بعد إصدار الأجزاء الثلاثة الأولى من التسجيلات الصوتية المسربة لنوري المالكي كان الجميع ينتظر رد فعل الصدر لكنه وجه أنصاره إلى الأهتمام بتنظيم صلاة الجمعة وعدم الأهتمام لأمر التسريبات لأنه حسب قوله “لا يقدرون له وزناً”. لكن بعد أيام قليلة تذكر الصدر فجأة أن من الممكن أن يحاصر المالكي بهذه التسجيلات. لذلك وفقًا لتقليده أعلن عن خطة لمحاربة المالكي من خلال تغريدة على تويتر. رسالة الصدر وجهت الى حزب الدعوة والاحزاب الشيعية والتي كان لدى للمالكي عليهم شكاوي وشتائم على شكل نصائح وتهديدات خطيرة. رتبت النقاط بترتيب وبذكاء في وقت يتنافس فيه المالكي على منصب رئاسة الوزراء.
بعض الأسرار الخطيرة
التسجيلات الأولية احتوت فقط على اعتداءات شخصية على الصدر وفتح بعض ملفات الماضي (عام 2008) وذكر بعض الأسماء بسيرة سيئة لكن التسجيلات الرابعة والخامسة كشفت النقاب عن بعض الأسرار الخطيرة التي لا تفاجئ الصدر فحسب بل الطائفة الشيعية برمتها وأحزاب عراقية أخرى أيضاً. ولم يخفي المالكي نيته الى تشكيل قوات خاصة من قبيلته لمهاجمة مقتدى الصدر في النجف. في الأجتماع مع قادة عدة جماعات مسلحة من “أئمة البقيع وأمة المختار” يتم الحديث عن إعادة الكرامة للطائفة الشيعية. كما يُذكر أن عودة المالكي تتطلب إراقة الدماء ويذكرون مرجعاً مجهولًا يُدعى ميرزا ويقولون أن لديه فتوى جاهزة لمساعدتهم في تشريع هذه الأمر. ورغم أن المالكي لا يتكلم كثيرا في هذه الأمر ضمن التسجيلات إلا أنه لا ينفيها وفي نهاية حديثهم يدعي لهم بالخير.
محاولات التهدئة
لا تزال بعض التسجيلات الصوتية قيد الإصدار ويقال إن مقاطع الفيديو الأخرى ستصدر في الأيام القادمة لكن الأقسام الخمسة القصيرة المتاحة هزت جميع القواعد العامة في البيت الشيعي وخلقت موقفًا يمكن للجميع فيه لعب دور المهدئين وهو ما يجب عليهم فعله دون الخوض في مضمون الاتهامات. هنالك عدة أطراف غير النجف تلعب دور الوساطة. على سبيل المثال بعض اللبنانيين المؤثرين وبعض شيوخ العشائر. كانت خطة المالكي لمواجهة التسجيلات هي الإنكار والادعاء بأنها مزورة ولكن بعد سلسلة من المنشورات والأدلة من قبل الصدر, أنهي هذا الدفاع الضعيف. في الوقت الراهن لا يواجه المالكي الصدر فحسب وأنما هو في مواجهة مع عدة جبهات بما في ذلك بدر الذي اتهمه بالفساد و الحشد الذي قال إنه “جبان ولا يعتمد عليه” ، أو أتهام بعض قيادات الحشد بأنشغالهم بالمزارع والمنازل والسيارات ووصف البارزاني والسنة بال”المتآمرين والمعادين للشيعة”. الأشخاص الوحيدون الذين شملتهم الرحمة في التسجيلات كانوا كل من أمين عام العصائب قيس الخزعلي وأبو آلاء الولائي الذي يصفهم بأنهم”رجال طيبون” لأنهم “مواجهين للصدر”. قال المالكي عليهم أيضا أنهم يتلقون أوامر مباشرة من الحرس الثوري الإيراني.
