تحليل

العراق بعد زيارة بايدن وصلاة الصدر

17-07-2022


المقدمة

صلاة الصدر وزيارة بايدن إلى الشرق الأوسط حدثان مهمان في الأيام الماضية واللتين من الممكن أن يرسما مسار تشكيل الحكومة العراقية المقبلة. حددت صلاة الصدر الخطوات المستقبلية لتشكيل الحكومة وأثرت على العاملية السياسية بالكامل. بينما ستؤثر زيارة بايدن ونتائج هذه الزيارة على موقف إيران في العراق والمنطقة وذلك باعتبارها أقرب طرف أجنبي للإطار التنسيقي الذي يطمح الآن تشكيل الحكومة.

زيارة بایدن وتشكيل الحكومة العراقية

تبدو زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط بمثابة نقطة تحول. منذ حوالي شهر حاولت تسليط الضوء على تأثيرهذه الزيارة على العراق وكوردستان. [1] يبدو أن إدارة بايدن تريد إنشاء توازن في الشرق الأوسط  وإيران تنتظر لترى نتجية هذه المحاولة عمليًا. في الحقيقة كانت إيران لديها آمال كبيرة في عودة بايدن إلى الاتفاق النووي لكن عندما وصل إلى السلطة فاجأهم الرئيس الأمريكي. يتصرف بايدن على غرار ترامب على الرغم من أستمرار رغبته لإحياء الاتفاق النووي. كانت زيارته إلى المنطقة تهدف بشكل أساسي إلى خلق توازن بين القوى الإقليمية  التي تأثرت بسبب البرنامج النووي الإيراني وقدراتها الصاروخية والمسيرات والقوات الموالية لها. سيتعين علينا أن ننتظر ونرى ما هي التحركات المستقبلية لروسيا والصين والمواقف المستقبلية ولإيران أيضاً كجانب آخر من هذه المعادلة. لنرى ما إذا كان سيتم تحقيق هذا التوازن أم لا. لكن قد يكون من الواضح ما إذا كانت إيران تريد توتر الوضع في المنطقة أو الرضوخ أخيرًا للتوازن الجديد الذي تطمح الولايات المتحدة خلقه وذلك للحفاظ على سياستها في العراق في الوضع الراهن. بمعنى أنه قد لا تريد تعقيد الوضع أكثر مما هو عليه. لكن ماهو السبب؟

مع احتمال تصاعد التوترات في سوريا ولبنان قد لا يكون خيارًا مناسبًا للإيرانيين لجعل الوضع في العراق أكثر تعقيدًا مما هو عليه. في سوريا تواصل إسرائيل الهجوم وقد لا تتردد تركيا في شن عملية أخرى ضد الإدارة الغربية ومن الممكن أن تمنع إيران من ملئ فراغات الروس بعد أنسحابهم من بعض المناطق في سوريا. وبالنظر إلى التوترات الحالية في لبنان فإن المزيد من التوترات في العراق لن يصب في مصلحة طهران أبداً. إضافة إلى ذلك ظهر توجه قوي في العراق ضد الهيمنة الإيرانية ولا يمكن لطهران أن تغض الطرف عن هذا التوجه. لقد عيّنت إيران مؤخرًا سفيرًا جديدًا في العراق وهو عراقي المولد من محافظة النجف [2] ، وهذه عملية سياسية وإدارية مرتبطة بإيران نفسها وذلك لتهدئة حركة الشارع الشيعي التي يعتقد بأن إيران تتدخل في شؤونها الداخلية. التيارالاحتجاجي والصدريون لا يريدون الهيمنة الإيرانية على العراق ومن المرجح أن تكون المرجعية الشيعية العليا قد تحركت في هذا الاتجاه أيضاً. لذلك, إذا أراد الإطار تشكيل حكومة من اختيارهم دون رأي الصدر والأحزاب الأخرى, فقد يعاد سيناريو 2018, حيثما اندلعت المظاهرات والاحتجاجات بعد فترة وجيزة من تشكيل حكومة عادل عبد المهدي.

