RRC | حسين عمر |
تظهر في الساحة السورية، خلال الأشهر والأيام القليلة المنصرمة، ثلاث بوادر، على الأقلّ، توحي بإرهاصات حلّ سياسي يعمل الطرفان الدوليان الرئيسيان المنخرطان في الأزمة السورية، أمريكا وروسيا، على إنضاجه. وتتجلّى هذه البوادر في تطورات ملفّ إدلب والاتفاق الروسي-التركي الأخير بشأنه (5 مارس/ أذار 2020)، وحملة الانتقادات العلنية من مؤسسات بحثية وإعلامية روسية مقرّبة من الكرملين ضدّ إدارة الرئيسي السوري بشار الأسد، وأخيراً، الجهود الأمريكية- الأوروبية في إعادة ترتيب الوطع السياسي والإداري والعسكري في مناطق الإدارة الذاتية عموماً وفي شقّها الكوردي خصوصاً.
ملفّ إدلب :
أظهرت معركة إدلب الأخيرة والتقدّم العسكري الذي حقّقته القوات السورية مع حلفائها في المحافظة المذكورة وفي الريفين الجنوبي والغربي لمدينة حلب، وما تلا ذلك من توقّفٍ للدعم العسكري الروسي (الجويّ والميداني)، والتوجّه الروسي إلى وقف القتال والتقدّم السوري وعقد اتّفاق مع تركيا (5 مارس/ أذار 2020)، أظهر كلّ هذا حجم الدور الأمريكي في ضبط مسار التطوّرات في تلك المنطقة، وكذلك التفاهم الأمريكي-الروسي بشأنها. التفاهم الذي يشكّل اللقاء الثلاثي الأمني الأمريكي-الروسي-الإسرائيلي قاعدته الأستراتيجية، أي القمة الأمنية الثلاثية ( القدس، 24-25 يونيو/حزيران 2019) التي جمعت مستشار الأمن القومي الإسرائيلي مائير بن شبات ومستشار الأمن القومي الأميركي ( آنذاك) جون بولتون ونظيره الروسي نيكولاي باتروشيف، والتي ناقشت المستقبل السياسي لسوريا خالية من القوات الأجنبية وفق قرار مجلس الأمن رقم 2254 بشأن سوريا من يوم 18 ديسمبر/كانون الأول 2015. وكانت الخارجية الروسية قد استبقت عقد القمّة بالتصريح أنّ هدفها التسوية في سوريا والشرق الأوسط. يبدو أنّ التفاهم الأمريكي- الروسي بشأن إدلب قائم على منع الحكومة السورية على تحقيق نصر حاسم على حلفاء تركيا في المنطقة وإخراج الوجود والنفوذ التركيين منها، وبالتالي تقديم ورقة قوّة لإيران في سوريا. وبدل ذلك، الضغط الأمريكي-الروسي المشترك على تركيا لتقوم هذه الأخيرة بإنهاء جبهة النصرة أو (تذويبها) للانتهاء من الإحراج الذي يسبّبه وجود هذا التنظيم المصنّف إرهابياً بموجب قرار صادر عن مجلس الأمن الدولي ( 31 مايو/أيار 2013)، ومن ثمّ الانتظار إلى حين تحقيق ما يمكن تسميته بمقايضة بين الوجودين التركي والإيراني، وإخراجهما بالتوازي من سوريا، في إطار تسوية سياسية تكون الكلمة العليا فيها للفاعلين الرئيسيين أمريكا وروسيا ومن خلفهما إسرائيل.
