المقدمة
في الفترة الماضية، كانت هنالك مبادرتان خارجية وداخلية لفك عُقد الانتخابات. إحداهما من نيجيرفان بارزاني والأخرى من جينين بلاسخارت، وهنالك احتمال كبير انت تنتهي بتوافق الأطراف على موعد جديد للانتخابات. لكن الأهم هنا، والذي يتعدى موضوع الانتخابات وحده، هو وجود محاولة للتوافق بين الأطراف في ظل انشقاقات على عدة مستويات تعمقت في كوردستان ما بعد داعش.
الانتخابات، توحيد البيشمركة والاستقرار
لا شك، أن المجتمع الدولي والأمم المتحدة يفضلان استمرار دوران عجلة الانتخابات في العراق وإقليم كوردستان، رغم كل النواقص، على عدمها. ومثل محاولات إجراء الانتخابات المبكرة. من الممكن أن تعمل بلاسخارت، التي توصف بأنها أنشط ممثلة للأمم المتحدة في العراق، بمساعدة رئيس إقليم كوردستان على الحفاظ على نسق العملية السياسية في إقليم كوردستان والإبقاء على دوران عجلة الانتخابات بأي شكل من الأشكال.
هذه محاولة لحفظ استقرار إقليم كوردستان في المدى القصير، لأن الأزمات الداخلية والخارجة المتراكمة جعلت الانتخابات ضرورية لتجديد ثقة الأطراف السياسية وتأمين شرعية نسبية. تشير الإحصائيات الرسمية للفترة الممتدة من العام 1992 إلى الآن، إلى أن نسبة عدم المشاركة في الانتخابات ارتفعت من 12.6% الى 41%، وتشير الأحصائيات غير الرسمية الى نسب أعلى. على أية حال، لا يمكن نكران عدم رضا الناخب وإن تعطلت الانتخابات في مثل هذا الوضع فمن الممكن أن يزيد ذلك عدم الاستقرار. مثل ما انتجت المشاركة القليلة في انتخابات 2018 سلسلة من الأحداث التي جعلت استقرار العراق في خطر. إضافة إلى أن الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15-39 عاماً في إقليم كوردستان، والذين يبلغ عددهم أكثر من مليونين ونصف المليون، يطالبون، ومن الطبيعي أن يفعلوا ذلك، بإعادة توزيع فرص العمل، الثروة والمشاركة السياسية وإلخ. لذلك إن توقفت عجلة الانتخابات ولم يتم تشجيع الناخبين المقاطعين للمشاركة السياسية، قد تمضي الاحتجاجات واليأس في اتجاهات مختلفة وبالنتيجة ستخلق عقبات كبيرة أمام استقرار إقليم كوردستان.
يمكننا بالتأكيد أن نضع عدداً من الأسباب، مثل الهجمات المتواصلة للجماعات المسلحة، أعمال داعش والخلافات بين أربيل وبغداد، إلى جانب التدخل العسكري التركي والإيراني بذرائع مختلفة بين الأسباب التي تشكل تهديداً لاستقرار كوردستان، ومع وجود مشاكل انتخابية ومشاكل ثقة بين الأطراف وأخرى تمس الشرعية، سيصبح التهديد أكثر فعالية. من هنا يكون للمساعي الداخلية، التي بادر إليها رئيس إقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني، والمساعي الخارجية التي تبادر بها مبعوثة الأمم المتحدة إلى العراق جنين بلاسخارت، الكثير من المعاني لقضية الاستقرار في إقليم كوردستان.
وكما أن القوانين وقواعد اللعبة السياسية مثل الانتخابات ركيزة لبقاء أي حكومة، هي فإن أي حكومة تحتاج بنفس القدر إلى “غالبية شرعية” لتكون قادرة على تطبيق القانون وتنفيذ قراراتها. لذلك، ومتى وحيثما فقدت الحكومة السيطرة على القوات العسكرية والمسلحة ستحل الفوضى محل التنظيم، وستنشأ فجوة أمنية ولن يكون البلد مستقراً. إن الوضع الحالي للكورد والفلسطينيين هو أفضل مثال على تشتت بلد ما مع تعدد القوى والافتقار إلى وحدة في الجناح العسكري. من هنا، إذا نجحت تصريحات رئيس إقليم كوردستان حول الحاجة إلى سحب يد الأحزاب من شؤون البيشمركة كأحد الأسباب الرئيسة للاستقرار، فإن إقليم كوردستان سيحقق قفزة ويعيد تأسيس نفسه عملياً. بالطبع هذه محاولة طويلة الأمد على طريق اللاستقرار.
توافق أم انشقاق أكبر
يتعرض إقليم كوردستان لضغط أكبرمن السابق. وهو يواجه مفترق طرق، فإما أن يتوافق داخلياً، أو يواجه انشقاقاً أكبر. وقبل كل شيء يوجد انشقاق داخل المجتمع. في إقليم كوردستان نشأ جيل جديد يمثل داينمو التغيير ولم تعد القوى السياسية قادرة على غض النظر عن هذا بعد الآن. وليس مستبعداً أن يغير هذا الجيل الجديد شكل العملية السياسية في كوردستان في الدورتين القادمتين.
يرتبط الانشقاق السياسي في كوردستان جزئيا بوصول الجيل الثاني من القادة الذين يحاولكل منهم تثبيت مكانته. إذا لم يسلك التنافس بين القادة الكورد الجديدين منحى جديداً وتمسك بسيناريوهات السنوات الأولى للحركةات الكوردستانية، سيكون هناك المزيد من الانشقاقات في الأفق، ويدعم الكثير من الجيران بحرارة تعميق المنافسات الداخلية بين القادة الكورد، هذه الخلافات التي ليست سياسية فحسب، وبسبب عدم توحيد القوات العسكرية ستوفر دائماً الأجواء للمزيد من التعقيدات والمشاكل.
هناك أيضاً انشقاق في علاقات الكورد مع محيطهم. وبات تأثير مرحلة ما بعد داعش على السياسة الكوردية يزداد وضوحاً، أكثر من ذي قبل. انتهت حرب استعادة الأرض من داعش، ولم تعد أهمية كورد إقليم كوردستان وغرب كوردستان كقوة مشاة في الحرب ضد الإرهاب للعالم، كما كانت خلال احتدام الحرب ضد داعش، وهذا ما يجبر الكورد على إعادة النظر في علاقاتهم الخارجية، ولكنهم قبل ذلك يحتاجون إلى التوافق الداخلي.