صلاة الصدر وتشكيل الحكومة

في الواقع منذ اليوم السابق للصلاة عندما نُشرت تغريدة زعيم التيار الصدري كانت هناك مؤشرات على أن لا ينوي اللجوء إلى المظاهرات بعد. [3] الحقيقة هي أن الوضع الحالي للصدر أشبه بالحصول على ال “دوو شش” في لعبة الطاولة, فهو خارج وداخل الحكومة في الوقت ذاته. ربما كان هذا هو السبب الرئيسي لتأخر الإطار في تشكيل الحكومة بدون الصدر, على الرغم من حقيقة أن مقتدى الصدر قد أمهلهم في السابق 40 يومًا لتشكيل الحكومة وفشلوا. في صلاة الجمعة أعطى الصدر الإطار فرصة ثانية لتشكيل حكومة. وأظهر الصدر قدرته على جذب الناس إلى الشارع لكنه في الوقت ذاته أعطى الإطار التنسيقي فرصة ثانية لتشكيل حكومة ووضع خطاً أحمر على المالكي وغيره من المرشحين المفترضين لرئاسة الوزراء ووضع بعض الشروط الأخرى أيضاً.

من سيكون رئيس الوزراء القادم؟

في ظروف مشابهة لعام 2010, يعد المالكي لاعبًا رئيسيًا في سباق تشكيل الحكومة الذي استمر أكثر من تسعة أشهر وفي وضع مشابه لعام 2018, فإن الكرة الآن في ملعب المجموعات القريبة من إيران. ومن معوقات تشكيل الحكومة بعد انسحاب الصدر من البرلمان الخلافات الداخلية في الإطار التنسيقي, قد تكون هذه علامة على أن إيران أقل رغبة من قبل للتدخل من عملية تشكيل الحكومة. لذلك إن لم تحدث أي تغيرات فإن التوازنات الداخلية للعراق والإطار قد يحددان رئيس الوزراء المقبل. قد يعني تعيين شخص من كبار قادة الإطار (مثل المالكي أو العامري) تحدي الصدر. المالكي تحدٍ مباشر والعامري تحدٍ غير مباشر لأن ذلك يعني أن حكومته ستكون قوية مع مجموعة قوية مثل الصدر خارج البرلمان  وذلك قد يعني المزيد التوترات التي من غير المرجح أن يرغب بها الإطار وإيران في المدى القصير على الأقل. هذا بالإضافة إلى حقيقة أنه إذا أصبح المالكي أو هادي العامري رئيسًا للوزراء ، فقد يؤثر ذلك على التوازن الداخلي للإطار. لذلك انسحب العامري ويبدو أن طرح اسم المالكي هو تكتيكي بعض الشئ, وإلا مع الفيتو غير المباشر للمرجعية ووجود الصدر والشيعية في شوارع الاحتجاج والتسجيلات الصوتية الأخيرة  تضاءلت فرص حصوله على المنصب. إذا حدث شيء كهذا فسيكون هنالك تحدياً كبيراً وسيجب على العراق أن يستعد لمرحلة جديدة.

خيار آخر هو رئيس الوزراء الحالي مصطفى كاظمي, الذي زادت فرصه بعد صلاة الصدر ووصول بايدن وتسجيلات المالكي. خلال فترة ولاية الكاظمي تم حل مشكلة ديون إيران مع العراق, لعب العراق دور الوساطة الإيرانية السعودية وكانت أجندتها مقبولة للأطراف الخارجية. كما قام الكاظمي بمناورة ذكية عندما زار طهران مؤخرًا قبل ذهابه إلى جدة ، ذهب إلى الإطار التنسيقي أيضا وهذا ما لم يفعله مع الأطراف الأخرى وبهذا يريد الكاظمي أن يخبرهم أنه يستطيع الحفاظ على التوازن. يمكن تفسير لقائه مع بايدن ومحمد بن سلمان كرئيس وزراء حكومة تصريف أعمال على أنها دعم أمريكي وسعودي لأبقائه في منصبه. ومن المرجح أن يكون بقاء كاظمي حتى انتخابات أخرى أحدى خيارات الصدر المفضلة. على الرغم من محاولات الكاظمي لكسب دعم القوى الخارجية والإطار الا أن الأطار غير راضً بهذا الخيار حتى. في الوقت ذاته فإن احتمال اتفاق الأطراف أخيرًا على اسم سياسي من الدرجة الثانية في الإطار التنسيقي ليس مستبعدًا.