مرحلة ما بعد التسرب من السجلات
في المدى القريب قد تجعل هذ التسجيلات فرص المالكي في أن يصبح رئيساً للوزراء أقرب للصفر لأن كلامه يبدو أشبه بمعتدي في قلبه غصة ويسعى لتدمير الدولة من خلال تكوين مجموعات دموية وخطيرة. علاوة على ذلك, من المرجح أن تضع موقفه السياسي والفكري في المجهول خاصة بعد أن دعاه الصدر إلى تسليم نفس للمحكمة أو أعتزال العمل السياسي والتوبة . قبل إصدار التسجيلات الصوتية لم يكن الوضع الداخلي للإطار التنسيقي جيدًا وذلك لأن بعد خروج الصدر من البرلمان لم يعد لديهم الحافز للاتفاق على رئيس الوزراء ومكان حكيم الزملي وبدأ النزاع فيما بينهم.عندما جاءت التسجيلات كانت هناك صدمة كبيرة بحيث تركزت كل الآمال على منع الاشتباكات الشيعية الشيعية خاصة وأن جماهير مقتدى الصدر عقائدية ودافئة القلب وحزينة بالأساس على سحب قائمتهم من البرلمان.
عواقب التسجيلات
ولعل العنوان الرئيسي لمرحلة ما بعد التسريب بغض النظر عن تعميق الخلاف والعداء بين الصدر والمالكي هو الغموض وعدم الثقة والتردد في فعل كل شيء, سواء بين جبهة المالكي والمكونات أو بين الأحزاب الشيعية الرئيسية التي تم الفضح عن تعاملاتهم السرية على المناصب. أولئك الذين يطالبون بالهدوء وضبط النفس ليس لديهم خيار سوى إخماد الحقد في وقت يغلي به الصدرين. حزب الدعوة هو أيضاً الذي يتعبر المعقل السياسي للمالكي امتنع عن تحمل أي مسؤولية وقدم تبريرات مختلفة وذلك لإقناع الصدريين. بالمقابل لا خيار أمام الصدر سوى المواجهة لذا فهو الآن يحاول أن يأخذ الموقف تجاه الحصار السياسي والقبلي للمالكي وفي حال لم ينل الصدر ما يطمح اليه فكل المسارات ستؤدي إلى التوترات والصراع ولكن ليس بالضرورة أن تكون صراعات شمولية وطويلة الأمد ولكن من الممكن أن تكون طبيعة ردود الافعال انتقامية بشكل محدود.
بعض الحقائق الأخرى
على المستوى العام ، كشفت التسجيلات عن الفوضى في الهيكلة الأمنية والمؤسسات العراقية وأظهرت أنه داخل الدولة العميقة للحشد والجماعات المسلحة توجد دول عميقة أخرى ولديهم مفتي جاهز لأصدار الفتوى لإراقة الدماء. كما وصلت أقطاب الشيعة المتصارعة إلى مرحلة رهيبة من التطهير, الأمر الذي يدعو إلى التشكيك في كل المزاعم حول وطنية الحشد. كما كشفت حقيقة مُرة وهي أن ميزان القوى يقوم على المال والسلاح والفتاوى وليس على الدستور والقانون والتسوية والتوازن. والان لحل التوتر تحاول جميع الشخصيات الدينية والعشائرية والأجنبية منع حرب دموية شيعية ما بعد انتهاء الحرب الطائفية لخصومهم (السنة) وبعد محاربة الإرهاب (القاعدة وداعش) .
تفاقم الأزمة الحكومية
وبعد التسجيلات ، أصبح حلفاء المالكي بالإطار التنسيقي في وضع لا يحسد عليه والآن هم أما خيارين أما أدانة حامي تحالفهم ومعلمهم السياسي أو التزام الصمت حيال طلب الصدر والاستمرار في دعم المالكي حتى النهاية وهذا ما ينتج منه المزيد من الانقسامات داخل البيت الشيعي. في ظل الأزمة قد يكون تشكيل الحكومة الجديدة والموازنة في زمن وجود تضخم عالمي غير مسبوق مستبعداً وبالتالي سيكون هنالك تعتيم للصورة المستقبلية للعراق والتي لن تنهار بالكامل ولن تنمو وتتقدم للأمام في الوقت ذاته وكأنه مقدر للعراق أن يكون في قبضة الفشل والتعاسة إلى الأبد.