الحملة الروسية على الأسد:
تشنّ، خاصّة منذ توقيع الاتفاق الروسي-الأمريكي، مؤسسات بحثية وإعلامية ومراكز استطلاع رأي ووكالات خبرية روسية، حملة، تبدو منظّمة، على الرئيس السوري بشار الأسد شخصيّاً وطريقة إدارته لحكم البلاد. معظم هذه المؤسّسات مقرّبة من الكرملين، من بينها وكالة « الأنباء الفيدرالية » المملوكة للملياردير الروسي يفغيني بريغوجين المقرّب من الرئيس الروسي بوتين، والذي يُطلق عليه في أوساط المهتّمين بصناعة القرار الروسي لقب « طبّاخ الكرميلن » في إشارة إلى دوره الكبير في صنع القرار الروسي. وقد وصفت هذه الوكالة في تقريرٍ لها في أواسط أبريل/نيسان الحالي الأسد بالضعف وعدم القدرة على التحكّم في وضع البلاد. كما ظهرت استطلاعات رأي أجرتها مراكز روسية أنّ الأسد لن ينال ثقة غالبية السوريين إذا ما ترشّح للانتخابات الرئاسية المقبلة. هذه الحملة الروسية على الأسد شخصياً قد تتجاوز أبعاد الضغط عليه لإبداء مرونة أكثر في الاستجابة للطروحات الروسية والابتعاد عن إيران، لكي تهدف في العمق إلى إزاحة الأسد عن المرحلة الانتقالية التي تتوافق عليها أمريكا وروسيا في إطار الحلّ السياسي. وربّما يكون تكليف اللواء علي مملوك، رئيس مكتب الأمن الوطني، بمهام نائب الرئيس للشؤون الأمنية، بضغوطٍ روسية كما يُسرّب، خطوة في هذا الاتّجاه، ووضعه في واجهة المرحلة الانتقالية. والمملوك الذي سرت إشاعات قوية في عام 2015 حول محاولته القيام بانقلابٍ على الأسد، قاد اللقاءات الأمنية الأخيرة مع تركيا، كما قام بزيارت إلى كلّ من مصر علناً، والسعودية سرّاً، حسب بعض المعلومات المسرّبة، وقد يكون نقطة إلتقاء بين القوى الدولية الفاعلة في المسألة السورية.
جهود توحيد الصفّ الكوردي في سوريا:
تصاعدت في الآونة الأخيرة الجهود الأمريكية والأوروبية مع الأطراف السياسية الكوردية من اجل إنجاز مهمّة توحيد صفوفها. وخلال الأسبوع المنصرم، وسّع وليام روباك، المبعوث الأمريكي إلى شمال شرق سوريا من دائرة لقاءاته مع الأحزاب الكوردية، فاجتمع في غضون يومين مع اثنين وعشرين حزباً كوردياً، علاوة على اللقاءات المتواصلة مع حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكوردي، الذي نجح في عقد لقاءات مباشرة بينهما، كان من المتّفق عليه أن تبقى سرّيةـ إلى حين تحقيق اختراقٍ جدّي، الأمر الذي لم يتحقّق حتى الآن، لأن اللقاءات لم تتجاوز سقف إبداء الرغبة في التفاهم وبعض المواقف السياسية العامة التي لا تختلف عليها الأاطراف الكوردية كثيراً، في حين أنّ الملّفين الأصعبين، الإدارة والجانب العسكري، لم يٌناقشا، وهما الملفّان الأعقد نظراً للاختلاف حولهما بين الاتحاد الديمقراطي الذي يتمسّك بالإدارة القائمة ويدعو المجلس إلى الانضمام إليها، والمجلس الذي يدعو إلى تشكيل إدارة جديدة، في حين يبدو أنّ الملفّ العسكري لا يٌناقش مع روباك، بل مع دوائر أمريكية أخرى، ناهيكم عن أن حسّاسيته تتجاوز قدرة المجتمعين في أطراف قامشلو والحسكة على اتّخاذ القرار بشأنه.
وفي لقاءاته مع الأاحزاب الكوردية، أبلغ روباك المجتمعين به أنّ الحلّ السياسي في سوريا يقترب، ومن هنا أهمية توحيد الصف والموقف الكورديين ليتسنّى لحلفاء الكورد ضمّهم في جهة موحّدة وبموقفٍ ورؤية موحّدين في مساعي ومواضع الحلّ السياسي.
وفي خضمّ هذه المساعي الأمريكية الحثيثة التي تبذل فيها أمريكا ضغوغاً أشدّ على الأطراف الكوردية، تعود فرنسا مرّة أخرى، بعد مرور أكثر من عام على مبادرتها مع الأطراف الكوردية، إلى مساعيها للتقريب بين الاطراف الكوردية، حيث من المقرّر أن يجتمع وفدٌ فرنسي ( يوم الاثنين 4 مايو/أيار 2020) في غرب كوردستان مع الأطراف الكوردية.