الكورد ورئاسة الجمهورية

هنالك رأيان من الإطار التنسيقي حول رئاسة الجمهورية, أحدهما يدعو الكورد للتوافق والآخر مرارًا ويكرر أنهم سيصوتون لمرشح الاتحاد الوطني الكوردستاني. الحقيقة أن انسحاب الصدر غير الوضع بالنسبة للإطار. يبدو أنهم يريدون التدخل بشكل أقل في عملية أختيار رئيس الجمهورية هذه المرة لأنهم في المرحلة المقبلة بحاجة إلى الاتحاد الوطني الكوردستاني بقدر حاجتهم إلى حزب الديمقراطي الكوردستاني . وبالتالي ، فإن الخيار الأنسب لهم هو اتفاق بين الاتحاد الوطني الكوردستاني والحزب الديمقراطي الكوردستاني. وفي حال عدم إتفاق الحزبين فأن حظوظ  الدكتور برهم صالح هي الأكثر لنيل المنصب. لأن عودته من بغداد إلى السليمانية يمكن أن تؤثر على التوازن الداخلي للحزب ، وقد لا ترغب بعض الأطراف الداخلية والخارجية في القيام بشيء يجعل القادة الحاليون في الاتحاد الوطني الكوردستاني يواجهوا المزيد من المشاكل. على الأرجح سيحاول الطرفان الوصول إلى حل وسط حتى اللحظة الأخيرة, ولكن إذا لم يحدث ذلك ، فقد يتم التصويت لصالح مرشح الاتحاد الوطني الكوردستاني ولكن في المقابل سيُمنح حزب الديمقراطي الكوردستاني امتيازات تجعله مرضياً وسيوفر هذا فوزاً للجانبين الكورديين في الوقت ذاته.

النهاية

كان خطاب الصدر الذي ألقاه في صلاة الجمعة بمثابة فرصة ثانية للإطار لتشكيل الحكومة. مع زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط سيصبح الوضع في العراق أكثر أهمية بالنسبة لإيران, لذلك من المرجح أن تسعى طهران إلى تحقيق توازن في العراق باعتبارها دخيلة قريبة من المجموعة التي تهيمن الآن على عملية تشكيل الحكومة. بحيث يكون هنالك حكومة إطارية ولكن بشراكة غير مباشرة مع الصدر (إبقاء  مناصب الصدرين في الحكومة) أو على الأقل بموافقة نسبية من الصدر والحزب الديمقراطي الكوردستاني والسنة. على غرار ميزان القوى الذي يريد بايدن خلقه في الشرق الأوسط, قد يتحرك الوضع في العراق نحو توازن ولو مؤقتًا إذا بقي الوضع على ما هو عليه.

المصادر:

[1] – https://rudawrc.net/ar/2022/06/23/%d8%b3%d9%85%d8%a7%d8%b9-%d8%af%d9%88%d9%8a-%d9%84%d9%86%d9%82%d8%b7%d8%a9-%d8%aa%d8%ad%d9%88%d9%84/

[2] – https://www.irna.ir/news/84748271/%D8%B3%D9%81%DB%8C%D8%B1-%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%81%DB%8C-%D8%B4%D8%AF%D9%87-%D8%AC%D8%AF%DB%8C%D8%AF-%D8%A7%DB%8C%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%AF-%D8%A8%D8%BA%D8%AF%D8%A7%D8%AF-%D8%B4%D8%AF

[3] – https://fb.watch/ejBaLsvq__/

Share this Post

تحليل