بعد الإعلان عن نتائج إنتخابات مجالس محافظات العراق، حسم امر إضراب الصدر وإنسحاب تياره نهائيا عن العملية السياسية. هذه القوة السياسية التي منذ عام 2003 استطاعت كسب اكثر من ربع الجمهور الشيعي في الإنتخابات العراقية، بعد إنسحاب التيار من البرلمان العراقي في عام 2022، لا يوجد له اي ممثل في المجالس المحلية ايضا. علما انه كان قد فاز ب900 آلاف صوت من مجموع مليونين و 500 الف صوت شيعي. وشكل ذلك 9% من إجمالي اصوات 10 ملايين ناخب في عموم ارجاء العراق.
بعد إنتخابات ال18 من كانون الاول عام 2023 و الخامس من كانون الثاني 2024، دعا الصدر إلى صلاة جمعة جماعية في 13 محافظة وقضاء سامراء، كانت حجة تلك الدعوة من الصدر لجماهيره هي الذكرى السنوية لولادة فاطمة الزهراء وإحياء ذكرى مراسيم صلاة الجمعة من قبل والده في التسعينييات، لكن يمكن إعتبار ذلك النشاط كأول عرض جماهير من قبل الصدر امام الإطار التنسيقي الشيعي للإنتخابات المقبلة. مثل الذي حدث حين إستغلال حرب غزة بالنزول الى الشارع وإظهار الطاعة لقائدهم من خلال السير نحو حدود الاردن.
احدى التساؤلات الرئيسية بعد إنتخابات مجالس المحافظات، مرتبطة بكيفية تعامل الصدر مع هيمنة منافسيه الشيعة. اطراف الإطار التنسيقي الشيعي الآن بعد الحكومة والبرلمان يشكلون اكثر من النصف ايضا في مجالس المحافظات. وبعض تلك المحافظات مثل النجف وميسان، هم تحت سيطرة محافظين صدريين لحد الآن. احدى التسريبات السياسية تشير الى ان محمد شياع السوداني هو من طلب ان يعطى منصب المحافظ مجددا للصدريين في بعض المحافظات للحفاظ على امن وإستقرار المحافظات الشيعية . القوى الشيعية داخل الاطار خضعوا لذلك الطلب ما عدا المالكي والخزعلي والذين هم منافسين شرسين للصدر، لكن تشير بعض المعلومات الاخرى الى ان الصدريين لم يوافقوا على ذلك وانهم لن يقبلوا ان يخضعوا لهم بحجة استلامهم لمحافظاتهم مجددا وانهم هم من خرجوا من العملية السياسية بإرادتهم من الباب فلن يدخلوها مجددا من الشباك، لذلك هم لا يمانعون ان تستلم القوى الشيعية المحافظات الصدرية ايضا مثل مقاعدهم البرلمانية.
من المستحيل تأكيد تلك المعلومات لان الصدر قد اغلق كل ابواب التواصل مع الخارج وهو في مرحلة الإضراب عن العملية السياسية، هو ودائرته المغلقة لا يجتمعون بأي سياسي، لكن ما هو مؤكد الآن، هو إبقاء الصدر منافسيه السياسيين في حيرة من امرهم وانهم لا يعلمون ما هي خطة الصدر الآتية. وهذه هي احدى المشكلات المستمرة للإطار التنسيقي الشيعي. ظهرت إنتخابات مجالس المحافظات في نهاية 2023 ان الصدر تحول من شريك للقوى الشيعية الى "عدو نوعي"، بمعنى انه ليس مستعدا ان يتصرف حسب الاسس العرفية الشائعة منذ عام 2005 وان ينفاسهم وان يغني العملية السياسية اكثر معهم، وهذا محل إنزعاج وقلق ويترك الباب مفتوحا لإحتمالية اللجوء الى وسائل اخرى، مثل المظاهرات او الإضراب او التشنجات، بالاخص في البصرة والمحافظات الشيعية، تحدث تشنجات ومواجهات بين الصدريين والاطراف الشيعية الاخرى.
خارج إحتمالية المظاهرات والتشنجات، احدى الإحتماليات هي رجوع الصدر بقوة في إنتخابات 2025، وبحسب هذه الإحتمالية هناك فرصة لهم كقوة معارضة ان يخلقوا إعصارا ويحركوا اكبر عدد من المصوتين نحو صناديق الإقتراع وان ترتفع مكانتهم اكثر وان يتفوقوا على منافسيهم بشكل اكبر. ذلك بسبب انهم الآن ليسوا جزءا في الحقيقة من النظام الذي يتعرض الآن الى الإضراب والإعتراض الصمتي الجماهيري والذي اثر على نسبة المشاركة في الإنتخابات الى 26%.
بين الإحتماليتين اللجوء الى التشنجات والتظاهرات، او العودة إلى المنافسة السياسية في 2005، لم يتوقف الصدر عن إعادة ترتيب اعماله الداخلية ولم يتوقف تياره ومستمر في العمل. في هذا الوسط تنظيم "البنيان المرصوص" الذي هو مشروع سياسي وخدمي للصدر وتياره مستمر في جمع اعضاء جدد. في اجدد التوقعات جعل ملأ الإستمارة الكترونيا ومن خلال كود بايومتري. وهذا دليل على ان الصدريين بالتزامن من الإضراب هم ايضا مشغولون بإعادة ترتيب شؤونهم الداخلية. والاهم من ذلك هو انه خلال المدة التي كان فيها بعيدا عن الجدل السياسي، الصدر مستمر بإعطاء النصائح الدينية وتوجيه جمهوره مذهبيا.
وهذا يملأ فجوة كبيرة بالنسبة للصدريين، الذين تُركوا من دون مرجعية تقليدية منذ زمن آية الله الحائري. اذا نجح الصدر من خلال إضرابه السياسي ان يرفع مكانته الدينية والعقائدية او ان يعالج فراغ الشرعية المذهبية لتياره فسوف يكون بمثابة فوز كبير له، لأن ثروة الصدر الحقيقية هي مكانته الدينية والمذهبية ومكاسبه السياسية هي ايضا نتيجة لتلك المكانة. اذا ضمن الاولى سيضمن الثانية بالتأكيد، لأن جمهور الصدر لديه طاعة كاملة له، فالصدر يمكنه ان يكون صاحب تيار قوي في الوقت الذي يحدده هو، لهذا السبب يمكنه ان يضمن بكل سهولة مكانته السياسية مع وزنه وتأثيره المذهبي.