكن. من جانب أخر[1] قال قيس الخزعلي, السكرتير العام لميليشيا عصائب أهل الحق, إن نتائج تشكيل الحكومة على غرار تشكيل الحكومات السابقة سيكون كارثياً, وفضل أن يكون رئيس الوزراء القادم قادرًا على التغلب على المشاكل الاقتصادية الموجودة في البلاد. وفي حال عدم أتخاذ هذه الأجراءات ولم يلبي أي مرشح هذه الشروط, فيفضل الخزعلي إجراء الانتخابات جديدة. في المقابل, المالكي لا يؤيد هذا الخيار. من جانب أخر أيضًا [2] كتائب حزب الله, التي تملك أصبحت تملك ست مقاعد في البرلمان بعد انسحاب الصدر, قالت في بيان إنها لم تكن جزءًا من الحكومات السابقة وليست جزءًا من الوضع الحالي.
فيما يتعلق بالمحادثات حول ناتو الشرق الأوسط , من المتوقع أن يزور الرئيس بايدن منطقة الشرق الأوسط ويشارك في المحادثات الرباعية بين الولايات المتحدة والهند والإمارات وإسرائيل. قد يكون للهجوم على شركة إماراتية في إقليم كوردستان بُعد إقليمي تنافسي مكثف أيضا.
النهاية
تشكل الهجمات على كورمور نقطة تحول في هجمات الجماعات المسلحة على إقليم كوردستان. قد يكون الهدف الأساسي هو منع المزيد من التقارب بين الاتحاد الوطني الكوردستاني والحزب الديمقراطي الكوردستاني, خاصة فيما يتعلق بقضايا الطاقة, والتي تتمثل أيضًا في إجبار الشركات على التوقف عن العمل مع حكومة إقليم كوردستان. هناك نقاش إجماعي في الإطار التنسيقي حول اختيار رئيس الوزراء المقبل. قد يرغب مصطفى الكاظمي في البقاء. في هذا السياق, تنبعث من زيارة الكاظمي لطهران في الوقت الحالي, كما لو كان يريد أن يقول إنني أستطيع أن أمثل أطرح نفسي كمرشح لجميع الأطراف وأن أبقى في المنصب. ومع ذلك, سواء كان رئيس الوزراء العراقي القادم هو الكاظمي أو أي شخص آخر, فمن المهم أن تعتبر الهجمات الصاروخية والمسار التقني والإجراءات العسكرية لمنعها من القضايا المشتركة بين الاتحاد الوطني الكوردستاني والحزب الديمقراطي الكوردستاني في مفاوضاتهما لتشكيل الحكومة الجديدة.
المصادر:
[1] https://ahlualhaq.com/read/19290
[2] https://www.kataibhezbollah.me/news/3231